اليَمَنِيُّونَ وَكَيْفيَّةَ الشِّفاءِ مِنْ الشَّقاءِ المُقيمِ !

منذر علي
monther-ali_33@hotmail.com

2020 / 1 / 25

الحاكم الوطني المُستنير يستطيع أن ينهض بوطنه حضارياً إلى ذرى المجد ، ولكن الحاكم القَبلي والطائفي والجهوي، غير الوطني، الجاهل، يمكنه أنْ يُجيِّش خلفه مئات الآلاف من البشر ، الذين يكونون غالباً من المتحمسين البلهاء، واليائسين، والمشوشين فكريًا ، والتافهين والمرتزقة والجهلة ، فينتفع بهم الحاكم ،غير الوطني، ولا ينفعهم.

و يستخدم الحاكمُ هؤلاءِ الجهلةَ والأوباشَ وسيلةً لإغراق الوطن في وحل التخلف والدم ، فيقوض بهم الوطن، وينكب بهم الشعب ، ويدخله في صراعات جهنمية لا نهاية لها. وفي الأخير يتخلى الحاكم ، في أول فرصة، عن مَنْ بقيَ من أتباعه الأغبياء ويدعهم يلعقون جراحهم ، ثم يشتري قصراً فسيحاً ، ويتزوج امرأة حسناء ، ويتخلى عن زوجته القديمة، وينعم بالعيش مع زوجته الجديدة ، و يفتح مصرفاً أو متجراً كبيراً أو وكالةً تجارية ، ويحجُ إلى بيت الله الحرام ، ويجلسُ على كرسي وثير ، وكرشه متدلية أمامه ، ويقول لأصحابه ومعارفه ، متباهياً بثروته الكبيرة ، المعجونة بالدم: "هذا من فضل ربي!" ، فيصدقه المغفلون ، ويجامله الخُبثاء ، ويحتقره الأذكياء. هذه ببساطة، هي القصة، المترتبة على حكم الوطن من قبل الجهلة غير الوطنين.

والآن دعوني أعود بكم قليلاً إلى الوراء لإجلاء الصورة ، وكشف ترهل النخب اليمنية الجاهلة، المعصورة من قبل القوى الإقليمية التوسعية الغادرة .
خلال الفترة الممتدة بين 1962 - 1985، فشلت القوى الإقليمية المتربصة بالوطن اليمني في إخضاعه عن طريق القوة العسكرية بين 1962- 1970 ، فحاولتْ شراء القادة الوطنين، وحينما رفض القادة الوطنيون الابتزاز السياسي بإباءٍ ، سعت القوى الإقليمية إلى أزاحتهم من السلطة، بوسائلها الماكرة وغير المباشرة، ونجحتْ إلى حد ما في ذلك ، ولكنها لم تفلح بشكل كامل في تحقيق غاياتها اللئيمة.
وحينما شعرتْ القوى الإقليمية بخطر بعض القادة الوطنيين المُتميزين، سعتْ مرة أخرى ، عبر أدواتها ، إلى استثمار غباء النخب السياسية اليمنية ، والوضع الاجتماعي المتخلف ، وغزت القبائل عن طريق المال، وعملتْ على في توظيفها في تقويض الدولة الوطنية الهشة ، و تفجير الصراعات اليمنية من الداخل ، ثم لجأت إلى اغتيال القادة الوطنيين بوسائلها الغادرة والمباشرة.

وكان من بين أولئك القادة التاريخين والسياسيين والعسكريين والكوادر الذين أزاحتهم أو اغتالتهم القوى الإقليمية ، بشكل مُباشر أو غير مُباشر: علي عبد المغني ، وغالب لبوزة ، وعبد الله السلال ، و قحطان الشعبي ، وفيصل عبد اللطيف ، وعبد الرقيب عبد الوهاب، ومحمد مهيوب الوحش، ومحمد صالح فرحان ، وعلي مثنى جبران ، وعبد القادر سعيد ، وإسماعيل الكبسي ، وإبراهيم الحمدي ، وسالم ربيع علي ، وسلطان أمين القرشي ، وعبد الوارث عبد الكريم ، وعبد العزيز عون، وعيسى محمد سيف ، وعبد السلام مقبل ، والدكتور عبد السلام الدميني ، وحسين قماطة ، و عبد الفتاح إسماعيل، وعلي أحمد ناصر عنتر، وصالح مصلح قاسم ، وعلي شائع هادي، والدكتور ثابت عبد حسين ، وقاسم الزومحي ، ومحمد ثابت سفيان ، والدكتور مطلق عبد الله حسن ، وعلي أسعد مثنى، وعبد الحميد أحمد سعيد ، وعبد الملك محمد علي ، وعلي صالح ناشر ، والدكتور ثابت محسن عبد القوي ، وزيد علي سيف ، ومنصور قائد سيف ، وصالح علي بانافع، وعبد الواسع السقاف ، والدكتور عبد الرءوف عبد الرحمن ، والدكتور محمد سالم علي ، وعلوي عبد الهادي ، وعبد الرحمن صالح عيسى ، وصالح حسن محمد ، والمقدم محمود صالح أحمد ، وصالح سعيد البعم ، ، ومهدي علي نعمان ، وموسى أبوبكر صالح ، وزيد حسن حيدره ، وصالح عبد الكريم ، وقاسم حريز ناجي، وزين عمر ديَّان ، وحسين مثنى ناصر، ومحمد منصر حسين ، ومحمد مساعد علي ، وعلي سيف مثنى، وزين حسين صالح ، ومحسن محمد قطيبي ، ومنصور علي سعيد، وعبد الله ناصر سالم، والرائد طيار بكيل هاشم , والرائد عدنان جعفر محمد سعد ، والرائد طيار أحمد شعفل حسين وعشرات الآلاف غيرهم.

و هكذا جوفت الجمهورية، بجناحيها الشمالي والجنوبي، وأنتزع قلبها وعقلها ، وأُفرغت من التيار الوطني المُستنير، وتمكنت القوى الإقليمية الرجعية إثر ذلك من تعزيز نفوذها السياسي في بنية السلطة السياسية اليمنية ، والتأثير على مسار الأحداث اللاحقة في اليمن ، ولكنها لم تفلح في السيطرة عليه. وفي وقتٍ لاحق ، وخلال الفترة الممتدة بين 1986 – 2019 ،نجحت القوى الإقليمية ، بشكل تدريجي، عبر تفجير الصراعات القبلية والطائفية والجهوية بين اليمنيين على نطاق واسع ، و دفعهم إلى قتل بعضهم البعض ، وخلق بيئة سياسية طاردة لليمنيين في وطنهم ، الأمر الذي مكنها من سحب النخب السياسية اليمنية الغبية والانتهازية والوصولية والقبلية والطائفية عَنْوة ، وتحت ضغط الحاجة ، إلى الرياض وأبي ظبي والدوحة واسطنبول وطهران.

وحينما وصلت النخب اليمنية، الغبية والمشوشة واليائسة ، إلى تلك العواصم ، الزاهرة بالمظاهر الاستهلاكية الزاهية، ولكن المنكوبة بالعبودية والتخلف عن العصر ، و قُدِمَّتْ للنخب اليمنية الألعاب ففرحوا بها كالأطفال،وانبهروا ، ووقعوا فوراً في حب تلك العواصم ، ونَسَوْا اليمن وقبور أمهاتهم وأجدادهم وجداتهم ، فابتهجت القيادات البدوية في تلك العواصم ، أيما ابتهاج، فعملت على استضافتهم مع عائلاتهم، و غمرتهم بالعطايا ، وأطعمتهم وألبستهم على طريقتها ، وقلَّبتهم على بطونهم وظهورهم ، وداعبتهم ، وأضحكتهم , وأسعدتهم ، وتمكنت في الأخير ، وبيسر شديد ، من شرائهم بثمنٍ بخس.

وهكذا أفلحت الدول الإقليمية في تقاسم اليمن والسيطرة عليه ، بشكل مباشر وغير مباشر . واليوم نرى إيران تحكم أغلب المناطق الشمالية ، مثل صنعاء وصعدة وعمران وذمار ، ونرى السعودية والإمارات تحكم أغلب المناطق الغربية والشرقية من الجنوب ، ونرى قطر وتركيا تحكمان مأرب وتعز . هذه هي مُحصلة حُكم النخب الجاهلة غير الوطنية. والآن علينا أنْ نتعلم من الماضي من أجل استعادة الوطن، ولكن هذه مهمة ليست يسيرة.
وما أقصده بالتعلُّم هُنا ، هو أنَّ على اليمنيين أنْ لا يعتمدوا البتة على الحكام الجهلة والسفلة ، غيرالوطنيين الذين يتكئون على الأنظمة المتخلفة العفنة في المنقطة، مثل إيران والسعودية والإمارات وقطر وتركيا . وبتعبير أوضح إنَّ على اليمنيين أنْ لا يسعوا للبحث عن الحرية من أعداء الحرية، وعن الكرامة من أعداء الكرامة ، وعن الجمهورية العادلة من الملكيات الظالمة ، أو من الجمهوريات الطامعة، وعن التقدم من أنصار التخلف.

و هذا يعني ، ببساطة شديدة ، أنَّ على اليمنيين أنْ يعتمدوا على الذات الوطنية ، ويبحثوا عن نخبة وطنية مُستنيرة ، دون الالتفات إلى خلفيتها القبلية والجهوية، أو عن حاكم وطني مستنير، ( ركزوا على كلمتي وطني ومُستنير!) دون الالتفات إلى قبيلته و منطقته. فالمهم هو أنْ يكون القائد المأمول مع سيادة الوطن وحق الشعب في حياة حرة كريمة وعادلة ، ولديه رؤية سليمة للمستقبل.

وعلى هذا الأساس ينبغي على اليمنيين أنْ يساندواالحاكم الوطني المُستنير ، بكل ما أوتوا من قوة وبأس ، كما ساند شعب جنوب أفريقيا حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والقائد الوطني المُستنير نيلسون مانديلا ، دون الالتفات إلى قبيلته، أو منطقته الجغرافية، أو عرقه أو معتقده السياسي. وكما ساند الفنزويليون القائد الوطني والأممي المُستنير هوغو تشافيز ، و كما ساند الكوبيون القائد الوطني والأممي العظيم فيدل كاسترو ، وكما ساند الفيتناميون القائد الكبير هوشي منه ، و كما ساند الهنود القائدين العظيمين مهاتما غاندي وجواهر لال نهرو، وكما ساند الصينيون القائد التاريخي الاستثنائي ماو تسي تونغ؛ حيثُ استطاعتْ هذه القيادات التاريخية الفريدة أخراج أوطانها وشعوبها من ظلام التخلف الاقتصادي ، والقهر السياسي والاجتماعي ، والتعفن الثقافي. إذن علينا أنْ نتعلم من ماضينا و نضال الشعوب الأخرى .

على هذا النحو يمكن لليمنيين أنْ يَخرِجوا اليمن من وحل الحروب والفقر والتخلف. وهذا هو الأسلوب الأمثل للشِفاء من الشَقاء الذي يعصف بحياة اليمنيين اليوم . ولكن تمهلوا قليلًا ، إذْ لا ينبغي البحث عن هذه النخب، أو هؤلاء القادة المأمولين في سوق السياسة السائد ، الموبوء بشتى الأمراض ، وبين الجماعات السياسية المسكونة بالروح القبلية والمناطقية والجهوية ، والمشحونة بالأحقاد والضغائن ، وإنما ينبغي البحث عنها و عنهم بين الأخيار من أبنا شعبنا، غير الملوثين بالأحقاد والخرافات والتوجهات الماضوية، أي ينبغي البحث عنهم بين الوطنيين ، المتحررين من التبعية الإقليمية ، المؤمنين بفكرة العدالة العظيمة ، وبالقيم الإنسانية النبيلة ، وبالمواطنة المتساوية ، بين أولئك الأحرار الذين يسعون إلى تحرير وطنهم من الهوان . وهؤلاء هم أغلبية شعبنا ، ومن بينهم يمكن أنْ تتشكل النخبة الوطنية التي لا بد وأنْ ينبثق من بين ثناياها القادة الذين سيضطلعون بقيادة الشعب صوب المُستقبل الوضاء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن