سحر الشرق

هبة فارس
hebafares887@gmail.com

2020 / 2 / 5

إبن الاعيان المدلل الذي سافر لتكملة تعليمه في السربون ليعود حاملا معه شهادة راقية في الاقتصاد تهيئه لشغل إحدى أرقى الوظائف في أحد البنوك العريقة مع الوضع في الاعتبار مكانة عائلته المالية بين كبرى أعيان عائلات الوجه البحري المصري.. لم يعد مدللنا وفيق من باريس بشهادة الاقتصاد فقط ... بل عاد بزوجته الفرنسية الجميلة الشقراء زرقاء العينين... كان أهون على أمه (الحاجة زينب أم عثمان كما كانت تسمى بين أهل قريتها على الرغم من أن عثمان هذا أباها وليس ابنها ... إلا أن تلك كانت عادات الريف المصري وقتها) كان أهون عليها ألا ترى وحيدها متزوجا البتة من أن يعود بخواجية منحلة مكشوفة الشعر و السيقان جميلة جمال مرعب ولا تسطيع حتى نطق كلمتين عربيتين معاً.. ولكن لم يعد باليد حيلة.. ولدها عاد بحسناء حبلى في شهرها الخامس ... وكما اتفق وفيق مع والده الحاج منصور فقد أعد له شقة جميلة مجهزة تجهيزا فائق الجودة أعلى دوار العائلة المهيب ... استعدادا لإستقبال الابن وعروسه الخوجاية اليزابيث أو كما كام يناديها ب ليزا.. اقامت ليزا مع حبيبها في شقته التي تبعد عن القاهرة عدة كيلومترات ... كانت تحلم - وقت أحبت وفيق وقررت الموافقة على الزواج منه - ببيت دافئ وسط مجتمع دافئ كما هو متعارف عن مجتمعات الشرق الساحرة ... فكل ما وصلها عن الشرق حينها – ثم أكده لها حبيبها _ كونه مجتمع شديد الحميمية وأهله مملوءين طيبة وحب وسذاجة ... الأجواء في الشرق الأوسط كانت مدعاة قلق للمجتمع الأوربي حيث كان على سدة الحكم في مصر نظام عسكري أهوج على رأسه رئيس يتحدى ويستفز العالم اجمع... مما أوجس عائلة ليزا خيفة من انتقال ابنتهم البسيطة اليافعة إلى تلك الأجواء ... والأدهى أنه بمجرد سفر ليزا واستقرارها في مصر ملأ الأجواء خبر وفاة عبد الناصر... وصعود السادات إلى سدة الحكم ... فقلقت عائلة الفتاة أكثر. حيث أن الشرق تعود على أن يتحكم الرئيس في توجهات كامل الدولة. فماذا لو كان السادات أكثر اندفاعاً من سلفه المتوفى وخاض بمصر حروب أكثر فتك وضراوة؟ لكن تلك هي خيارات ابنتهم والتي لا يستطع أحد التدخل فيها. وستعلم فيما بعد أن الحب لا يغير واقعاً ... ولكن بعد أن تخوض التجربة لنهايتها.
منذ اليوم الأول فهمت ليزا بأنها غير مرحب بها هنا.. وعندما اختلت بحبيبها اعربت له عن رغبتها في العيش بالقاهرة... إجابة وفيق دلت على رغبته هو الاخر في الإنتقال للعيش بالقاهرة ولكن بعد فترة حتى لا يغضب أهله وذويه لانتقاله من جوارهم بمجرد عودته للوطن... وقتها سيخلق عداء غير مبرر بينهم وبين حبيبته لكونهم سيربطون بين زواجه بها وانفصاله عنهم. وطمئنها إلى أن انتقالهم للقاهرة حتمي ولكنها مسألة وقت.. عاشت ليزا أسوأ ايام عمرها معهم وخاصة في أوقات غياب شريكها في عمله ... ولكنها كانت منذ البداية قد قررت أن تتحمل بعض الشيء حتى تكتسب ثقتهم وحبهم ... من أجل عيون حبيبها الذي اختارته قلباً وعقلاً. فحاولت التقرب من اهله وأقاربه ولكن عبثا حاولت... حاجز اللغة ونظرات الامتعاض الواضحة على وجوههم حالت دون ذلك ... لم يكن هناك من تشعر معه بالألفة سوى اثنتين فقط إحداهما هي الخادمة المكلفة بمرافقتها ... والأخرى كانت فاطمة وهي ابنتة عمة زوجها ... كانت نظراتها توحي بالحب والتعاطف ... أما نظرات باقي المحيطين فانقسمت ما بين الغيظ والحقد والغيرة من النساء والفحص وتمني الامتلاك والتحرش من الرجال ... كل يوم كان يزداد ضيقها بالمكان وأهله ... غدى زوجها يصطحبها لزيارة أصدقائه القاهريين والتنزهه بالقاهرة والتمشية في حقول القرية البديعة أكثر من ذي قبل ... حتى يخرجها من شعورها الواضح بالاغتراب ... وبعد تواصل ليزا مع العديد من الأصدقاء المنفتحين في القاهرة ووعد زوجها لها بالانتقال للعيش في القاهرة في أقرب وقت أصبحت أهدأ وأكثر راحة من ذي قبل أو هكذا بدا للزوج ... بدأت أشهر الحمل تنقضي سريعا ومخاوف المخاض في تلك الأجواء تشغل بالها جدا ... فطمئنها إلى أن كل شيء على ما يرام وان مخاضها سيكون على يدي افضل أطباء النساء والتوليد في مصر وفي أرقى واكبر مستشفياتها ... وبالفعل تم ذلك في بدايات شتاء مصر البديع ... أنجبت فتاة جميلة تجمع مابين سحر الملامح المصرية ومسحة الجمال والرقة الأوربية ... كانت ترغب في تسميها جولي ولكن وفيق كان على علم بأن هذا الإسم سيثير حافظة أهله جميعا ... وخاصة أن أمه تنتظر مولودا ذكرا يسمى منصور نسبة لجده أو على أسوأ الحظوظ أنثى تدعى زينب نسبة لها هي ... فكان المأزق الحقيقي الأول الذي يظهر الفجوة بين الثقافتين ... فكان اقتراح صديقه عزمي لأن يمسك العصى من المنتصف ويسميها مريم فيكون هذا اسمها العربي وتناديها امها ب ماري ولا تحدث تنغيصات بسبب الاسم ... وقد كان ... عادت ليزا إلى بيتها في مقر دوار عائلة وفيق بعد الولادة بيومين ... وفوجئت بتجهيزات غير اعتيادية من أجل شي لا تعلمه ... ولكن وفيق أوضح لها ان هذا ما يدعى سبوع المولود وانه عبارة عن احتفال خاص بالمواليد ... فرحت ورحبت بالفكرة ... ولكنها أثناء الاحتفال أصيبت بالهلع على صغيرتها ... بسبب الضوضاء القميئة والتي تبدوا لها اشبه بمعركة وليس احتفال ... علاوة على أن ما يطلبونه منها وما يرغبون في صنعه مع صغيرتها مرعبا حقاً ... فغادرت الاحتفال المزعوم حاملة طفلتها وصاعدة إلى شقتها وهي في شدة الغضب ... بعد صعودها بعدة دقائق لحق بها زوجها وهو يتسائل عن سبب غضبها ... فحكت له ما تم في الاحتفال الغريب هذا.. ففوجئت بضحكه وبأن كل ذلك طبيعي ويحدث لكل المواليد في مصر ... فغضبت جدا لعدم مبالاته بخطورة ذلك على طفلتهما ... وطلبت منه أن تغادر ذلك البيت فورا وتعيش بالقاهرة كما وعدها ... فطلب منها الصبر حتى تتم الترتيبات اللازمة في هدوء وروية ... مرتجياً منها أن تحاول كسب ثقة عائلته مجدداً ليس من أجله فقط ... ولكن من أجل ماري الجميلة ... فهم عائلتها هي الأخرى ... فقبلت على مضض ... واعدة بتكرار المحاولات السخيفة من أجله وماري.
بعد الولادة أصبحت حماتها تقضي وقتا أطول معها هي وابنتها ... وكانت تبدي ملاحظات عن أشياء يبدوا انها لا ترضى عنها ولكنها لا تستطيع افهامها لليزا ... كما أن وفيق لم يكن يقوم بالترجمة بأمانة بين ليزا والجميع تجنبا للمشكلات ... لكن النار كانت مشتعلة أسفل الرماد الظاهر على السطح والذي يوحي بانطفائها ... أو هكذا تصور الزوج الحائر ...
بعد عدة اسابيع من عودة ليزا وماري للبيت مات الحاج عبد الحميد جد وفيق وعميد العائلة. كان الحزن واضحا على كل من بالبيت ... بل والقرية أيضاً. غاب الزوج في دار المناسبات للعزاء فبقيت ليزا وصغيرتها حبستان داخل شقتهما حيث ازدحم الدوار بالنساء المتشحات بالسواد للتعزية ... عند عودته مساءاً سألته حبيبته عما يجب فعله في مثل تلك الأحوال ... حتى تتقرب من أهله كما وعدته. فسعد جداً من مبادرتها تلك ولقنها التفاصيل. لابد وترتدي رداءً أسوداً ... وتضع على رأسها وشاحاً أسوداً ... وتجلس متجهمة ويبدوا عليها الحزن الشديد ... مستقبلة المعزيات من نساء القرية والقرى المجاورة في ثبات تام ... وعدم الابتسام لهن اثناء مصافحتهن ... بل يجب عليها أن تبدوا حزينة أيما حزن ... وحين تميل احاهن عليها لتقبيلها ... فلا يجب ردها ... بل تستجب للقبل ... والأمر سيمر سريعاً ... وافقت فلربما يحدث التقارب المنشود بعد ذلك العزاء ... في اليوم التالي أرضعت الطفلة وتركتها أمانة للخادمة الطيبة ... ونزلت لأسفل لاستقبال المعزيات مع حماتها وشقيقات زوجها ... وكن مستعدات لتلك الخطوة حين أعلمهم أخوهم بنزول زوجته لأخذ عزاء جده معهن ... كن متأففات ولكن رغبة مدللهم لابد وتحترم. جلست ليزا بكامل هيئة المكلومات وبشكل ينم على الحزن والأسى كما لقنها زوجها ... كانت تلمح وتسمع التهامس الحادث عليها بكل غباء وصلف غير عابئة به ... فلديها غاية لابد وتنجز ... على صوت يوحي بحالة طوارئ في باحة الدوار وإذا بحركة غريبة حاثة ... حيث تعتدل كل واحدة في جلستها وتطمئن كل منهن لهندام ملابسها واستقرار خمارها على شعرها. وبينما تتحسس كل واحدة منهن غطاء رأسها اكتشفت احداهن وكانت ابنة شقيقة وفيق الكبرى أن خمارها ليس فوق رأسها ... فقامت بحركة تلقائية نزع خمار ليزا من فوق رأسها وارتدائه بسرعة حتى تغطي شعرها ... تاركاً ليزا مكشوفة الرأس غضبت ليزا وسارعت بمغادرة المكان والصعود لشقتها ... وبينما هي خارجة لمحت زوجها بصحبة رجل كبير يبدوا أنه من تحركت النسوة من أجله. حتى أنها لم تجب زوجها حين ناداها لتسلم عليه ... غادرت الى فوق دونما التفاته. وعند سؤال وفيق لوالدته عنما حدث وقصها عليه قصة غطاء الرأس أنبها ابنها لأنها تركت هذا يحدث ... فأجابته بأن زوجته حسيرة الرأس دائماً فماذا يضير من كون حفيدتها المحتشمة سحبت غطاء رأسها عنها حتى تستتر به وهي العفيفة التي لا يمكن أن يرى شعرها أجنبي أبدا ... ثم أنه ماذا يجدي غطاء الشعر لامرأة مكشوفة السيقان ... شعر وفيق بالضيق والحنق الشديدين. وأراد الصعود لتطييب خاطر حبيبته إلا أن وقت عودته للعزاء قد حان. فبات متحيراً هل يصعد لضم حبيبته وتهدئتها، أم يعود لواجبات العزاء. لكنه قرر الصعود لها ثم العودة للعزاء فيما بعد. وعند صعوده لمح نظرة والدته المملوءة غضباً وحسرة.
كانت الجدة غاضبة من عدم إعطائها الفرصة للانفراد بحفيدتها ... وأن كنتها لا تسمح لها باصطحابها لاسفل لتقابل بها المنقطين الذين لم يسعفهم الوقت قبل وفاة الجد تنقيط الطفلة بالأموال التي يعتبرونها ديناً كعادة القرى المصرية ... افهم وفيق ليزا بأنها يجب ترك الطفلة لجدتها تنزل بها للدوار حيث إنها جدتها من حقها ان تحملها وتهدهدها وتغني لها أغاني المهد وكذلك وتخرج بها وتقابل بها أهلها ... فوافقت بعد إلحاح شديد ... وبعد وضع شروط قاسية ... وبالفعل أصبحت الجدة تتحصل على بعض السويعات مع حفيدتها بعيدا عن أمها... وذات مرة بعد أن اخذت الجدة الطفلة لأسفل بدأت الطفلة في الصراخ الشديد مما أقلق ليزا على طفلتها.. فنزلت مهرولة.. فإذا بالطفلة تصرخ ويبدوا عليها الألم الشديد حيث تحرك أرجلها وأذرعها بشكل يوحي بمنتهى الألم وإذا بالطفلة مثقوبة الأذنين وموضوع بهما حلقات ذهبية ... ومكان الثقب والحلقات يبدوا ملتهباً للغاية وشديد التورم والاحمرار. فما كان منها الا الصراخ والسب والشتم لكل المتواجدين بشكل هستيري ولا تعلم ماذا تفعل سوى الصعود لأعلى واخذ بعض ملابسها وملابس الطفلة وحملهم والهرولة بهم إلى محطة القطار في القرية وركوب القطار والذهاب للقاهرة والنزول في أحد الفنادق ووضع حقائبها هناك ثم الاتصال بشركة الطيران لحجز تذكرة سفر إلى فرنسا ... وعند عودة وفيق للمنزل من عمله علم ما حدث لزوجته وابنته ... فوبخ أمه على ما حدث ... ثم بدأت رحلة البحث عن ليزا ومريم في كل فنادق القاهرة ... حتى عثر عليهما أخيراً في ذاك الفندق الذي نزلت به ... وعبثا ًحاول أثناءها عن رأيها في إلغاء حجز الطيران أو إقناعها بالعودة لمنزلهما ... رفضت بشدة وبكل إصرار هذه المرة ... وكانت ثورتها عارمة بسبب تألم طفلتها من ذلك الثقب اللعين في اذنيها ... فأقترح عليها ان يذهبا بالطفلة للطبيب حتى يطمئنا عليها ... فوافقت جدا... وبالفعل ذهبا لطبيب الأطفال والذي ضحك من ردة فعل الأم المرعوبة وطمئنها إلى أن كل فتيات مصر يتم ثقب آذانهن بنفس الطريقة.. وإن إبرة الثقب تكون معقمة بالنار.. وأن الذهب مأمون حيث لن يثير الجلد المجروح بوصفه معدنا عديم التفاعل تقريبا.. واعطاها كريم ملطف لمدة عدة إيام حتى يلتئم الجرح ... عادوا للفندق أكثر هدوء واطمئنان على الصغيرة الحبيبة... وعبثا حاول الزوج إقناعها بالعودة.. لم توافق أبدا وهددت بأخذ الطفلة والسفر واعلمته بموعد السفر.. وبعد العديد من المحاولات وافقت ليزا على البقاء شريطة الا تعود هي ولا ابنتها إلى تلك القرية ولا لذلك البيت... فوافق زوجها ووعد بالعيش في القاهرة في أقرب وقت.. فأصرت على البقاء في الفندق لحين الانتقال إلى الشقة الجديدة في القاهرة... وبالفعل قام وفيق بتجهيز شقة جميلة في أحد أجمل أحياء القاهرة... وانتقلت ليزا ووفيق وطفلتهما للعيش بها.. كانت حياتهما كلها سعادة وحب إلا في الوقت الذي يطلب الأب فيها اصطحاب الطفلة للقرية لرؤية جدتها وجدها واقاربها ... كان هذا الطلب يقابل بالرفض من ليزا دائماًو.. ينتهي بعراك بينها وبين زوجها.. تم الاتفاق على أن تصطحب الأم طفلتها للقرية مع زوجها .. على ألا يمكثها هناك اكثر من عدة ساعات والعودة سريعا.. وكل مرة كانت تحذر زوجها أنه بمجرد إصابة طفلتها بأي أذى نتيجة العادات الغبية هناك فإنها سوف تأخذ ابنتها إلى فرنسا فورا.. فكان يطمئنا بأنه لن يحدث شيء.. تجاوزت مريم العام من العمر ... وفي اثناء زيارتهم للقرية.. كان الجميع يلعبون بها ويحاولون تقبيلها وليزا تحول دون ذلك والكل يغضب من منعهم تقبيل الطفلة.. إلى أن تدخلت الجدة في حدة عندما منعت ليزا شريف ابن عمة مريم من تقبيلها ... انتزعت الطفلة من ايدي امها وقالت لحفيدها بوسها ياواد ولا يهمك حد... اغتاظت ليزا وشكت لزوجها والذي لم يحرك ساكنا كعادته.. وبعد عودة ليزا وزوجها وابنتها لمنزلهم بالقاهره مساءا.. شعرت بارتفاع درجة حرارة الطفلة ... ف حاولت إنزالها بالكمادات الباردة دون جدوى ... إلا أن عرضا اخر بدأ يظهر على مريم بالإضافة للحرارة وهو السعال بشكل مخيف وبصوت اشبه بصياح الديكة ... هرولت بها إلى طبيبها والذي أعلن عن ضرورة دخول الطفلة المشفى بسبب اصابتها بالسعال الديكي ... رافقت ليزا ابنتها في المشفى ... اسبوعين متتاليين لا تفعل سوى شيئين فقط ... مراعاة طفلتها والصمت ... عبثاً حاول وفيق جعلها تتكلم معه ... تغضب ... تصرخ ... ترمي الأشياء بوجهه ... تضربه حتى كما كانت تفعل أحياناً حين تغضب منه ... تتكلم بأي شكل من الأشكال ... لكنها كانت وكأنها تتحاور مع نفسها أو طفلتها أو شبحا ما غير مرئي ... بدأت الطفلة تتحسن ... وعادت للمنزل واستمرت متابعة حالتها مع طبيبها لمدة شهر آخر ... عادت الحياة خلالهم طبيعية تدريجيا أو هكذا بدت لوفيق ... إلا من صمت ليزا المطبق ... وعزوفها التام عنه لا في العلاقة الحميمة فقط ولكن في مجرد النظر اليه أو الحديث معه ... عاد وفيق للعمل ... وحاول جاهدا إخراج ليزا من صمتها ولكنه فشل ... وقتها فنصحه أصدقائه ان يصبر حتى تطمئن ليزا تماما لشفاء ابنتها حينها حتماً ستعود لطبيعتها تدريجياً خاصة وأنها تعشقه عشقاً جنونياً كما يعشقها هو ... وبالفعل تعايش وفيق مع صمت ليزا ... وعادت حياته إلى طبيعتها تقريباً ... نهارا في عمله وليلا مع زوجته وابنته والتي ترفض امها رفضا تاماً خروجها من المنزل أو التزاور مع احد او ذهابها في نهاية الأسبوع لزيارة قرية أبوها ... إنه اليوم الاخير في اسبوع العمل قبل وفيق زوجته وابنته مودعا اياهما للذهاب لزيارة ذويه في القرية ... ودعته ليزا بصمتها المطبق كعادتها منذ مرض ابنتها ... وخرج وفيق واستقل القطار لقريته وقضى يومه هناك ... ولكنه لم يستطع المبيت ... شوقه لزوجته وابنته غلبه ... فقرر العودة ليلا ... فتح شقته مناديا على ليزا ومريم ... فلم يجدهما فقط وجد خطاب من ليزا تعلمه بأنها ستكون في باريس مع طفلتها عند قراءته لتلك الرسالة ... معتذرة فيه لنفسها عن خيبة أملها فيه وفي مصر وفي الشرق كله ... معلنة أنها لن تنسى ما حييت تلك التجربة المريرة التي تجرعتها بفعل وثوقها في ذكر شرقي ... لأنها بالفعل حاولت أن تنسى لكنها كلما حاولت مسامحته قفزت لذهنها صورة صغيرتها وهي تحاول التنفس من خلف صيحات الديك التي كانت تخرجها من صدرها في محاولة البقاء حية رغم المرض العضال اثر تضرعات أمها لها للبقاء حية من أجلها. وأطلعته على سرها الذي لا يعرفه سواها وابنتها فقط ... وهو وعدها لحبيبتها أن إن قاومت وبقيت حية سوف تنقذها من تلك البيئة القذرة التي انجبتها بها. وأعلمته انها لن تعود ثانية ولن تدع ابنتها تعود إلى تلك الأجواء المريضة. وطلبت منه أن ينسى تماماً وجود ليزا أو ماري الآتي لا يرغبن في معرفته أو تذكره.



القاهرة
30/1/2020م



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن