فيروس الكورونا وتمثلات الأنوثة والذكورة

أميرة يعقوبي

2020 / 3 / 22

لئن اختلفت الخصوصيات الثقافيّة وتعددت الممارسات الاجتماعيّة فإنّ البنى العلائقيّة متشابهة إذا ما قارنا بين شتّى المجتمعات الباتريكيّة ونزوعها نحو دوام فرض الحدود الجندريّة والتقسيم على أساس الجنس. فالفرد يولد بجنس تمنحه إياه/ها الطبيعة وتتولّى الثقافة تطويعه كي يتناظر الجنس مع الجندر, إستنادا إلى وسال عدّة بدءا من التغنّي بالقضيب وستر الفروج مرورا بتقليص إمكانيّات النساء من التحرّك في الفضاء كي لا يأخذن حيّزا كبيرا داخل المجال، وصولا إلى إسناد الأدوار حسب الجنس إحتراما للتراتبيّة بين الأجناس. فلا عجب إذن أن تخضع الوظائف الّتي يضطلع بها كلا الجنسين لاستراتيجيات الضبط الاجتماعي والعمل على الحفاظ على بنى الهيمنة حتى لا تختلّ موازين القوى فتربك بذلك النظم الاجتماعيّة وتصبح مهدّدة بإعادة النظر فيها وفي طرق نسجها.

ومن شأن السياقات التاريخيّة والاجتماعيّة والسياسيّة تعزيز تجذّر المجتمع الأبويّ وفرضه لترسانة القوانين والتقاليد المحتفية بالمركزيّة القضيبيّة والمانحىة للرجال أفضليّة على حساب النساء, جاعلة من هذا الامتياز “معطى طبيعيّا” يدخلنه الرجال والنساء على حدّ السواء عن طريق التنشئة الاجتماعيّة المتباينة : la “socialisation différenciée” الّتي تمنح للرجال منذ الولادة “تذكرة عبور” نحو كلّ ماهو محظور أمام النساء.

ومن هنا نقف عند فكرة الفضاءين العام والخاص ولمن يخصّص كلّ منها؟ إنّ ما نحمله من تمثّلات حول بنيان الأنوثة والذكورة هو نتيجة لما أرسته النظم الاجتماعيّة في أذهاننا, فالشارع المحفوف بالمخاطر هو حكر على الرجال الذين خُيّل أنّ الطبيعة خلقت لهم القدرة على المواجهة والمجابهة في حين تستثنى النساء من فضاء “المخاطر” كي تعزّز الأمّة الإبقاء على مجد الذكوريّة.
لكن ماذا يكون الموقف مع خطر مجهريّ ؟ هل مازلنا سنحتفي بقيم الرجولة الّتي ما انفكّت تطالب بالصفوف الأماميّة وترابط من أجلها؟ هل تستوي أدوات المقاومة مع طبيعة العدوّ؟ هل يجدي في القترة الراهنة الإصرار على التموقع على حساب الغير؟

إذا ما أمعنا النظر قليلا فيما أنتجته المعايير الاجتماعيّة على مستوى الممارسات فسنجد أنّ هوس “الوصم” كفيل بالالتزام بالتقسيم الجنسي للعمل الأمر الّذي يجعل الأعمال المنزليّة لا تتكافئ ومرتبة الرجال, فيرتادون بذلك الفضاء العام حتّى مع غياب تام لنسبة مساهمتهم في الانتاج, فقط حتى لا تكون الأعمال المنزليّة سببا في فقدانهم للواجهة الإجتماعيّة وما سيصاحبها من إقصائهم من التمتّع بإمتيازات قيم الذكورة. واليوم ونحن إزاء أزمة تهدّد الانسان بغضّ النظر عن جندره/ها, هل لنا أن نمعن في الفروقات التي أحدثتها المعايير الاجتماعيّة ؟ هل لنا أن نتعرّف على أناوات أخرى إذا ما تقاسمنا الأدوار لا إذا ما قسّمناها؟

لقد تعدّدت الممازحات في مختلف وسائط التواصل الاجتماعي حول وضعيّات الرجال زمن الكورونا وإجبارهم على المكوث داخل منازلهم, غير أنّ هذه الفكاهات والقصص القصيرة التي تروى على أفواه الكثيرين والكثيرات هي إنعتاق لجملة من الأفكار التي تنتابنا حول الأنوثة و الذكورة وحول مقت بعض النساء لأجسادهن وأنوثاتهنّ في مقابل عشق الرجال لرجولتهم الخالية من القيود إلاّ أنها محكومة بالالتزام بإتقان دور الفحولة والرجولة بامتياز.

لكن ماذا تعني الرجولة في السياق الراهن: زمن الكورونا؟ هل تعني دوام التشبّث باستحقاق ملكيّة الفضاء العام وتحقير أدوار تقام داخل الفضاء الخاص؟ أم أنّها تعني مدى الالتزام بما يفرضه المختصّون/ات لجماية الانسانيّة من الفناء؟ وهل أنّ للإلتزام جندر ينتمي إليه؟

إذا ما أعدنا النظر في سلّم أولويّاتنا فسنرى أنّه لا جدوى ترجي من التسابق نحو التموقع في إطار حرب تضمّ الانسانيّة جمعاء مقابل عدوّ يخترقها متجاهلا جنسها. وليس أدلّ على ذلك إلاّ نسب الإصابات بهذا الوباء المتكافئة في صفوف النساء والرجال, لكنّنا لا نزال في ظل هذه الوضعيّة نتهكّم من رجال يطبخون في حين أنّهم كانوا في زمن ماض يلتهمون لا الأكل فقط بل أجساد النساء كذلك.

فهل يُتخيّل أنّ الرجل عند اضطلاعه بمهمّة الطبخ يتحوّل من ناكح إلى منكوح ؟ أم سيشعر إلى حدّ ما بما يثقل كاهل النساء كلّ يوم كي ينعم هو برغد العيش؟ وإلى أي مدى سترحّب النساء بانضمام الرجال لفضاء فرضت المعايير الاجتماعيّة أن تتفرّد به المرأة؟ أم سيعملن إلى إعادة تشكيل بنى هيمنة جديدة داخل الفضاء الخاص وفرض قوانين جديدة تتماشى في الظاهر مع قواعد الحجر الصحي لكنّها تتضمّن مبدأ إخضاع الرجال في الباطن؟

إنّ ما أفرزته المعايير الاجتماعيّة من لا توازن على مستوى العلاقات وتكريس للتراتبيّة بين الأجناس وتبرير ذلك بأحكام الطبيعة على أساس أنها هي المحدثة للفروقات , تجعلنا نقف الآن أمام نزوع الطبيعة فعليّا نحو دحض ما أنتجته المجتمعات الذكوريّة من تمييز ورميه على عاتقها. الطبيعة التي اختارت أن توجّه رسالة للإنسان رغبة في أن تنصفه و أن تخلع عنه التفكير في أفضليّة جندر أو دين أو عرق أو طبقة أو لون على غيره. هي رسالة فعليّة من الطبيعة تدعونا للتغني باختلافاتنا وكسر الحواجز بيننا, إنّها الطبيعة التي أرادت أن تذكّرنا أنّ الأنوثة أنوثات و أنّ الذكورة كذلك ذكورات ولكن هدف الإنسانيّة اليوم بات نبذ الصراعات والتضامن من أجل البقاء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن