خنازير توبا وحلال فرنسا وأئمة ألمانيا ، تستدعي جميعها للانقلاب على مبادئ ثورة الأنوار ..

مروان صباح
marwansabbah@outlook.com

2019 / 11 / 28

/ قد تكون الخلاصة الأولى ، أن الحرب القائمة لم تكن جديدة بقدر أنها متواصلة وبالتالي كانت نتيجة أفكار تحولت مع مرور الزمن إلى ثقافات ، وبالرغم من اختفائها بعض الشيء بسبب المصالح المؤقتة لكن بالفعل ، لم ينقطع التنافس الثقافي على الإطلاق بل يتحول كالعادة إلى حروب ، وهناك ايضاً خلاصة أخرى جاءت كبديل وأصبحت الأرفع والأعظم في الاستيلاد الصناعي لضمانة الاستمرارية ، وبالرغم من غيابها إلا أنها سرعان ما تعود ليرتفع وطيسها وبالتالي تنتقل من مربعها الضيق إلى رحابها الأوسع ، فاليوم ما يجري في بحيرة توبا الواقعة في جزيرة سومطرة وعلى شواطئ الإندونيسية ذات أغلبية سكانية المسيحية التى تعود أصولهم إلى قبيلة باتاك وتعد توبا من أكبر بحيرات البركانية في العالم ، يقع اليوم خلاف بين السكان المسيحيين والإدارة المسلمة على حيوان يسمى الخنزير ، فالأغلبية تصر على الاستمرار بالسباقات التى تجري بين الخنازير ومن ثم ذبحها وشوائها للسياح والإدارة ترغب بوقف التعامل معها بالكامل ، فالإدارة المحلية كانت قد بررت فعل ذلك كون القرار يتماشى مع قرار الحكومة الذي يهدف بتعميم السياحة الحلالية تماشياً مع الأصول التشريعات الإسلامية ، بالفعل هناك سجال عميق بين الطرفين وتزداد وطاسته عندما يتصدر أبناء توبا بالدفاع على تقاليدهم التاريخية ومن ثم اعتقاداتهم بأن هذه السباقات من الفولكلور الباتاكي واللحوم يرغب السياح بأكلها ، وبالتالي يطرح الباتاكي المعادلة هكذا ، طالما تبنت الحكومة السياحة كعائد أساسي للدولة وتجتهد في احياء مناطق أخرى لجذب السياحة لأنها استشعرت بالعائدات المالية الكبيرة من وراءها ، إذاً من الأولى للحكومة أن تعترف بأن الدين في مثل هذه الأماكن السياحية ليس له مكان ، لهذا أما سياحة تلبي رغبات الزوار أو عدم الدخول في هذا المجال من أصله .

للمسألة جانب آخر ، كما تعلو وتيرة السجال حول الخنازير في بحيرة توبا والتى احدثت في المجتمع الواحد شرخاً وبالتالي استولد شعور لدى السكان قبلية باتاك بالامتعاض بل مثل هذه القوانين تعمل على الحد من ممارسة شعائر أبناء المنطقة وتهدد المصدر الوحيد للدخل الفرد وبالتالي لها انعكاسات على البطالة في المقام الاول ، إلا أنها تندرج هذه الملاحقات التنكيدية في حلقة إثارة العنصرية ، تماماً كما هنا ايضا هناك وبالتالي هذه القرارات تصنع على الأغلب نوع من التميز بين السياح ، لأن أغلب قاصدين البحيرة قادمون من الصين الشعبية والصينيون يرغبون في مسألتين ، الأولى مشاهدة السباقات بين الخنازير وثانياً شوائها ثم أكلها .

كنت يوماً ما أتمشى في شوارع برلين العاصمة الألمانية ، فإذ بامرأة منتصف الأربعينيات تقف أمامي ومن ثم دون مقدمات توجهت ببضعة كلمات ، مختصر ما قالته ، هل كتب علي أن استيقظ في كل يوم باكراً على صوت الأذان لأسمع الله أكبر ، أنا امرأة تعشق السهر وهذا يمنعني من مواصلة نومي ، فأجابت بأن هناك ثلاثة حلول للمسألة ، الأولى أن تضعي على أذنيك مانع للصوت أو أن تسعي للانتقال إلى مكان آخر أو أن تفتحي باب نقاش مع جيرانك الأتراك من أجل إقناعهم تأجيل الأذان أو الاكتفاء بالأذان الداخلي ، ففى جمهورية ألمانيا الاتحادية يوجد 4:5 مليون مسلم ثلاثة ملايين من الأصول التركية وبالتالي يمتلك التجمع الإسلامي التركي حوالي 900 مسجد في عموم البلد ، وبالطبع بعد سيناريو داعش ومسلسل العمليات في أوروبا أخذت الحكومة إجراءات تلزم مسلمين ألمانيا بتوطين خطباء المساجد والتوقف عن جلب الخطباء من تركيا ، وبالتالي التوطين يسمح لوزارة الداخلية التدخل في بناء فكر الخطيب وتنشأته بطريقة التى تتناسب مع القوانين والأعراف وطريقة الحياة ، لأن مركز سياسات الاتحاد الأوروبي للثقافات يعتبر جميع الأفعال الإجرامية التى صنعها المتشددون في أنحاء العالم كان وراءها اشخاص برتبة مفكر ، بل ليست فقط أعمال المسلمين بل ايضاً الذين قاموا بحرق المساجد وإطلاق النار على المصلين فيها أو تلك الهجمات العنصرية بحق المتاجر يمتلكها المهاجرون كان أصحابها قد تأثروا بالخطاب العنصري أو بالقراءات التمييزية وهذا يفسر لماذا تباشر الحكومة الألمانية الآن في استهداف حزب الله على أراضيها قبل ما أن يصبح ظاهرة بحجم الأتراك وبالتالي هناك قرار أوروبي حاسم في مراقبة جميع الأنشطة وفي مقدمتها حزب الله .

وإذ ما عرج المرء إلى فرنسا ، بلد ثورة الأنوار والحريات ، اليوم الحكومة تخلت عن جميع أزماتها الاقتصادية ومهامها في الاتحاد الأوروبي وبات همها الأساسي ملاحقة مسمليو فرنسا ، ماذا يرتدي المسلم ولماذا يرتدي هذه الملابس أو لماذا يأكل لحم الحلال ولا يأكل لحم الخنزير أو لماذا يلتحى أو لماذا الشباب والشابات لا يقيمون علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج وهكذا ، هو مسلسل طويل من التعقب للسلوك الشخصي لم يكن وليد اللحظة ابداً ، بل مسلمون أوروبا كأنهم يعيشون حقبة محاكم التفتيش في الأندلس وهذا يشير مدى التغير الجوهري الذي طرأ في القارة الباردة وعلى صعد المختلفة وفي جميع مناحى الحياة ، بالفعل ، المتتبع للتفاصيل سيجد جميع الملاحقات وراءها الحقيقي أو المغزى منها ، صنع انقلاب على جميع المفاهيم التى كانت ثورة الأنوار تبنتها .

اخيراً وقبل مغادرة هذه السطور نتوقف عند ماضي قريب لكي نستحضر ما قاله يوماً ما ادوار سعيد في مقال ذهنية الشتاء والهدف من إعادة سعيد إلى الحياة هو معرفته المبكرة لعذابات المنفيون في عقر دارهم قبل غربتهم ، لم يربط المنفى في الغربة بقدر أنه جعلها مسألة قائمة منذ الخروج من بطن الأم ، فالمنفي لا يملك سوى القليل ، وهو بهذا يتمسك بما يملكه ويدافع عنه بشراسة وهذا سبب انطوائه في الغربة أو ايضاً المنفى الداخلي أو كما وصغها الفيلسوف تيودور أدورنو احد أعضاء المدرسة النقدية في عمله ( تأملات من داخل حياة مبتورة ) ، بأن المنفي ينضغط في مجتمعات مصنوعة من قبل والواجب الأخلاقي يقتضي أن يشعر المرء بالاستقرار ، لكن سيكتشف المنفي مع الوقت بأنه أينما كان فهو بدوي لا يكاد أن يتعود على الاستقرار حتى تندلع من جديد قوة غير المستقرة لكي تعيده إلى منفى هو أقصى من السابق . والسلام
كاتب عربي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن