ماذا يريد أردوغان ؟

فريد العليبي
efaridalibi@yahoo.fr

2020 / 1 / 4

حل الرئيس التركي بتونس فجأة يوم 25 ديسمبر 2019 ، مصحوبا بوفد غلب عليه الطابع الأمني والعسكري ، وألقى خطابا مثيرا للجدل ، بما تضمنه أولا من تنبيه الى رائحة دخان سجائر منبعث من القاعة ، بما يحتمل تعريضه بتونسيين يثيرون العوائق في وجه سياساته ، فنصحهم بالكف عن ذلك ، و هو ما يعني التهديد المبطن . وما لحقه ثانيا من تأكيد اتفاقه مع الرئيس التونسي على دعم حكومة السراج في ليبيا ضد قوات المشير خليفة حفتر ، وهو ما نفاه قيس سعيد جملة وتفصيلا فأوقعه في حرج لا يُحسد عليه.
وفي الأثناء أعلن عن قرب ارسال بلاده قوات عسكرية إلى ليبيا ، وأنه ينتظر فقط موافقة البرلمان على ذلك . وكان قد وقع في 27 نوفمبر الماضي على مذكرتي تفاهم مع السراج ، تخص الأولى التعاون العسكري والأمني، بينما تخص الثانية رسم الحدود البحرية ، بما يُهدد بإشعال منطقة شرق المتوسط برمتها ، فالنزعة العسكرية غير خافية لديه ، وهو الذي استعمل الهاتف خلال الاحتفال بالعام الجديد ، مُخاطبا الجنود عبر مكبرات الصوت ، وهم في ثكناتهم ، مُشيدا ببطولاتهم في البر والبحر والجو ، مُذكرا بحملاته العسكرية ضد الكرد والعرب في سوريا ، ومنبها الى الاستعداد لخوض الحرب في ليبيا وشرق المتوسط ، مُتمنيا احراز انتصارات ملحمية كتلك التي حققها خير الدين باربروس بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر في البحر الأبيض المتوسط ، الذي يحلم بجعله بحيرة تركية .
وزاد أردوغان بهذه الخطوات الأوضاع في البلاد العربية ارتباكا ، وهي التي تتجمع فيها تناقضات العالم كله ، لموقعها الاستراتيجي والثروات التي تزخر بها وكانت الانتفاضات الأخيرة فرصة للطامعين لتتجدد آمالهم في السيطرة المباشرة عليها ، فحث هؤلاء الخطى لتقاسمها فيما بينهم . ولم يتوقف الأمر عند دول كبرى مثل أمريكا وفرنسا وانجلترا ، فقد دخلت حلبة الصراع دول إقليمية أقل قوة أيضا مُصممة على الحصول على نصيبها ، بالنظر الى قربها الجغرافي من العرب وصلتها الثقافية بهم ، خاصة من جهة الدين ، وكانت تركيا في صدارتها ، وهى التي تدق الآن طبول الحرب وتستعد لإرسال قواتها الى ليبيا واغراقها في المزيد من برك الدم كما ذكرنا ، في تكرار لما حدث في سوريا ، التي كانت الحرب فيها مناسبة تجلت خلالها سياسات تركيا العدوانية تجاه العرب ، حيث لم تقف عند حد دعم الجماعات الإرهابية التكفيرية المسلحة وانما أرسلت أيضا جنودها . وسرعان ما استعادت ذاكرة العرب الجرائم العثمانية الممتدة طيلة قرون ، والأراضي العربية المحتلة من قبل الدولة التركية ،مثل لواء الاسكندرون ، والأحلاف المعادية ، مثل حلف بغداد الذي كانت تركيا من بين أعمدته الأساسية ، واعترافها المبكر بالكيان الصهيوني، واستضافتها القواعد العسكرية الأمريكية ، وعضويتها حلف الناتو، الضالع في العدوان عليهم في مناسبات عديدة .
لقد اتجهت تركيا على مدى سنوات طويلة غربا ، أملا في الانضمام الى الاتحاد الأوربي ، وعندما فشلت توجهت الى العرب لتجعل منهم مجالها الحيوي ، وللغرض تخفت السلطة التركية في عهد أرد وغان وراء الإسلام السياسي لتحقيق ما تريده من منافع اقتصادية ، فقد وجدت فيه وسيلة مُثلى لمخاتلة ضحاياها ، الذين أبهرتهم شعارات من قبيل : القباب خوذاتنا والمساجد ثكناتنا والمؤمنون جنودنا .
وفي خضم هذا الوضع يجري شحن شعوب المنطقة بالعداوة والكراهية ،غير أن العرب والترك ليسوا الحكام المتناحرين الطامعين، وانما يؤلفون أمتين عريقتين من الأمم الشرقية ، ويمثلون الى جانب الفرس والكرد وغيرهم ، خزانا بشريا مهما للكفاح ضد الاستعمار والجهل والفقر والمرض ، ومتى تكاتفوا واتحدوا بإمكانهم تحقيق تقدمهم ، أما إغراقهم في الحروب فإنه لا ينفعهم مجتمعين ، ولن يجني أصحابه منه غير الخسران والخيبة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن