رمز الشر في الديانات القديمة الحلقة 3

طالب عمران المعموري
algreebali@yahoo.com

2020 / 6 / 23

الزرادشتية
يعتقد المجوس بوجود إلهٍ للخير والنور، خالقٍ يُسمّونه «أهورامزدا»، وإلهٌ للشر والظُلمة يُسمّونه «آهرمان» ولكنَّهُ ليس بمُستوى أهورامزدا. فالزرادشتيَّة بهذا تقومُ على الثنويَّة والنزاع الدائم بين إله الخير وإله الشر، لكنَّ النصر في النهاية سيكون للإله الأوَّل بما يبذله الإنسان من أعمالٍ حسنةٍ للتغلُّب على روح الشَّر.
وكان كبير هذه الزمرة من الشياطين أنكرا-مينبوما أو أهرمان أمير الظلمة وحاكم العالم السفلي. وهو الطراز الأسبق للشيطان الذي لا ينقطع عن فعل الشر، والذي يلوح أن اليهود أخذوا فكرته عن الفرس ثم أخذتها عنهم المسيحية. مثال ذلك أن أهرمان أمير الظلمة وحاكم العالم السفلي. وهو الطراز الأسبق للشيطان الذي لا ينقطع عن فعل الشر، والذي يلوح أن اليهود أخذوا فكرته عن الفرس ثم أخذتها عنهم المسيحية. مثال ذلك أن أهرمان هو الذي خلق الأفاعي، والحشرات المؤذية، والجراد، والنمل، والشتاء، والظلمة، والجريمة، والخطيئة، واللواط، والحيض، وغيرها من مصائب الحياة. وهذه الآثام التي أوجدها الشيطان هي التي خربت الجنة حيث وضع أهورا مزدا الجدين الأعليين للجنس البشري.
ويبدو أن زرادشت كان يعد هذه الأرواح الخبيثة آلهة زائفة، وأنها تجسيد خرافي من فعل العامة للقوى المعنوية المجردة التي تعترض رقى الإنسان. ولكن أتباعه رأوا أنه أيسر لهم أن يتصوروها كائنات حية فجسدوها وجعلوا لها صوراً مازالوا يضاعفونها حتى بلغت جملة الشياطين في الديانة الفارسية عدة ملايين.
فلسفة الخير والشر
لمّا صوّر الزردشتيون العالم في صورة ميدان يصطرع فيه الخير والشر، أيقظوا بعملهم هذا في خيال الشعب حافزاً قوياً مبعثه قوة خارجة عن القوى البشرية، يحض على الأخلاق الفاضلة ويصونها. وكانوا يمثلون النفس البشرية، كما يمثلون الكون، في صورة ميدان كفاح بين الأرواح الخيّرة والأرواح الشريرة ؛ وبذلك كان كل إنسان مقاتلاً، أراد ذلك أو لم يرده، في جيش الله أو في جيش الشيطان، وكان كل عمل يقوم به أو يغفله يرجح قضية أهورا مزدا أو قضية أهرمان. وتلك فلسفة فيها من المبادئ الأخلاقية ما يعجب به المرء أكثر مما يعجب بما فيها من مبادئ الدين - إذا سلمنا بأن الناس في حاجة إلى قوة غير القوى الطبيعية تهديهم إلى طريقهم الخُلق الكريم. فهي فلسفة تضفي على الحياة الإنسانية من المعنى ومن الكرامة ما لا تضفيه عليه النظرة العالمية القائلة بأن الإنسان ليس إلا حشرة دنيئة لا حول لها ولا طول (كما كان يقول أهل العصور الوسطى)، أو آلة تتحرك بنفسها كما يقول أهل هذه الأيام. ذلك أن بني الإنسان حسب تعاليم زردشت ليسوا مجرد بيادق تتحرك بغير إرادتها في هذه الحرب العالمية؛ بل كانت لهم إرادة حرة، لأن أهورا مزدا، كان يريدهم شخصيات تتمتع بكامل حقوقها، وفي مقدورهم أن يختاروا طريق النور أو طريق الكذب. فقد كان أهرمان هو الكذبة المخلدة، وكان كل كذاب خادماً له.
والمثنوية في الزرادشتيَّة تشير إلى قوى الخير والشر - الآلهة والشياطين - في صراعهم المصيري. وفقاً لتعالم ماني فإنَّ العالم مادي وأجساد البشر مصنوعة من نفس مادَّة الشيطان، أمَّا في الزرادشتيَّة خالق العالم المادي هو أهورامزدا الذي لم يخلق شراً كذلك فإن قوته المدمرة تحل في بعض الكائنات، كالقطط البرية والكلاب والخنازير وأفراس النهر والثعابين.
المانوية
تعتقد المانوية وجود أصلين أزليين لا أصل واحد وهما الله والمادة، فالله روح بحت ونور صرف، والمادة كثافة مطبقة وظلمة دامسة ولشدة كثافة الظلمة في أسفل طبقاتها فقد تحولت الى المادة ، يتجاوز عالم الظلمة وعالم النور منذ الازل ويواجه كل منهما الاخر بصفحته وفيما عدا ذلك لا حدود للنور من اعلاه ولا يمنته ولا يسرته، ولا حدود للظلمة أيضا من تحتها ولا يمنته ولا يسرته ، المادة انجبت الشيطان الذي ليس أزليا في عينه رغم عناصره أزلية ، وتعتقد ان تولّد الشيطان عن الظلمة كما تتولد العفونة من الاجزاء الرطبة وتولدت أفلاك القوى الملائكية عن الله مثلما تشتعل الشموع من مشعل متقد.



الديانة المصرية القديمة
عبد القدماء آلهةً للخير طمعًا في خيرها، وعبدوا آلهةً للشر اتقاءً لشرها ، يؤمن كثيرون بتلك الفكرة النمطية عن نظرة أهل الحضارات الإنسانية القديمة إلى قوى الشر على أنها آلهة أو أرباب تؤذي، وأنهم عبدوها وقدموا إليها القرابين درءًا لأذاها.
لم تكن علاقة الإنسان القديم بـ«رمز الشر» علاقة عبادة بالضرورة. وثانيًا، هذه الرموز لم تكن دائمًا «مصدر الشر». وثالثًا، «الشر» نفسه لم يكن في كل الأحوال شرًّا ينبغي رده، بل كثيرًا ما كان «شرًّا لا بد منه».
و في الوقت ذاته رمز للقوة والعنفوان، فهو «القدير مزدوج القوة المحارب الجليل»،
ففي الحضارات المصرية القديمة أن الحياة لا تستمر بغير «الشر المرغوب فيه أحيانًا»، فإنها تحرص أن لا ينتصر أيٌّ من (حورس) أو( ست) انتصارًا نهائيًّا حاسمًا في الصراع الدائم بينهما، كي يستمر التوازن في العالم
في الموروث المصري القديم ذكريات دامية كريهة حملت مع ذلك من الصفات ما يجعلها جديرة بأن تمثل (كالإله سِت) الشر الذي «لا بد منه»، والشراسة التي تكون مطلوبة في بعض الأحيان.
صفات (سِت) تلك هي ما دفعت بعض الملوك إلى إظهار تأييدهم له، كالملك سيتي الأول (لاحظ ارتباط اسمه بالإله سِت) يظهر في نحت بارز في مدينة طيبة وهو يتلقى قربان الحياة من( سِت وحورس)، وكذلك نرى الإلهان يتوجان رمسيس الثاني ويمنحانه الدعم معًا. الرسالة واضحة إذًا: سِت وحورس عدوان لدودان، لكنهما يد واحدة لأجل حماية الملك وإمداده بالقوة.
الخلاصة/ أن سِت لم يكن معادلًا لفكرة «الشيطان» في بعض الثقافات الأخرى، وإنما كان يعادل «المكروه»، الذي ليس بالضرورة مرفوضًا دائمًا.
المصادر
الرحمن والشيطان/ السواح ،فراس .منشورات دار علاء الدين، دمشق، 2000.
الدين المصري / الماجدي، خزعل. دار الشروق، عمان، 1998.
دين الانسان/ السواح ، فراس .منشورات دار علاء الدين، دمشق،2002.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن