ستنتصر البشرية وستنتصر مصر على الجائحة

الحزب الاشتراكي المصري
mhkhalil1952@gmail.com

2020 / 4 / 12





تواجه مصر والبشرية أكبر تحد وبائى عالمى نشهده فى حياتنا وفى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية متمثلا فى جائحة كوفيد 19 المعروفة بوباء كورونا. وأعلن العالم وأعلنت مصر أنها فى حالة حرب مع الوباء، وهى حرب ستكلل بالانتصار حتما مثلما انتصرت البشرية على كل الأوبئة التى مرت عليها تاريخيا، والنضال يتمثل فى الحصار والوقاية واكتشاف اللقاحات والأدوية للعلاج، من أجل تقليل الخسائر البشرية والمادية وحصرها فى أضيق الحدود.

وبشكل عام استجابت الحكومة المصرية مع الدول الأخرى للجائحة فى جانبها الحاد بالكثير من الإجراءات الملائمة مثل إغلاق المنشآت التعليمية والترفيهية، وفرض الحظر والتباعد الاجتماعى وتعقيم الأماكن، بالإضافة إلى إجراء التحاليل وحجز الحالات الحادة والحرجة فى 27 مستشفى عزل، الحجز فى الرعايات المركزة للحالات المحتاجة، وهو ما شاركت فيه القوات المسلحة مع مختلف أجهزة الدولة، بجهد ضخم مشهود.

ولكن الاستجابة للجانب الحاد من المشكلة بما هو متاح من إمكانيات تواجه بمحدودية الإمكانيات الوقائية والتشخيصية فى الكثير من الدول المتقدمة والمتخلفة، والتنافس الحاد على استيرادها من الدول المنتجة فى ظل المنافسات الضارية وغير المتكافئة. وأخذت كل دولة تُفَصِّل استجاباتها فى حدود إمكانياتها، فمثلا الدول ذات الإمكانيات العالية تجرى فحص الفيروس على كل المشتبه بهم وعلى عينات من المواطنين لقياس مدى الانتشار وتحديد البؤر الساخنة له، بينما تقتصر الدول ذات الإمكانيات المحدودة كمصر، بل وانجلترا، على عمل التحليل للحالات ذات الاحتمال العالى للإصابة.

هنا يظهر بشكل جلى أن أى دولة لا تتمثل مواجهتها للجائحة فى الإجراءات الحادة التى تطبقها زمن الوباء وحسب، وإنما وهو الأهم، فى النظام الصحى، بل والاجتماعى الاقتصادى قبل الوباء، فالتحدى الأكبر فيتمثل فى هيكل الخدمات الصحية الذى عانى طويلا فى مصر من تقليل الإنفاق والتدهور، وخصوصا فى ظل السياسات التقشفية المطبقة عبر عقود مضت، وبالذات منذ الاتفاق على قرض صندوق النقد الدولى 2016- 2019. والآن يبلغ معدل أسرة المستشفيات فى مصر 1.4 سرير لكل 1000 مواطن، وكان 2.2 فى الستينات، بينما فى الدول المتقدمة يصل إلى ما بين 4-10 سرير! كما أن مصر لا تمتلك سوى 10300 سرير رعاية مركزة عام وخاص بنسبة سرير واحد لكل مائة ألف فى السكان تقريبا بينما المتوسط فى آسيا 7.3 سرير وفى أوروبا 8.3! والعجز فى الأطباء فى مصر يصل إلى 50% حيث لا يوجد سوى 1.2 طبيب لكل 1000 مواطن بينما المطلوب ألا يقل عن المعدلات العالمية اللائقة وهو 3 لكل 1000، ناهيك عن أن العدد يصل فى الدول المتقدمة من 6-10! كما يزيد العجز فى التمريض أيضا عن 50%، رغم أن بلدنا منتجة بوفرة للكوادر البشرية، ولكن هيكل الأجور الضعيف يعمل بشكل طارد، ويرجع إليه السبب فى نزوح 70 ألف طبيب مصرى إلى دول الخليج إضافة إلى 20-25 ألف طبيب مصرى موزعين بين أمريكا وأوروبا واستراليا!

والسبب الرئيسى لمشاكل الهيكل الصحى من ضعف الأجور ونقص المستلزمات ومحدودية البنية التحتية من ناحية المنشآت الطبية يكمن فى الضعف الشديد فى ميزانية الصحة، وهو الضعف المتواصل منذ سياسة الانفتاح الاقتصادى فى سبعينات القرن الماضى، حتى تبوأت مصر ترتيب الدولة قبل الأخيرة فى أفريقيا من ناحية نسبة الإنفاق الصحى إلى الناتج المحلى الإجمالى (ن.م.أ). وهو ما التفت الدستور المصرى فحدد وجوب ألا يقل الإنفاق الصحى عن 3% من (ن.م.أ). يزيد تدريجيا حتى يصل إلى النسب العالمية (6%). ووصلت تلك النسبة بعد عام من وضع الدستور إلى 2.2% من (ن.م.أ)، إلا أن شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولى أدت إلى تقليله حتى وصل عام 2019-2020 إلى 1.5% من (ن.م.أ)!

كما أظهرت الجائحة الاحتياج الحاد للتكفل بعلاج جميع المواطنين وفق نظام تأمينى تكافلى شامل، بشكل يوضح بشدة خطأ نظامنا التأمينى الحالى (قانون 2 لسنة 2018)، فهو تأمين اختيارى وليس شاملا، ويستبعد منه الكثير ممن لا يقدر على الاستمرار فى دفع الاشتراك. كما أن التأمين الصحى الاختيارى الذى تم فى محافظة واحدة هى بورسعيد لم يغطِ سوى نحو نصف السكان، كما أن المدى الزمنى لتطبيق التأمين الصحى على كل الجمهورية (15 سنة) غير واقعى،
وواجب علينا إعادة النظر فى هذا القانون لتعميم نظام تأمين حقيقى إجبارى يشمل جميع السكان ويتطابق مع قاعدة بيانات الرقم القومى، وتدفع الدولة تكلفة كل العمالة غير المنتظمة (12 مليونا غير أسرهم). كما يجب مشاركة الدولة فى تمويل التأمين الصحى، والاكتفاء باشتراك المواطنين بدون مساهمات نقدية عند تلقى العلاج، وتحَمُّل الدولة مسئولية علاج الأطفال وطلاب المدارس بدلا من تحميلها لأولياء الأمور.

وإذا كنا نثمن تطبيق بعض السياسات الاقتصادية التوسعية الجيدة مؤخرا ضمن مجهودات مواجهة توابع أزمة كورونا المتجدد بتوسيع الإنفاق الاجتماعى على المحتاجين وتدعيم الشركات وتخفيض فائدة القروض عليها وتجميد ديونها لدى الدولة كوضع استثنائى، إلا إننا نتمنى لبلادنا كل التوفيق، فى الانتصار على الجائحة، ونتمنى انتهاز الفرصة لمواجهة جذرية لعيوب نظامنا المزمنة الصحية والاقتصادية، على نحو ما بينّاه، فهذا هو حق شعبنا فى الحياة، والدرس الرئيسى لتجربة كورونا الذى تبدى للعالم أجمع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن