الكورونا .. بداية أخرى للتاريخ !

محمد البسفي
basfynews777@gmail.com

2020 / 6 / 19

مقدمة
هذا مقال يطرح أسئلة أكثر منه تفائلًا بأن يجد إجابات محددة أو تدعي أي مستوى من الدقة.. لكنه رغم ذلك يحرص على أن يكون بمثابة مؤشرًا على فرص ربما تكون متاحة أو طريق ربما يكون مفتوحًا..
مؤامرة .. ملامح ومتاهات *
ما إن فرضت جائحة وباء (كوفيد-19)، فيروس "كرورنا" المُستجد، هيمنتها المستحقة على شاشات الرأي العام العالمي، حتى انطلقت آراء مختلفة تشعبت على مواقع التواصل الافتراضية ووسائل الإعلام المتعددة، محاولة كشف أسرار وأسباب اختاروها لهذا الفيروس العالمي، بدأت باتهام الرئيس الأميركي، "دونالد ترامب"، الصريح، لـ"الصين"، بتسميته بـ"الفيروس الصيني"؛ ورد "الصين" عليه باتهام، "الولايات المتحدة"، بجلب عدوى الفيروس لأراضيها من قِبل الجيش الأميركي، وليس انتهاء باتهام "تنظيم الدولة الإسلامية"، (داعش)، بتخليقه ضمن خطط عولمة الإرهاب وانتشاره الدولي وامتلاكه لمقومات الحروب الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية؛ بحسب ما ذهب "سعود الشرفات"، الباحث والكاتب الأردني.. وبرغم عجز كل تلك الآراء والنظريات عن تقديم معلومات قاطعة أو مثبتة بالأدلة والبراهين، فضلًا عن أن معلومات دالة بدرجة حساسية تخليق فيروس وبائي فتاك ضمن حرب بيولوجية تُشن في صراع عالمي بالطبع سوف تتمتع بقدر معتبر من الحصانة عن تداولها على المستوى الجماهيري، إلا وأن تلك الآراء استغلت بعض تفاصيل ووقائع نتجت وواكبت زوبعة جائحة الفيروس التاجي؛ مثل مسارعة الصين إلى تخفيض أسهمها في سوق البورصة وقامت بشراء أسهم الشركات الأميركية والغربية الهاربة منذ اللحظات الأولى لبدء الأزمة بالصين، وذلك على خلفية "حرب تجارية" مستعرة بين واشنطن وبكين منذ سنوات يُحمى وطيسها يومًا بعد يوم، فضلًا عن حالة الهلع والرعب التي أبدتها دول العالم - والصناعية الكبرى منها أولًا - وإنهيار الحالة المعنوية للمجتمعات إزاء الجائحة بهذه الصورة غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية؛ لدرجة فضحت معها: "هشاشة شديدة في النموذج الاقتصادي السائد عالميًا، فمجرد تهديد بالانتشار السريع لفيروس لا يزال ضمن فئة الفيروسات منخفضة الخطورة من جهة الآثار المرضية، بل هو أقرب لإنفلونزا حادة قليلاً، كان كفيلاً بتعطيل كبير للعجلات الاقتصادية حتى في أعرق الرأسماليات وأكثرها قوةً وتقدمًا، وبتوقف سريع وحاد في خطوط التجارة الدولية بشكل يهدد خطوط التوريد والإمداد العالمية، وإنهيار كبير في حركة السياحة بين الدول، فضلاً عن توقف مُرشح للزيادة لكثير من الأنشطة التعليمية والاجتماعية في كثير من البلدان المهمة". كما لاحظ الباحث الاقتصادي المصري، "مجدي عبدالهادي"..
وبعيدًا عن البحث في أسباب الفيروس - دون معلومات موثقة - والتيه في سراديب "مؤامرة" بلا ملامح.. فالأجدى والأهم هو رصد وتأمل متغيرات وتداعيات أزمة جائحة وباء فيروس "كورونا" المُستجد، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، على عالم وصفه جميع خبراء ومنظري الرأسمالية العالمية بأن: "عالم ما بعد (كورونا) سيختلف عما قبل"؛ متنبأين ومحذرين ومتباكين على تقلبات وإنهيارات وتغييرات في مراكز قوى من المرجح أن تمتد إلى تغيير في خرائط الرأسمالية العالمية وما يتبعها من تقلبات سياسية/اجتماعية ربما لا تُحدثها سوى الثورات الكبرى أو الحروب العالمية.
سقوط أحجار الدومينو .. مؤشرات ودلائل ..
"العالم بعد .. يختلف تمامًا عن العالم قبل".. مقولة صاحبت الأحداث العالمية الكبرى التي تصوغ بدايات ونهايات التاريخ؛ مثل ما أعقب الحربين العالميتين الأولى والثانية وأيضًا إنهيار جدار برلين وتفكك "الاتحاد السوفياتي" عامي 1989 و1990، وبداية حقبة جديدة حملت انطلاق سيرورة العولمة الحالية وتنفيذ سياسات النيوليبرالية، كما أنها مقولة كثيرًا ما رددتها وسائل الإعلام الغربية والعالمية بكثافة إبان هجمات أيلول/سبتمبر 2001؛ معلنة ترسيخ فترة الهيمنة الأميركية لزعامة العالم.. لتعود مقولة التبشير بملامح مختلفة لعالم جديد تبرز بعد جائحة "كورونا" 2020؛ مرجحة بقوة إنهاء وموت فترة غطرسة الهيمنة أحادية القطب، وكأنها كابوس طويل يطارد الليبراليين من منظري وخبراء الرأسمالية العالمية، ولكن في صحوهم، لأنه ضربهم في أعز ما كانوا يملكون ويفخرون وهي سياسات "النيوليبرالية"..
حقًا.. كانت الأحداث أسرع وأكثر واقعية من أن تستوعبها طبقة الحكم لدول - صناعية كبرى وكمبرادورية تابعة - تنتهج سياسات السوق الحر المفتوح وتقليص أي دور للحكومات والدول على شؤون الإدارة الأمنية بالكاد وتتجاهل أي أبعاد اجتماعية في التأسيس لحرية الأسواق والاستثمارات والتداولات عابرة الحدود والقارات..
في الأسبوع الأخير من آذار/مارس 2020، أعلنت "كريستالينا غورغييفا"، مديرة عام "صندوق النقد الدولي"، أنه من الواضح أن يدخل العالم مرحلة ركود سيئة أو أسوأ من الأزمة المالية العالمية. وأفادت بأن الاقتصاد الأميركي دخل مرحلة الركود نتيجة انتشار فيروس كورونا، وأن الإجراءات المتخذة لدعم الاقتصاد قد لا تكون كافية قبل انحسار فيروس "كورونا". وتوقعت بأن التعافي متوقع في 2021، شرط أن يتم إحتواء فيروس "كورونا"، وعدم تحول مشاكل السيولة إلى مشاكل ملاءة مالية.
أما عن الدول النامية، فقد توقع "صندوق النقد الدولي" هبوط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، المستوردة للنفط، هبوطًا طفيفًا في 2019؛ ليصل إلى 3.6% مقابل 4.3% في 2018، وذلك في أحدث تقاريره حول مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
في الوقت نفسه؛ ضربت القاعدة العامة من الدول الأعضاء المُشكلة لـ"الاتحاد الأوروبي" موجات من الاضطراب والشك جراء روح الفردية وعدم التعاون التي أبدتها كبرى الدول الأعضاء في التعامل مع آثار الجائحة فيما بينها، دفعت الرئيس الفرنسي، "إيمانويل ماكرون"، إلى تحذير زعماء الاتحاد الأوروبي بأن تفشي فيروس "كورونا" يُهدد الدعائم الأساسية للتكتل مثل منطقة الحدود المفتوحة، إذا لم تُبد دول التكتل تضامنًا في هذه الأزمة. قائلًا: "المشروع الأوروبي معرض للخطر ... التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة (الشنغن)" (1).
وقد قرر قادة الاتحاد الأوروبي، منح وزراء المال في "منطقة اليورو" 15 يومًا لإيجاد خطّة مشتركة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس "كورونا" المُستجدّ. ومن جانبها نددت، "أورسورلا فون دير لاين"، رئيسة المفوضية الأوروبية؛ موقف القادة الأوروبيين مما أبدوه من استهانة وتقليل من حجم خطر الجائحة الوبائية، معتبرة أنه أمرًا: "طرح العديد من التساؤلات حول تداعيات تلك الأزمة على مستقبل الاتحاد، خاصة وأن حركة دول الاتحاد بطيئة جدًا في مقابل التسارع (الروسي-الصيني) في المساعدة".
"جوزيب بوريل"، الممثل الأعلى لـ"الاتحاد الأوروبي" للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أكد أن فيروس "كورونا" سيُعيد تشكيل العالم، وذلك فى مقال كتبه حول هذة الجائحة. قائلًا: "إن أزمة (كوفيد-19) ليست حربًا؛ ولكنها تشبه الحرب...". مستخلصًا تحليله بحقيقة تخفيض الصين: "الإصابات المحلية الجديدة إلى أرقام مفردة، وهي الآن تُرسل معدات وأطباء إلى أوروبا، كما يفعل الآخرون أيضًا، تدفع الصين بقوة برسالة مفادها أنها، على عكس الولايات المتحدة، شريك مسؤول وموثوق، في معركة السرد، رأينا أيضًا محاولات لتشويه سمعة الاتحاد الأوروبي على هذا النحو وبعض الحالات التي تم فيها وصم الأوروبيين، كما لو كانوا جميعًا حاملين للفيروس".
غصة عدم التضامن واللامبالاة الأوروبية التي تعاملت بها دول الاتحاد فيما بينها؛ كانت محل تحليلات ونقاشات خبراء إسرائيليون أيضًا، مثل "ليآف أورغاد" و"جي ألستر"، ملتقطون ملامح أنانية الدول الأوروبية، وكيف أن فيروس "كورونا" كشف زيف الأفكار والمباديء التي قام عليها "الاتحاد الأوروبي"، وعلى رأسها فكرة التضامن والتكافل المشترك. واختيار كل دولة تعلية مصالحها القومية الخاصة فوق مصالح مباديء الاتحاد الجامعة (2).
مع ملاحظة سرعة "موسكو" باستغلال الإحباط الإيطالي من الدول المجاورة. ورغم أن "روسيا" تواجه هي الأخرى ظاهرة تفشي فيروس "كورونا"، إلا أنها وجدت الفرصة مواتية لإرسال قوات عسكرية إلى إحدى الدول المُؤسِّسَة لـ"الاتحاد الأوروبي" ولـ"حلف شمال الأطلسي". على حد رؤية المحلل الإستراتيجي الإسرائيلي، "جي ألستر"، الذي أشار إلى أن الأستياء من عدم قدرة "الاتحاد الأوروبي" على العمل بشكل جماعي؛ لم تقتصر على إيطاليا فقط، بل إن الرئيس الفرنسي، "إيمانويل ماكرون"، قد غضب أيضًا من قيام عدة دول بإغلاق حدودها بشكل منفرد، وفي النهاية وافق الاتحاد على إغلاق حدوده الخارجية لمدة 30 يومًا.
لكن "الولايات المتحدة" تعيش الآن حالة من التناقض مع الذات، فهناك مَن يحضُّ الرئيس ترامب على الإسراع باستئناف النشاط الاقتصادي، وهناك من يرفضون ذلك، مثل حُكَّام الولايات المنكوبة بالوباء والخبراء الطبيين الذين يُحذرون من العودة المبكرة إلى نشاط الحياة اليومية. فيما تُظهر التوقعات بأن الولايات المتحدة في طريقها إلى تحقيق أسوأ المعدلات من حيث انتشار الوباء، بعد أن سجلت بالفعل أكبر عدد من الإصابات على مستوى العالم. وبينما تنطوي الولايات المتحدة على نفسها، استعدادًا لإجراء انتخابات، تشرين ثان/نوفمبر القادم، لا يتوقع أحد أن يتم تنفيذ "مشروع مارشال" جديد لإعادة إعمار "أوروبا". وبدلاً من ذلك، يتلقى الإيطاليون المساعدات من "روسيا". حتى صرح دبلوماسي رفيع المستوى في حلف (الناتو) بأن "روسيا" ليست الدولة الوحيدة التي تقتحم القارة الأوروبية المريضة، فـ"الصين" قد أرسلت ملايين الأقنعة والإمدادات الطبية إلى "إيطاليا" و"إسبانيا" و"جمهورية التشيك" وبلدان أوروبية أخرى (3).
كما حرص أعضاء "مجموعة العشرين" على حث الخطى مواكبة لسرعة الأحداث، بالإعلان عن عقد سلسلة من الاجتماعات "الافتراضية"، سواء على مستوى القمة أو على المستوى الفني، لمناقشة تداعيات تفشي جائحة فيروس "كورونا" على الاقتصاد العالمي والعمل على استجابة مشتركة؛ وذلك عبر عدة آليات كان أبرز ما أعلن عنها دفع المؤسسات الدولية، وفي القلب منها صندوق النقد والبنك الدوليين للمساعدة في التصدي لمكافحة الوباء، ومناشدة الدول الأعضاء تقديم مزيد من الدعم للدول منخفضة الدخل خاصة الدول الإفريقية في جنوب الصحراء، ومناقشة التنسيق حول تدابير الميزانية والنقدية لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي ومساعدة الدول الأكثر ضعفًا، بحسب ما تم الاتفاق عليه في مكالمة هاتفية بين الرئيسين الفرنسي والصيني.
وربما من أكثر المشاهد دلالة على الروح التي كشفت الغطاء عنها جائحة الوباء بين الدول الصناعية الكبرى الأوروبية والآسيوية، ظاهرة الاستيلاء على طائرات الإغاثة والمساعدات الطبية أثناء تحليقها في الجو، والتي قامت بها بعض تلك الدول؛ وربما تكون لها تداعيات أو "ترسُبات" سياسية في نفوس هذه الدول بعد انقشاع غمة الوباء !
وليس من طرائف الأحداث المتلاحقة بل من وقائعها؛ مسارعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، بتحذير مقاتليه والمتعاونين معه من السفر إلى الدول الأوروبية بعد انتشار الوباء فيها من أجل الحفاظ على أرواحهم، معتبرًا أن الفيروس: "عذاب أرسله الله لمن شاء".
كما أقدمت عصابات "المافيا" الإيطالية القوية على تقديم مساهماتها نحو إنقاذ "إيطاليا" من براثن الجائحة الوبائية؛ وذلك بالتبرع بأموال طائلة لصالح مختبرات ومعامل علمية تعمل لاكتشاف لقاح فعال للوباء، وقد تمثلت تلك التبرعات في: 500 مليون يورو من "مافيا صقلية كوزا نوسترا"، و100 مليون يورو من "مافيا نابولي كامورا"، أما "مافيا كلايريا ندرانغيتا" فقد تبرعت بملبغ 160 مليون يورو.
وبرغم أن تأزم الرأسمالية العالمية كان لائحًا في الأفق، إلا وسارعت "رأسمالية الكوارث" أيضًا لإثبات حضورها في المشهد - وإن كان على نطاق ضيق - منذ الأيام الأولى.. حيث قامت الشركات في جميع أنحاء "أوروبا" بإجراء تغييرات شاملة في أنشطتها الصناعية والتجارية ومجالات أعمالها؛ إما بحجة المساعدة في مكافحة تفشي فيروس "كورونا"؛ أو بهدف درء الخسائر الكبرى التي لحقت بالصناعات في "أوروبا"، لضمان بقاءها على قيد الحياة دون حدوث أزمة.
فقد أكدت شركة "Engineer Meggitt"، الرائدة في إنتاج أجهزة التنفس الصناعي لعلاج المرضى الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي، بأنها تعكف على زيادة إنتاج الأجهزة لسد العجز خلال الأزمة. بينما عملت شركات أخرى على إقراض الجهات الطبية المختصة بالخبرة أو منح طاقات العمال ومساحات من الأرض لخدمة أغراض طبية لمكافحة الوباء، وشمل ذلك شركات السيارات: "ماكلارين" و"نيسان" و"دايسون" و"إيرباص" و"فوكسهول" و"جاغوار" و"لاند روفر" و"رينيشو" و"جيه. سي. بي".
وبالطبع أظهرت شركات عالمية كبرى رغبتها في استغلال حاجة أغلب شعوب دول العالم إلى المطهرات والأقنعة الواقية، لذا كان من الطبيعي أن تندفع العديد من الشركات العالمية إلى أن تطأ مجالات تصنيعية جديدة عليها للمساعدة في زيادة العرض أمام كل هذا الطلب عليها.. قالت شركة "The British Honey Company" البريطانية، التي تُصنع العسل والمشروبات الروحية والكحولية الأخرى، من قاعدتها في "كوتسوولدز"، إنها ستستخدم الطاقة الفائضة في تقطيرها في مناطق مصانعها، في "بريطانيا"، لإنتاج "مُعقم اليدين". نفس الأمر الذي قررته شركة تصنيع البيرة الأشهر، "Brewdog"، التي تتخذ من "إسكتلندا" مقرًا لها، والتي لديها أيضًا مشروع للمشروبات الروحية.
ولكن سرعان ما يسقط قناع أو حجة "المساعدة" ليتكشف الهدف الأساس من قيام تلك الشركات المالتي ناشونال بطرق دروب جديدة في أنشطتها التصنيعية أو التجارية لاستغلال الجائحة الوبائية وتبعاتها إما لتوسعة فائض أرباحها أو لتعويض بعض خسائرها الناجمة عن ما فرضه فيروس كورونا من شلل على أنشطتها الأصلية.. فقد سارت كل من شركة "Brewdog" وشركة "The British Honey Company"؛ على خُطى شركة السلع الفاخرة الفرنسية، "LVMH"، التي بدأت في إنتاج "جل مُطهر" في مصانع "كريستين ديور" و"غورلين وغيفينشي"، لتوزيعها على المستشفيات الفرنسية التي تُكافح تفشي الفيروس التاجي في البلاد. واتخذت شركة "Pernod Ricard"، للمشروبات الروحية الفاخرة، خطوات مماثلة في "الولايات المتحدة"، حيث خصصت الكحول لصناعة المُطهر أيضًا من خلال علامتها التجارية، (Absolut Vodka). كما حدث لشركة السلع الاستهلاكية، "نيفيا"، الألمانية، وتعهدت دار الأزياء، "Zara"، المملوكة لشركة "Inditex" الإسبانية، باستخدام شبكتها العالمية لإنتاج عناصر مثل الأقنعة الجراحية وملابس المستشفى (4).
وبالطبع في ظل ما فرضته جائحة "كورونا" من تباعد اجتماعي واحتجاز طوعي ومزاولة التعليم والعمل عن بُعد، كان لسوق الاتصالات الإلكترونية رواجًا وطفرات ربحية جعلت منها السوق الرابحة الأولى من كعكة "كورونا".. على سبيل المثال أظهرت البيانات، التي أعلنتها شركة "مايكروسوفت"، المالكة لعدة تطبيقات اتصالية؛ حول معدلات الاستخدام ارتفاعًا كبيرًا في أعداد المستخدمين لتطبيقاتها، مدفوعة بقرارات عدة دول بالسماح للموظفين بالعمل من المنزل، ليصل العدد إلى 44 مليون مُستخدم نشط يوميًا، وتُعتبر هذه الأرقام مدهشة للغاية، خاصة عند مقارنتها بالمعدلات السابقة للتطبيق؛ إذ أعلنت الشركة، أواخر العام الماضي، أنها تمكنت من التغلب على تطبيق (سلاك) الشهير، وأن عدد المستخدمين لـ (تيمز) تخطى حاجز 20 مليون شخص، واستمر هذا العدد في الزيادة حتى أعلنت "مايكروسوفت" أنه، بنهاية شهر شباط/فبراير 2020، بات لديها 32 مليون مستخدم، لكن هذا الرقم قفز مرة أخرى، خلال أسبوع واحد، لتسجل الشركة 12 مليون مُستخدم جديد للتطبيق.
ذلك التخبط والإرتباك الذي أصاب الرأسمالية العالمية في طبعتها "النيوليبرالية" المسيطرة حاليًا، في وقت قصير، بداية من التنافس "الفوقي" الذي مارسته بعض الشركات العالمية الكبرى ومتعددة الجنسيات من تغيير أو توسعة لأنشطتها في مجالات أخرى للتنافس على أسواق بعضها البعض، وحتى الاستغلال "القاعدي" الذي مارسته التجارة العالمية في محاولات احتكار وزيادة أسعار المنتجات لإقتناص بعض الأرباح من التبعات المباشرة للأزمة الوبائية، بالطبع مثل إرباك وإهتزاز لخططها الإستراتيجية العامة مما أشعرها بالقلق وشيء من الخوف على مستقبلها.. ربما هذا ما دفع الرأسمالية العالمية إلى التنازل قليلًا - كعهدها دائمًا في مواجهة أي أزمة كبرى - بشكل جزئي ومؤقت.. ففي نهاية شهر آذار/مارس 2020 أعلنت شركة "Medtronic"، كبرى الشركات العالمية المتخصصة في التكنولوجيا الطبية وأشهر مصنع لأجهزة التنفس الصناعي، عن إسقاط حقوق الملكية الفكرية الخاصة بأجهزة التنفس الصناعي التي تملكها، ومشاركة كل التصميمات مع الدول للبدء في تصنيعها فورًا. موضحة أن هذا القرار يتوافق مع إرشادات إدارة الغذاء والدواء (FDA) الأخيرة، ووفقًا لاستجابة الصحة العامة والطبية للوكالات الحكومية على مستوى العالم. والجهاز الذي أعلنت مشاركته مع الدول هو PB 560، الذي تم طرحه في عام 2010 في 35 دولة حول العالم.
وقبل ذلك قليلًا، شهد شهر شباط/فبراير 2020؛ تذبذب أسواق الأوراق المالية العالمية إلى حد يسبب القلق بسبب الرعب من تفشي فيروس "كورونا" المُستجد، وخلال الأسبوع الأخير من الشهر؛ مُنيت الشركات الكبرى بخسائر ضخمة، وبلغ حجم التراجع الذي سجلته أسهم الشركات التي يملكها أو يُديرها الأشخاص الأكثر ثراءً في العالم 444 مليار دولار. وخلال الأسبوع الأخير من شهر آذار/مارس من نفس العام؛ تهاوت مؤشرات عالمية للبورصة من بينها؛ المؤشر الأميركي، (دو جونز الصناعي)، بمعدل 12%، وهي أكبر خسارة له منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق عام 2008، أي قبل 12 عامًا، ومنذ مطلع العام الجاري هبط المؤشر بنسبة 11%، كما فقد مؤشر (ستاندرد آند بورز) 11.5% من نسبته في تعاملات خمسة أيام فقط (5).
وبالتأكيد هكذا إهتزاز سريع لم يكن دافعه الوحيد تفشي (كوفيد-19)، وأنما نتاج مشاكلات وتأزمات كثيرة مُنيت بها سياسات النيوليبرالية منذ سنوات طويلة أصابتها بالوهن والشيخوخة المبكرة، كما أقر بذلك مجموعة من الخبراء، مرجعين السبب في تهاوي أسهم الشركات الكبرى الأخير إلى وصول المؤشرات القياسية إلى مستويات تُشير إلى تشبُع شرائي حاد، ليس فقط في الأسواق الأميركية؛ وإنما حدث نفس الأمر في أسهم "اليابان والمملكة المتحدة والبرازيل وفرنسا" وغيرها، إلى جانب أنه بالنظر إلى أكثر الشركات التي مُنيت بالخسائر نجد أنها عاملة في مجال الطاقة وتعتمد على أسعار النفط.
بالإضافة إلى كثرة عورات وتأزمات النيوليبرالية وخلخلة الرأسمالية العالمية عمومًا التي كشفتها جائحة "كورونا"، أظهرت الأزمة أيضًا زيف التفوق الأميركي المُهيمن، وعرضته لإحراجات عظيمة عبر مواقف عدة.. كان أبرزها قيام "دونالد ترامب" بعرض مبالغ كبيرة على شركة "كيو فاك-CureVac" الألمانية المتخصصة في الصيدلة الحيوية؛ من أجل تطوير لقاح لفيروس "كورونا"؛ تمنحه حصريًا لـ"الولايات المتحدة". العرض الذي رفضته الشركة التي تؤمن تمويل أبحاثها وتطويرها للقاح من قِبل الحكومة الألمانية.
"كورونا" تصيب النيوليبرالية .. بانسداد الشريان التاجي !
تُشير الليبرالية إلى أفكار سياسية واقتصادية وحتى دينية، وتتبنى إستراتيجية تهدف لمنع الصراع الطبقي، ويتم تقديمها إلى الفقراء والطبقة العاملة على أنها نزعة تقدمية في مقابل النزعة المحافظة أو اليمينية، وحين يُصرح السياسيون ذووِ النزعة اليمينية أنهم يكرهون "الليبراليين" - فإنهم يقصدون النوع السياسي من الليبرالية - وليس لديهم مشكلة مع الليبرالية الاقتصادية والتي تنضوي الليبرالية الجديدة تحت لوائها.
وتتمثل الملامح الرئيسة للنيوليبرالية في خمسة أوجه أساسية :
1 - هيمنة السوق: رفع كافة القيود التي تفرضها الحكومات على المشروعات الخاصة، مهما كانت التبعات الاجتماعية والأضرار التي يتسبب فيها رفع هذه القيود. ومزيد من الانفتاح على التجارة والاستثمار الدولي، وتخفيض الأجور، وحل النقابات العمالية وتهميش حقوق العمال التي حصلوا عليها عبر سنوات من الكفاح، وعدم التدخل لضبط الأسعار، وإتاحة الحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات.
2 - تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية: مثل التعليم والرعاية الصحية، وتخفيض الإنفاق على الضمان الاجتماعي، وصيانة الطرق والكباري، وخدمات المياه النظيفة والكهرباء، تحت مسمى تقليص دور الدولة، وبالطبع لا يعارضون الدعم الحكومي لرجال الأعمال.
3 - التحرير: تقليص التدخل الحكومي في أي شيء قد يُخفض الربح، حتى فيما يختص بتهديد البيئة والأمان الصناعي.
4 - الخصخصة: بيع المشروعات والبضائع والخدمات التي تمتلكها الدولة إلى رجال الأعمال، ويتضمن هذا بيع البنوك والصناعات الحيوية والسكك الحديدية والكهرباء والمدارس والمستشفيات وغيرها، ورغم أن البيع يتم بحجة البحث عن كفاءة الإدارة، إلا أن الخصخصة تسببت في مزيد من مركزية الثروة في يد قلة من رجال الأعمال، واضطرت الجمهور إلى دفع المزيد مقابل احتياجاته.
5 - القضاء على مفهوم "الصالح العام" أو "المجتمع"، واستبداله بمصطلح "المسؤولية الفردية" والضغط على الشرائح الأفقر في المجتمع من أجل البحث عن حلول لمشاكلهم الخاصة بنقص الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي بأنفسهم، وإذا فشلوا في إيجاد الحلول، يتم توجيه اللوم إليهم باعتبارهم "كسالى".
قبل إنطلاق المؤتمر السنوي لمنتدى الاقتصاد العالمي، (دافوس)، شتاء العام 2015، (الذي يُناقش فيه أغنى أغنياء العالم إمكانية احتواء المنافسات الشرسة فيما بينهم، مما يُقلل الضرر عليهم ويُحافظ على ديمومة السياسات الليبرالية المتوحشة التي وضعوها لعولمة ثروات الدول الساعية للنمو "النامية")، أصدرت "منظمة أوكسفام" تقرير بعنوان: (الثروة: أمتلاك كل شيء وهل من مزيد)، عن تفاقم حالة عدم المساواة في العالم وأتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وقد أوضح تقرير "أوكسفام" مدى فداحة مأساة الغنى ومأساة الفقر والهوة بينهما، حيث أن 1% فقط من سكان الكرة الأرضية لديهم ثروة تساوي تقريبًا كل ما لدى الـ 99% من البشر على وجه البسيطة (ستة مليارات وتسعمائة مليون نسمة)، وتُصبح بشاعة الموقف أكثر وضوحًا إذا علمنا أن ثروة أغنى 80 نفرًا في العالم، في سنة 2014، كانت تُعادل ما لدى ثلاثة ونصف مليار إنسان - أي النصف الفقير من سكان الكرة الأرضية، بعد أن كان يستأثر بهذا النصيب ما يقرب من 400 نفر في العام 2010، أي أن الثروة الفلكية لأغنى 80 نفرًا في العالم قد تضاعفت عدة مرات في غضون أربع سنوات فقط. ويُشير التقرير بوضوح إلى أن التراكم السريع لهذه الثروات لا يرجع إلى عمل وكِد وذكاء وإبداع الرأسماليين والأغنياء، بل يرجع بالأساس لتوارث الغنى واستخدام النفوذ وقدرة الأغنياء والرأسماليين على تسخير القوانين والجهاز الحكومي من أجل تحقيق مصالحهم وزيادة ثرواتهم، أي باستخدام أنواع مختلفة من الفساد المُقنن أو غير المُقنن.
ويؤكد "د. محمود الخفيف"، أن الاستغلال ونقل الموارد والثروات لم يُعد يأتي عن طريق التحكم المباشر كما كان الحال في عهد الاستعمار القديم، بل عن طريق العولمة والسياسات الليبرالية. ففي سنة واحدة فقط، (2010)، أنتقل من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية حوالي تريليونين و100 مليار دولار، مقسمة كما يلي: 900 مليار من خلال سياسة تسعير السلع التي تبيعها الشركات المحمية بقوانين الاستثمار الأجنبي والتي تستفيد من تغير سعر نفس السلعة من بلد إلى آخر؛ و500 مليار دولار عن طريق عولمة التجارة الحرة المتحيزة للدول الغنية؛ ثم 600 مليار دولار تدفعها الدول الفقيرة لخدمة ديونها للدول الغنية.
موضحًا: أي أن على ما لا يقل عن 700 مليون إنسان من البلدان النامية أن يعملوا ويكدوا سنة كاملة ليدفعوا للغرب "المتقدم" الفاتورة السنوية للاستعمار الجديد الذي يرتدي ثوب ما يسمى بالعولمة. ويبدو جليًا أن الاستعمار الجديد، (والذي مازال هو نفسه الغرب "المتقدم")، أكثر حِنكة واستغلالًا من الاستعمار القديم (6).
لتأتي جائحة (كوفيد-19) في العام 2020؛ لتنفجر ملغمات كثيرة كامنة في ثنايا تلك الشبكة المحكمة من سياسات السوق الحر المفتوح، كان من أهمها وأبرزها كل هذا الكم الهائل من الوظائف والمهن التي نجحت سياسات النيوليبرالية في تهميش أصحابها وطردهم خارج أي منظومة أو مظلة حمائية أو تأمينية من عمال ما يسمى بالعمالة الموسمية والمساعدة وغير مقنني الأجر؛ وبالتالي أصبحوا من غير المنطقي التعويل أو حتى الأمل في مستقبل مهني أو اجتماعي.. في نهاية الأسبوع الأول من شهر نيسان/أبريل 2020، أصدرت "منظمة العمل الدولية" أحدث دراساتها التي توقعت فيها أن تؤدي أزمة وباء (كوفيد-19)، الناجم عن فيروس "كورونا" المُستجد؛ إلى إلغاء 6.7 بالمئة من إجمالي ساعات العمل في العالم، في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يُعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل.
كما توقعت حدوث تخفيضات كبيرة في "الدول العربية" (8.1 بالمئة، أو قرابة 5 ملايين عامل بدوام كامل)، و"أوروبا" (7.8 بالمئة، أو 12 مليون عامل بدوام كامل)، و"آسيا" و"المحيط الهاديء" (7.2 بالمئة، أو 125 مليون عامل بدوام كامل). وقالت الدراسة أنه: "يُتوقع حدوث خسائر فادحة بين مختلف فئات الدخل، وبشكل خاص في بلدان الشريحة العليا من الدخل المتوسط (7.0 بالمئة، 100 مليون عامل بدوام كامل). وهذه الأرقام أعلى بكثير من آثار الأزمة المالية لعام 2008 - 2009".. "والقطاعات الأكثر عُرضة للخطر هي خدمات الإقامة والطعام، والصناعات التحويلية، وتجارة التجزئة، وأنشطة الأعمال والأنشطة الإدارية".
وقد وصل عدد الطلبات المقدمة للحصول على إعانة البطالة في "كندا" إلى 500 ألف طلب خلال 4 أيام؛ بسبب تفشي فيروس "كورونا"، بينما تجاوز العدد في "الولايات المتحدة" 3 ملايين طلب، ويُعد أكثر من نصف العاملين الأميركان معرضين للضرر بسبب الوباء، وتعهدت عدة دول أوروبية وغربية بتقديم معونات للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب الوباء، لكن هناك ملايين الأشخاص لا تمتلك دولهم إحصاءات دقيقة بهم ولن تُقدم لهم تعويضات؛ وفي نفس الوقت لا يمكنهم ترك العمل حتى وإن كان ذلك يعني الموت، وهم ما يُعرفون بـ"العمالة غير المنتظمة" أو "عمال اليومية".
وما يُزيد الوضع خطورة أن نسبة كبيرة من هؤلاء يعملون في قطاعات خدمية شديدة التأثر بالحجر الصحي، وأغلبهم يعملون في القطاع غير الرسمي ويتقاضون رواتب متدنية وغير ثابتة دون الحصول على تأمينات اجتماعية أو صحية، كما أن جزءًا كبيرًا منهم يعملون في أعمال حرة ويتقاضون رواتبهم يومًا بيوم.
ومن جانبه أصدر "اتحاد الصناعات المصري"، ورقة في 29 مارس/آذار، تحمل ستة عشر مطلبًا من الدولة، على رأسها تأجيل فترة تقديم الإقرارات الضريبية حتى 30 حزيران/يونيو المقبل، وإعفاء جميع الشركات لمدة ثلاثة أشهر من ضريبة كسب العمل والتأمينات الاجتماعية لتوفير سيولة للمصانع للوفاء بإلتزاماتها، ومنها أجور العمالة، والإعفاء من القسط الثابت في الكهرباء وغرامات الغاز، والاستعانة بصندوق التعويضات لدعم الصناعات التي تتأثر بالأحداث.
ومما يُدلل على أن أزمة كل هذا العدد الضخم من العمالة الموسمية غير مقننة الأجر لم تكن الجائحة الوبائية الأخيرة هي السبب الرئيس وراء تفاقمها؛ وإنما كانت مجرد مفجر لنار تعتمل منذ عقود تحت الرماد بفعل سياسات النيوليبرالية والرأسمالية العالمية؛ بما أستحدثته على سوق العمل من اقتصادات تقييمية وتصنيفية لعمالة وظائفية خلقتها وأعتمدت فيها على أحدث التكنولوجيات الاتصالية.. ففي "اقتصاد العمال المستقلين"، تكون التصنيفات هي كل شيء، بمعنى أن حصول العاملين على تقييمات أعلى هو مؤشر على أنهم يعملون أكثر. والعديد من المنصات التكنولوجية لها حدٍ أدنى من التقييمات المنخفضة قبل تسريح العامل تمامًا، مثال على ذلك شركة "أوبر"، التي تُحدد أدنى تقييم بـ 4.6، بينما تحدده شركة "DoorDash" عند 4.2.
كذا في "اقتصاد الحفلة"، تكون التصنيفات هي كل شيء. يحصل العاملون الحاصلون على تقييمات أعلى على الأفضلية على الطلبات، مما يعني أنهم سيعملون أكثر. والعديد من المنصات لها حد أدنى لكيفية الحصول على تقييمات منخفضة قبل أن تتخطى شركة الشحن الخدمة تمامًا. في كثير من الأحيان، هذه العتبات لا ترحم: في "DoorDash"، سيؤدي تصنيف 4.2 إلى تعطيلك. على "أوبر"، إنها 4.6.
هذا وقد نشرت "لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية" لغرب آسيا، (إسكوا)، في الأول من شهر نيسان/أبريل 2020، دراسة أعلنت أن عدد الفقراء سيرتفع في المنطقة العربية مع وقوع 8.3 مليون شخص إضافي في براثن الفقر جراء انتشار فيروس "كورونا" المُستجد.
ونبهت إلى أنه نتيجة لذلك، من المتوقع أن يزداد أيضًا عدد الذين يُعانون من نقص في التغذية بحوالى مليوني شخص. واستنادًا إلى هذه التقديرات، أفادت اللجنة بأنه سيُصنف ما مجموعه 101.4 مليون شخص في المنطقة في عداد الفقراء، وسيبلغ عدد الذين يُعانون من نقص التغذية حوالي 52 مليونًا.
وكما ضرب زلزال جائحة (كوفيد-19) القوى العاملة في أغلب الشركات الكبرى والمالتي ناشونال على اختلاف مستوياتها، بداية من شركات الطيران العالمية وحتى المؤسسات المحلية بتوع أنشطتها، كان تأثيره على صغار المزارعين في جميع الدول الزراعية أفدح؛ مما زاد من عجز ظروف عملهم ومعاناتهم وتهديدًا لقوت يومهم ومصدر إنتاجهم الذي تمارسه النيوليبرالية عليهم بشكل قاسي وحازم.. فبرغم أهمية الفلاحين الذين يوفرون نحو 63% من احتياجاتنا الزراعية، حسب تقرير الزراعة في أرقام 2019. ورغم أنهم فاعلون أساسيون في تيسير خروجنا من الأزمة، فإن أحدًا لا يلتفت إلى نضالاتهم اليومية واعتبار كِدهم وكدحهم اليومي حقًا مكتسبًا لا فضل لهم فيه. وذلك نتيجة التنظيرات النيوليبرالية والرسمية التي أعتادت اتهام الزراعة الفلاحية بعدم الكفاءة واعتبار الفلاحين، "عقبة"، أمام التحول لما يعتقدون أنه النموذج العالمي الرائد، المعتمد على الإنتاج الكبير والزراعة الرأسمالية. ولكن فجأة تتحول هذه العقبة المختلقة إلى طوق النجاة في الأزمات الكبرى والعامة.
لذا يلحظ "صقر النور"، في تقريره الصحافي، أن اليوم؛ تبدو أهمية الزراعة العائلية التي يقوم بها صغار الفلاحين، خاصة وأنها قادرة على التنظيم الذاتي لاستمرار الإنتاج مع إمكانية أكبر لحماية الأرواح بحفظ المسافات. هذا النمط الإنتاجي المناسب للبشر أكثر قدرة على التكيّف مع الأزمات من أنماط الإنتاج الكثيفة والإنتاج الكبير. موضحًا الفارق بين "الزراعة العائلية" و"الزراعة الرأسمالية" بأنه: "يمكن الإشارة إلى الأزمة المتوقعة في حصاد العديد من الخضروات والفاكهة في العديد من الدول التي تبنت نمط المزارع الكبيرة، بسبب القيود المفروضة على الحركة والتي ستؤدي إلى قلة الأيدي العاملة الكافية للحصاد".
ولمواجهة هذا الخطر المحتمل، أقدمت "كندا" مثلًا على استثناء العمالة الزراعية من قيود السفر، في حين دعا وزير الزراعة الفرنسي وكذلك المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، "سيبيت ندياي"، الفرنسيين الذين توقفت أعمالهم نتيجة العزل، للذهاب إلى المزارع ومساعدة المزارعين في جمع المحاصيل.
يقول التقرير الصحافي: "تُمثل الزراعة القطاع الذي يستوعب قوة عمل كبيرة. نحو 25% من قوة العمل في مصر تعمل بالقطاع الزراعي والصيد، ولكن رغم تزايد المخاطر مؤخرًا بسبب انتشار الفيروس، وحتى هذه اللحظة، لا يوجد أي حديث رسمي عن أشكال الدعم والحماية التي يمكن تقديمها لهذه العمالة اليومية، خاصة وأنها غير قادرة على البقاء في المنازل والتوقف عن العمل".
كما يرى الباحث الاقتصادي، "محمد رمضان"، في مقال نُشر مؤخرًا على موقع (مدى مصر)؛ أن نمط الإنتاج الرأسمالي أدى إلى خلل في النظام البيئي، خاصة مع انتزاع الحيوانات البرية من بيئاتها الطبيعية ما غيّر في علاقة الفيروسات بحواضنها.
فعلى سبيل المثال، ساعد الاضطراب الذي سببه قطع أشجار الغابات من أجل الاستهلاك الترفي على ظهور أوبئة وأمراض عدة خلال السنوات العشرين الأخيرة، كما أثر هذا النمط في الإنتاج والاستهلاك في الجهاز المناعي للإنسان الذي يستقبل كميات متنوعة من متبقيات المبيدات والأسمدة وأيضًا من الأغذية المعدلة وراثيًا، سواء بشكل مباشر أو من خلال استهلاك الحيوانات التي تتغذى على العلف المُصنع والمُعدل وراثيًا، "الصويا والذرة الشامية" تحديدًا.
الباحث "مجدي عبدالهادي"؛ يرصد قول عالم البيولوجيا "روب والاس"، في كتابه عن دور المزارع الكبيرة في خلق أجيال جديدة من مرض الإنفلونزا، والمنشور عام 2016م، إن فيروس كورونا (كعائلة كاملة من الفيروسات منها الفيروس الحالي) قد ظهر بسبب تحويل بعض الغابات التي كانت تُمثِّل نُظمًا بيئية كاملة إلى أراضٍ زراعية ومزارع لتربية الحيوانات والدواجن على نطاق صناعي واسع، ومع التشابهات الجينية بين تلك الحيوانات ونظيرتها البرية التي كانت تعيش في تلك الغابات، سقطت تدريجيًا السدود المناعية بينها وبين بعضها، ثم بينها وبين الإنسان، بسبب ضعف المناعة الناتج عن الزحام والإنتاج الكبير لتلك الحيوانات والنُظم البيئية الجديدة، وما مثّلته من بيئة ملائمة لتحوّر الفيروسات وانتقالها جيئة وذهابًا بينها وبين الحيوانات البرية الأصلية، ما يتوافق جزئيًا مع رواية انتقال فيروس كورونا الحالي المُستجد، (كوفيد-19)، بين خنزير مراعٍ وخفاش، ولا يتعارض مع رواية انتقاله من حيوان بري بيع في أحد أسواق مدينة ووهان الصينية، فالتفسير يصحّ في الإتجاهين بتمحوره حول ضعف السدود المناعية بين الحيوانات البرية والداجنة والإنسان، بسبب ذلك التغيير البيئي.
وبحسب "والاس"، يصل الأمر إلى ما اعتبره تحالفًا بين المزارع الكبيرة ومرض الإنفلونزا، فنحن هنا نتحدث عن ثنائية تصنع المرض، أولًا عبر نمط الإنتاج الرأسمالي الكبير المتمحور حول خلق الأرباح بتوسيع نطاق تراكمه بشكل لا نهائي، حتى لو اعتمد في سبيل تحقيقه لتلك الأرباح على أساليب إنتاجية مضرّة تخلق ظروفًا مواتية لنشأة وانتشار أمراض جديدة، والثانية هي الإختلالات البيئية الناتجة عن نهم التراكم الربحي المذكور، الذي أدّى إلى إختلال العلاقة بين الإنسان والبيئة، وبشكل أعم التغيّر المناخي، الذي قاد - كذلك - لظهور أمراض جديدة مثل كورونا وسارس، وعودة أمراض قديمة مثل الملاريا والسل والأمراض الإستوائية، وقائمة طويلة مما يُعرف بالفيروسات الزومبي والأمراض البكتيرية المدفونة في الثلوج (7).
وأمام تداعيات الجائحة الوبائية العالمية وأوضاع صغار المزارعين، التي تزداد سوءًا؛ يُطالب "النور" بوضع ما يُشبه خارطة إستراتيجية للنهوض بحال عمال وعاملات الزراعة، قائلًا: "ربما تكون هذه اللحظة مناسبة لطرح برنامج لدعم الانتقال إلى نظام زراعي بديل، يدعم الزراعة الفلاحية والتحول البيئي للزراعة والتوقف عن التمادي في تهميش الزراعة الفلاحية. تتطلب هذه اللحظة أيضًا مراجعة ذلك الإنبهار بنمط الإنتاج الكبير وإعادة الاعتبار للزراعة الفلاحية ودعم التحول نحو الزراعة البيئية ودعم صغار الفلاحين".
موضحًا: "يتطلب هذا الانتقال لنظام زراعي بديل؛ توفير الاحتياجات المادية اللازمة لتطوير التكنولوجيا الزراعية البيئية عبر دعم المراكز البحثية الزراعية للعمل في هذا الإتجاه. الاهتمام بصيانة التربة الزراعية عبر الدورة الزراعية والأسمدة العضوية وتنقية مياه الري عبر تنظيف قنوات الترع وتطهير المصارف وصيانة شبكة الري والصرف الزراعي واستعادة السيادة على التقاوي، لم تُعد أمورًا ثانوية على الإطلاق".
تؤكد لنا هذه اللحظة على أهمية الخروج من التبعية الغذائية وهيمنة الرغبة في تحويل الزراعة الفلاحية إلى زراعة رأسمالية. ذلك النموذج الذي أثبتت الأزمة الحالية أنه يُفاقم من تدهور العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به، وينتج أوبئة وأمراضًا وأزمات عايشنا بعضها بالفعل، ولكننا لا نعرف أيضًا ما يخبئه لنا المستقبل (8).
شهاد وفاة لـ"النيوليبرالية" .. أم تغيير مواقع ؟
في ظل غمرة كاسحة من النشوة عمت البورجوازية العالمية، والغرب خاصة، إثر تفكك الاتحاد السوفياتي وإنهيار جدار برلين، بدايات العقد التاسع من القرن العشرين، في رمزية تم تسويقها بشكل هستيري لاستعادة أوروبا الشرقية إلى الحاضنة الرأسمالية الغربية، تبلورت فرضية قائلة: "الآن بعد أن فشلت الاشتراكية (في شخص الاتحاد السوفياتي)، فإن النظام الاجتماعي والاقتصادي الوحيد الممكن هو الرأسمالية، أو (اقتصاد السوق الحرة)"، أراد إحكامها المنظر الأميركي، الياباني الأصل، "يوشيه يرو فرنسيس فوكو ياما"، في نظريته التي نالت من الشهرة أقل ما نالته من سوء السمعة حول نهاية التاريخ والإيديولوجيات.. "تنبأ المدافعون عن الرأسمالية بأن فوز الليبرالية سيفتح الباب أمام مستقبل مضمون من السلام والإزدهار. تحدث الاقتصاديون عن توزيع الثروة بسلام. فالآن وقد انتهت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، ستكون الحكومات الرأسمالية قادرة على إنفاق مبالغ طائلة من المال لبناء المدارس والمستشفيات والمنازل وكل الأشياء الأخرى التي هي الشرط الأساس للوجود الحضاري. الصحاري ستُزْهِر والإنتاج سيرتفع والجنس البشري سيعيش بسعادة إلى الأبد. آمين". على حد التعليق الساخر لـ"آلان وودز" (9).
أراد "فوكو ياما" تدشين نظريته في كتاب: (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، واستهله ببيان دعائي يؤكد: "إن ما نشهده ... هو نهاية التطور الإيديولوجي للجنس البشري؛ وعولمة الديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائي للحكومة البشرية".
نظريًا؛ يرى أستاذ الفلسفة المصري، "د. محمد دوير"، أن: "من المؤكد تاريخيًا أن الإيديولوجيا كانت من المفاهيم التي طورها أتباع ماركس، أفضل من قام بتوظيف دلالاتها المعرفية من بين مدارس الفكر الفلسفي في أوروبا. وذلك أن الفكر الماركسي استطاع أن يقف في مواجهة الفكر البورجوازي والتصورات الليبرالية التي جاهدت من أجل حصار الماركسية بمقولات عامة ومطلقة كالمساواة والعدالة والحرية والتقدم والحقوق، فلم يكن أمام الماركسيين سوى مواجهة هذا الفكر الليبرالي بنظرية إيديولوجية بديلة تواجه التحول الرأسمالي الذي طرح نفسه كحل أخير للبشرية، أي كيوتوبيا وإيديولوجيا في آن واحد. وهذا ما أكد عليه أيضًا عبدالإله بلقزيز بقوله: لا يمكن النظر إلى أطروحة نهاية الإيديولوجيا ونهاية التاريخ إلا كدعوى إيديولوجية جديدة" (10).
ولكن؛ فوجيء القاريء الليبرالي المنتشي بخدر مقولات "فوكو ياما"، بمقال تحليلي مطول للأخير نشرته مجلة (the New Statesman)، يوم 17 تشرين أول/أكتوبر 2018، يعزف "فوكو ياما" فيه لحن التراجع والانقلاب، قائلًا: "ما قلته آنذاك، (1992)، هو أن إحدى المشاكل المتعلقة بالديمقراطية الحديثة هي أنها توفر السلام والإزدهار، لكن الناس يريدون أكثر من ذلك ... فالديمقراطيات الليبرالية لا تُحاول حتى أن تحدد ماهية الحياة الجيدة، لقد تركت تلك المهمة للأفراد، الذين يشعرون بالغربة، بدون هدف، وهذا هو السبب في أن انضمامهم إلى تلك المجموعات الهوياتية يمنحهم بعض الشعور بالإنتماء".
"فوكو ياما"، كان من أبرز المسؤولين الرسميين في إدارتي "ريغان" و"بوش"، ومقربًا من حركة المحافظين الجُدد، لذا كان من كبار الداعمين لغزو العراق وغيرها من سياسات "نسور" البيت الأبيض حراس الرأسمالية والنيوليبرالية المتعصبين في تلك الحقبة، لم تأتي مراجعاته الأخيرة سقوطًا مباغتًا عنيفًا بل جاءت بالتدريج، حينما بدأ بعد عام 2003 ينتقد بعض الأفكار النيوليبرالية كالمطالبة بإلغاء القيود على القطاع المالي، التي كانت مسؤولة جزئيًا عن الإنهيار الاقتصادي الكارثي في عام 2008. كما أنه منتقد لـ"اليورو"، (كعُملة موحدة لتكتل ضخم مثل الاتحاد الأوروبي)، أو على الأقل: "لطريقة خلقه الخاطئة". معلنًا: "هذه كلها سياسات وضعتها النخبة؛ والتي تحولت إلى كارثة جسيمة، إن الإنزعاج الذي يشعر به الناس العاديون له ما يبرره".
يُفسر "فوكو ياما"، في مقال مجلة (the New Statesman)، عودة اليسار الاشتراكي إلى الواجهة في بريطانيا وأميركا مرة أخرى، بأن: "كل هذا يتوقف على ما تعنيه بالاشتراكية. لا أعتقد أن الملكية العامة لوسائل الإنتاج ستنجح - باستثناء المجالات التي تكون فيها مطلوبة بوضوح، مثل المرافق العامة ... أما إذا كنت تقصد برامج إعادة التوزيع التي تحاول تصحيح هذا الخلل الكبير الموجود في كل من الدخل والثروة، فنعم أنا لست فقط أعتقد أنها يمكن أن تعود، بل يجب أن تعود. إن هذه الفترة الممتدة، التي بدأت مع ريغان وتاتشر، والتي ترسخت فيها مجموعة معينة من الأفكار حول فوائد الأسواق غير المنظمة، كان لها تأثير كارثي من نواح كثيرة".
موضحًا: "لقد أدت في مجال المساواة الاجتماعية إلى إضعاف النقابات العمالية، وإضعاف القدرة التفاوضية للعمال العاديين وصعود فئة طبقة أوليغارشية في كل مكان تقريبًا والتي تمتلك سلطة سياسية مفرطة. أما فيما يتعلق بدور القطاع المالي، فإذا كان هناك أي شيء تعلمناه من الأزمة المالية، فهو أنه علينا تنظيم القطاع بشكل كبير لأنه سيتسبب في جعل الآخرين يدفعون الثمن".
يُعلق "آلان وودز": يدافع فوكو ياما عن تأميم المرافق العامة لأن ذلك "مطلوب بوضوح". ونحن نتفق معه كليًا. لكن لماذا ليس ذلك مطلوبًا بالنسبة للبنوك، على سبيل المثال، والتي أثبتت عجزًا كاملًا عن إدارة ومراقبة كميات هائلة من أموال الناس بطريقة مسؤولة ؟
كانت المضاربات الإجرامية والفساد وعدم كفاءة البنوك هي الأسباب المباشرة للأزمة المالية لعام 2008، والتي ما نزال نعيش تبعاتها. وفي النهاية صار هؤلاء المدافعون المتحمسون عن اقتصاد السوق الحر، الذين عارضوا أي اقتراح لتدخل الدولة في الاقتصاد، يحتاجون من الدولة إنقاذهم عن طريق ضخ كميات هائلة من المال العام في صناديقهم.
متابعًا: "وبدلًا من إرسالهم إلى السجن، الذي يستحقونه بشكل كامل، تمت مكافأتهم على عدم كفاءتهم بمبالغ هائلة من الميزانية العامة. هذا هو السبب في أننا نواجه اليوم عجزًا عموميًا هائلًا، والذي يقال لنا إنه يجب أن ندفع لتقليصه. الفقراء يدعمون الأغنياء، في ما يُشبه حكاية روبن هود، لكن بشكل معكوس. وفي الوقت نفسه يتم إعلامنا بأنه لا توجد أموال لدفع تكاليف تلك الأشياء غير الضرورية؛ مثل المدارس والمستشفيات ورعاية المسنين والمعاشات التقاعدية والتعليم والطرق والمرافق الصحية، والتي هيكلها في حالة مزرية في بريطانيا وغيرها من بلدان العالم الغنية" (11).
وربما أوضح دليل على صحة ما قاله "وودز"، في العام 2018؛ ذلك الواقع الصادم للنيوليبرالية والرأسمالية العالمية الذي أفرز لها زلزال (كوفيد-19)، بعد أقل من سنتين، رغم اختلاف التحليلات والنظريات حول دوافعه وتبعاته الاقتصادية/الاجتماعية، إلا وأنه نجح في تعرية تلك المنظومة الرأسمالية الهشة وأسقط عنها كافة الأقنعة بداية من تردي البنية ومنظومة الرعاية الصحية إلى سقوط رطانة الحقوق الإنسانية في العلاج والسلام والرفاه التي طالما يثرثر بها الغرب..
"جان دومينيك ميشال"، عالم اجتماع وإنثروبولوجيا صحيّة، وخبير صحّةٍ عامة مقيم في سويسرا، أنكبّ منذ أكثر من ثلاثين عامًا على دراسة أنظمة الرعاية الصحيّة وتطبيقها، انتقد في مقاله العلمي الإجراءات الإحترازية ورد فعل أغلب دول العالم المتقدم الغير علمي حيال الجائحة الوبائية؛ قائلًا: "نحن عالقون بين فكَّي كمّاشة، تتجلّى في الضرر الكبير الذي يتسبّب به الفيروس للسواد الأعظم من الناس وخطورته الشديدة في حالاتٍ معيّنة. ما تمّ اعتماده على أرض الواقع من تدابير، بعيدٌ كل البُعد عن الممارسة المثالية: إذ أن عدم التقصّي عن المرض كما يجب، والإبقاء على السكان في حالة حجر لوقف انتشار الفيروس، يُعد الإستراتيجية الأكثر هشاشةً في مواجهة أي وباء، لا بل الاحتمال الأخير ـ وربما الأضعف ـ عندما تعجز كل الوسائل الأخرى عن السيطرة الفعّالة على الوباء، إذ أننا لا نقوم إلا بإبطاء انتشاره والحد من آثاره الإرتدادية وحسب".
مُجيبًا على سؤال طرحه عن الأسباب وراء هذا الوضع السيء: "الجواب ببساطة هو أننا فشلنا في إيجاد الإجابات الصحيحة في الوقت المناسب. ويتجلّى مدى غرقنا في هذه الأزمة، من خلال إفتقارنا للعدد اللازم من اختبارات التقصّي عن الإصابة بفيروس (كورونا)، ففي الوقت الذي جعلت فيه بلدان: ككوريا وهونغ كونغ وتايوان وسنغافورة والصين؛ من اختبارات تقصّي المرض أولويةً قصوى، تجد غالبية البلدان واقفةً موقف المتفرّج، عاجزة بسلبيتها عن ترتيب أبسط الأولويات التقنية".. "استفادت الدول الآسيوية، المذكورة آنفًا، من الذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص لرسم مسارات الانتقال الممكنة لدى كلّ حالة تثبت إيجابيتها، فبالاستعانة بالهواتف الذكية، يمكن إجراء جرد لتنقلات هذه الحالات والأشخاص الذين تواصلوا معهم في الـ 48 ساعة التي سبقت ظهور الأعراض".
موضحًا: "تُجدر الإشارة إلى التناقص الكبير في قدرة المشافي، خلال العقد الماضي، على استقبال الحالات، لدرجةٍ وجدنا أنفسنا فيها في حالة نقص في عدد أسرة العناية المركزة ومعدات الإنعاش، ناهيك عن كمية من المعدات الطبية الأساسية كالمعقّمات الكحولية والكمامات الواقية تكفي كامل طاقم الرعاية الطبية. وتشير الإحصاءات إلى أنّ البلدان الأكثر تضرّرًا اليوم، هي تلك التي خفّضت في السنوات الأخيرة مستوى استيعاب وحدات العناية المركزة لديها ... لا يختلف الفيروس بين بلد وآخر، ما يختلف ببساطة هو خصائص الاستجابة الصحية له، وهو ما يصنع كل الفرق بين آلاف الوفيات في بعض البلدان، وحالات معدودة في بعضها الآخر. لا شك في أن لاستعمال الاستعارات العسكرية والحربية في توصيف ما نتعرّض له اليوم، بريقًا خاصًا، لكن لا بدّ من الإعتراف بالنقص المأساوي في استعدادنا لمواجهة هذا العدو" (12).
الإمبريالية .. والهاوية السحيقة
طبقًا لبيانات حديثة أصدرها "البنك الدولي"؛ تمتلك ألمانيا 8.3 سرير مستشفى لكل ألف من السكان؛ وفي فرنسا يوجد بها 6.5 سرير لكل ألف؛ أما في إيطاليا فكان هناك 10.6 سرير لكل ألف في عام 1975؛ انخفضت في عام 2018 إلى 2.6 سرير لكل ألف، وفي بريطانيا كان هناك 10.7 سرير لكل ألف شخص في عام 1960 وصلت في عام 2018 إلى 2.8 سرير لكل ألف من السكان، وفي مصر كان هناك 1.6 سرير لكل ألف في عام 2014؛ انخفضت الآن إلى 0.96 سرير لكل ألف. تلك الأرقام الفاضحة لتردي أوضاع المنظومة الصحية العالمية، ضمن ما كشفته الجائحة الفيروسية من عوار وعورات السياسات النيوليبرالية من أزمات متلاحقة، يُعتبر أبنًا شرعيًا للإمبريالية الرأسمالية العالمية الحديثة وأحد ميكانيزمات النهب ما بعد التقليدي لدول الأطراف أو دول العالم الثالث، أي النهب بصيغته التالية للاحتلال العسكري المباشر، والذي يعتمد ضمن ما يعتمد على أربعة آليات للتبادل غير المتكافيء من أبرزها هجرة العقول العلمية وأصحاب الكفاءة بحسب دراسة "عيسى المهنا"، معهد تخطيط الدولة دمشق 2004، والتي حققت إحصائيات: "وجود أكثر من 450 ألف عربي من حاملي الشهادات والمؤهلات العليا في أوروبا وأميركا وكندا، ممن تم تأهيلهم على حساب شعوب البلدان العربية، وتُقدر إحصاءات جامعة الدول العربية قيمة الخسائر الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هجرة تلك العقول بحوالي 200 مليار دولار".
وإن كان تدني الإنفاق على البحث العلمي هو المرادف الموضوعي لهجرة العقول، فيسوق "مجدي عبدالهادي"، تقديرات حول عدم تجاوز الإنفاق على البحث العلمي "نسبة 0.5% من الناتج القومي الإجمالي لأيّ من الدول العربية، مقارنة بنحو 3.5% لألمانيا و2.9% لأميركا و3% لليابان و4.7% لإسرائيل، مع انخفاض مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي إلى 3% فقط، مُقارنة بما يصل أحيانًا لنسب 60 و70% في الدول المتقدمة؛ ما تجلّى أثره في انخفاض الإنتاجية البحثية، بحيث بلغت متوسط 0.2 بحث فقط للباحث العربي مقابل متوسط 1.5 بحث للباحث في الدول المذكورة".
مؤكدًا على أن نصيب الفرد في البحث العلمي في الدول العربية قد بلغ 14.7 دولارًا، ما يقل عن متوسط الدول النامية البالغ 58.5 دولارًا، والمتوسط العالمي البالغ 170 دولارًا، ويقل بكثير جدًا عن الدول المتقدمة البالغ 710 دولارًا، وإسرائيل البالغ 1272.8 دولارًا.
لافتًا الباحث الاقتصادي المصري إلى ما تتميز به السلعة البحثية وسوقها من سمات خاصة، واصفًا إياها بأنها سلعة "كفاية" لا سلعة "عين": "أي أقرب لسلعة عامة لا سلعة استهلاك فردي، ما يتجلى خصوصًا في أن منافعها غير شخصية؛ ما يعطي لسوقها سمات خاصة تنتهي لقلة مستهلكيه ومحدوديتهم كمّيًا وكيفيًا، فضلاً عن اقتصارهم على المؤسسات نوعيًا، وهو الطابع الذي يزداد كلما قلت التطبيقات المباشرة للمنتج البحثي؛ لهذا يصعب حتى من وجهة نظر المجتمع الإعتماد بشكل كامل على السوق الحرة في تمويل ما يحتاجه من بحث علمي؛ إذ (عندما يتخذ الأفراد القرارات بشأن كمية التعليم التي يريدون الحصول عليها أو كمية البحوث والتطوير التي يبتغونها، فإنهم يوازنون بين التكاليف الحدية والمنافع الحدية الخاصة بهم؛ وبذلك فإنهم لا يعون المنافع الخارجية/الاجتماعية لها)؛ فلا يخصّصون له ما يكفي من موارد".. "ولهذا غالبًا ما ترتبط المؤسسات البحثية بالشركات والحكومات، لكون الأخيرة مستهلكي منتجاتها وخدماتها الأساسيين، ما يجعله سوق احتكار مشترين في الواقع (أي سوق يحظى فيه المشترون بأفضلية على البائعين)، ما يضعف الموقف التفاوضي والقدرة التسويقية والتمويلية للمؤسسات البحثية، كما يقيّد نطاق اختياراتها ويعقّد مشكلة تمويلها الذاتي إذا ما أرادت الحفاظ على استقلاليتها، الضرورية لجودة منتجها ذاته" (13).
حرب العولمة والعولمة المضادة
وبالعودة إلى "فوكو ياما"؛ نجده معجبًا في مقاله المنشور عام 2018، بـ"النموذج الصيني" ويعتقد فيه بديلًا وحيدًا معقولًا للديموقراطية الليبرالية، كنموذج لرأسمالية الدولة: "يقول الصينيون صراحة بأن نظامهم متفوق لأنهم يستطيعون ضمان الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى البعيد بطريقة لا يمكن للديمقراطية تحقيقها ... فإذا ما مرت 30 سنة أخرى وصاروا أكبر من الولايات المتحدة، وصار الصينيون أكثر ثراء واستمرت البلاد متماسكة، فإني سأقول إن لديهم حجة حقيقية".
لكن يرى "آلان وودز" أن، فوكو ياما، قد أظهر إرتباكًا واضحًا في هذا الإعتقاد والتفاؤل بالنموذج الصيني، فقد كان (فوكو ياما): "تجريبيًا إنطباعيًا قبل 26 عامًا، عندما كانت لديه أوهام في اقتصاد السوق؛ لأنه كان يبدو وكأنه يتقدم باستمرار. وما يزال تجريبيًا إنطباعيًا حتى اليوم، باستثناء أن إعجابه بالصين قد إزداد بنفس الدرجة التي تراجع بها إعجابه بالرأسمالية الغربية (الليبرالية)" (14).
ويشعر فوكو ياما بالقلق من احتمال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة والصين، حيث قال: "أعتقد أنه سيكون في منتهى الحماقة استبعاد ذلك الاحتمال، يمكنني التفكير في الكثير من السيناريوهات التي يمكن أن تبدأ بها مثل تلك الحرب. لا أعتقد أنها ستكون هجومًا متعمدًا من قِبل دولة على أخرى - مثل غزو ألمانيا لبولندا في عام 1939 - بل من المُرجح أكثر أن تندلع على خلفية صراع محلي حول تايوان أو حول كوريا الشمالية، وربما نتيجة للتوتر المتزايد في بحر الصين الجنوبي".
وبرغم عدم تأييد "وودز" هذا الطرح، وإعتقاده في عدم وجود خطر نشوب حرب "أميركية-صينية"، رغم كافة التناقضات السياسية والإستراتيجية الآنية، متنبئًا بإشتعال "حروب صغيرة طوال الوقت مثل تلك الحروب التي نراها في العراق وسوريا". تأتي جائحة (كوفيد-19) في الربع الأول من العام 2020، وتظهر آراء وتنظيرات عديدة تدور حول هذا التفوق البارز لـ"النموذج الصيني" وتبعاته من احتمالية التصاعد الدرامي لوتيرة الصراع "الأميركي-الصيني" لدرجة التدخل العسكري بينهما؛ وكذا تراجع الهيمنة الأميركية ومدى فرص عودة الولايات المتحدة لحالة عزلتها الأولى، زمن ما قبل العالمية الأولى، ونهاية ما يُطلق عليه بـ"العصر الأميركي"، في حين أصر بعض الاقتصاديون والمحللون التقدميون على أن تكون تكهناتهم أكثر واقعية وتركيزها على ملاحظة الخطوات البطيئة لـ"حرب العولمة والعولمة المضادة" داخل منظومة رأسمالية عالمية واحدة..
وربما التفوق النسبي للصين في امتصاص ضربة الجائحة الوبائية طبيًا - واستفادتها أيضًا اقتصاديًا حتى الآن - في مقابل الضعف الذي تلبس أميركا أمام وباء "كورونا" المُستجد لدرجة تصدرها لقائمة أعداد الموتى والمصابين به عالميًا؛ وما تبع ذلك من تصريحات وإجراءات عصبية إتخذتها إدارتها مستهدفة الصين، لدرجة قيام واشنطن بتجميد حصتها المالية في تمويل "منظمة الصحة العالمية" بسبب محاباتها للإجراءات والإحصائيات الصينية وإعتمادها في إدارة الأزمة عالميًا.. ربما كل هذا يعزز من منطقية نبؤة "فوكو ياما"، عام 2018، ويرصد الكاتب المصري، "إبراهيم نوار"، بأنه: في سياق حملة الهجوم الأميركي على الصين ... تعُتبر إمتدادًا لمدرسة الحرب الباردة السابقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وتسعى الولايات المتحدة من خلال استخدام أسلحة الحرب الباردة المعروفة، وإبتكار أسلحة جديدة، إلى تخريب الصين من الداخل، وتكوين رأي عام يُحاصر الصين عالميًا. وفي سياق هذه الحرب الباردة، تقوم الولايات المتحدة بزيادة مجهودها العسكري في "المحيط الهادي"، وتحريك الكثير من قطع الأسطول السابع إلى بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي و"مضيق تايوان" و"مضيق ملقا"، إضافة إلى تكثيف الطلعات الجوية، ونشر صواريخ "باليستية" متوسطة المدى في بلاد تحيط بالصين مثل، أستراليا وكوريا الجنوبية. (15)
وبينما يرى الكاتب والمؤرخ الأميركي، "مايك ديفيس"، أن انتشار الفيروس لم يكن مثيرًا للدهشة؛ حيث أن فكرة انتشار وباء وشيك كانت تهيمن على أذهان علماء الأوبئة منذ تفشي مرض "سارس" في عام 2003، مؤكدًا على أنه بعد ظهور "إنفلونزا الطيور" في عام 2005، نشرت الإدارة الأميركية "إستراتيجية وطنية طموحة لمواجهة جائحة الإنفلونزا"، تستند إلى اكتشاف أن جميع المستويات من نظام الصحة العامة الأميركي غير مستعدة تمامًا لأي تفشي فيروسي واسع النطاق. بعد الذعر من "إنفلونزا الخنازير" في 2009، جرى تحديث الإستراتيجية. وفي 2017، قبل أسبوع من تنصيب "ترامب"، أجرى مسؤولو إدارة "أوباما"، بالتعاون مع مسؤولي إدارة "ترامب" الجدد، محاكاة واسعة النطاق لاختبار استجابة الوكالات الفيدرالية والمستشفيات في مواجهة جائحة قد تنشأ في ثلاثة سيناريوهات مختلفة، من "إنفلونزا الخنازير" أو فيروس "إيبولا" أو فيروس "زيكا". أخفق النظام، بالطبع، في منع تفشي المرض أو في تبطيط المنحنيات في الوقت المناسب. تُمثل جزءً من المشكلة في الكشف عن الفيروسات والتنسيق. وتُمثل الجزء الآخر في عدم كفاية المخزون وعدم كفاءة سلاسل التوريد، التي تُعاني من اختناقات واضحة، مثل الإعتماد على عدد قليل من المصانع الخارجية لإنتاج معدات الحماية الحيوية. علاوة على ذلك، هناك إخفاق في الاستفادة من التقدم الثوري في التصميم البيولوجي على مدى العقد الماضي من أجل تخزين ترسانة من الأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات الجديدة. (16)
ويوضح "ديفيس" العلاقة الطردية بين العولمة الرأسمالية وحماية البيئة وخلق صحة عامة سليمة للإنسان، بأن العولمة الاقتصادية؛ وهي الحركة الحرة المُتسارعة للتمويل والاستثمار داخل سوق عالمية واحدة تعجز فيها القوى العاملة نسبيًا عن الحركة وتُحرم من القدرة التقليدية على المساومة، تختلف عن الترابط الاقتصادي الذي تُنظمه الحماية العالمية لحقوق العمال وصغار المنتجين. "بدلًا من ذلك، نرى نظامًا عالميًا تراكميًا، يكسر الحدود التقليدية بين الأمراض الحيوانية والبشر في كل مكان، ويزيد من قوة احتكار العقاقير الطبية، ويضاعف من حجم النفايات المسببة للسرطان، ويدعم سيطرة الأقلية الرأسمالية، ويقوض الحكومات التقدمية الملتزمة بالصحة العامة، ويُدمر المجتمعات التقليدية (الصناعية وما قبل الصناعية على حد سواء)، ويجعل من المحيطات مكبًا للنفايات. (حلول السوق) حافظت على الظروف الحياتية الديكنزية البشعة، واستمرار الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي محدودًا عالميًا على نحو مُخجل".
هذا وقد أجمل البروفسور الإيطالي، "ستيفانو مونتاناري"، وجهة نظره المتشككة في الحملات الإعلامية والدعائية والإجراءات الإحترازية التي انتهجتها أغلب الدول حيال جائحة الفيروس التاجي، والتي يراها تضخيمًا وتهويلًا دعائيًا له مأرب أخرى تتمحور حول الاستفادة الاقتصادية لصالح أطراف على حساب أطراف أخرى في اللعبة الرأسمالية العالمية الكبرى. موضحًا أن كل شيء الآن مُغلق، باستثناء "البورصة"، ويمكن لأصحاب الملايين شراء المؤسسات بأمها وأبيها بأسعار منخفضة للغاية. وعندما سيتم إعطاء الإشارة لإنهاء "العملية"، سيتحولون فجأة إلى أصحاب ثروات ضخمة. سيُصبح أصحاب الملايين من أصحاب المليارات، وسيُصبح الأغنياء أكثر غنى، وستُصبح الطبقة الوسطى فقيرة.
وختم "مونتاناري" كلامه قائلًا: "أعتقد أن كل شيء تم ترتيبه لأجل ذلك. ومن أجل ربح المليارات مستقبلاً من بيع اللقاح الذي يزعمون أنه سيكون لقاحًا عجيبًا. سيكون لقاحًا مخصصًا ليُشفي من فيروس متغير، فيروس لا يمكن أن تكون هناك مناعة حياله، وهذا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك لقاح...". (17)
أما البروفسور الروسي، "فالنتين كاتاسونوف"، أستاذ الاقتصاد بجامعة العلاقات الدولية بموسكو، فقد حرص على بناء رؤية شاملة حول أزمة الرأسمالية العالمية الحالية والمترجمة في عدة ظواهر تراكمية منذ انفجارها عام 2008؛ كان أبرزها مؤخرًا الصراع "الأميركي-الصيني" والجائحة الوبائية (كوفيد-19)، تلك الأجواء الآنية التي يراها "كاتاسونوف" مشابهة لحد التطابق لأجواء سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية وتحديدًا للحظات تفجر الأزمة الرأسمالية نهايات العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي والمعرفة بـ"الكساد الكبير"، وبالتالي يستخلص البروفسور الروسي من تحليله أن الجائحة الفيروسية جائت كبديل موضوعي عن نشوب حرب عالمية جديدة.. ففي شهر تشرين أول/أكتوبر من عام 1929؛ اجتاحت موجة من الذعر الجنوني "بورصة نيويورك" كانت الشرارة لإشتعال أزمة الاقتصاد الأميركي ما لبثت أن تجاوزت حدود الولايات المتحدة، فبدأ في العام 1930 تراجع الاقتصاد العالمي والتدهور الاقتصادي الذي استمر إلى عام 1932، وفي عام 1933 بدأ "الكساد الكبير".. وبناءً على نظرية الدورة الرأسمالية عادة ما يُشار إلى أربعة مراحل هي: "الركود؛ الكساد؛ الإنتعاش؛ والذروة"، والأخيرة هي أعلى نقطة في نهوض الاقتصاد. إنها الأزمات الدورية في ظل الرأسمالية.. آنذاك كان الجميع ينتظرون أن ينتهي التدهور وأن يبدأ إنتعاش الاقتصاد بمرور الوقت، ولكن لم يأتي الإنتعاش.. بذلت كل الجهود الممكنة بغية إنتعاش الاقتصاد بما في ذلك اللجوء إلى أفكار الاقتصادي الإنكليزي، "جون كينز"، في تدخل الدولة الحديدي في القطاع الاقتصادي، وبرنامج "روزفلت" الذي أعلن في الولايات المتحدة تحت عنوان (New Deal-النهج الجديد)، الذي خفف نسبيًا من وطئة الركود، ولكنه لم ينتشل الاقتصاد الأميركي من الوضع الذي كان فيه، ولم تتحول مرحلة "الركود" إلى "إنتعاش" يتبعه نهوض، حينها أصبحت الحرب، الحرب العالمية الثانية، التي باتت السبيل الوحيد للخروج من ذلك الوضع. يؤكد "كاتاسونوف" بأن: "وضعًا مثل هذا تقريبًا؛ بل وأسوأ منه ينشأ في العالم اليوم، لأن أزمة 2007/2008 انتهت، ولكن الركود مازال مستمرًا حتى الآن.. حتى عام 2020".
متابعًا: "في عام 2009؛ انتهت الأزمة، ولكن الركود مازال مستمرًا حتى الآن؛ أي أكثر من عشرة سنوات، وهذا غير طبيعي، وإذا قارنا هذا الوضع بدورات أزمات أخرى، نجد أن آمد الركود الحالي طال كثيرًا، وأنا على إطلاع أن مفاوضات ما جرت خلف الكواليس للخروج من الوضع الحالي بإشعال حرب جديدة، ولكن في هذا الوقت؛ الجميع يعلم أن إشعال حرب صغيرة ينطوي حتمًا على خطر تصاعدها وتحولها إلى حرب كبيرة قد تغدو حربًا نووية تقضي على البشرية، لذا من يعملون خلف الكواليس العالمية تخلوا عن فكرة شن حرب كبيرة كوسيلة لإنتشال الاقتصاد من دائرة الكساد، ولكن الحرب في حقيقة الأمر دائرة الآن وسوف تستمر، والفرق أنها حرب باردة، كما كان يقال في القرن العشرين؛ ويسمونها الآن (الحرب الهجينة)، أما جائحة فيروس كورونا فقد سعرت هذه الحرب الهجينة، فقد ظهرت في الوقت المناسب للنظام الرأسمالي العالمي.. ولكن الحروب عادة ما تجعل أحد المشاركين فيها منتفعًا، وثمة ما يكون في عداد الخاسرين عندما تنتهي الحرب، وقد يختفي آخرون من خارطة العالم السياسية. ونحن الآن شهود هلع إعلامي بخصوص فيروس كورونا، أنا أفترض أن هذا الهلع ذو طابع إعلامي بنسبة 90%؛ ومهمته إحداث رجة في العالم للانتقال في الاقتصاد إلى طور جديد، طور الإنهيار".
الأزمة كما يرد في كتب الاقتصاد العالمية من شأنها أن تُزيل بطريقة عفوية وعنفية إختلالات التوازن المتراكمة في الاقتصاد، وأزمة 2007/2008 لم تلغي الإختلالات، فـ"الركود" بعد أن بدأ لم يتحول إلى أسلوب ناعم لإزالة الإختلالات بل تعاظمت.. "الركود" طال آمده؛ وعندئذ أخذت المصارف المركزية تطبع دولارات غير مكفولة، لا غطاء لها، أما الكمية الكبيرة من الأموال المطبوعة فقد أفضت شيئًا فشيئًا إلى تشكل فوقعات مالية في البورصات، ومرة أخرى تزايد حجم الديون في جميع قطاعات الاقتصاد، وحوالي عام 2007 لامست ديون "الولايات المتحدة" مؤشرات 300% من الناتج المحلي الإجمالي، والأمر نفسه حدث في "الاتحاد الأوروبي"، وفي "الصين" أيضًا بلغ الدين 300% من الناتج المحلي الإجمالي، هكذا وضع أكثر جدية مما كان عليه عشية أزمة 2007/2008، ما استدعى ضرورة تجاوز هذا الوضع الاقتصادي.. الحرب عادة ما تلغي الديون الكبيرة، فبعد الحرب ما إن يزول الدائن، وهذا ما حدث في السابق، وإما أن يتحول المدين إلى دائن، "أميركا" مثالًا على ذلك؛ فبعد أن كانت أكبر مدين في العالم إنخرطت في الحرب العالمية الأولى فأصبحت أكبر دائن.
ويرفض "فالنتين كاتاسونوف"؛ وضع أي تنبؤات بما ستأول إليه أزمة الرأسمالية العالمية فيما بعد الجائحة الفيروسية "الاقتصادية"، لافتًا إلى الوضع الحالي لأميركا التي يرى أنها تُعاني حربًا أهلية اقتصادية في جوهر الأمر، قائلًا: "ربما يبدو هذا الأمر مبالغة فاقعة، ولكن أميركا تشهد الآن صراعًا بين ترامب وأولائك الذين يسمون الدولة العميقة، ونتيجة هذا الصراع الداخلي سيتحدد موقع الولايات المتحدة في العالم، يُحاول ترامب عمليًا أن يُعيد الجن إلى الزجاجة التي أطلق منها عام 1944، عند إقامة نظام بريتين وودز المالي العالمي، آنذاك بالتحديد إتخذ القرار بأن يُصبح الدولار المرتبط بمكافيء ذهبي عُملة دولية، وهكذا ظهر معيار الدولار الذهب، بدا الأمر وكأن أميركا كانت تحلم بذلك؛ فلم يُعد الدولار عُملة قومية، بعد ذلك صار حملة الأسهم في نظام الاحتياطي الفيدرالي يحصلون على دخل من كل دولار ورقي متداول في كل أنحاء العالم، وكهذا ظهر إلى الوجود نموذج الرأسمالية المالية، ولكي يُصبح الدولار عُملة عالمية، كان على الاقتصاد الأميركي الحقيقي أن يندثر هكذا بكل بساطة، فالدولار الأميركي في حقيقته هو ايصال دين مثله مثل أي ورقة نقدية، وكي تنتشر هذه الدولارات بكميات كبيرة خارج حدود أميركا يجب أن يكون رصيد الميزان التجاري للولايات المتحدة سلبيًا، والرصيد يكون سلبيًا عندما يزيد الاستيراد على التصدير، أي الاقتصاد القومي يفقد قدرته التنافسية ومواقعه في الأسواق العالمية، حتى عام 1964 لم تكن أوروبا في وضع يسمح لها ببيع سلعها على نطاق واسع والحصول مقابل ذلك على الدولارات من الولايات المتحدة، ولكن في العام 1965 تغير الوضع فصارت الدولارات تصل من أميركا بكميات كبيرة؛ وفي هذا الوقت بدأت في الولايات المتحدة مرحلة إضعاف الاقتصاد الحقيقي، أود الإشارة إلى أن قرارات مؤتمر بريتين وودز عام 1944 قد لاقت رفضًا شديدًا في الكونغرس الأميركي". (18)
بداية جديدة للتاريخ .. أم هدنة لإلتقاط الأنفاس ؟
أما "مايك ديفيس" فيرى في الأزمة الحالية أنها تُجبر رأس المال، كبيرًا وصغيرًا، على مواجهة الإنهيار المحتمل لسلاسل الإنتاج العالمية وعدم القدرة على إعادة توفير إمدادات أرخص من العمالة الأجنبية باستمرار. في الوقت نفسه، تُشير إلى أسواق جديدة مهمة أو قابلة للإتساع للقاحات وأنظمة التعقيم وتكنولوجيا المراقبة وتوصيل البقالة للمنازل، وما إلى ذلك. ستؤدي المخاطر والفرص مجتمعة إلى إصلاح جزئي: المنتجات والإجراءات الجديدة التي تُقلل من المخاطر الصحية الناجمة عن استمرار ظهور الأمراض، بينما تُحفز في نفس الوقت زيادة تطوير "رأسمالية المراقبة". لكن من شبه المؤكد أن هذه الحماية ستكون محدودة - إذا تُركت للأسواق والأنظمة القومية الاستبدادية - وسوف تقتصر على الدول والطبقات الثرية. سوف يعززون الجدران بدلًا من إزالتها، ويعمقون الانقسام بين إنسانيتين: إحداهما تمتلك الموارد اللازمة لتخفيف تبعات تغير المناخ والأوبئة الجديدة والأخرى لا تمتلكها.
موضحًا: "في إعتقادي أن الأزمة الحضارية في عصرنا مُحددة بعدم قدرة الرأسمالية على توفير الدخل لغالبية البشرية، أو توفير الوظائف أو الأدوار الاجتماعية الهادفة، كما أنها عاجزة عن وقف إنبعاثات الوقود الإحفوري، وترجمة التقدم البيولوجي الثوري إلى ما يخدم الصحة العامة. هذه أزمات متداخلة، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ويجب النظر إليها ككل متراكب، وليس كقضايا منفصلة. ولكن لصياغة الأمر بلغة أكثر كلاسيكية، يمكن القول إن الرأسمالية الفائقة أصبحت في الوقت الراهن قيدًا يُكبل محاولات تطوير قوى الإنتاج اللازمة لبقاء جنسنا البشري على قيد الحياة". (19)
في حين يلحظ الباحث الاقتصادي المصري، "مجدي عبدالهادي"، تضارب آراء الخبراء مختلفي التخصصات حول الآثار الهيكلية بعيدة المدى للأزمة مما يمس قواعد وآليات عمل النظام الأساسية بالأخص، ويرى أن أغلبها اتفق على بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية الإستراتيجية حال استطالت أزمة "كورونا" لما يصل لعام أو عام ونصف؛ كما ترى بعض التوقعات، من أهمها :
أولًا: تراجع كبير في الثقة العامة بالقطاع الخاص وتغليب منطق الربح في القطاعات الاجتماعية الأساسية.
ثانيًا: هزّة قوية في الإيمان بنجاعة ومتانة نظام التجارة الدولية وسلاسل التوريد والقيمة العالمية الكبيرة والمعقدة.
ثالثًا: إتجاهات للإنغلاق وتعزيز الدول القومية، تدعمه خبرة الدول حاليًا مع ميل كلٍّ منها للحلول الفردية وضعف التعاون الدولي.
رابعًا: ستتغيّر أساليب الإنتاج الزراعي والحيواني الكبير، ومعها أنماط الاستهلاك الغذائي والاشتراطات الصحية، كما ستتعزّز برامج البحث العلمي المشتبكة مع جوانبها الاجتماعية والبيئية، ... ستتغيّر أنماط العمل، ويزداد الإتجاه للاستفادة من التقنيات الحديثة للعمل عن بُعد، خصوصًا بعد اتساعها وتجربتها عمليًا وإجباريًا في خضم الأزمة.
خامسًا: ستزداد المخاوف من الهيمنة المالية والمصرفية الهائلة، بما يتصل بها من هشاشة اقتصادية تُهدِّد بالإنهيارات السريعة دومًا مع كل صدمة عرض أو طلب فعلية أو لمجرد مخاوف استثمارية.
سادسًا: ربما تتراجع جزئيًا النزعة الاستهلاكية التي سادت منذ السبعينيات مع التجربة المؤلمة للركود وإنقطاع الدخول وفقدان الأمان الوظيفي، فتزداد الميول الإدخارية ونزعات "المينيماليزم" أو التقليل من الاستهلاك والشراء قدر الإمكان.
وعليه؛ يحاول "عبدالهادي" استنتاج تفتّح إمكانات لبعض التحوّلات النوعية في الوعي الاجتماعي، أي تحوّلات على مستوى الإيديولوجية تتماشى مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، بما يفتح أبوابًا لتغيرات حقيقية أوسع في كامل حياتنا، إنها الرؤية الجديدة للاقتصاد التي يمكن لـ"كورونا" أن يهبنا إياها، والتي ستشمل غالبًا تغيّرات جذرية في المواقف تجاه "أبقار الرأسمالية المقدسة". (20)
فأولًا، من المُرجَّح جدًا أن تكسب دعوات تقرير "حدود النمو" مزيدًا من القبول على حساب إيديولوجية "النمو للنمو" المرتبطة بالتراكم المستمر لرأس المال، ... ستتبيّن بمزيد من الوضوح أهمية اعتماد أفق واقعي للنمو الاقتصادي والتوسع الاستهلاكي، كما ستظهر إمكانات جديدة للناس تتعلّق بخفض يوم وأسبوع العمل...
ثانيًا؛ ربما تتّجه الحكومات إلى مزيد من السيطرة على أسواقها المحلية، وتحقيق قدر من الإكتفاء الذاتي، وتقصير سلاسل توريدها من الخارج، وتقليص هيمنة رأس المال المالي ودور البورصات والأموال الساخنة، لتقليل المخاطر والهشاشة المتصلة بها، كما ستقلّص هيمنة القطاع الخاص وحافز الربح على القطاعات الإنسانية والاجتماعية الإستراتيجية لصالح مزيد من الصالح الاجتماعي العام عليها.
ثالثًا؛ وأخيرًا وليس آخرًا، سيتنامى وعي متناقض تجاه عالمية النظام الرأسمالي، فمن ناحية، ستستعيد الدولة القومية بعض قوتها وأهميتها في المدى القصير، ويتراجع التعاون الدولي وربما تتقلّص التجارة الدولية وحرية حركة رأس المال جزئيًا، لكن من ناحية أخرى كذلك، سيزداد الوعي بأهمية التنسيق الدولي في الملفات ذات التأثيرات العالمية العابرة للحدود. ومع ذلك، لن يكفي هذا التغيّر المحتمل في نظرتنا للاقتصاد لإحداث تغيّر موازٍ في واقعنا معه، فهذا يشترط فعلًا اجتماعيًا وتوازنات قوى، وبالمُجمل نضالات شعبية ربما لا تتراكم القوى الكافية لها في المدى المنظور، وإن ظلّت النظرة الجديدة خطوة مهمة على طريقها.
وبالفعل جاءت تلك التنبؤات التي خلصت إليها آراء معظم خبراء ومنظري الاقتصاد السياسي؛ من تبعات للجائحة الوبائية (كوفيد-19)، والتي يمكن تلخيصها في :
1 - إمكانية نشوب حرب عسكرية، بأغراض تقسيم الأسواق والأذرع الاقتصادية وإعادة فرض النفوذ الاقتصادي/السياسي، بين تكتلات دولية متضاربة المصالح بقيادة "الولايات المتحدة" من جهة و"الصين" من جهة أخرى.. ليس من الضروري أن تكون حربًا مباشرة كبرى بين القوتين، ولكن يمكنها النشوب في شكل حروب صغيرة (بالوكالة أو في صيغ حروب نوعية)، خاصة بعد تسخين المشهد بعد إنهيار أسعار البترول العالمية والصراع المباشر بين "روسيا" و"السعودية" في هذا المضمار؛ وتصعيد التوترات "الأميركية-الإيرانية" لحد التحرشات العسكرية الواضحة على الأراضي العراقية، وبداية تخلي واشنطن عن حلفاءها التاريخيين في الرياض كمثال ليس للحصر، فضلًا عن إصرار إدارة "ترامب" على التحرش - حتى ولو على مستوى التصريحات اللفظية - بـ"الصين" ملقيًا عليها كامل مسؤولية انتشار الفيروس.
2 - انتهاء مرحلة سياسات القطب الواحد، التي تُعتبر جائحة "كورونا" خاتمة مرحلتها النهائية التي بدأت منذ سنوات سابقة، وإن لم تنتهي ظاهرة هيمنة "العصر الأميركي" فعلى الأقل سوف تجد من يقاسمها فرض مظلتها المهمنة عالميًا فيما يُشبه أجواء الحرب الباردة سابقًا، ولكنها حرب باردة بين عولمتين متضادتين المصالح، (الحرب الهجينة)، وليست حرب إيديولوجيات متناقضة.
3 - تنمية دور الدولة القومية في إطار اليميني، وتصعيد وتائر نبذ الآخر، المتمثل مباشرة في المهاجرين والوافدين، وتقليص دور التعاون الدولي.
وهنا تحديدًا أهتز الوجدان الليبرالي الغربي رعبًا خشية على انهيار نموذجه الديموقراطي الذي أجتهد مستبسلًا في فرضه عالميًا، لدرجة لجوءه المتكرر للدبابات والآلة العسكرية لفرضه قصرًا، خاصة بعد كل تلك القراءات النظرية للمشهد الحالي للرأسمالية المأزومة وآفاقها بفرض أضلاع مثلث: "الكينزية، المارشالية، الفاشية".. فتحت عنوان: "فيروس كورونا في مواجهة الديمقراطية.. كيف يغيّر الوباء العالم"، نشر موقع (غازيتا رو)، مقالًا حول اختبار وباء "كورونا" الديمقراطيات الأوروبية، وحقوق الإنسان وآليات العمل الحكومية. مؤكدًا على أنه: "في حال تهديد العدوى للسياسيين، غالبًا ما تُصبح البرلمانات أقل فاعلية. هذا واضح في الولايات المتحدة، حيث خسر حزب الرئيس الجمهوري الأغلبية في مجلس الشيوخ بسبب الحجر الصحي لخمسة أعضاء جمهوريين. ونتيجة لذلك، استمرت مناقشة مشروع قانون تدابير الطواريء للتعامل مع عواقب الوباء عدة أيام إضافية". (21)
.............................................................................
المصادر :
• برغم عدم إيمان كاتب السطور بفرضية رفض ما يُطلق عليه بـ"نظرية المؤامرة"، تلك الفرضية التي انتشرت بكثافة إعلاميا وبحثيًا على ألسنة الكثير بهدف الكف عن البحث والتحري وراء وقائع أو حيثيات حدث ما والأخذ بما يظهره من تفاصيل وملابسات، وهي فرضية - في إعتقادي - تعرقل إعمال العقل بمعنى "الشك الجدلي" والدعوة إلى التوقف عن البحث والتحقيق الجدلي في حدث أو ظاهرة أو ما شابه مما يطرأ على الواقع العام؛ فأي حدث ما يملك من الأسباب ما يتبعه بنتائج؛ فضلًا على إن أعتمدنا الكف عن تحقيقه فيجب إعدام وظائف التحقيق القضائي والصحافي وما على شاكلتهما من مهن تعتمد الحقيقة والتحقق.. ليس معنى ذلك التسليم، في اعتبار فرضية رفض نظرية المؤامرة وهمًا كبيرًا، الأخذ بأي معلومات لا وزن لها من منطق أو يحتملها عقل دون تثبُت أو تدليل.
(1) نشوى الحفني - (أفول نجم "الاتحاد الأوروبي" .. "كورونا" يقضي على أنفاسه الأخيرة !) - صحيفة (كتابات) الإلكترونية - 27 آذار/مارس 2020.
(2) ("يديعوت أحرونوت": فيروس "كورونا" يكشف زيف مباديء "الاتحاد الأوروبي" !) - ترجمة: سعد عبدالعزيز - صحيفة (كتابات) الإلكترونية - 25 آذار/مارس 2020.
(3) (فيروس "كورونا" يقوض "الاتحاد الأوروبي" .. روسيا والصين تنقضَّان على القارة العجوز !) - ترجمة: سعد عبدالعزيز - صحيفة (كتابات) الإلكترونية - 30 آذار/مارس 2020.
(4) (صناعة "الكحول المُطهر" تطغى .. الشركات الأوروبية تُعيد توجيه صناعاتها مواكبة لأزمة "كورونا" !) - ترجمة: لميس الشرقاوي - صحيفة (كتابات) الإلكترونية - 21 آذار/مارس 2020.
(5) ("كورونا" يزلزل الأسواق الأوراق المالية العالمية .. والأكثر ثراء يحصدون خسائر بالمليارات !) - ترجمة: آية حسين علي - صحيفة (كتابات) الإلكترونية - 06 آذار/مارس 2020.
(6) د. محمود الخفيف - (عولمة الليبرالية المتوحشة أعلى مراحل الاستغلال) - صحيفة (الأهرام) القاهرية البوابة الإلكترونية - 4 شباط/فبراير 2015.
(7) مجدي عبدالهادي - (أبقار الرأسمالية المقدسة.. هكذا سيغير "كوفيد-19" نظرتنا للاقتصاد العالمي) - موقع (الجزيرة نت) - إصدار (الميدان) - نيسان/أبريل 2020.
(8) صقر النور - (صغار الفلاحين ومعركة كورونا: غائبون عن خطط الدعم.. حاضرون في خطوط الإمداد) - موقع (المنصة) المصري - 30 آذار/مارس 2020.
(9) آلان وودز - (فوكو ياما يُعيد النظر في أفكاره: "الاشتراكية يجب أن تعود") - موقع ماركسي - 24 تشرين أول/أكتوبر 2018.
(10) د. محمد دوير - (ماركس ضد نيتشه.. الطريق إلى ما بعد الحداثة) - روافد للنشر والتوزيع - القاهرة 2020.
(11) آلان وودز - (فوكو ياما يُعيد النظر في أفكاره: "الاشتراكية يجب أن تعود") - مصدر سابق.
(12) جان دومينيك ميشال - ("كوفيد-19".. هل هي نهاية اللعبة ؟) - صحيفة (الأخبار) اللبنانية - الخميس 9 نيسان/أبريل 2020.
(13) مجدي عبدالهادي - (كيف نعالج مشكلات تمويل البحث العلمي في المنطقة العربية ؟) - 22 آذار/مارس 2020.
(14) آلان وودز - (فوكو ياما يُعيد النظر في أفكاره: "الاشتراكية يجب أن تعود") - مصدر سابق.
(15) إبراهيم نوار - (لمن ستكون الغلبة في الصراع على النفوذ في العالم بعد وباء كورونا ؟) - صحيفة (القدس العربي) - 31 آذار/مارس 2020.
(16) (عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) - (مدى مصر) - شريف عبدالقدوس - ترجمة نصر عبدالرحمن - 3 نيسان/أبريل 2020.
(17) ترجمة نشرها المترجم والكاتب "مشعل يسار" على حسابه الخاص على شبكة (فيس بوك)؛ بعنوان: (لا حاجة للأقنعة ولا للقفازات ولا للإنحباس في المنزل، ولن يكون هناك لقاح)، وهي ترجمة لحوار متلفز أجري مع البروفسور الإيطالي، "ستيفانو مونتاناري"، مع قناة (byoblu24)، يوم 2 نيسان/أبريل 2020.
(18) مقابلة أجرتها قناة (روسيا اليوم) "RT"؛ ضمن برنامج "رحلة في الذاكرة"، مع البروفسور، "فالنتين كاتاسونوف" - نيسان/أبريل 2020.
(19) (عن الأوبئة والرأسمالية الفائقة وصراعات المستقبل.. حوار مع مايك ديفيس) - (مدى مصر) - مصدر سابق.
(20) مجدي عبدالهادي - (أبقار الرأسمالية المقدسة.. هكذا سيغير "كوفيد -19" نظرتنا للاقتصاد العالمي) - موقع (الجزيرة نت) - إصدار (الميدان) - نيسان/أبريل 2020.
(21) (روسيا اليوم) - (فيروس كورونا في مواجهة الديمقراطية.. كيف يغيّر الوباء العالم) - تاريخ النشر: 31 آذار/مارس 2020.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن