النظرة العقلانية والفلسفية للأيمان بخالق للكون

نافع شابو
nafee_shabo@live.de

2020 / 4 / 4

نافع البرواري
مقدمة
" السماوات تَنطق بمجد الله والفلك يُخبر بعمل يديه ِ، فيعلنه النهار للنهار والليل يُخبربه الليل بغير قول ولا كلام ولاصوت يسمعهُ أحد "مزمور 19 :1

كان التقليديون من الفلاسفة المؤمنين ،عبر تاريخ الكنيسة ، يعتقدون بألأثباتات التاريخية ، منذُ يسوع المسيح الى ظهور عصر التنوير ، إبتداءً من "عمانوئيل كانت " الذي أراد إثبات وجود الله بالعقل والمنطق . ولكنه أخطئ في الكثير من آرائه وبهذا فتح ، هذا الفيلسوف، المجال للفلسفة بمناقشة هذا الموضوع بالعقل والمنطق . وهكذا نشات مدارس فلسفية مختلفة ومنها فلسفة ألألحاد ، التي يمكن اختاصرها كما يلي:
1 – عدم وجود أيِّ أدلة أو براهين على وجود ألله
2 – وجود اله متّصف بصفات الكمال منذُ ألأزل هو أكثر صعوبة وأقل احتمالا من نشوء الكون والحياة . لأنَّهما لايتصفان بصفات الكمال .
بمعنى أوضح : إنّ أفتراض وجود اله حسب رايي الملحدين يستبدل معضلة وجود الكون بمعضلة أكبر وهي كيفية وجود ألأله الكامل منُذ ألأزل ؟ .(1)

هناك الكثيرون من الفلاسفة المعاصرون ، يؤمنون بان الفكر الفلسفي نفسه يجب اخضاعه الى النسبية الدينية ،ولا توجد حقيقة مطلقة(الله الخالق بحسب المفهوم المسيحي )، بل توجد حقائق ، والحق البشري هو فوق كُلِّ شيء ، وحتى القيم الأخلاقية أصبحت نسبية ،بنظر هؤلاء . هناك اتجاها تعبّر بعمق عن إقصاء المُثل الكونية العليا لا بل يتم اخضاع الفكر الفلسفي نفسه الى نسبية تاريخية – ثقافية.إ
بعض الجامعات ، لابل التعليم في أمريكا والغرب لم يعد يُعتبر مادة المنطق الزامية ، فلا يدرِّس في الجامعات ، لكن لايمكنني أن أتخيّل أن يتخرّج أحدهم ، في مجال الفلسفة من دون أن يتابع على ألأقل دورة تمهيدية في المنطق وقانون عدم التناقض
في دراسة لعالم أمريكي أنَّ 95% من طلبة المدارس الثانوية في أمريكا يحملون ألأعتقاد بالنسبية *عند دخولهم للجامعات ، لأنَّ المجتمع ألأكاديمي في أمريكا الحديثة لديه ذهن منغلق على الحق الموضوعي . والآن يُنظر الى الحق على أنّه ذاتي وأنّه مسألة "أفضلية
بعض الجامعات لابل التعليم في امريكا والغرب لم تعد تعتبر مادة المنطق الزامية فلا يُدرّس في الجامعات .
يعلق ار سي سبرول على هذه الظاهرة فيقول:
ولكن مع أنَّ نسبة 95% من الناس يقولون نحنُ نسبيّون ، لكن لأ أحد يبقى نسبيا لأكثر من اربعة وعشرين ساعة ، لأنّه لايمكنك أن تعيش في هذا العالم ثابتا على مبدأ النسبية . لأنَّه لايمكنك قيادة سيارتك والوصول الى تقاطع طرق ورؤية شاحنة قادمة نحوك والقول :"كُلُّ شيء نسبي " ، وأنا أختار بكلِّ ذاتية أن أُومن بأنَّه لاتوجد شاحنة على الطريق السريع
فاتوقّف أمام وهمي الذاتي هذا وأموت ".
اذن ، يُفترض الناس ، وعلى الرغم من إنكارهم للأمر نوعا من ألأطار المنطقي للعالم الذي يعيشون فيه .
اليوم هناك الملايين من الجهات الذين ينتهكون قانون عدم التناقض ومباديء علم المنطق في محاولة لنسف ألأيمان المسيحي. في حين أنّ المنطق يتطلب منهم ، وأنطلاقا من المقدمات المنطقية على ألأعتراف بوجود الله ". في الواقع ، إنَّ افتراض إطار منطقي وموضوعي للواقع ، هو إفتراض ضروري لأيّ نوع من العلوم ، وارسطو في بحثه الفلسفي هو من وضع نظريات الفيزياء والكيمياء والدراما والأخلاقيات وعلم ألأحياء وهو كان مذهلا في نطاق تعلُّمه ، لكن الى جانب تطوير هذه العلوم التي تفرَّد بها وضع أيضا ما يعرف الآن ، وبما أنَّه عمله ، ب "المنطق ألأرسطي ".
الكثيرون من العلماء الملحدون لايؤمنون بالبراهين وقواعد المنطق .ألأمر الأكثر خطورة في ايامنا هو انتصار عدم العقلانية لا على الذهنية العلمانية فحسب بل على المجتمع المسيحي ايضا ، حيث نرى الفلسفة الوجودية تتغلغل داخل الفكر المسيحي بحيث انه حتى معاهد اللاهوت اليوم ، حيث الطلاب عندما يدخلوا معاهد الفلسفة واللاهوت يحملون فكر العلمانيين ، بانه يمكن للحق أن يكون غير منطقي وبانه يمكن للكتاب المقدس ان يكون متناقضا وان يبقى كلمة الله.
ان كان التناقض هو السمة المميزة للحق ، . فما من سبيل لك للتمييز بين الحق والباطل وبين الحقيقة والكذب وبين الخير والشر. (2)
قبل بداية القرن العشرين لم يكن هناك تشكيك في حقائق ألأيمان المسيحي ، بل وفي ألأيمان بحقيقة وجود الله ، كان التشكيك موجود وبقوّة ، لاسيّما في عصر التنوير ، لكنه كان دائما من جانب الفلاسفة وليس من جانت العلماء .وبالطبع ليس كل الفلاسفة . فهناك على الجانبين أسماء بارزة من عمالقة الفلسلفة .
مع بداية القرن العشرين تزعَّمت الفلسفة الطبيعية الفكر ألألحادي ، التي تؤمن أنَّه لاشيء حقيقي خارج هذه الطبيعة المادية ، وأنَّ الطريقة الوحيدة لمعرفة الحق هي بالعلم . (3)
الحق اصبح نسبي عند اللذين سيّسوا العلم (والفلسفة) ليصبح دينا في هذا العصر ويخطف منهج العلم لأغراض واهداف سياسية ، ويزرعوا الشك في عقول الطلبة في المدارس . إنَّ ما يحدث للطلبة اليوم هو تلقينهم عبر الخلط بين المصطلحات ، وهناك نهج لخطف كلمة العلم واختطاف كلمة التطوُّر. إن المناهج الدراسية تُفرض على الطلاب الديانة المادية . كلمة التطور اختطف لصالح العلمانيين بواسطة اسلوب الذوق والتبديل ، لتعليم الطلاب قبول الأيمان بالتطور الدارويني ، وكأنّه شيء منظور وعلم يرى بالأعين .(4)
النظرة العقلانية للفلاسفة العقلانيين تستند في استدلالاتها على مبدأئين :
أولا :مبدأ التناقض يتمثل بكون ألأدعاء كاذب إذا أحتوى على تناقض ، وأنّه صحيح إذا لم يحتوي على تناقض
ثانيا : مبدأ العلة الكافية وهو أن لايمكن لواقعة أن تحدث ، ولا اي أدعاء يكون صحيح ألاّ اذا وجد سبب كافي لذلك ، لاشيئا آخر . (5)
أولا : المنطق
-المنطق هو قانون الهوية أو (الذاتي)
• ورمزه [ أ هو أ ]
ومعناها أن الشيء هو نفسه بصفاته الأساسية الجوهرية مهما اختلفت صفاته العرضية . مثل "سقراط هو سقراط" و"ألأنسان هو ألأنسان".
عندما وضع، أرسطو ، نظريات المنطق الخاص به ، حيث أعلن أنَّ المنطق هو ما يسميّه
Organon
"الوسيلة لأكتساب المعرفة في كُلّ عِلم "...وهو اي المنطق شرط ضروري للتواصل الهادف
C ommunication
فعندما أقول "هذه الطبشورة ليست طبشورة " فهذا الكلام فارغ لامعنى له وكلام لاعقلاني ويخالف المنطق و ينتهك قانون عدم التناقض .
ارسطو لم يخترع المنطق مثلما ان كولمبس لم يخترع امريكا . كل ما فعله ارسطو هو اكتشاف القوانين التي كانت قائمة أصلا والمعززة بالفكر البشري ، وهي شروط ، ضرورية للبشر لكي يكون حديثهم معتبرا ، لقد اكتشف وحدّد
مبادئ المنطق التي وضعها في البشرية الخالق اي الله الذي لايخلق تشويشا وهو ليس غير منطقي ولا منافيا للعقل وانما الله الذي يكلمنا هو اله يتكلم بطريقة مترابطة منطقيا ومعبرة وواضحة ، وكلمة الله موضوعة لتفهمها خليقة الله والشرط الضروري للفهم ، هو ان الله لايكلمنا بكلام غير صادق او متناقض ".
وياتي الللاهوتي" ار سي سبرول" بمثال من الكتاب المقدس ونستطيع ان نطبقها اليوم على ما نقوله فيقول:
" نعود الى الأصحاح الثالث من سفر التكوين حيث يكلم الله ادم وحواء في الجنة ويضع الله بعض المبادئ أمام ادم وحواء قائلا:" من جميع شجر الجنة تأكلان اكلا " لكن وضع لهم حدودا قال : "ان أكلتما من هذه الشجرة موتا تموتان .ان ترجمنا ذلك الى معادلة منطقية نرى ان الله قال لآدم وحواء :"ان فعلتما كذا يحصل كيت " ان اكلتما تموتان " هذا هو التفسير ، ثم اتت الحية ، وبعد ان استجوبت حواء باسئلتها المغرية والتي كانت خادعة نوعا ما ، دخلت في صلب الموضوع وقالت لحواء "لن تموتا. بل تكونان كالله . "فلنفرض ان ادم وحواء تعلما في مدرسة ارسطو ففكر ادم في الأمر وفكرت حواء في ألأمر قائلة " : مهلا ايتها الحية هذا متناقض مع ما قاله خالقي منذ بعض الوقت ، لكني تعلمت درسا وهو : بما ان الحية هي من تعلن هذا التناقض وبما ان التناقض هوالسمة المميزة للحق فلا بد ان تكون الحية سفيرة للحق ولا بد ان تكون مماثلة لله . اذا ان كانت هذه الحال وان اردت حقا ان اكون ابنة ناضجة لله .قابلة ان تتقبل طرفي النقيض. لايمكنني فحسب ان آكل من هذه الشجرة بل ماذا ايضا ؟ يجدر بي ان اكل من هذه الشجرة لأكون مسيحية مطيعة وناضجة . ما حاولت فعله هنا هو تحويل هذا المبدا الى سخافة مطلقة. (6)
- المنطق علم يضبط قوانين الفكر ، ويميز صوابه من خطئه ، وينمي في العقل ملكة النقد والتقدير . احيانا كثيرة نقول لنناقش بالمنطق او نقول هذا الكلام منطقي او هو ليس له منطق .(7)
- المنطق هو دراسة مناهج الفكر وطرق ألأستدلال السليم . وفي المقام ألأول يُدرس في تخصصات الفلسفة والرياضيات وعلم الدلالة وعلم الحاسوب .(8)
- -المنطق يتناول بالدراسة مبادئء وطرائق المحاكمة العقلية ،فهو يستكشف كميات التمييز بين المحاكمة القويمة والمحاكمة السقيمة . ويسمّى المثال المستخدم في المحاكمة البرهان أو ألأستدلال . يتمثَّل البرهان في جملة من الحجج تُسمّى مقدمات ، وهذه تقترن بحجة أخرى تُسمّى النتائج التي من المفروض ان تستند الى المقدمات أو تنبثق عنها . إنَّ البرهان القوي يكون سندا للنتائج، بعكس البرهان الضعيف .(9)
- -المنطق هو جزء من الفلسفة . فهو علم وفن بل هو الجزء الصلب في الفلسفة . هو اللوجيك ، واللوجيك له علاقة ب"اللوغوس " الذي يعني العقل الذي به نستطيع أن نفرز وننميّ. به ونستدل به ونستنتج به . وفي المسيحية ، المسيح هو اللوغوس ألأعلى أي العقل ألأعلى .(10)
ثانيا :قانون عدم التناقض
يوضح قانون عدم التناقض أنَّ: الشئ لا يمكن أن يكون ( أ ) ولا – ( أ ) في نفس الوقت
• ومعناه أن الشئ لا يمكن أن يتصف بصفة ونقضيها في نفس الوقت
(11)• الشئ أما أن يكون ( أ ) أو- لا - ( أ ) ولا توجد حالة ثالثة
يُفيد قانون عدم التناقض ببساطة بأنَّه " لايُمكن للأمر أن يكون نفسه وخلافه في الوقت نفسه وبالطريقة نفسها في ألأطار نفسه" ... تاريخيا التعارض بين القوانين والتناقض متساويان ، إنّهما مشتقان من لغتين مختلفتين . كلمة "تناقض " أو "كونتراديكشن" تاتي من اللاتينية
"كونترا " :هي البادئة ومعناها "ضدَّ" و"ديكو" contra
تعني التكلُّم أو القول dicu
اذن ، حرفيا "التناقض يعني التكلم ضد أمر ما " . (12)
قانون عدم التناقض (او عدم التعارض) يقوم على اساس أنّه لايمكن أن أقول الشيء ونقيضه او عكسه . مثال لايمكن أن أقول : الشمس مشرقة وفي نفس الوقت اقول الشمس هناك ظلام دامس . أو الرب محب وفي نفس الوقت اقول الرب قاتل .فهذا ينافي المنطق ، فهو ضد المنطق . لا ينفع أن أقول أنا مُذنب و في نفس الوقت اقول أنا بريء . "نعم نعم ، لا لا ، ومازاد عن ذلك فهو من الشرير " كما يقول الرب يسوع المسيح . فكيف نُسبِّح الله الخالق وفي نفس الوقت نُلعن به ألآخرين ؟
الحيّة لها لسان مشقوق الى نُصفين ، وهي رمز للشيطان الشرير الذي يتكلّم بلسانين ( فهويقول كلام باطل يُراد به حق). فالشيطان يقول الشيء وضِدّه .
فكرة الهويّة أي عدم التناقض قائمة عليها المسيحية ، وقائم عليه المنطق تاريخيا كُلُّه . والمسيحية تطالب المسيحي بامتحان كُلِّ شيء "امتحنوا كل شيء ، تمسّكوا بالحسن " . فلولا المسيحية ديانة معقولة ، تقوم على العقل والمنطق ، كيف استطاعت أن تنتشر في العالم الأغريقي والروماني التي بنت حضارتهما على الفلسفة والمنطق ؟. فالعقل وزنة من وزناة نعمة الله . العقل يمارس التفكُر والوعي . فبالعقل يستطيع ألأنسان أن يفهم ويعي ويستنتج ويفحص ويستقصي ويمحّص ....الخ
وأهم وصية الهية وهي على رأس الوصايا العشرة في الكتاب المقدس تقول:
"أحب الهك .... من كل عقللك" فالعقل هو اساس معرفة الأنسان لخالقه وما يجري حوله في الطبيعة . وكُلِّ دين لايستغل هذه النعمة التي منحها الخالق فهو سيكون بعيدا عن معرفة الله "الحقيقي" .(13)
أنّ مبدأ عدم التناقض هو المبدأ الأساسي العامّ الذي لم يتجرّد عنه التفكير البشري ، حتّى في لحظة التحمّس للجدل والديالكتيك

وقد كان من نتاج التناقض الديالكتيكي (الجدلية المادية ** ) أن أسقط مبدأ الهوية (أ، هي، أ - ولا يمكن أن تكون إلا أ) من قاموس الجدل أيضاً، واُجيز أن يكون الشيء غير نفسه، بل التناقض الديالكتيكي العامّ يحتّم ذلك؛ لأنّ كلّ شيء متضمّن لنقيضه، ومعبّر عن نفيه في لحظة إثباته، فليست (أ، هي، أ) بصورة مطلقة، بل كلّ كائن هو نقيض ذاته ونفيها، كما يكون إثباتاً لها؛ لأنّ كيانه متناقض بالصميم، ويحتوي على النفي والإثبات المتصارعين دائماً، والمفجّرين للحركة بهذاالصراع.
والواقع ،أنّ مبدأ عدم التناقض هو أعمّ القوانين وأكثرها شمولا لجميع مجالات التطبيق، ولا تشذّ عنه ظاهرة من ظواهر الوجود والكون مطلقاً. وكلّ محاولة ديالكتيكية تستهدف الردّ عليه، أو إظهار الطبيعة بمظهر تناقض، فهي محاولة بدائية، قائمة على سوء فهم لمبدأ عدم التناقض، أو على شيء من التضليل.(14)
"البرهان المنطقي يضطر ألأنسان المنطقي الى الرضوخ أو الأذعان لذلك البرهان" .
يجب أن نميّز بين البرهان وألأقناع
البرهان أمر موضوعي
Objective
أمّا ألأقناع أمر شخصي
Subjective
ويمكن لأحدهم أن يقدِّم برهانا نظريا قاطعا وقاهرا منطقيا وأكيدا عقليا ولكن قد يرفض أحدهم قبوله .
يمكنني أن أُبرهن أنَّه ، إن كان جميع الناس مائتين ، وكان "سقراط" انسانا ، فمن دون شك نستنتج من هذا القياس المنطقي أنّ "سقراط" مات . هذا ألأستنتاج قاطع منطقيا نظرا للمقدمات المنطقية المتوافرة . هكذا الكتاب المقدّس يُقدِّم أدلَّة موضوعية لسد أفواه ألأشخاص ألأكثر مشاكسة . فكلمة الله واضحة لطيفة وجليّة ، و كُلِّ المؤشرات و الأدلة تدلُّ على أصلها الفائق للطبيعة . لكن بما أنّ ألأنسان عدائي تجاه أمور الله ومتحيّز ضد حق الله بحيث إنه لن يقتنع أبدا بما يكفي مالم يُغيّر الله "الروح القدس" حالة قلبه ، فليست المشكلة فكرية على قدر ما أنّها معنوية . هذا ما نواجههُ نحن المؤمنون مع الملحدون عندما نتناول مسألة وجود الله . ومسالة وجود الله ليست مسالة مستقلة بذاتها , ثمّة أمور كثيرة على المحك هنا ، لأننا إن أستطعنا أن نثبت أنَّ الله موجود ، وبأنّ اله الكون السرمدي موجود من دون أدنى شك ، فهذا يعني ، وكما يدرك الجميع " سوف أقدّم حسابا عن سلوكي وحياتي " . وأحد ألأسباب (الرئيسية ) التي تجعل الناس يرغبون في التخلُّص من فرضية وجود الله هو التحرّر من الذنب والمسؤولية(***) . لهذا يرغب غير المؤمن ويرجو بشدّة ، ألاّ يكون البرهان قاطعا . إذا حتى إن كان البرهان قاطعا ، مثل البرهان الذي قدّمه الله كما في رسالة بولس الرسول الى اهل روميا ، حيث أعلن الله نفسه عن وجوده لكل إنسان ( روما 1 : 20 ) . ولكن هذا لايعني أنَّ الكل مستعد للأعتراف بذلك لكن لاتقضي مهمتي بأن أُقنع أيّ أحد بأنَّ الله موجود . فنحن "المؤمنون" لسنا مدعويين لأقناع الناس وإنّما مدعويين لتقديم سبب الرجاء الذي فينا .(15)
ثالثا :قانون السببية
أُستخدم مبدأ السببية بطريقة مذهلة على مر تاريخ الفكر النظري الغربي لتقديم براهين وجود الله عبر التحليل إنطلاقا من هيئة هذا العالم رجوعا الى سبب مقبول أو كافي يقدّم تفسيرا لوجود هذا العالم او هذا الكون ...انطلاقا من القاعدة السببية رجوعا الى الله باعتباره السبب الأول . في الواقع نرجع الى ارسطو ، الذي حاول أن يُبرهن أن الله هو السبب ألأول ،لأنَّ ألأمور تستلزم سببا ولكن ، منذ عصر التنوير ،منذ القرن الثامن عشر ، برز تشكيك كبير في قانون السبب والتأثير ، أو قانون السببية . يقول الفيلسوف الوجودي "برتراند راسل " في كتابه " لماذا لستُ مسيحيا؟" يُخبر فيه عن شهادته الخاصة برحتله الطويلة . فيما يتعلق بايمانه بالله . انه عندما كان فتى أعجب كثيرا بالبرهان الذي يثبت وجود الله، والذي كان مبنيا الى الحاجة الى السبب ألأول ومبنيا على قانون السببية ، اي انّه تقبل وجود الله ،الى أن قرا كتيب "جون ستيوارت ميل" الذي اثار هذا الأعتراض ألأساسي على التفكير السببي . قال "ميل " ما يلي:
"إن كان كُلِّ شي يستلزم سببا فمن الواضح أنَّ وجود الله يستلزم سببا " وكُلّ من سبب في وجود الله ، لابُدَّ من وجود مسبِّب له .
اذا حججهم أنّه لايمكنك تقديم براهين رجوعا الى الله ، على أساس المبدأ الذي يقول :
" لابد من وجود سبب لكُلِّ شيء ". عندما قرأ "راسل " هذا الكتاب أدرك جوهر ألأمر فجأة وفهم أنَّ قانون السبب والتاثير لن يقودك الى إستنتاج أول سبب ، بل سيقودك الى تراجع لن ينتهي لايوصلك الى الله في نهاية المطاف بل الى اللامكان ، وبالتالي هو انكرضرورة المجادلة بشان وجود الله على اساس قانون السببية .
إقترف "راسل " خطأ جوهريا وأساسيا في فكره المتعلق بالسببية والخطأ ألأساسي هو الخطأ في التعريف .
يقول الملحدون :" لابدَّ من وجود سبب لكُلِّ شيء". أي أنّ الله خاضع لهذا القانون ،ولكن قانون السببية لم يُفد أبدا بأنّه لابد من وجود سبب لكُلِّ شيء وإنّما يقول ، قانون السببية الصحيح :
"كُلِّ تأثير ، لابدَّ من وجود سبب سابق له " . فقانون السببية لايعني أنَّ لابد من وجود سبب لكُلِّ شي ، لأنّه إن كان يوجد سبب لكل شيء فبالتالي ، لابد من وجود مسبب لله . لكن القانون يقول ببساطة " كُلِّ تأثير ، لابدَّ من وجود سبب سابق له "
وإن استطعنا إيجاد شيء ليس تاثيرا بل يملك قوّة "الكينونة " في داخله وهو كائن منذُ ألأزل ، فمن الواضح أنَّ هذا الكائن ليس تاثيرا . وعندما نحدّد صفات الله ، نقول إنَّ الله كائن موجود بذاته وأبدي ، وهو مستقل وغير مشتق وغير مرتبط بشيء لكن أبدي لامسبب له ليس تأثيرا . فالأشياء الموجودة وحدها هي تاثيرات . إن نظرنا الى هذا التعريف ، نرى هذا التعريف : "كُلِّ تأثير لا بد من وجود سبب له " هذه هي "الحقيقة الشكلية " هي حقيقة صحيحة تحليليا ....إنَّ التأثير ، بحكم تعريفه هو أمر سببه أمر آخر . وماهو السبب؟ . ما الذي يفعله السبب ؟. إنّه يؤدي الى نتيجة ما . وماذا نسمي هذه النتيجة ؟ الجواب تاثير .
فما يسببه السبب هو تاثير . اذا ، بالمعنى الحقيقي عبارة "لابدَّ من وجود سبب لكل تاثير هي إمتداد ذهني لقانون عدم التناقض لأنّه لايمكن لأمر ما أن يكون تأثيرا وألا يكون كذلك في الوقت نفسه وفي الأطار نفسه لايمكن أن يكون هناك سبب من دون تاثير ولايمكن أن يكون هناك تاثير من دون سبب وإلا هناك تناقض .إذا ، القول إنَّ شيئا ما صار حيّز الوجود من العدم وبقوّته الخاصة هو قفز في بحر السخافة البحتة....هكذا "كُلِّ شي يمكن أن نسأل عن سبب وجوده ، لأننا نُدرك أيضا أنّه لايمكن لأيِّ شيء أن يأتي من اللاشيء (وهذا ما تعلمناه من قانون الطاقة في علم الفيزياء) ....لايوجد في الكون تاثير لامسبب له
إن كان شيء ما موجودا اذن الله موجود فلابد لشيء ما أن يكون موجودا بالضرورة ، أي ان يملك قوّة الوجود في ذاته . قوّة’ الله الغير المنظورة
إن كان شيء ما موجودا فإنَّ المنطق يتطلب في نهاية المطاف أن يقول بوجود
كائن واجب الوجود .(16)
وهذا برهان متوافق مع ألأيمان المسيحي ، أي لايمكن وجود أيِّ قوّة من دون الله ، وإنَّ الله هو الذي يمدُّ كل حركة بالقوّة .
إذا الله واجب الوجود وهو الكائن الخالق للوجود .(17)
المشكلة التي نعالجها فلسفيا هي حين تتطرق الى المسائل اللاهوتية في العلاقة بين ما يُعرف بالسببية ألأولية :
Primary Causality
والسببية الثانوية
Secondary Causality
الفرق بينهما هو : أن السببية ألأولية تشير الى مصدر القوّة ،’ ألأساس لكُلِّ عمل ، وكلاسيكيا وتاريخيا يؤكِّد ألأيمان المسيحي على أنَّ القوة ألأساسية في الكون، التي تعتمد عليها كُلِّ قوّة ،اخرى ، ليست اساسا فحسب ، بل لحظة بعد لحظة ، هي قوّة’ الله . تذكَّروا أنَّ الرسول بولس ، حين تجادل مع الفلاسفة ألأثينيين قال :" إنَّنا بالله نحيا ونوجد ونتحرّك" .
إحدى المسائل ألأساسية في الفلسفة ، في بداياتها ، التي كان الفلاسفة يناقشونها هي مسالة الحركة . ما الذي يجعل شيء يتحرّك ؟
هذه فعلا مسالة متعلقة بالسببية . اذا الرؤية المسيحية تفيد دائما ، بأنَّ الله ليس المحرك ألأساسي فحسب ، بمعنى أنّه المحرّك ألأول ، وإنّما ما من حركة تتم في هذا العالم لايمكن ممارسة أيِّ قوّة في أيِّ وقت كان بمعزل عن قوّة الله . الله لايخلق كونا يعمل أو يشتغل بمعزل عن ذلك المصدر الذي يمنحه القوّة لحظة بعد لحظة . تُفيد النظرة المسيحية بأنَّه لاتوجد قوّة كامنة في الطبيعة بل قوّة الطبيعة تتوقف دائما على المصدر ألأساسي للقوّة وهو الله .
لايُفكِّر الناس بهذه الطريقة في القرن العشرين ، فالرؤية العلمانية للعالم قد أسَّرت فعلا تفكير الناس اليوم.
إتَّفق اللاهوتيون عبر التاريخ على أنَّ الله يمارس قوَّته وإنّما ليس وحدهُ . هم لم يعتبروا أنَّ الله يرجعها الي وإنّما أنا أمارس قوّة فعلا ، أنا عامل مسبّب ، لكن قوَّتي والقوّة المُسبّبة التي أنقلها هنا هي ثانوية .(18)

* كان لنظرية انشتاين النسبية تأثير كبير على أصول الوضعية المنطقية. عني فلاسفة الوضعية المنطقية في تبيان الأهمية الفلسفية للنظرية النسبية..
من وجهة نظر الوضعية المنطقية فإن كل المقولات ذات المعنى يمكن تقسيمها إلى صنفين: الأول يتضمن مقولات قد تكون صحيحة أو خاطئة اعتماداً على أشكالها المنطقية أو معناها (تسمى هذه المقولات تحليلية قبليه)، والثاني يتضمن مقولات يمكن التحقق من صحتها أو خطأها فقط من خلال
(تسمى تركيبية بعدية).التجربة

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B6%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D9%8A%D8%A9
**
الديالكتك : أي الجدال والحوار بين طرفين للوصول الى اتفاق . والوصول الى نظريات وقواعد التي تحكم الناس (مثال الفلسفة الشيوعي بنيت على فلسفة الديالكتك المادية )
المنطق الديالكتي
أنه علم الفكر الذي يرتكز على الطريقة الماركسية المميّزة بهذه الخطوط الأساسية الأربعة: بالترابط العامّ، وبحركة التطوّر، وبقفزات التطوّر، وبتناقضات التطوّر
قال ماو تسي تونغ

"إنّ قانون التناقض في الأشياء، أي: قانون وحدة الأضداد، وهو القانون الأساسي الأهمّ في الديالكتيك المادّي...
قال ستالين

"إنّ نقطة الابتداء في الديالكتيك -خلافاً للميتافيزية- هي وجهة النظر القائمة على أنّ كلّ أشياء الطبيعة وحوادثها تحوي تناقضات داخلية؛ لأنّ لها جميعها جانباً سلبياً وجانباً إيجابياً، ماضياً وحاضراً، وفيها جميعها عناصر تضمحلّ أو تتطوّر. فنضال هذه المتضادّات... هو المحتوى الداخلي لحركة التطوّر، هو المحتوى الداخلي لتحوّل التغيّرات الكمية إلى تغيّرات كيفية".
قال لينين: الديالكتيك بمعناه الدقيق هو: دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء... وكثيراً ما كان لينين يدعو هذا القانون بجوهر الديالكتيك، كما كان يدعوه بلبّ الديالكتيك
***
في المقالات التالية سوف نتكلم عن اسباب ألألحاد المعاصر
()
(1)
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF
جددوا فكركم"الفلاسفة الحديثون"آر سي سبرول حلقة35
https://www.youtube.com/watch?v=6kA25r065Qc
(2)
قانون التناقض أر سي سبرول الحلق -5-
https://www.youtube.com/watch?v=srr3vJPvtTQ
(3)
راجع كتاب جون لينكس "هل دفن العلم الله ؟"

(4)

: مناظرة نظرية الخلق أم نظرية التطور - بيل ناي ضد كين هام 2014 مترجم عربي
http://vb.almahdyoon.org/showthread.php?t=29065

(5)
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=333552796740114&id=134405539988175
(6)
جددوا فكركم"قانون التناقض"آر سي سبرول حلقة5

http://www.youtube.com/watch?v=srr3vJPvtTQ
(7)
http://sehroyon.ahlamontada.com/t12562-topic
http://forum.brg8.com/t221540.html
(8)
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82
(9)
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9

(10)
راجع سؤال جرئء – مقدمة الدين والمنطق دكتور عصام عبدالله جامعة عين الشمس
https://www.youtube.com/watch?v=P-zN36xDp-4

(11)
http://elmonshahschoolforgirls.blogspot.de/2008/11/blog-post_19.html


(12)
راجع
جددوا فكركم"الجنون هو اعتناق المسيحية"مع آر سي سبرول

https://www.youtube.com/watch?v=VKwENtkeXW0
(13)
راجع سؤال جرئء – مقدمة الدين والمنطق دكتور عصام عبدالله جامعة عين الشمس .
(14)
http://allah-materialism.blogspot.de/2010/11/blog-post_25.html

(15)
راجع "اثبات وجود الله "ارسي سبرول .
https://www.youtube.com/watch?v=o2gSL-UWsZU
(16)
جددوا فكركم"قانون السببية"آر سي سبرول حلقة6
https://www.youtube.com/watch?v=aRW96LV5m1A

(17)
راجع "اثبات وجود الله "ارسي سبرول .
https://www.youtube.com/watch?v=8kiRhsqSkWA
(18)
Secondary
ديكارت السبب والتاثير
https://www.youtube.com/watch?v=m486qeaiOT0



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن