أيهما أخطر فايروس الكورونا أم فايروس الفساد؟

سربست مصطفى رشيد اميدي
sarbaststep@gmail.com

2020 / 3 / 27

أيهما أخطر فايروس الكورونا أم فايروس الفساد؟

تمر الان علينا فترة عصيبة ستؤثر كثيرا عل الحياة اليومية، وحتى على مستقبل الأجيال القادمة نتيجة انتشار فايروس الكورونا في العالم كمثل انتشار النار في الهشيم، هذا الفايروس الذي بدأ في مدينة (وهان) الصينية قبل ما يقارب ثلاثة أشهر، وبعد ذلك وصل الى أغلب دول العالم، مع ان ضحاياه تختلف من دولة لأخرى ولكنها في ازدياد مضطرد في اغلبها، كما ان استجابة شعوب وحكومات العالم للتصدي له تختلف أيضا من دولة لأخرى.
كما اختلف الباحثون والمتابعون لأصل ومنشأ الفايروس، حيث ان الكثيرين يصرون على انه نتاج فعل امريكي بهدف ضرب الاقتصاد الصيني الذي يتوقع ان يكون الاقتصاد الأول في العالم في العشر سنوات القادمة إذا ما حافظ على وتيرة نموه. واخرون يدعون بانه ليس بفايروس وانما هو غاز السارين وسينتهي أثره في أواسط نيسان، وان أمريكا تقف وراء ذلك. وجماعة أخرى تؤكد بانها مناورة صينية الهدف منها هو نزول أسعار الأصول والسندات للشركات الاجنبية والمتعددة الجنسيات العاملة في الصين، ومن ثم شراءها بأسعار متدنية من قبل الصين، وحجتهم في ذلك هي نجاح الحكومة الصينية للحد من انتشار الفايروس والقضاء عليه تقريبا وبفترة زمنية قياسية. في حين ان اخرين يؤكدون بانها عملية مدبرة وتقف وراءها مراكز بحوث وشركات أوروبية، وفي مقدمتها مركز أبحاث باستور الفرنسي، والهدف منه هو جني الأرباح من قبل شركات الدواء الأوروبية لدى العثور عل علاج رادع لها، أي انها تخلق الداء ومن ثم تبحث عن الدواء، لهذا نرى سباق العثور على صنع علاج للفايروس من قبل الشركات الأوروبية والأمريكية والصينية حسب وجهة نظرهم. لكن مهما كان منشأ تولد الفايروس والسبب الكامن وراءها، فيجب أن نعرف بان الانسان جزء من المنظومة الطبيعية للحياة الموجودة على الكرة الأرضية مع بقية المخلوقات ومظاهر الحياة الأخرى باختلاف أنواعها واشكالها. وان تعامل الانسان معها بالإضافة الى السلوكيات البشرية الاجتماعية والمعيشية قد ولدت وستولد ظهور اوبئة وامراض نفتك بحياة الالاف وأحيانا الملايين من البشر على مر العقود مثل الطاعون والانفلونزا والكوليرا والجدري والايدز والايبولا والان كورونا، ولا نعرف غدا ماذا تكون؟ لكن الانسان قد استطاع الصمود امام الطبيعة وهذه الامراض ليس لكونه الكائن الأقوى، حيث انقرضت الكثير من الحيوانات العملاقة وبقي الانسان. لكن ذلك بسبب القوة العقلية للإنسان وتمكنه للتعامل مع الطبيعة وتسخير الكثير من القوى الطبيعية والحياتية الأخرى لغرض استمراره بالوجود والامكانية على التغيير والاستجابة لمتطلبات استمرار الحياة على الارض، لا بل تطوير حياته نحو الأفضل. لذا فمن المتوقع ان ينجح العقل البشري في إيجاد العلاج للقضاء على الفايروس والحد من انتشاره ان عاجلا أم اجلا، عبر الإجراءات الحكومية والصحية ومدى استجابة مواطني كل دولة لها من خلال تغيير كثير من السلوكيات اليومية والاجتماعية لنا. لكن من المحتمل ان يحقق ذلك النجاح بعد ان يفتك هذا الفايروس بحياة الكثيرين، خاصة بالنسبة للشعوب التي تستهين بتأثير هذا الفايروس ومدى خطورته على حياة الانسان، والتي لها زعامات سياسية او دينية او اجتماعية تستهين بحياة شعوبها، او تحاول استغلال ماسي الناس وفقا لمصالحها وفرض واقع ورؤى سياسية لها وتكوين راي عام فيها تخدم مصالحها واستمرارها في السلطة. حيث إني اعتقد ان الأجهزة الأمنية والحكومية في بعض الدول تتحكم في وسائل الاعلام ولا تنشر الأرقام الحقيقية للمصابين والمتوفين نتيجة انتشار الفايروس مثل إيران والصين وتركيا وسوريا. او ان نظامها الصحي والوقائي غير مؤهل للاستجابة للتصدي لفايروس الكورونا خاصة اذا انتشر على نطاق واسع مثل إيطاليا والعراق ومن ضمنه إقليم كوردستان، في حين ان دولة مثل المانيا فان نظامها الصحي من أكفأ الأنظمة الصحية العالمية لحد الان، اخذت تتعامل مع المرض بخطوات تصعيدية وإجراءات متينة وواثقة، ويلاحظ ذلك لدى مقارنة عدد المصابين مع حالات الوفاة والشفاء بشكل واضح، ولنقارن بين خطاب المستشارة الألمانية السيدة ميركل وبين خطاب رئيس الوزراء الإيطالي السيد جوزيبي كونتي والذي يعرف حقيقة النظام الصحي في دولته، فتضرع الى الله للقضاء على هذه الافة. لكن لنتفق ان الإمكانية وقدرة النظام الصحي بالإضافة الى مدى استجابة الشعوب للمثول امام الإجراءات الصحية والحكومية الاحترازية هي الضمانة الأساسية للحد من انتشار هذا الفايروس الخطير ومن ثم القضاء عليه لاحقا. والذي يعتمد كما أسلفنا على مدى وعي الشعوب وعلى الإجراءات الحكومية وطبيعتها ومدى حزمها في التطبيق، فالأنظمة الاستبدادية لا تهمها حياة شعوبها ولا تهمها احترام حقوق مواطنيها، لكنها تستطيع بالمقابل لجبروت وقوة الأجهزة الأمنية فيها من تطبيق الإجراءات الاحترازية المطلوبة التي تعتبر خرقا للحقوق الأساسية والشخصية للإنسان في الظروف الاعتيادية، بشكل أسهل وأسرع. مثلما لاحظناها في تجربة الصين للتصدي للفايروس بفضل امكانياتها التكنولوجية والرقمية العملاقة ولكون نظام الحكم فيها نظام استبدادي، فاستطاعت الحد من انتشار الفايروس بشكل كبير وتقريبا القضاء عليه. في حين ان بعض الدول الأوروبية اخذت تتخبط في إجراءاتها بسبب تخوفها من وضع إجراءات صارمة بمنع تجول مواطنيها ومنعهم من الخروج من دورهم، وتعطيل الحياة الاقتصادية واليومية في بلادها خوفا من اتهامها بانتهاك حقوق الانسان لمواطنيها، لكن بما انه سبب اخر لموت الانسان فلا بد من العمل للحفاظ على حياة الموطنين بكافة السبل المتاحة.
ومهما قلنا عن فايروس كورونا وتأثيره وخطورته على الحياة البشرية، لكن هنالك فايروس اخر أكثر خطورة وتأثيرا وفتكا بالحياة البشرية، ويعيش مع فكر الكثيرين خاصة أصحاب القرار والطبقات السياسية وكبار الموظفين والتجار والزعامات الدينية والاجتماعية والعشائرية في عدد كبير من الدول قديما ولحد الان، هذا الفايروس الا هو فايروس الجشع والفساد. هذا الفايروس هو في مقدمة اهم الأسباب التي أدت وتؤدي الى حدوث جميع الماسي التي حلت بالبشرية لحد الان. فجميع الحروب التي حصدت أرواح الملايين من الناس كانت نتيجة فرض السيطرة وتغليب المصلحة والجشع وجني المزيد من الأرباح، ومن ضمنها الحرب العالمية الأولى والثانية التي حصدتا معا حياة أكثر من (80) مليون انسان. والفساد هو السبب في نهب القارة الافريقية والتي جعلت الملايين من البشر يفقدون حياتهم نتيجة تفشي المجاعة والتصحر في عدد كبير من الدول الافريقية، ولكون حكام اغلب تلك الدول كانوا مستبدين وهمهم الأساسي كان تكنيز الأموال على حساب حياة ومصير شعوبهم، مثل (بوكاسا) في افريقيا الوسطى و (عيدي امين) في اوغندا على سبيل المثال. والجشع والفساد هو السبب في اخضاع عشرات الدول لاستعمار وسيطرة الدول الأوروبية المتقدمة ونهب ثرواتها من قبلهم وتشويه التطور الطبيعي فيها. أما حديثا فان الفساد هو السبب في نهب واختلاس الاف المليارات من العملة الصعبة في عدد كبير من دول العالم من قبل الطبقات الحاكمة وبرجوازية طفيلية تعيش على جسد الدولة ومؤسساتها ولا وجود لها دون وجود الطبقات الحاكمة تلك. هذا الوضع ينطبق على عدد كبير من الدول التي عانت او تعاني من افة الفساد على سبيل المثال البرازيل والمكسيك والأرجنتين ومصر وتركيا وإيران وسوريا ولبنان وعدد من دول جنوب شرق اسيا مثل كمبوديا والفليبين وعدد من الدول الأوروبية في شرق ووسط وجنوب القارة كإيطاليا، والتي مثلت الكثير من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية حول دور المافيا فيها وعلاقتها بالنخبة الحاكمة والمؤسسات الاعلامية فيها. وهنالك دول فان الطبقات الحاكمة هي نفسها تعتبر طبقات رأسمالية تمتهن في نفس الوقت التجارة وتمارس اعمال المقاولات وتبيع لنفسها (تستولي) ممتلكات واموال الدولة بحجة خصخصة الاقتصاد، والامثلة على هكذا دول كثيرة مثل العراق والاقليم ومصر وإيران ودول الخليج. لذلك فان هكذا أنظمة ونتيجة تفشي الفساد فيها والتي كثيرا ما تكون مصاحبة بالاستبداد والجهل والفقر والمرض وطغيان عادات وتقاليد بالية او كونها تنظيمات وتقاليد اجتماعية اقطاعية سابقة لفترة الرأسمالية. سببت كل ذلك ماسي كبيرة لشعوبها من تدني مستوى المعيشة وتفشي الفقر وعدم وجود الخدمات الأساسية وتدني المستوى الصحي وعدم وجود أنظمة ضمان صحي لمواطنيها وهجرة الملايين من مواطني هذه الدول الى دول أخرى طلبا للعيش والأمان. وتفشي البطالة فيها، بالإضافة الى تخريب المصادر الوطنية لاقتصادياتها والتدمير المبرمج للصناعة الوطنية وتدمير الزراعة والتخلص من الثروة الحيوانية، فتحولت تلك لدول الى مجتمعات استهلاكية تستورد جميع السلع والخدمات من الخارج، الا ما ندر، والمستفيد الأول من ذلك هي الطبقات الحاكمة والبرجوازية الطفيلية الملتصقة بها.
فآفة الفساد من الخطورة والانتشار بحيث من الصعب الإحاطة بجميع اليات عملها ونتائجها التدميرية، حيث قد يتطلب ذلك جيلا جديدا يمتلك وعيا كاملا بآثارها والتي جعلت مستقبل اجيالنا على كف عفريت الفساد، لذلك من الصعب القضاء عليها نهائيا الان، وانما العمل على الحد منها وإقامة المؤسسات والاليات الكفيلة لتقويض أسسها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، ومن ثم القضاء عليها مستقبلا، وهذا الامر ليس بالمستحيل. فهناك امثلة لدول عانت من الحروب والفساد والفقر والجهل والمرض، اثبتت بعد تملكها لإرادة سياسية من وضع خطط سليمة قضت تقريبا على أسس تفشي الفساد في مجتمعاتها ونهب أموال شعوبها، فأصبحت تتقدم بخطى ثابتة نحو المستقبل والتخلص من أوضاعها السيئة، مثل البرازيل واثيوبيا ورواندا.
أما فايروس كورونا فانه يمكن الحد من انتشاره والقضاء عليه بسهولة أكبر من خلال الالتزام بالإجراءات الحكومية وتطبيق التوجيهات الصحية. لكن انتهاء الكورونا ووجود ازمة اقتصادية عالمية عل الأبواب التي سيكون ثقلها عل الإقليم ومواطنيه كبيرا، فانه سيكون سبيلا الى حدوث تغييرات اجتماعية واقتصادية وربما سياسية كبيرة. فالآفات والاوبئة والحروب والثورات تكون دائما سببا في احداث تغييرات جذرية في حياة الانسان وستؤدي الى تغيير الكثير من السلوكيات الاجتماعية والشخصية الضارة، وسيعرف الناس ان الأولوية يجب ان تكون لبناء المستشفيات والمدارس والجامعات ومراكز البحوث، لان المرض لا يفرق بين الغني والفقير، ولا يفرق بين المواطن البسيط وبين المسؤول الحكومي او الحزبي، لا يفرق بين القوميات والملل، ولا بين المتدين والملحد، ولا بين المسلم والمسيحي والبوذي واليهودي، ولا بين الشيعي والسني، ولا بين الرجل والمرأة. وسيعرف الجميع ان الحرص عل حياة الانسان هو الأهم من خلال بناء اقتصاديات ترتكز على أمور أساسية في حياة الانسان واجياله القادمة وفي مقدمتها الصحة والتعليم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن