كورونا تؤجل الضم

يعقوب بن افرات
shwartzm@netvision.net.il

2020 / 7 / 3

وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بضم غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل، في 1 يوليو/تموز، كجزء من "صفقة القرن"، التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ولم يكتف نتنياهو بإطلاق الوعود الشفهية، بل حرص على توثيق خطته (الضم) ودوّنها في نص وثيقة "الائتلاف الحكومي"، المبرمة بينه وبين رئيس حزب أزرق أبيض (كاحول لافان)، والتي نصت على: أنه في الأول من يوليو/ تموز سيتم تطبيق السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق بعد قرار حكومي يصادق عليه الكنيست. ولكن الموعد المقرر مرّ من دون أن يحدث شيء من هذا القبيل.
ولم تسفر زيارة الوفد الأمريكي برئاسة آفي بركوفيتش، التي استمرت لثلاثة أيام لمناقشة خطة الضم مع القيادات الإسرائيلية، عن نتائج تفضي إلى اتخاذ قرار الضم بموعده، وغادر الوفد إسرائيل من دون أن يصرح بأي موقف.
كما عارضت المملكة المتحدة الخطة الإسرائيلية بضم أراض واسعة من الضفة الغربية عبر مقال لرئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، نشره في الصفحة الأولى بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يدعو من خلاله الحكومة الإسرائيلية إلى الامتناع عن الضم، في خطوة مشابهة لما قام به السفير الاماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، الذي كتب مقالاً في ذات الصحيفة يحذر فيه إسرائيل من "الضم".
ولا يقتصر الرفض الذي تواجهه خطة "الضم" على المواقف الدولية والإدانات الخارجية، بل هناك معارضة شديدة من داخل إسرائيل للخطة. وتعتبر المؤسسة الأمنية والجيش من أوائل المعارضين للخطة، لأن لها عواقب وإمكانية أن تقود إلى انهيار السلطة الفلسطينية. كما سلك شركاء نتانياهو في الحكومة، بيني غانتس وغابي اشكنازي، وهما من رؤساء الأركان السابقين يشغل الأول حقيبة الدفاع ورئيس الحكومة بالإنابة بينما يشغل اشكنازي منصب وزير الخارجية، طريق الجيش بالاعتراض على الخطة، وأعلنا بأنهما يريدان أن يتم الضم بالتنسيق مع "الجيران"، ويقصدان بذلك الأردن ومصر ودول الخليج وتكون في إطار "صفقة القرن".
كما أن الأمريكيين الذين تحمسوا لمنح إسرائيل كل مطامعها الإقليمية عادوا أدراجهم واشترطوا أن يتم الضم ضمن اجماع إسرائيلي داخلي، وضرورة موافقة شريك نتنياهو في الائتلاف الحكومي بيني غانتس. وترى واشنطن في حال لم يحصل هذا التوافق بين الطرفين فلا مجال لتنفيذ "صفقة القرن" من جانب واحد.
ولم يقتصر الانقسام والخلاف حيال خطة "الضم" على شركاء نتنياهو من اليسار، بل هناك معارضة أيضاً من قبل بعض قادة المستوطنين، وعلى رأسهم دافيد الحياني، رئيس مجلس المستوطنات، يعارض الضم لأنه جزء من إطار "صفقة القرن"، التي تمنح للفلسطينيين "دولة"، الأمر الذي يعتبره المستوطنون "كفر".
ان الخريطة التي وضعها مستشار ترامب وصهره جارد كوشنير للدولة الفلسطينية تشبه ما سماها أبو مازن بـ "جبنة سويسرية"، لأنها تفتت أراضي الضفة وتقطع أوصالها، وتنص على إبقاء المستوطنات كجزر داخل مناطق تحت سيطرة فلسطينية. إذاً، تعددت الاعتراضات التي تواجهها خطة "الضم" وجاءت من أكثر من اتجاه، من الفلسطينيين والمستوطنين والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية و"الجيران العرب" وحزب كاحول لافان، وأخيراً وليس آخراً جارد كوشنير نفسه.
كوشنير هو من خطط "الضم"، ضمن صفقة شاملة يشتري من خلالها ذمم الفلسطينيين بمبلغ 50 مليار دولار تدفعها دول الخليج، من دون أن تكلف الصفقة أمريكا أو إسرائيل دولار واحد. بالتالي ترامب سينال على جائزة نوبل للسلام، ونتنياهو سيحقق أهم وعوده السياسية، أما أبو مازن فسينعم بمليارات الدولارات ودول الخليج ستطبع مع إسرائيل من دون خجل أو لوم.
كورونا يقلب الطاولة
رغم ما سبق ذكره، إلا أن من قلَب الطاولة، هو من دون شك فيروس "كورونا" العنيف، الذي أحبط كل الخطط وفي مقدمتها سعي ترامب للفوز بولاية ثانية خلال الانتخابات المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. وفشل ترامب في إدارة أزمة كورونا، أدى إلى حدوث أكبر كارثة اجتماعية وصحية واقتصادية لم تعرفها الولايات المتحدة منذ زمن بعيد.
وبالنسبة لإسرائيل، فقد عاد الفيروس ورفع رأسه من جديد حيث ارتفعت عدد الإصابات إلى أكثر من 800 مصاب يومياً، الأمر الذي أربك الحكومة، التي احتفلت قبل شهر فقط بانتصارها على الفيروس، حيث انهت الحجر الصحي وفتحت الاقتصاد وأبواب المدارس على مصراعيها.
وفي الوقت الذي يطالب فيه كثير من ممثلي اليمين نتنياهو بانتهاز الفرصة المتاحة أمامه، قبل الانتخابات في أمريكا، والتي من المحتمل أن يفوز فيها مرشح الديمقراطيين "جو بيدن"، وهو من أشد المعارضين لخطة "الضم"، أعلن وزير الدفاع بيني غانتس معارضته للخطة كونها "ليست في وقتها"، ويرى أن الموضوع الرئيسي الذي من أجله تشكلت الحكومة هو معالجة أزمة كورونا.
وعندما نتحدث عن أزمة كورونا لا نقصد المجال الصحي والخوف من انهيار المستشفيات بسبب كثرة المرضى الذين هم بحاجة لغرف الإنعاش فقط، بل هناك آثار سلبية لوباء كورونا لا تقل خطورة على الاقتصاد، بسبب فقدان أعداد هائلة من المواطنين لأماكن عملهم، ولا أفق لتشغيلهم من جديد.
ووصلت نسبة البطالة في إسرائيل بسبب كورونا إلى أكثر من 20% وعدد العاطلين عن العمل 800.000 ، بعدما انخفضت إلى 3.5% في مرحلة ما قبل كورونا، وقد أدى شل حركة الطيران التجارية إلى انهيار قطاع السياحة والمشاريع الصغيرة مثل المطاعم أغلقت أبوابها، ومثلها قاعات الحفلات والقطاع التربوي والترفيهي، كما تضرر قطاع الصناعة الذي يعتمد على التصدير للسوق الأمريكي والأوروبي بسبب حدوث كساد لم يسبق له مثيل.
وهذا الواقع يشير إلى أن تحدي الكبير الذي تواجه إسرائيل، في الوقت الراهن، هو معالجة الأزمة الاقتصادية، توجب على نتنياهو أن يجد حلول لها من خلال ضخ أموال الى المشاريع الاقتصادية وبسط شبكة أمان اجتماعية، مثل التأمين الوطني لمنع انتشار الفقر على أوسع نطاق.
كما يواجه نتنياهو مظاهرات متواصلة ومتفرقة من قبل القطاعات المتضررة مثل الفنانين وعمال المسارح والمستقلين وأصحاب الروضات الخاصة والمرشدين السياحيين وعمال تم فصلهم عن العمل، مثل 900 عامل من الصناعات الجوية الإسرائيلية التابعة للحكومة. علاوة على هؤلاء المتضررين من أزمة كورونا، يتظاهر معارضو نتنياهو الذين يرفعون الاعلام السوداء ويطالبونه بالاستقالة كونه متهم بالفساد.
ونتيجة لما سبق ذكره، عندما يرى جميع هؤلاء المحتجون أن نتنياهو ينشغل بموضوع الضم يسألونه باستنكار: "هل هذا الوقت للانشغال بأمر تافه مثل الضم في الوقت لا نجد لقمة العيش؟" وفي هذا السياق، كشفت استطلاع للرأي أن 25% فقط من المواطنين يوافقون على الضم أما البقية يعارضون الخطوة أو لا يبالون بها، فالناس بأغلبيتها لا تفهم حثيثات الضم أو ما هي الحاجة له. وهناك تساؤل يتردد في الشارع الإسرائيلي، ما الداعي للإعلان عن الضم، ما دامت إسرائيل في الواقع تسيطر على الضفة الغربية والمستوطنات من دون أعباء أمنية؟
دولة واحدة للإسرائيليين والفلسطينيين
إلا أن الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب في أوساط الإسرائيليين هو تقبّل الفلسطينيين لخطة "الضم"، وهذا يعني أن عدم معارضة الفلسطينيين للخطة يجعل الإسرائيليين يفكرون "بأنها ربما ليست لصالح إسرائيل".
ولكن في حقيقة الأمر، السلبية الفلسطينية نابعة من الادراك الراسخ لدى أبناء الشعب الفلسطيني بأن مشروع الدولة الفلسطينية لم يعد قائماً بل أصبح مستحيلاً. وإذا افترضنا أن مشروع الدولة الفلسطينية هو خيار عملي، ولكن بعد مرور 25 سنة بوجود سلطة فاشلة، فاسدة واستبدادية في الضفة الغربية وغزة لا غرابة بأن مشاعر الفلسطينيين تبقى سلبية ولا مبالية إزاء مخطط الضم.
الفلسطينيون يعيشون بين مطرقة الاحتلال الإسرائيلي وسندان سلطتي فتح وحماس في الضفة الغربية وغزة، الأمر الذي قضى على كل أحلامهم في العيش بدولة ديمقراطية وعصرية وحرة مثلها مثل بقية شعوب العالم.
وعلى الرغم من عدم تنفيذ نتنياهو خطته، وهناك احتمال أن تدفن صفقة القرن في مزبلة التاريخ مع هزيمة ترامب في الانتخابات الأمريكية المرتقبة، إلا أن العبرة من تجربة الضم الفاشلة هي أن الإسرائيليين ليسوا معنيين بها، أما الفلسطينيين فقد تخلوا عن الدولة المستقلة وإلى الأبد، ويبقى الطريق الوحيد المفتوح أمامهم لنيل حقوقهم الوطنية والمدنية هو المطالبة والكفاح من أجل دولة ديمقراطية واحدة للإسرائيليين والفلسطينيين على قاعدة المساواة.
ربما تشير الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة وتحديدا حركة "حياة السود لها قيمة" إلى أن ما يظهر اليوم كخيال ممكن أن يصبح واقعا سياسيا جديدا بدعم من كل أحرار العالم الذين يعارضون نظام الابرتهايد، وفي مقدمتهم معارضي ترامب الذين يتظاهرون في الشوارع مطالبين بوقف العنصرية وبتطبيق نظام العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وحريته.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن