إلى مصطفى الكاظمي : العلاج بالصدمة الإدارية ( 3 )

غدير رشيد
samihashim10@yahoo.com

2020 / 6 / 23

لابد وإنك تعرف حجم الفساد وإنتشاره أفقيا في كل القطاعات العسكرية والأمنية والقضائية وجميع الوزارات ومؤسسات الدولة بما فيها ديوان الرئاسة والأمانة العامة لمجلس الوزراء والبرلمان والوزارات كافة وحتى المنظمات غير الحكومية ، وينتشر الفساد عموديا إبتداء من الوزير نزولا لأصغر موظف، كما تتنوع أساليبه وأشكاله من فساد مالي وإداري وأخلاقي ومهني، وتتباين درجاته وحجمه من الفساد الكبير الذي ترعاه الأحزاب السياسية الى الفساد البسيط الذي يقوم به الموظف الصغير.
للفساد أسباب كثيرة وجذوره تمتد الى تسعينيات القرن الماضي بعد أن ضعفت السلطة ولو إن ذلك الفساد لايشكل 1% من الفساد بعد 2003 ،ولكن أهمها هو إنتشار ظاهرة عدم الخوف من العقاب والذي كان هو الإجراء الحاكم قبل 1990 حيث كانت العقوبات تتميز بالسرعة والشدة، لدرجة يعاقب الوزير ليصبح معلما في مدرسة ويعاقب الضابط بالإعدام وتنزيل الرتب بخلاف مايحدث الآن حيث يعاقب الوزير الفاسد أو المدير العام الفاسد بنقله وزيرا أو مديرا عاما الى مكان آخر، وكذلك في المؤسسة العسكرية حيث يعاقب من سلم الموصل مثلا الى داعش بنقله بنفس رتبته الى موقع آخر ، وهذه كلها مكافئات وليست عقوبات لذلك إنتشر الفساد بعد أن أمن الفاسدون العقاب.
كما إنتشر الفساد بين العراقيين نتيجة للصدمة الإقتصادية وشيوع النزعة الإستهلاكية لديهم إضافة لضعف الوطنية العراقية والشعور بالمسؤولية والغيرة على الوطن حيث لم يعد العراقي كما كان لايرضى بالمشاركة بالفساد أو حتى السكوت عنه بسبب النماذج الكثيرة من الفاسدين الذين يعرفهم وتحولوا بالفساد لسياسيين ومسؤولين وأصحاب قنوات فضائية والتي تشيع قصص الفساد بل يراهم يوميا على شاشات الفضائية مقدرين ومحترمين وبالتالي أصبح الفساد شجاعة وفهلوة.الخلاصة إن الفساد مصنوع وليس من طبيعة الإنسان العراقي.
إذن أنت أمام وضع مأساوي لايحل بالقوانين الكلاسيكية بل بقوانين ثورية تتميز بالشدة والسرعة والمفاجأة ولا تنخدع بما يردده البعض عن حقوق الإنسان والتي هي كلمة حق يراد بها باطل، لأنها تمنح للإنسان والفاسد مثل الإرهابي ليس إنسانا، وأنت تعرف جيدا مايحدث في دول العالم عندما يحدث مايمس مصير الوطن من خطر كيف تتراجع حقوق الإنسان وتتقدمها مسألة الحفاظ على الوطن، كما إن نجاح تجارب دولية في هذا المجال تحقق لأنه تم بإسلوب الصدمة.
أنت أمام هيكل إداري هش ومخترق من قبل القوى السياسية المحلية والإقليمية، المسؤولون فيه يعتبرون المنصب فرصة لاتعوض ليفعلوا مثل الذين سبقوهم في الإثراء غير المشروع، الوزراء والمدراء العامون أغلبهم زعماء طوائف يعتبرون الوزارات والدوائر ملكية خاصة لهم ويتصرفون فيه كرؤساء عشائر ووكلاء للأحزاب وليسوا مقدمي خدمة ،هيئة النزاهة الحكومية والمفتشون العامون في الوزارات ولجنة النزاهة في البرلمان أصبحت جزء من الفساد لأنها تحولت إلى وسائل للإبتزاز، كما لايمكنك أن تضع شرطيا لكل موظف أو لكل قسم إداري، ماتحتاجه شيئين أساسين هما : نظام إداري فعال ومحكم يجرد الوزير والمسؤول الإداري من صلاحياته غير المحدودة وكوادر قيادية وطنية وكفوءة ونزيهة تختارهم لجنة كفوءة.
الفساد الإداري هو ذراع الفساد السياسي والإقتصادي في العراق والتي يجب أن تقطع إذا أردت إنقاذ الوطن، لذلك تحتاج لحزمة إجراءات إدارية صادمة-حيث لاتنفع الإجراءات الإدارية الكلاسيكية التي أخترعت بعد 2003 بتعمد-تحتاج لإجراءات مثل :
1- ضرورة إنشاء مكاتب تخصصية من عدد محدود من الخبراء في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تتابع الوزارات مثلا مكتب التنمية البشرية يشرف على وزارات التربية / التعليم العالي / العمل / الثقافة أو المكتب الإقتصادي ويشرف على وزارات الصناعة والزراعة والتجارة ...الخ، وظيفة هذه المكاتب متابعة عمل الوزارات والتنسيق فيما بينها ومتابعة عمل الوزير وتقييم عمله وتقييم عمل المدراء العامين وتمثل مصدرا لك عندما ترغب بتبديل الوزير الفاشل. ويمكن لهذه المكاتب البدء بعمل مهم هو تقييم عمل الوزارات لكي تطلع على تفاصيل العملية الإدارية وكافة مرافق الوزارة وبرامجها.
2- تعيين مدراء مكاتب الوزارات من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد أن تهيء وتدرب كوادر كفوءة في مجال الإدارة بل ويمكن تدريبهم على تخصصات الوزارة.الإجرائين الأول والثاني يوزع صلاحيات الوزير والمسؤول ويخلق رقابة مؤسسية داخلية وموانع داخلية بنيوية مما يصعب من تمرير صفقات الفساد في الوزارة.
3- إعادة النظر في كل المسؤولين من الدرجات الخاصة لأن أغلبهم قد تم تعيينه ضمن المحاصصة الطائفية والحزبية، وإعادة من لايستحق منصبه الى وظيفته السابقة وحسب إستحقاقه الوظيفي لأن المفهوم السائد حاليا إن من يصبح مديرا عاما وكإنه إشترى المنصب وبالتالي لايخشى المسؤول الخطأ أو الفساد بينما عندما يعرف إن الخطأ الإداري وليس الفساد قد يفقده منصبه سيهتم بوظيفته.
4- إعطاء الوزير صلاحية معاقبة من هم أدنى منه بعد أن يكتب للأمانة العامة ويتحمل الوزير مسؤولية أي خطأ في وزارته حتى لو كان الخطأ من مسؤول آخر بل ويعفى من منصبه من تحدث في وزارته ثلاثة أخطاء مثلا خلال السنة.
5- منع الوزراء والوكلاء والمدراء العامين من الإلتقاء باي مسؤول حزبي أو زيارته مادام في الخدمة ومن يفعل ذلك يعفى من منصبه. كما يمنع أي وزير من الإلتقاء بأي سفير دون معرفة وزارة الخارجية.
6- ترشيق أجهزة الدولة من حيث عدد المؤسسات وعدد الموظفين والبدء بوضع مواصفات قياسية للدوائر والأقسام والكوادر وإشعار الموظفين إن من لايؤدي مهامه فهو معرض أن يفقد وظيفته ،أي تطبيق منهجية القطاع الخاص على المؤسسات الحكومية من خلال تطوير أقسام التطوير الإداري في كل وزارة.
7- إنشاء جهاز أمن إقتصادي وإداري يرتبط بالمؤسسة الأمنية لمتابعة عمل الدوائر خاصة التي ينتشر فيها الفساد مثل دوائر العقاري والمرور والضريبة والمصارف.
8- تعديل قانون إنضباط الموظفين وتشديد العقوبات على الموظفين الفاسدين تصل لحد الفصل ومصادرة أمواله المنقولة.
9- رفع كل الصور والشعارات السياسية والدينية الخاصة بالأحزاب أو الطوائف من كل الوزارات والمؤسسات، لأن مؤسسات الدولة يجب أن تكون محايدة شكلا وجوهرا.
10- مراجعة كافة ملفات المفتشين العامين والقضايا المعروضة على هيئة النزاهة القديمة ودراستها من جديد والإسراع بحسمها.
11- الطلب من الوزراء والمدراء العامين التواجد في الوزارة بدوام مسائي لوضع دراسات لتطوير دوائرهم ووزاراتهم.
12- إعادة تشكيل اللجنة الإقتصادية أو لجنة العقود وربطها بالأمانة العامة لمجلس الوزراء لتتولى دراسة وإقرار العقود والمقاولات التي تزيد عن مبلغ معين لايزيد على 500 مليون دينار عراقي مثلا.
13- أعادة الدوائر التي ربطت بمجالس المحافظات لسبع وزارات خدمية بحجة تعزيز اللامركزية وكانت نتائجها سيئة جدا حيث عبثت المحافظات ومجالسها بهذه الدوائر التي أعتبرت غنيمة لها فضاعت عشرات السنين من الخبرات والأنظمة، اللامركزية كلمة حق يراد بها باطل، هي ضرورية لبلد مستقر يحكمه القانون وليس لبلد مأزوم خاصة وإن إصرار الوكالة الأميركية للتنمية على الإسراع بتطبيق اللامركزية كان مقصودا لإضعاف السلطة الإتحادية ضمن مفهوم الصدمة الذي طبقه الأميركان في العراق لتفتيت الدولة.لقد اثبتت السنوات السبعة عشر الماضية في العراق وتجارب دول كثيرة أهمية الحذر مما تروجه المؤسسات الدولية وخاصة الأميركية من مفاهيم براقة وجذابة ولكن أهدافها خطيرة.
لقد بلغ التسيب الإداري حدا يهدد أمن الدولة ومصير الوطن مما يستدعي إجراءات ثورية صادمة إسوة بما هو معمل به في الدول المستقرة بل وكان معمول به في العراق قبل 1990، ليعرف ويفهم من يريد أن يصبح مسؤولا إنه يؤدي واجبا يأخذ مقابله راتبا يدفعه له الشعب.
إن الضبط الإداري سيجرد الأحزاب السياسية من مصدر مهم للتمويل حيث أصبح معروفا لديكم إن من يدير الوزارة فعلا هو مدير المكتب وليس صحيحا ماتدعيه من إنك إخترت كوادر من الوزارة ليصبحوا وزراء لأنها كلمة حق يراد بها باطل، لأن من تم ترشحيهم من المدراء العامين هم مرشحوا الأحزاب التي إختارت أشخاصا ضعفاء يسهل الهيمنة عليهم والدليل بقاء مدراء المكاتب رغم تغير الوزير ومنهم من يعمل بصفة متطوع وبالتالي فقد خسرت الصفة السياسية للوزير وهي صفة أساسية للوزير من جهة وضيعت القدره الفنية بإختيار الضعفاء فأصبح عددا غير قليل من وزراء حكومتك تحت هيمنة وكلاء الأحزاب أي مدراء المكاتب وهي حالة وبصراحة أسوأ من حال حكومة عبد المهدي وبالتالي فإنك تقاتل بأسلحة فاسدة ستنفجرعليك إن لم تسارع بإتخاذ إجراءات إدارية صادمة وحاسمة وسريعة ومفاجئة .
في المقال التالي سنتحدث عن الحاجة لعلاج بالصدمة السياسية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن