فلسفة العلوم (Philosophy of Sciences)

رائد عبيس
raeed.aljumaili@uokuf.edu.iq

2020 / 3 / 27

فلسفة العلوم (Philosophy of Sciences) :

إن إعلان أوجست كونت بإنتهاء عصر الميتافيزيقا و من قبله عصر اللاهوت ,يعد هذا تبشيراً بالفلسفة الوضعية أي العلمية , وعلى الفلسفة لكي تكون جديرة بهذا الإسم يجب أن تتخطى موضوعاتها السابقة , وتقنع بالتأليف بين نتائج العلوم الوضعية وتنظيمها معاً , فتصف ما هو كائن بقدر ما تتيحه لها تلك النتائج العلمية . أما الفلسفة الوضعية الحديثة أو التجريبية المنطقية فترفض التركيب الفلسفي ,وحسب الفلسفة , لكي تكون فلسفية علمية , يجب أن تعمد إلى التحليل المنطقي لكافة المشكلات الفلسفية التقليدية لتدلل على إنها ليست مشكلات بقدر ما هي نتيجة استخدامات غير سليمة لألفاظ اللغة , وعلى الفلسفة لكي تقوم بعمل ايجابي عليها أن تحلل القضايا والعبارات التي يصوغها العلماء عند تدوينهم لمشاهداتهم التجريبية أو معادلاتهم الرياضية .
وبذلك أصبحت فلسفة العلوم أحد فروع الفلسفة الذي يهتم بدراسة الأسس الفلسفية والإفتراضات والمضامين الموجودة ضمن العلوم المختلفة , بما فيها العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا , و الإجتماعية مثل علم النفس وعلم الإجتماع والعلوم السياسية , بهذا المفهوم تكون فلسفة العلوم وثيقة الصلة بالإبستمولوجيا والإنطولوجيا فهي تبحث عن أشياء مثل : الطبيعة وصحة المقولات العلمية , طريقة إنتاج العلوم والنظريات العلمية , طرق التأكد والتوثيق من النتائج والنظريات العلمية , صياغة وطرق استعمال الطرق العلمية المختلفة أو ما يدعي بالمنهج العلمي , طرق الإستنتاج والإستدلال التي تستخدم في فروع العلم كافة .
ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن من مصطلح العلم هو العلم التكنولوجي وما حققه من انجاز على الواقع وابرز هذه العلوم هو علم الفيزياء , سواء تعلق الأمر بالفيزياء الكلاسيكية "علم الميكانيك أو البصريات" مع غاليلو أو نيوتن ,أو الفيزياء المعاصرة " نظرية النسبية و الفيزياء الكمية " مع ألبرت إنشتاين , ماكس بلانك أو نيلز بوهر , وعلى نموذج الفيزياء هذا طور غالبية فلاسفة العلوم تأملاتهم وخطوات تفكيرهم التي يسير عليها العلم : مثل "مراقبة الأحداث , التجريب , البحث عن القوانين , بناء النماذج النظرية " لذلك تعد الفيزياء أساس كل علم جدير بهذا الإسم .

إن هدف فلسفة العلوم هو إظهار طبيعة المنهج العلمي وأسسه , يمكننا تقسيم فلسفة العلوم إلى مرحلتين كبيرتين : تغطي المرحلة الأولى على الإجمال الصنف الأول من القرن العشرين . تساءل منظرو العلم أولاً "أمثال هنري بونكاريه , بيير دوهيم , أرنست ماخ ورودولف كارنب " ومن ضمن مقارنة معيارية , عن المبادئ التي تُسيّر , أو يجب أن تُسيّر العلم للوصول إلى الحقيقة , تناولت " تأملات إقامة الوقائع ,و البراهين الصارمة ", التي تشكل الفرضيات والبحث عن البرهان وشروط صحة نظرية ما .وتداخل الوقائع والنظريات " كإصطلاحية هنري بونكاري , وظاهرية أرنست ماخ , والوضعية المنطقية في حلقة فيينا " . فضلا عن تناول إمكانية تحويل الرياضيات إلى منطق عند كل من " برتراند راسل و ألفرد ويتهيد " .و البحث في كيفية الإنتقال من الملاحظة إلى فرضيات كما هو الحال عند "بوانكاري و دوهيم " ومن الفرضيات إلى براهين عند"كارناب و كارل بوبر " تشترك هذه المقاربات في اعتبارها العلم "واحداً " والفيزياء كانت المعيار, وأن العلم يتميز عن الفكر العادي . وفي النصف الثاني من القرن العشرين تغير المنظور وصورة العلم صارت أكثر ترجرجاً , لم تعد صورة تظهر كما لو كانت مكان إنتاج المعرفة النهائية القائمة على خطوات ثابتة و الإحترام المطلق للوقائع وتماسك النظريات . ولم يعد فلاسفة العلم يحاولون تحديد ما يجب أن يكون عليه المنهج العلمي الجديد "المقارنة المعيارية" بل هم بحثوا في وظيفية الفعلية " المقارنة الوصفية" وأرادت المقاربة أن تصبح أكثر نقدية وتشكيكاً . وكانت مقاربة كارل بوبر على مفصل بين الحقبتين , فهو كان لا يزال ينتمي إلى الحقبة القديمة في فلسفة العلوم حيث يتعلق الأمر بتحديد شروط المنهج العلمي الصارم , فهو يرى أن معيار التكذيب هو الذي يؤكد العلم : يتحدد العلم بقدرته على إخضاع فرضياته للرفض . إلا أنه كشف في الوقت نفسه عن وجه غير منتظر في العلم , يعتبر بوبر أن الفرضيات العلمية لن تكون دائماً سوى نسيج فرضيات , صحيحة أو غير صحيحة , إلا أنها في حال إرجاء دائم . إن القبول بذلك قد فتح ثغرة في التصور التقليدي للعلم .

2- فلسفة العلم :
إن الحديث عن فلسفة العلم يثير تساؤل عن كيفية اقتران الفلسفة بالعلم مع أن منهج كل منهما يختلف عن الآخر في المنظور الحديث ؟ فضلا عن استقلال العلوم عن الفلسفة بدايات العصر الحديث والثورة العلمية التي تعد ابرز خطواتها هو استقلالها عن الدين والفلسفة , فالبداية كانت انفصال فكيف اقترنت بهذا المصطلح ؟ في نظر العلماء الذي يحثوا قضايا فلسفية في حقل العلم أو الفلاسفة الذي بحثوا إشكاليات العلم في حقل الفلسفة ولاسيما الفلسفة المعاصرة التي تعد هذه الخطوة إحدى خصائصها .
إذا كانت إشكاليات العلم وآثارها على الإنسان واحدة , فإن الفلسفات التي تدرسها متعددة تبعاً لمذاهبها وتياراتها ومدارسها وكل فلسفة تنظر إلى هذه المشكلة العلمية من زاوية معالجتها وآثارها الراهنة والمستقبلية على حياة الإنسان ,طبعا إذا كانت هذه الفلسفات نقية من الإيديولوجيا .وتحمل هموم معرفية وعلمية في الوقت نفسه بنظرتها إلى العلم , عند ذاك تكون فلسفتها العلمية تنظر الى العلم و إشكالياته و نتائجه وآثارها السلبية والإيجابية على المجتمع مصدر أبحاثها ومعالجاتها وبإمكانها على ضوء ذلك أن تقدم رؤاها الإنطلوجية و الإبستمولوجية والإكسيولوجية .
فأما من الجانب الإنطلوجي فهو الذي يتصل بنظرية الوجود الفلسفية والذي يعنينا منها بالنسبة للعلم , هو المترتبات الفلسفية على التصورات أو المفهومات العلمية مثل المادة أو الطاقة أو الموجة , وكذلك تركيب الذرة , وطبيعة المجال والحركة . فكل تلك المفهومات قد تبعث لدى بعض الفلاسفة تساؤلاً عن الوحدات الأساسية التي يمكن أن يُنسج منها الكون . ومهما تكن الإجابة على ذلك التساؤل , فإنها إجابة لا تندمج في تكوين العلم نفسه , بل هي إجابة تنتمي إلى فلسفة العلم ,أي أن قبولها لها أو رفضها إياها لا يعتمد على الإستدال العلمي بل يقوم على ما ترتضيه من نسق فلسفي .
وأما الجانب الإبستمولوجي فيتعلق بنظرية المعرفة الفلسفية , وهي النظرية التي تتألف من محاور ثلاثة . يحدد الأول إمكان المعرفة ؛ ترى هل يملك الإنسان حقاً القدرة على بلوغ الحقيقة عن طريق العلم ؟ ويعين المحور الثاني طبيعة المعرفة ؛ أي طبيعة العلاقة بين الباحث وموضوعات بحثه , هل هي من إنشاء عقله أو هي واقع
خارجي مستقل عن إدراكه , مثل هل يمكن القول بأن الألكترون موجود ؟. والمحور الثالث يتعلق بأدوات المعرفة ومصادرها , هل هي العقل , أو الحدس ,أو معطيات الحس .
أما الجانب الاكسيولوجي فهو ما ينضوي تحت نظرية القيم في الفلسفة , ولا يعني هذا في فلسفة العلم ربط العلم بالأخلاق فحسب ,بل يتسع لكل أنواع القيم ,فضلا عن تصوير العلم بوصفه مشروع إنساني يستهدف غايات معينة مستخدمة وسائل محددة لتحقيقها .
وهناك أيضاً "سيكولوجية العلم" التي تبحث في العمليات النفسية والعقلية التي تتعلق بالكشف العلمي , وما يقترن بها من القدرات الإبداعية والخيالية الموجهة لحل المشكلات العلمية .وكذلك "سوسيولوجيا العلم " التي تدور أبحاثها حول التفسير الإجتماعي لتطور العلم ونظرياته , وتطور تقبل المجتمع لها بالإشارة إلى إسلوب التنظير العلمي ونمطه الذي يعكس في مرحلة معين على أوضاع المجتمع الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية والسياسية .
غير أن فايجل و زملائه من التجريبيين المنطقيين يضعون تفرقة حاسمة وقاطعة بين تلك المجالات وبين فلسفة العلم وقد أطلقوا على تلك المجالات عنواناً مستحدثاً خاصاً وهو "علم العلم Science of Science" وعلم العلم كما يقول كارناب تحليل ووصف العلم من وجهات نظر متعددة مثل المنطق , وعلم المناهج , وعلم الإجتماع وتاريخ العلم .إلا انه يعود ويقرر أن المهمة الرئيسية لعلم العلم هي تحليل لغة العم , بل إن مهمة الفلسفة بأسرها هي تنمية منطق ومناهج بحث العلم على النحو الذي يحول أكثر مشكلات الفلسفة التقليدية إلى مشكلات علم العلم بحيث تكون مهمة الفلسفة تحليلاً للغة العلم .
ففلسفة العلم لها أن تفيد من تلك العلوم التي تجعل من العلم موضوعاً لبحثها في جانب دون آخر , وتؤلف بين نتائج هذه العلوم التي تصلح أن تدمج في وجهة نظر متسقة تتفق والنسق أو المذهب الفلسفي الذي صدرت منه .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن