التصعيد الامريكي ضد الصين.. مخاطر وحدود

ثائر سالم
thairsalim42@gmail.com

2020 / 5 / 16

القلق الامريكي من المنافس الاقتصادي الصيني، ليس جديدا. فقد كان التطور الاقتصادي الصيني السريع، محط اهتمام ومتابعة، منذ اكثر من عقد، من قبل مراكز الدراسات الستراتيجية الامريكية،  وتوجهات الحكومات المتعاقبة. فقبل ايام فقط، اعتبر الرئيس الامريكي الصين تهديدا جديا لموقع اقتصاد الولايات المتحدة الاول عالميا. وقال متذرعا بانتقاد سياسة سابقيه ، " لو لم اكن انا الان موجودا في هذا الموقع، لكانت الصين قد انتزعت ومنذ شهرين، الموقع الاقتصادي الاول عالميا من الولايات المتحدة". ورغم ان بصمة هاجس الانتخابات الرئاسية القادمة، لا يمكن استبعاد وجودها ، في تصريح ترامب هذا، الا انه لا يمكن ايضا تجاهل، تلميح ما على الاستعداد للاقتراب من منطقة الصدام.
والاسباب الاقتصادية لهذا التصعيد لا يمكن اخفائها بالتذرع بكوورونا. و الابتزاز الاقتصادي والسياسي للصين، و الحرب الاقتصادية والتجارية معها،  له تداعياته الانية والمستقبلية، على اقتصاد البلدين والاقتصاد العالمي، وعلى حياة واقتصاد حتى الشعوب البعيدة، وعلى استقرار النظام الدولي الحالي برمته، اقتصاديا وسياسيا، اضافة الى المستوى النووي للبلدين، هو يضعف دوافع احتمال وصول الصراع بينهما حد المواجهة العسكرية. الا ان احتمال حدوثها، دون المستوى النووي، يبقى احتمال قائم. اما احتمال تطوره الى صراع نووي لاحقا، بضغط من المجمع العسكري الصناعي، او نتيجة خطا في حسابات القيادة السياسية، خصوصا في ظل اجواء التوتر والاستفزاز،  وانسداد افق تسوية اقتصادية مقنعة، وفشل وسائل الضغط الاقتصادي المباشر على الصين وعلى الدول الاسواق التي تتعامل معها... فهو ايضا احتمال لايمكن تجاهله.
.

لقد شهد العالم ولازال، حروبا تجارية عدة، لم ينفع معها التفاوض ولا الاتفاقات ولا الانتماء الى منظمة التجارة العالمية ولا شرطية الالتزام  بقواعد عملها.
اذن كيف يمكن ضمان بقاء البشرية بعيدة، عن حافة الحرب الكونية، اذا ماوصلت هذه الحرب الاقتصادية الى مرحلة تتطلب تنازلات مؤلمة ومكلفة، يصعب تحقيقها، بالنسبة لاقتصادات المتنافسين او اقتصاد احدهم، .. كما يحصل اليوم بين الصين وامريكا ؟ وهل يمكن تجنب هذه الحروب الاقتصادية والتجارية اصلا، بين عمالقة الاقتصاد، الصناعة والمال والاسواق، في ظل نظام الراسمالية الدولي، واذا كانت المنافسة في الاسواق، قبلة الاقتصاد، ورافعة التطور الاقتصادي، ومصدر  التركم الراسمالي؟

رغم ان محاولات احراز تفوق عسكري حاسم، واحتكار هذا التفوق من طرف واحد، لازالت مستمرة، الا ان كسر هذا الاحتكار وتعدد مراكز هذا التفوق بين الكبار، يبقى العامل الحاسم للحفاظ على السلم العالمي وتجنب هذه الحرب، التي تحمل خطر الفناء البشري.

واذا كان هذا التوازن هو ما يضمن اليوم تجنب، خيار الحرب النووية.. فماذا عن حروب اخرى مستمرة منذ قرون، التي تزهق فيها ارواح الملايين سنويا، ويعطل فيها مستقبل اجيال وشعوب... كيف يمكن تجنبها؟ اليست هي نوعا من حرب كونية، مسكوت عنها، من قبل اصحاب المصالح و القرار الدولي؟ 
واقصد تلك التي لا تترك امام شعوب وجماعات غير خيار الموت صمتا واستسلاما للجوع والفقر والحرمان والمرض والاوبئة..في ظل نظام تتكدس في خزائنه تريليونات الدولارات، فائضة(نسبيا)، في حسابات افراد ودول، 
وتبحث عن فرص وفرائس للاستثمار؟.
ماذا عن المليارات التي تصرف بطرق سفيهة ولاعقلانية  ومظاهر بذخ لا اخلاقي، وبارقام فلكية على العاب الغولف وكرة القدم ونشاطات الفن،  (على قيمتها الحياتية والجمالية، ولكنها متاحة لجماعات وليس، لشعوبا) ، في وقت يفتك فيه المرض والجوع والفقر بالدول المتخلفة والنامية .. اليست هذه نوعا من حروب كونية؟
وماذ عن  حروب الاحتلال التي تقيم تحالفا مع البنى المتخلفة،  وتدعم ثقافة التخلف والتقسيم الفئوي الى بنى ماقبل المدنية (الطائفية والعشائرية والانقسام الديني والتمييز العرقي) وتكرس التهميش الاجتماعي، لقوى التمدن والحرية والعلم. ..وترسخ حقائق التخلف الاقتصادي، عبر فرض سياسات التبعية المالية والاقتراض بشروط تعيق فرص التنمية الحقيقية
... اليست هذه نوعا من حرب كونية لا يجري البحث حتى الان في كيفية تجنبها؟
وماذا عن اشعال ودعم الحروب الاهلية، الدينية او الطائفية او الصراع الحزبي، اليست حروبا تتبدد فيها اموال ويساق الى مطحنتها دوما الملايين ، ويكونوا وقودها.. دون ان يكون لهم اي مصلحة فيها؟
فهذه الحقائق لايمكنها ان تكون، بالنسبة للقوى العالمية اكثر اقناعا او اغراء من، المعدلات العالية للارباح والتراكم الراسمالي ،التي لازالت تحققها، بفضل تفوقها العسكري وسطوتها الاقتصادية والسياسية العالمية. الامر الذي يشكل قاعدة اصرارها على ذات الرؤية والسياسة، واساس خطر اندلاع حرب باسباب التنافس والاسواق وحماية هذه المصالح، باي شكل او مبرر كان.

وامكانية احداث اصلاح في هذه السياسات، لن يتم بدوافع عقلانية، او روافع اخلاقية-ضميرية. فقط الضرورات والمصالح، والضرورات والمصالح  الاقتصادية بالدرجة الاولى، من سيكون لها القول الفصل.
الحرب كانت دائما تعبيرا عن ارادة مشعليها ومصالح المستفيدين منها، ووقودها دوما اناس لامصلحة او قناعة لهم فيها، بغض النظر عن حيوية وقوة ظمائرهم.  اما عقول وضمائر مشعليها، فكانت محكومة دائما بمصالح ومكاسب ، دول ونظم تعبر عن ارادة الطبقات المتحكمة بالاقتصاد والسياسة في بلدانها والعالم.
فضمائر اكثر الساسة والقادة ،  كانت تتجلى حتى في المنظمة الدولية التي يفترض انها تعبر عن القيم التي تتبناها، كصدى لمعادلة التوازن القائمة والحاكمة هذه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن