ديوان تشوه لا إرادي - 8/6

أحمد عبد العظيم طه
a_develerth@yahoo.com

2020 / 6 / 29

روحٌ من الليل

الليل ..
ذلك الشيء الأسود المطلق
الذي يسطو على الأشياء
أو الدنيا كما ندعوها كل ليلة ..
ذلك الشيء الذي لا يمكن أن يُشبّه بغير نفسه
هو الليل الواحد من إبهام ..
المُعتم من إغلاق ..
المجهول من وسع
هو الليل يُجبر العيون على التراجع
إلى الجفنين أو أدنى أو النوم

- إن الحل المريح لذلك العماء
أن تتعامل النفس مع الذاكرة والأمنيات
وتنام أنتَ فتأتيكَ الراحة أنساقاً من الأحلام
والتهدج الناعم للغرق بلا نهاية ولا موت
وتفاعلات لا يدركها عقلك الصباحي
ويأتيك البلاء
في قالبٍ درامي ٍشرير السحر والأثر
كحفنةٍ من الدماء وآلام الفزع ..
حفنة لا تفرغ من جوفك
إلا بصرختك من فمك
وفتح الأبواب على عينك
والاحتماء خلف قواعدك العامة
وأماكنك المألوفة

الليل هو الأشياء تنحصر بأنفسها .. تـنــام
والنوم سعي إلى الخلف الجاري
وأمام الخلف وورائه يتراوح السعي

فيالي أنا الشاعر ناثر الليل
لم أدرك شيئاً من روح الكون الشخصي الشاسع
غير الليل
لكأنه وطن لروحي
التي اصطدتها بشركٍ مُسنن مُدم ٍ
في ذات ليلة ما
وكانت ظبية ترعى
فهدأت من روعها
وعلمتها اللغة واستنطقتها فنطقت بالحق
قالت:
إنما أنا حركة واهنة تولدتْ بالليل
وتشكلتْ منه وأبحث فيه عن رزقي
وأذهب خلاله أينما انبسط أو انكمش
ذلك حتى تسكن الحركة ..
تلكم أنا روحك فدعني
قلت:
أنت روحي ظلي معي
قالت:
سينحسر عنا الليل يا صاحبي
قلت:
لا أرضى بمقام الصاحب
أنا مالك وأنتِ روحي .. ظلي معي
قالت:
سينحسر عنا الليل يا مالكي
قلت:
قد عشت حياتي أتربصكِ لأنالكِ
وكنت تفرين ..
فمالكِ لا تقدرين إحساسي الجائع
ملء حياة كاملة تجري
لم أشبع مرة أبدًا
غير فتاتٍ من آثاركِ كن يقمن أودي
وكنت ألقاها زرقاء في الظلمة
عند الأركان وعلى شاطئ النهر ..
أنت روحي ظلي معي
قالت:
يا سيدي
سأسكنُ وأصمتُ وأموتُ إذا رحل ..
أيُعقل أن يأتي الثمر من العدم
إرضى بقسمتك وفتات تلقاها
خيرٌ من جوع أبدي ..
يا صائدي أفلِتني
قلت:
كيف أُفلتكِ وأنتِ لي ومني
تقطعين البدن كخطفة البرق إنما بلا ضوء
أيُعقل أن يَبرق بارقٌ بلا ضوءٍ
أضيئي لي .. أنت روحي التي بي
قالت:
أخطأتَ
هو خالقي يمررني منكَ
عندما يغرقك وحولك فيه
هو الليل ولا شيء ولا أحد سواه
منه وإليه حركتي وسكوني ومسعاي وانصهاري
وأنت القاصر عن الفهم ..
كُفرٌ منكَ أن تضاهي بنفسك الليل
يا أيها الشيء الرجيم أنا حرة فاعتقني
أو اقتلني قبل انحسار كوني ومولاي عني
قلت:
إن لم أعتقكِ سينقذكِ ..
هذا فحوى ما فاه به فمكِ
قالت:
هو لا يدركني بعين الرب للعبد
ولا بعين الحبيب للمحبة
بل بعين الجبل لحصاة من الجبل
قلت:
أإذا أَفلتكِ تعودين كل ليلة
دون شراك انصبها خلالي
وتحت حياتي وفوق بصري ..
دون مسامع أنشرها حول دبيبك المخفي
حين يأتي مع الليل؟؟
قالت:
دع ذلك للصدفة ..
لكل ٍشغلٌ يشغلُه
إنكَ مشغول بي وأنا مشغولة بغيركَ
هذي أقدارٌ وقِسَمٌ
قلت:
وفيم شُغلكِ بالليل ؟
وهو لا يستشعركِ..
أليس في ذلك غبن وضيق أفق وبله ؟
قالت:
قد عرفت شُغلكَ
فلا تُنكر عليه معرفة الذي يشغله
قلت:
وكيف ؟
أستنصبين شراكاً لليل حتى يقع
فتُهدئي من روعه وتعلمينه اللغة
وتستنطقينه فينطق بالحق
قالت:
حاشا لليل..
إنما أنا حتى تفهم
كالوردة في روض أزلي هائل
ثراه من الورد
والوردة تصبو إلى الحظوة
إلى الرفعة لتكون ثرىً
قلت:
لن أدعكِ ..
وليذهب روضكِ وثراه إلى جهنم ..
سأظل أنا
فخذيني ليلاً آخر
قالت:
حسبي أتشوّه وأقف وأهمد على الليل
هو ليلي لا أعرف غيره ولا أشركُ به ليلا
قلت:
ألم أُمتعكِ ؟؟
بحديثي المرِ العميق
وحرارة نطقي وغيرتي العمياء
وصدقي في جوعي إليكِ ؟
قالت:
عذبتني فعذبتكَ ..
فاستمرأتَ أنتَ عذابكَ وعذابي
أمتعتَ نفسكَ
ولازلت أنا أدمي
هي الحقيقة فأسفر عن نفسكَ
وقل أنه الحق
قلت:
ستأتين ...؟؟؟
قالت:
لا أتملقك ودعها للصدفة...
لم أنطق حرفا
وأزحت الشرك عن القدم
وأنا أبكي كالنبع من فرط امتلاءه
فبكت هي الأخرى
– لا أعرف هل بكت لبكائي أم للقدم الجريحة –
كانت عينها تراوح بين عيني والقدم
وانطلقت في الليل ظبية ليلية
كسهم حالك بلا أزيز
كبرقة بلا ضوء
تلكم روحي وقد أمسكتها مرة .. ذات ليلة.
مولد المهجور

راقصٌ بالليل..
ينفض تعب القلب وضيق الرئتين
على الأرض
فيملأ الزجاجات الملقاة بالدخان ِ
ثم يدور علي صوت
"المولد..المولد.. المولد"
كطائر راغ من الذبح
فشرب حتى الموت
حتى الرقص الذي يلي الموت
حتى ذلك الفتح
وتلك المنطقة المريحة بلا ناس

و"المولد ..المولد..إيقاع صاخب .. المولد"

وحده يروح ويجئ
ويغدو ويذهب ويأتي
وكل الكلام الذي يتحرك
هو يمتطيه وحده
الليل..
ذلك الحفل الأسود ..المولد الخفي
إلا على ذبيح ليلّي ٍمن وَجْدَةِ الذبحِ
قد انكشف علي نفسه
ففتح على الليل وفتح الليل عليه
أو هو وليٌّ ثبّّتَ أطراف الليل حول قرية
كان أهلها كافرين

" فضَرَبَ عليهما الليل ثلاثين عامًا
من فرط الوصل وولاية القرب"

- أيهما الراقص يكون –
لا يعلمَ غيرهُ والليل
وليس ثمة تفريق بينهما يُستلاح
هما اندمجا في ذلك الميقاتي العجوز
– الذي الزمن –

لذا يرقص شخص معروف
في هيئة مجهولة
وينفرد بنفسه في حفل داخلي بهيج
"وكم كانت أنفاسك عذبة يا حبيبي"
هو ينساب مع الموسيقي
كموسيقى مثلها
يفكر وقلبه يضحك

"إن ذلك لمقام في الرقص والتفكير عظيم"





المُجَرَدُ إلا قليلا

الكاتب*
أنا أكتبُ نفسي بطريقة جيدة جدا
إذ أُعبر عني بصدق خالص غاية في الروعة
يجعلك تصدق من فوركَ
ويجعلني صادقا تماما أمامك
فلا تلتفت أنت إلي موالسة خفية
تتخلل صدقي ولا يبصرها إلاي
كالشعرة البيضاء في العجين الأبيض
تلك هي نفسي التي تكتب عني
وتُصيغني أمامك كعكة صادقة

المكتوب عنه*
أنا أكتب عن الآخر بطريقة ممتازة
إذ أدخل من خلالي إلي خلاله إليه
فأتخلله دافعًا إياه إلى الخارج حتى يخرج
فأكون من خلفه ومن أمامه ومن بين يديه
فيفزع بالحق فأتلقاه مكتوبًا..
فأنسخه كما هو بلا موالسة خفية
فليس هناك داعٍ إلي الموالسة وأنا أكتب عنك
..أنت أيها المرتاب

* المكتوب فقط
هو أصواتٌ تنتظم أفكارًا
تُعرّشُ عليها رموز فلا تحجبها ولا تكشفها
والأمر بين ذلك عوان
,أي بين بين أو بعض بعض
ولا يَرى الأمر كاملا غير الأُمي والمرآة والجن
ولكنهم لا يشعرون.

* أدوات الكتابة
هي أشياء لا بديل لها سوى غيرها
ولا سبيل إليها إلا محبتها أو العوز الشديد
- أهمها الأصابع -

القارئ بعينه *
وغد زنيم يخادع نفسه
حين يطابق ما أمامه على ما وراء حدقتيه
مأخوذا بنشوة الحل,غير عالم في معظم الأحيان
أن الأمور ليست كما تبدو عليه تحديدا
وأن الحق مُطلقٌ في المُطلقِ
ولا يقبضه غير مُطلقهُ بالمشيئة
فإنه حتى الكاتب ليس سوى قارئ أخر.

السامع بأذنيه *
هو اثنان كريهان يشقان صاحبهما شقا ناعما
..خصمٌ نرجسيٌ وحَكَمٌ مضطرب
فلا يصله غير صوتهما في غالب الحال
..وعلمه بما يعلمان ولا يعلمان يقين
"السامع بأذنيه حاضر عن غيابه فيما يسمعه
كشيء يقف في سكة الصوت"

* المعنى
هو كائن حي واحد ليس بثابت
يهيم علي وجهه في الغرق الكبير
الذي هو الصمت الأكبر
ويتغير كلما طفق علي السطح كموجودٍ يُقال
أو يُكتب أو يُسمع أو يُقرأ أو حين يَراه من يريد
والمعنيون به لا ينتهون ويظنونه لا يموت
ولا يقوم ولا ينمو ولا يُقتل حتى يُفجأون
بأن النوم قد يكون المسار
والحياة قد تكون عقوق الآباء الكرام
والكتابة قد تكون المرض الذي ليس له شفاء
سوى الصلاة !!!





ذلك أنهم غاوون

" ما بالجبةِ غيرُ الله "
نعم .. فيفورون فورةً لا يُفار بعدها أبدًا
ويمسسهم من عِندهِ نار صدرٍ
وغضب مُنضّج بقَدَرٍ
..بيد أنكِ كنتِ تتبسمين
وتومئين بفهم اللبيب للبيب
وتطئين الحرق والخرق والجراح
بالدمدمات النافعات
فينشفي الجسم وتنبرأ الخوافق
– أي الروح والقلب والدم واللسان –
ولا شيء يُدرك عنك شيئاً
فشيئا تهبين للأشياء أفهام تشاء
وتتشيئين بالمشيئة نوراً يشأ
فما شاء الله كان

أيا أيتها البنت التي الناس يحسبونها بلهاء
ذلك أنها قادمة من إقليمٍ ناءٍ
وتلبسُ جوارب فاقعٌ لونها
ومضفرٌ حديثها برذاذ ليس به غير ماء دافق
يخرج من بين فمها والسماء
وليس بالرذاذ خجل ولا في الحديث التباس
وما بالجبةِ إلانا والهوى
يا أيتها النسبية إلينا كنسب الذبيح إلي الذبيح
والحافظة عظامنا وذِكرنا وإيانا
كقدرة العميان على الحفظ
والعارفة بنا عُرفًا وعرفاناً
والمصدقةُ لنا صدقًا
حين نتحدث بأن الحياة غامضة كعلم النفس
وبأن الليل كلب طويل وأبرص وليس يتدلي عنده ذيل
ذلك أنه منزوع من لدنهِ نزعةً نَزَعَها صاحب النزعِ
والضوء بصقة الحبيب علي الحبيب
والناس معلولات ومعاليل تصطفي من العلات واحدة
علّها ترتاح إذ يَعِنُ النوم
والموت انفراج البهاء عن البهاء عن التتمة والكمال
فلا يأتينكم من بعده تارة أخرى
ذلكم أُلي الجسم
والشيطان ابتلاء السلف للتلف
أو هو واحدٌ متوحدٌ ونجيب كنجابة الشياطين
والآن ما بالجبة غير سواه

والحياة غامضة كعلم النفس
فالغمام مافتئ موجودا
ولم تُنضبه حقب من النز حتى الملء
والبهائم تسعي ما انفكت
وتنبري بالدوار والأشكار الشديدة
على ما ارتزقت من نعمة البَهم وانعجام الفطرة
والجِنّة ُلازالت تظهر بالليل وتنعس بالنهار
فتلمس الفرادى والحفاة بشوق
كشبه شوق الملموس للممسوس للجبة
والهواء مابرح لا يخنق فلم يتسود الشهيق بالزفير
والوِلدان ما عدموا يحبون أمّهاتهم كالبحر
والبحر مسجورٌ بقعرهِ السر
والسر محجوب بسحر
والسحر مربوط علي حجر ينسحق السر أسفله
والحجر موضوع بالقدرة

.. فماذا نُسوي
يأيتها التي ما وسعتْ فهمَها الزجاجاتُ ولا القللُ
ولا الذباباتُ والمقلُ ولا الخمرةُ حتى ...
لَيَلّعنَ الله الوِلدان الذين يحبون أمهاتهم كالبحر
فيفتشون البحر عن الأمهات فتتلبسهم الجببِ
ذلك أنهم غاوون
وفي كل الصحراءات يسيحون
يضوعون بالهيام وهيامهم له غنجٌ دهوشٌ
إذ ينزغهم النازغون يفوح
فيزعقون كالموالي :

أيا مدد أُحّلُل عقدة من العقد
كي نفقه القول والحول والعدد

ولا مدد يأتي
ولا عدد ولا حول ولا قول إلا بجبةٍ ينجلي
فماذا نفعل يا التي
ما وسعتْ انفراجتَها الأرائكُ ولا السّقفُ
وما اتسعتْ حضورها النوافيرُ والأرضُ
لحظة الفلق..ولحظة الخلق
وبينهما أشياء متشابهات
وبيننا أمور مشتبهات وجبة فارغة
فماذا نفعل ولسنا بفعالين لما نقول
ولسنا بشيائين للمنقلب
أندخل مساكننا
عسى لا يحطمنا الوجد والوجود وهما لا يحسان
أم هي موتتنا الأولى وما نحن بداخلين
- فلتجيبي الآن يا أيتها التي ليس على جثتكِ السلام
وإذا جاءكِ الخرس فحركي بجذعكِ
ذلك أنني فهام الجذوع
.............................................
- إذن سنكتري حدوتي فرس ونمضي
ثم نتضاجع ونمضي
ذلك أن ما بالجبة ..
غير الجبة ...




عوالمٌ موازية

كانت الأجواء رمادية الطبع
ورأسك تأكل الأزمنة السحيقة
وتتخيل ما سوف يأتي
وكان ذلك ما يحضرك من زمن
سيء طعمه
وسيء إحساسه
لكأنك تبتلع بحرا ًعلى مهل ٍ
حتى يبتل حولك
ولا تموت وتصير حائراً
أأنت ابتلعت بحرًا !
أم أن بحرًا قد ابتلعكَ ؟

وتصير الأجواء رمادية
ويتفرق دمك على الصخور والقاع البعيد
وترفُ روحك فوق الماء
تناديكَ بلوعة الأم : يا أناااااا .. يا أنتااااااا
فلا ترد أنتَ ولا تبكي عند السماع
لأنك قد مِتَ بالغرق
حتى تجدكَ فتدخلكَ
وتحييكَ مرة أخيرة
وتُسمعكَ في سمعكَ
قولٌ شديدٌ بأسهُ عليكَ
فتبكي عينك بكاءًا طهورًا
وتُنصتُ وأنتَ تنهار كالظلمةِ
وتجتمع كالفيض وتصفو كالنور
وتُكمل التي دخلتكَ ما أسلفتكَ
وأنها حين كانت تبحث عن ذاتكَ
قد وجدتْ الملكوت في زجاجةٍ
طافية على الوجهِ ..
تُخرجها,وتذبحها عند عتبة قلبك
فيندفق السر خلالكَ ويستتبُ نوركَ
وتنفتقُ منفجرًا بالخلائق ِوالمُلكِ

تهبُ من غفوتكَ مأخوذاً..
ويكون صباحًا..
ويكون قطارًا..

قطارُ الخامسة صباحًا
يأتي في البرد الرجيم
.. تصعده ولا زلت مأخوذا وتصعد
وتقول لنفسك : لا تحزني إننا معًا
وليلا نعود إلى المخدر.
تصطفي من العربات عربة مغلقة كالبصر
ومن المقاعد مقعداً مهجوراً كالقبر
وترى الناس ترتجف وتحسبهم من البرد
وما هو بالبرد
وتفقه أنه أنتَ ..
إذ يندفعون من الأبواب كالخوف
وينحشرون بالخلف كالأمم صارخين :
إنك هنااااا..أنك هناااااا
فتدرك مَن أنتَ ...
حين يخلو القطار المسرع إلا من المقاعد
وجثث الذين فرتْ أرواحهم
في هيجة الفزع
تدركُ من أنتَ
وتعيشُ وحيدًا بقطارٍ مسرع
يشقُ الأرضَ والوقتَ
ولا يصلُ ولا ينتهي أبدًا
تحاول تهدئة الموتى
كي تأنس بالدفء,وأقاصيصٌ تقطع السأم
فيعودون ويبتسمون ويقتربون
يقتربون
هم غير ودودين على الإطلاق
ويدنون وتبدو أنيابهم كالنصال اللامعة
ويلتفون
يلتفون
يلتفوووووون.

ستفيق على هزة كتف
وتهبط مبهوراً بالوضع
وتكون أفكارًا
ويكون عملاً.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن