سؤال لأبي.

مختار سعد شحاته
mukhtarshehata@hotmail.com

2019 / 11 / 23

خرجت اليوم إلى الشوارع مساء عريانًا تمامًا من كل شيء؛ من الحزن، من اليأس، من الخيانات القديمة، ومن جرح اللئام...
شرفي الذي حملته النساء عني بين أفخاذهن أربعين عامًا، ألقيت به في صندوق قمامة في طرف الشارع، ومشيت مرتاحًا لأول مرة...
أن يمشي رجل في البلاد الغريبة منزوع الشرف بين الفخذين أمر عصيب، يشبه في عدالة أن يمشي رجل منزوع الغضب، كيف يمشي رجل بلا غضب؟!
الشاطئ الذي يعرفني كل ليلة من ليالي (الويك إيند)، ينساب الآن على ذراعي عوضًا عن شعْر حبيبة نامت هناك، تمنيت لو ينساب شعرها على جسدي ولو مرة وأنا غير محمل بالغيرة حين تناديني باسم أختاره لنفسي كبطل للروايات، فأداري الازدواج المقيت...
يمنحني الشاطيء عصارة موجه ويرتعش منتشيًا بجماعنا الأول داخل قصيدة، ونحن خالصين من أوهام الشرف المزعوم...
- هل تدخن الماريجوانا أيها المحيط؟
- في بعض أوقات حين يغيب القمر عني، أشعر بحاجة ماسة إلى نقطة ماء عذب، ويبدأ جسدي في التمرد على اليود والملح، ولا تفلح المسكنات ولا مضادات الاكتئاب...
الناس الليلة صاخبون، لكنهم لا ينطقون، جلسوا مثلي يصرخون في وجه البحر الشجاع حين خلع مثلي ثوبه المالح واستراح على الرمال، وربما ينام للصباح...
وطفلة تجري وحدها خلف أعوامها الخمسة، لم تخلع ملابسها وظلت بين موج البحر والرصيف تلهو في انسجام، إذ لم تحمل بعد ذاك المزعوم بين فخذيها، وصارت حرة تمامًا مثلي الآن.
يا أمي لماذا اصطفى لي أبي اسمي (المختار)، لماذا اختار لي اسمًا تضعف النساء أن تنطقه، وأن تحمله امرأة بين فخذيها إذا نامت؟ وحين أعود نحوها ليلاً تردني الإشارات، والأصوات التي لا تجيب في الطرف الآخر، فإذا ما بكيت يغلقون الخط في وجهي، وهم يضحكون، ووسط دخان الوساخات، والمهاترات، وأحلام رجولتنا المزيفة، يقولون أني رجل ملوث، وأن العار الذي اختار لي اسمي، لعنة لا تموت؟!
أريد الموت دقيقتين يا أمي، لكن حبيبتي الجديدة تمنعني، أحاول إفهامها أن السؤال الذي رحل أبي قبل أربعين عامًا يظل في ليل الجزيرة يطاردني في الشوارع، وفي المربع الأسمنتي، وفي ماء المحيط حين أخفي دماغي في الماء، وحين تمر كلاب الشوارع التي تجوب الجزيرة بحثًا عن شريك لوحدتها، حتى أنه في يوم وجدته داخل ثمرة الكوكا يطفو على الماء، (لماذا يا أبي أسميتني مختار؟!!).
يا حبيبتي مات أبي ونسى همّ السؤال.
Madre de Deus, Brazil



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن