هولندا و سياسة الاعتذار المعلن

نهاد القاضي
alkadi13@hotmail.com

2020 / 3 / 11

أعتدتُ يوميا الى متابعة أخبار الصباح مع فنجان القهوة أبدأها بالاخبار الهولندية والعالمية ثم اخبار بلادي .. وفي صباح هذا اليوم العاشر من آذار 2020 جذب انتباهي خبر على القنوات الهولندية عن ملك مملكة هولندا او تسمى ( مملكة ألاراضي المنخفضة ) وليم الكسندر وزوجته الملكة مكسيما وزيارتهما الى إندونيسيا لمدة اربعة ايام بمناسبة مرور 75عاما على استقلال اندونيسيا، و نشر الخبر المصور نص كلمة ملك هولندا التي بدأها بتقديم اعتذاره باسم هولندا الى جمهورية اندونيسيا عن العنف والمجازر الدموية التي قامت بها القوات الهولندية اثناء فترة اعلان استقلال إندونيسيا حيث نشوب حرب وقتال استمر بينهم لسنوات من 1947- 1949. قال الملك اليوم نحتفل بمرور ذكرى 75عاما على استقلال اندونيسيا، ونتألم لما كلفه الاستقلال من ارواح بريئة زهقت بسبب عنف القوات الهولندية في حينها، واكمل كلمته معربا عن ادراكه الكامل بالالم والحزن الذي لحق بالعوائل المتضررة والتي ماتزال تشعر بها الاجيال. أجابه رئيس جمهورية اندونيسيا السيد جوكو ودودو بعد الترحيب به وبالملكة وقال انها المرة الاولى وعلى هذا المستوى العالي تعتذر هولندا على ما حدث في الماضي، و أكد انه وللأسف لا يمكن تغيير ذلك التاريخ ولكن علينا أخذ العبر منها.
كانت الحكومة الهولندية قد اعلنت اعتذارها الرسمي عبر قنواتها الدبلوماسية عام 2005 في الذكرى الستين لعيد الاستقلال الإندونيسي، وابدت الحكومة الهولندية في حينها استعدادها بتقديم التعويضات الى أهالي الضحايا. ويؤكد المتابعون السياسيون ان هذا الاعتذار كان ثمرة جهود مكثفة وتعاون بين مجموعة من المحاربين العسكريين الهولنديين ساهموا في الاقتتال ومنظمات مجتمع مدني من الاندونيسيين المقيمين في هولندا وهي منظمات مدافعة عن ابناء الضحايا الإندونيسيين في هولندا، وتكاتفت جهودهم في تقصي الحقائق وشهود العيان وقامت هذه المنظمات بعمل ملف كامل عن هذه المجازر على امل ان يكتمل الملف في سنة 2021، وقامت هذه المنظمات بمفاتحة الجهات الرسمية الحكومية الهولندية لاتخاذ مواقف جريئة تتماشى مع المفاهيم الانسانية والحقوقية ومواجهة صريحة لمرحلة تاريخية لا مفر من تغييرها.

ومن المعروف ان اندونيسيا كانت احدى اكبر المستعمرات الهولندية التجارية منذ 1602 لغاية الحرب العالمية الثانية حيث احتلتها اليابان، وبعد استسلام اليابان في آب 1945 أعلن قائد الثورة الاندونسي سوكارتو استقلال اندونيسيا. وسعت هولندا الى استعادة سيطرتها على جزر اندونيسيا مرة اخرى، لكنها جوبهت بمقاومة وقتال عنيف ومساعي دبلوماسية كبيرة لتنتهي في ديسمبر 1949 بأعتراف هولندا باستقلال اندونيسيا و تحت الضغط الدولي. وقد خلف الاقتتال العديد من المجازر والأبادات الجماعية للابرياء حيث كلف استقلال اندونيسيا مائة الف قتيل----
انتهى الخبر.... ولكن القصد من نشره هو سياسة هولندا تتكلل بالاعتذار المعلن وعلى اعلى المستويات مما يوحي الى درجة التطور في فكر النظام الهولندي والتحول من دولة او مملكة مستعمِرة وباستخدام القوة والعنف الى دولة مؤمنة بحقوق الانسان وحرية الشعوب ولا تكتفي بذلك بل تعبر بكل صدق عن خطأ ارتكبته في السابق وتقدم الاعتذار من قبل ملكها وفي يوم استقلال اندونيسيا.
ترى كم من دول العالم تقدم او قدمت الاعتذار لما قامت به من استعمار واحتلال لدول اخرى، واذا تمعنا في الموضوع جيدا ونظرنا الى العراق مثلا نجد ان فكر الاعتذار بين شخصين متخاصمين في بلدنا اصبحت مستحيلة، فكيف ستكون هناك سياسة اعتذار من النظام العراقي لاعمال البطش والقتل والاختطاف والاعتقال للمتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم، كيف سيكون هناك اعتذار لما حدث ومازال يحدث من اضطهاد وانتهاك لحقوق الاقليات القومية واتباع الديانات والمذاهب .. ترى هل سنشهد اعتذار للمرأة الايزيدية والمسيحية السريانية الكلدانية الاشورية، اعتذار للشيوخ والشباب من الكاكائين والمندائيين والشبك والبهائيين. واخيرا اقول هل سيستيقظ الضمير وتعتذر الحكومة العراقية على لما حصل من ابادات جماعية بحق الكورد والكورد الفيلية لما حصل من قتل في حلبجة بالمواد الكيمياوية، هل سيكون هناك اعتذارا لسكان الاهوار وضحايا البصرة والناصرية ودمار الرمادي والموصل وديالى وغيرها. هل سيتحلى مسؤول عراقي بخلق الاعتذار لما حصل للشعب آملين ذلك...
ولكني ايضا لا اقف فقط عند اعتذار المسؤول واقول هل ستسعى منظمات المجتمع المدني والمنظمات العاملة للدفاع عن حقوق الانسان بتشكيل ملفات توثيقية للابادات الجماعية وتسعى ان توصلها الى الجهات المعنية كي تكون ورقة ضغط كبيرة على مسؤولي العراق لتقديم الاعتذار مثلما قامت به منظمات المجتمع المدني الاندونيسية, (( حسب علمي هناك منظمات ساعية بهذا لاتجاه مثل منظمة الايزيدية الخيرية في هولندا ومنظمة شلومو للتوثيق في اربيل عين كاوا ومنظمة التوثيق الابادات الجماعية للايزيديين في اربيل ) --- ونقول ايضا هل سيجيب ذوو ضحايا الابادات الجماعية المذكورين اعلاه من شعب العراق بنفس جواب رئيس جمهورية اندونيسيا ويقولون ان الابادات الجماعية كانت وما زالت كبيرة والاعتذار عن هذه المجازر شئ مؤلم وذكرى مؤلمة وتاريخ مؤلم لا يمكننا تغييره، ولكن علينا ان نستفاد من ما حصل ونأخذ من مآسي الحروب العِبر ونفكر بالسلام ونفرض الامن والامان ونبتعد عن فكر الحقد والانتقام.. آملا ان نتحلى نحن ضحايا الانظمة السابقة بفكر رئيس جمهورية اندونيسيا
شكرا لمملكة هولندا وهي ترسم بخطوط عريضة صفحات السلام ملونة بالاعتذار عن اخطاء جسيمة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن