اليسار مات في يناير 1975 / المؤتمر الاستثنائي / مؤتمر الارتداد / مؤتمر التراجع / مؤتمر الاستسلام / مؤتمر تصفية الحسابت السياسية / ( ملف الحراك الجماهيري الثوري بالعالم العربي .... ي

سعيد الوجاني
zehna_53@hotmail.fr

2019 / 11 / 20

اليسار مات في يناير 1975 / المؤتمر الاستثنائي / مؤتمر الارتداد والتراجع / و الاستسلام ...
الاتحاد الذي سأعالجه ، ليس اتحاد اليوم الذي اضحى علامة تجارية ، ودكانا يبيع لمن يريد منصب وزير ، او يريد مقعدا بالبرلمان . ان اتحاد اليوم اضحى صدفية فارغة ، تقتات بما يجود عليها به النظام المتحكم في كل دواليبها ومفاصلها .
ان اتحاد اليوم لا يختلف عن غيره من الأحزاب الموجودة بالساحة ، ومع موت الأيديولوجية ، اصبح الحزب حليفا لتناقضات لا علاقة لها ب ( الاشتراكية )، ولا بالمنهجية الديمقراطية ، التي تم التأسيس لها بشكل كاريكاتوري في مؤتمر الردة ، المسمى ب ( المؤتمر الاستثنائي ) ، الذي انعقد في يناير 1975 ، وبأمر من الحسن الثاني ، للقطع مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي مثله ثوار المقاومة وجيش الحرير ، والذي كان يستهدف الحكم لا الحكومة .
ان من اكبر الكوارث التي ضربت الحزب ، هي حين تخلى عن المنهجية الثورية ، بدعوة تسببها في خسارات للحزب ، وارتباطه ، بل تشبته بالمنهجية ( الديمقراطية ) التي لم تكن تعني في ذهن أصحابها في سنة 1975 ، غير الحق في تولي الحكومة وليس الحكم ، لتنفيذ برنامج جلالة الملك ، لا برنامج الحزب الذي دخل على أساسه الى الانتخابات ، وعندما يتم اعلان النتائج ، وتتشكل الحكومة ، مباشرة تغيب برامج الأحزاب ، لتتبارى على من يحصل لها الشرف لتنفيذ برنامج الملك ، او ما كان الجبناء يسمونه بحكومة الظل او المخزن .
ان الحزب الذي سأعالج في هذه الدراسة ، هو حزب ما قبل قرارات 30 يوليوز 1972 ، أي الامتداد لهبّة 16 يوليوز 1963 ، وهبّة 3 مارس 1973 ، والارث الثقافي السياسي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، المتمثل في التقرير السياسي للمؤتمر التأسيسي الأول ، ووثائق المؤتمر الثاني ، ثم الخطابات والتصريحات التي دأب مناضلو الحزب الثوريين ، يدلون بها في التجمعات الشعبية ، وفي المؤسسات التي تواجدوا بها ، والخطابات ، والبيانات التي كانت تصدرها الأجهزة المسؤولة ، كلما طرأ طارئ على العمل السياسي الحزبي ، او الوطني , او العربي ( فلسطين ) .
وإذا كانت القيادة اليمينية قد حسمت المعركة لصالح التخندق الى جهة الحكم ، بدعوى إصلاحه من الداخل ، وهو الذي ، أي الحكم من قام ليس بإصلاحها ، بل بتطويعها الى خدمة مخططاته ومشاريعه ، فان مناضلين بالمهجر رفضوا ذاك الانقلاب اليميني الذي افرغ الحزب من تاريخه ورصيده ، فأسسوا حركة سيطلقون عليها " حركة الاختيار الثوري " التي تبنت الماركسية اللينينية ، والتزمت بإرث الحزب الذي هو ارض المناضلين الذين صنعوا كل محطات المواجهة مع النظام .
بطبيعة الحال كل جماعة ستغير تحالفاتها ، لتتحالف مع الجماعات الأقرب اليها ، او التي تشاركها نفس النظرة . فبينما اتجه الجناح اليميني الى التحالف مع أحزاب يمينية كحزب التقدم والاشتراكية ، ومنظمة 23 مارس ، اتجهت حركة الاختيار الثوري لتتحالف مع منظمة الى الامام ، والكل يتذكر محاولة التنسيق الفاشلة التي شهدتها جامعة ( نانتير ) الفرنسية في سنة 1978 ، بسبب اختلافات حول العنف الثوري ، جماهيري او مسلح ، الموقف من الانقلابات العسكرية ، الموقف من الصحراء المغربية .
يلاحظ ان نفس الهزة التي ضربت حزب الاتحاد الاشتراكي عند عقده المؤتمر الاستثنائي ، ستصيب حركة الاختيار الثوري ، خاصة بعد إصدارها لبيان من باريس في سنة 1982 ، يقضي بطرد الفقيه محمد البصري ، ومبارك بودرگة المكنى عباس من صفوف الحركة ، بسبب موقف البصري الغامض من التحالف مع الجيش ، وبسبب ارتماءه الفاشل في حضن آيات الله الخميني ، وهو ما سيتأكد لاحقا حين سيعرض الجنرال احمد الدليمي فكرة الانقلاب على الفقيه البصري ، الذي حبذها ، لكنه تراجع خوفا من المصير الذي آل اليه المهدي بن بركة .
ان حركة الاختيار الثوري ، التي لم تعد ثورية ، ستحل نفسها تنظيميا ، وستنخرط كأعضاء في حزب الطليعة الذي شاركت كل عناصره ، في التأسيس لحزب الاتحاد الاشتراكي الجديد ، في المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، وهو ما يعني ان حركة الاختيار الثوري ، تكون بهذا الانضمام قد تخلت بالمرة عن فلسفة الاختيار الثوري التي حررها المهدي بن بركة .
لقد مرت حتى الآن ثمانية وخمسين سنة على تقديم النقد الذاتي للاختيار الثوري الذي طرحه المهدي بن بركة فيما يتعلق بالأخطاء الثلاثة القاتلة : 1 ) انصاف الحلول . 2 ) الصراع في نطاق ضيق . 3 ) من نحن ؟ . ومع ذلك فانْ كان الحزب وكل المنحدرين من تجربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وحتى المؤتمر الخامس الذي كان رصاصة الرحمة لإنهاء حالة الموت السريري ، حين فرض الحسن الثاني على عبدالرحيم بوعبيد تعيين اعوانه ، كل من عبدالواحد الراضي وفتح الله ولعلو ، وفي المقابل وارضاءً للقواعد التي كانت ترفض هذين الشخصين ، تم ادخال محمد نوبير الاموي الى نفس المكتب ، فان الحزب كان ولا يزال يتخبط في مشاكل لم تكن تزيده الا تعقيدا ، وتعيده باستمرار الى نقطة البداية التي بدأت مع مرحلة النقد الذاتي للاختيار الثوري .
فمنذ خروجه عن حزب الاستقلال في 25 يناير 1959 ( الجامعات الاستقلالية ) وتأسيسه رسميا في 6 شتنبر من نفس السنة ، ضم الاتحاد الوطني / الاشتراكي عناصر اجتماعية متناقضة فيما بينها ، حيث جمع مناضلين مخلصين الى جانب رهط من الانتهازيين الذين سرعان ما انسلخوا عن الحزب بعد اعفاء الحكومة التي ترأسها الأستاذ عبدالله إبراهيم في سنة 1960 .
وإذا الحزب قد نجح في التخلص من هذه الشلة الوصولية والانتهازية ، فإن مشاكله ازدادت عمقا بسبب الطابع الشعبوي من جهة ، وبسبب خطه الأيديولوجي الغامض ، وبنيته التنظيمية الهشة ، فضلا عن تغلغل العناصر البيروقراطية داخله بعد المفاوضات التي اجراها الحزب مع القصر عقب انتفاضة 23 مارس 1965 ، وتصفية المهدي بن بركة في 29 أكتوبر من نفس السنة .
ومن جهة اخرة فقد أدت هذه الوضعية الشاذة الى انسحاب مجموعة من القواعد من صفوفه ، لجمتها القيادة البيروقراطية باسم الانضباط وليعلن عن ميلاد منظمة جديدة ستعرف بمنظمة 23 مارس التي تبنت الماركسية اللينينية .
ان خروج هذه المجموعة عن الحزب واعلانها اول انفصال أيديولوجي وتنظيمي ، لم يخلص الحزب من مشاكله المتراكمة ، ذلك ان الصراع التنظيمي احتدم مجددا بين جناحين احدهما نقابي تمثله مجموعة الدارالبيضاء ، والآخر سياسي إصلاحي تمثله مجموعة الرباط التي تعرض العديد من مناضليها الى حملة قمع شرسة بعد انتفاضة 3 مارس 1973 المسلحة ، إذ مباشرة بعد محاكمة مراكش في سنة 1971، ستأتي محاكمة القنيطرة التي وصلت فيها الاحكام الى الإعدام .
لقد تطور الصراع التنظيمي والسياسي بين الجناح النقابي الذي احتكر اسم الحزب وفقد تراثه النضالي البرجوازي ، وانضمت كل القواعد والاطر الى جناح الرباط الذي سيسميه الحسن الثاني ب " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " دون استشارة القواعد التي تحفظت على هذا الاسم ، ومع ذلك تجاوزت هذا الاختلاف حول التسمية الجديدة ، واعتبرته ثانويا مقارنة مع ما يجب ان يسفر عنه الصراع ، والمؤتمر الاستثنائي الذي كان على الأبواب .
وهنا نشير قبل الاسترسال في المعالجة والتحليل ، الى خطأ استراتيجي قاتل ارتكب عمدا من قبل القيادة البيروقراطية ، هو عدم طرح النقد الذاتي للاختيار الثوري الذي قدمه المهدي بن بركة الى الكتابة الوطنية في شهر مايو 1962 ، كورقة للحسم الأيديولوجي في المؤتمر الثاني ، واهمال الورقة المذكرة التنظيمية التي اعدها عمر بنجلون في سنة 1965 ، حيث ان التقرير والمذكرة جاءا متخلفين عن وقتهما ، ثم غياب الأيديولوجي وتعويضه بالسياسي .... لخ .
ان أخطاء الماضي هذه ، جعلتنا نرى انها نفسها ارتكبها عبدالرحمان اليوسفي عندما ارتمى وبدون شروط في حضن العناصر الانتخابوية التي حولت الحزب الى واجهة للانتخابوية والبرلمانية ، ومن ثم خندقته ضمن أحزاب الإدارة التي تتنافس الوزارة والمقاعد البرلمانية .
إذا كان البيروقراطيون ، واليمينيون المتكتلون داخل المكتب السياسي ، يعتبرون المؤتمر الاستثنائي ، انه مؤتمر الوضوح الأيديولوجي ، فانه في الحقيقة كان مصيبة واستسلاما لخيارات النظام ، الذي هجن الحزب بان اصبح حزب مساومات لا حزب مبادئ وخيارات ، وكان الهدف من هذا الانقلاب هو القطع مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي سنحصره في محورين أساسيين :
1 ) المحور الأول ، ويتجسد في قرارات المؤتمر التأسيس والمؤتمر الثاني ، وفي النضالات المختلفة التي خاضها ، والبيانات التي كان يصدرها في كل مناسبات الاستحقاقات وغيرها . كما يتجسد في تصريحات زعماء الحزب التاريخيين أمثال المهدي بن بركة ، الفقيه محمد البصري ، عمر بنجلون ... لخ بخصوص القضايا الوطنية التي كانت تستأثر باهتمام الطبقة السياسية .
2 ) المحور الثاني من ذاك الماضي ، هو ما جسدته حركة 3 مارس المسلحة من تميز في العمل ، احالنا مباشرة على هبّة 16 يوليوز 1963 المسلحة كذلك ، ومشروعها الرامي الى إقامة جمهورية برلمانية ، على غرار الجمهوريات العربية من ناصرية ،وبعتية ، وجزائرية .
وقبل تحليل هذين المحورين ، نجد من الضروري ان نحلل سياسيا وليس إيديولوجيا ، مضامين التقرير الأيديولوجي ، لكي نصل الى الخانة التي نرتب فيها الحزب . بمعنى هل الاتحاد ومقارنة مع التقرير الأيديولوجي للمؤتمر الذي شوه الماركسية وحرفها عن طبيعتها ، هو حزب ملكي ، او حزب فقط يعارض سياسة النظام ، او انه حزب خارج النظام ، قبل ان نصل من ثم من تحديد الى تحديد طبيعة اطراف الصراع الحقيقية في افق عقد المؤتمر الخامس الذي كان بحق رحمة الرصاصة اطلقت على الحزب .
لقد اقر المؤتمر الانقلابي الاستثنائي الذي انعقد بالدارالبيضاء في يناير 1975 معادلة ثلاثية ، تشكل نظرة شاملة تجعل من التحرير والنمو والديمقراطية والبناء الاشتراكي ، جوانب مرتبطة ومتوازية التنفيذ ، لكن بصفة تدريجية وسلمية . كما اعتبر المؤتمر ان الديمقراطية ليست وسيلة فقط ، وانما هي غاية في حد ذاتها ، بمعنى انها تشكل الهدف الاسمى الذي ينشده الحزب ، وان النضال الديمقراطي البرلماني في ظل النظام القائم ، يبقى وحده الوسيلة الكفيلة لتحقيق التغيير المنشود ، حيث يقول التقرير الأيديولوجي " ... ان الديمقراطية بالنسبة للاتحاد ليست وسيلة فحسب ، وانما هي غاية في اطار الاختيار الاشتراكي .. " .
ان محاولة البرجوازية الوسطى ، وما فوقها ، ومحاولة الشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة ، القفز على الماضي ، وارث المناضلين الحقيقيين ، والقفز على الاحداث ، واستعمال الأسلوب الخطابي التمويهي لتبرير الانقلاب والفشل والردة ، لا يمكن ان يغير جوهر وحقيقة الأشياء في شيء . ذلك ان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رغم ادعاءه الخصوصي التمويهي للواجهة الاشتراكية ، فهو مع ذلك يكون بالتقرير الأيديولوجي الصادر عن المؤتمر ، قد سجل تراجعا خطيرا وتراجيديا عن ماضي الاتحاد الراديكالي ، وتاريخه الذي صنعته أجيال من المقاومين والثوريين ، وادوا من اجله ضريبة غالية وصلت الى حد التضحية بهم في يوم العيد الأضحى .
وبالرجوع الى الأرث النضالي الثقافي الراديكالي للاتحاد ، فإننا نكاد نوجزه في في ما يلي :
" ..... وإننا نقول بصراحة لأولئك الذين يفكرون في دعوتنا لما يسمونه وحدة وطنية ، ليست هناك وحدة وطنية ممكنة حول نظام اقطاعي في أسلوبه ، ورجعي من صميم روحه ....الخ " .
" .. ان الحزب يعتبر ان معارك البرلمان ، ما هي الا جانبا من جوانب النضال الثوري ،إذ ان اهم اهدافنا لن يتحقق عن طريق البرلمان ان كان هناك برلمان ، ولكنه سيتم خارج البرلمان ، بفعل العمل المنظم الذي تقوم به الطبقة العاملة والفلاحون والشباب والمثقفون الثوريون ... " .
" .. المغرب بالرغم من حصوله على قانونا على الاستقلال ، لا يزال يتخبط في متناقضات لا تزيده الا تفاقما " الملكية المطلقة من النوع العتيق الذي عرفه المغرب قبل السيطرة الكلونيالية .. " .
هكذا سنجد ان المؤتمر الانقلابي – الاستثنائي في يناير 1975 ، قد شكل تراجعا يمينيا ، وتخليا عن الاختيارات الأساسية التي آمن بها الاتحاديون الحقيقيون ، وليس المتطفلون منذ المؤتمر التأسيسي ، مرورا بحركة 3 مارس 1973 ، وقبلها حركة 16 يوليوز 1963 ....لخ .
لقد نبد الحزب الاختيار الثوري ، وعوضه بالاختيار الديمقراطي من داخل النظام لا من خارجه ، أي التخلي نهائيا عن المطالبة بالحكم ولو في شكل ملكية برلمانية على الطريق المغربية لا الاوربية ، لفائدة المشاركة في الحكومة . وقطع مع التجارب المغامراتية التي قادها الجناح الثوري في الحزب في الستينات وبداية السبعينات ، واصبح من ثم يكتفي بالمعارضة " البناءة " لحكومة جلالة الملك من قبل معارضة جلالة الملك ، واصبح يؤمن اكثر من أي وقت مضى بإمكانية التحول التدريجي والسلمي للمرور الى ( الاشتراكية ) عن طريق الانتخابات .
ان ما يسمى ب " الاختيار الاشتراكي " الذي جاء في التقرير الأيديولوجي ، يعتبر في الحقيقة تبريرا وفرض امر واقع ، يعكس اختيارات البرجوازية الوسطى وما فوق الوسطى ، والشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة للّتين حسمتا الصراع بمساعدة النظام لصالحهما في قرارات 30 يوليوز 1972 ، كما يشكل تبرير الاختيار الإصلاحي اليميني وفرضة بالقوة على القواعد المناضلة ، ضربة كانت من الناحية السايكولوجية ولا تزال ، مرتبطة بخط الاتحاد في الستينات وبداية السبعينات .
ويمكن ان نحصر اليافطة الاشتراكية التي جاءت في التقرير الأيديولوجي لتبرير وتمرير الاختيارات الإصلاحية المخزنية في دعامتين أساسيتين :
1 ) الدعامة الأولى ، وتعكس التصور البرجوازي الإصلاحي اليميني المخزني للدولة المتجسدة في عزلها عن شروطها المادية .
2 ) الدعامة الثانية ، هي نهج الأسلوب التراتيبي في رسم البناء الطبقي المجتمعي ، أي نهج التحليل المهني وليس التحليل الأيديولوجي .
تتلخص الخصوصية الاشتراكية التي جاءت في التقرير الإيديولوجي ، في الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والمبادلات الكبرى ، التي يجب ان تكون تحت مراقبة مباشرة من طرف المنتخبين . والتقرير الأيديولوجي في تعامله الغامض مع الاشتراكية ، فانه استهدف تعويض التحول الاشتراكي الخصوصي عن مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية ، وهذه تشكل نقطة اكثر من سلبية ، تعكس جليا تراجع الحزب وتخارجيته مع محيطه وطبقته . والوقاع ان المؤتمر الاستثنائي إذا كان قد ارسى أرضية هشة على مستوى تحديد المفاهيم الأيديولوجية ، فان الاختيار الاشتراكي للتقرير الأيديولوجي في جوهرة ، هو تعبير مكثف عن مجمل طموحات البرجوازية المتوسطة وما فوق المتوسطة ، والشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة الانتهازية والوصولية ، في إزاحة القيود والعراقيل المنتصبة في وجهها ، من قبل البرجوازية الكمبرادورية ( النظام ) ، والبرجوازية الميركانتيلية ( آل الفاسي ) ، وفتح المجال امامها لتسيطر هي كذلك على المجتمع ، وذلك عن طريق تسخير جهاز الدولة ليؤمم لها وسائل الإنتاج والمبادلات الكبرى .
ان هذا الاختيار الاشتراكي الانتهازي في نظر أصحابه ، يهدف الى اطلاق يد البرجوازية المتوسطة وما فوق المتوسطة في البادية ( الضيعات الغنية الشاسعة ) بتحديد ملكية كبار الملاكين ، وتحرير البرجوازية المتوسطة الحضرية في التجارة والصناعة عن طريق تأميم التجارة الخارجية التي يسيطر عليها الكمبرادور ( النظام ) ، ثم تأميم الابناك والشركات الكبرى التي تضيق الخناق على المشاريع المتوسطة ، ومن ثم تقديم الدعم والتشجيع من طرف الدولة اليها ، أي الاشتراك مع النظام في السيطرة على المجتمع من خلال القطاع الشبه عام والقطاع الخاص .
وهذه الدولة المفروض فيها ان تنجز هذا المشروع ، وتفتح الطريق لتطور رأسمالي محلي ، هي دولة البرجوازية المتوسطة ، وما فوق المتوسطة ، وبالتحالف العضوي مع النظام الكمبرادوري الذي يكون قد تنازل لها عن شيء من مشاريع ثرواته . وبالتالي فان اشتراك البرجوازية المتوسطة وما فوق المتوسطة ، وبالتشارك مع النظام ، وفي اتجاه تحديد الاختيارات التي حددها التقرير الأيديولوجي ، تبقى وهما من الأوهام ،ومجرد أضغات أحلام إذا هي اعتمدت على الديمقراطية الانتخابوية والبرلمانوية .
ان تحقيق هذا النوع من الحكم يكون فقط ، عن طريق الانقلابات العسكرية الوطنية التي يقودها ضباط وطنيون احرار ، او عن طريق حرب البؤر الثورية ، او جماعات الإسلام السياسي التي تقودها البرجوازية الصغيرة .
ان الذي يتغير في حالة أنظمة برجوازية الدولة ، هو ان ملكية وسائل الإنتاج الكبرى بدل ان تكون شخصية فردية كما كانت في السابق ، تغدو ملكية جماعية لمجمل الطبقة السائدة . اما الطبقة العاملة ، والفلاحون الفقراء ، والشعب المقهور ، والعاطلون ، والمهمشون الذي يدعي التقرير الأيديولوجي حبه ودفاعه عنهم ، فالواقع سيستمر بالنسبة لهم اكثر مما كان في الماضي ، والعمال سيظلون كطبقة تبيع قوة عملها ، ومفصولة كليا عن وسائل عملها وعن منتوجها ، وستبقى كطبقة مقموعة سياسيا وتنظيميا وايديولوجيا .
هكذا يتضح إذن من خلال التحليل السياسي للتقرير الأيديولوجي الذي صادق عليه المؤتمر الانقلابي – الاستثنائي الذي انعقد بعد حملة الاعتقالات التي مست مناضلي حركة 3 مارس ، وفي وقت كان فيه مناضلون آخرين يقبعون في سجون النظام على اثر محاكمة مراكش المطبوخة في سنة 1971 ، انه جاء ليقطع مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي يمكن تلخيصه في محورين :
1 ) المحور الأول ، ويتمثل في قرارات المؤتمر الوطني الأول ، والمؤتمر الوطني الثاني للحزب ، وفي البيانات التي كانت الكتابة الوطنية تصدرها من حين لآخر لتحديد موقف الحزب من القضايا السياسية الطارئة ، كتحديد الموقف من الاستحقاقات السياسية ، ومن شكل الحكم ، ومن الديمقراطية ..لخ . كما تمثلت في التصريحات السياسية النارية لقادة الحزب ، بخصوص قضايا مختلفة شكلت بحق الرصيد الثقافي النضالي للحزب الذي تخلى عنه اليمينيون الاصلاحويون ، غداة انعقاد المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 بالدارالبيضاء .
أولا : ميثاق المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية : وكأن حال الامس هو نفسه حال اليوم ، رغم مرور اثنتا وستين سنة عن استقلال ايكس ليبان . " يجتاز المغرب مرحلة حاسمة في تاريخه الوطني ، حيث يخوض معركة فاصلة في سبيل التحرر والبناء ، ليجد نفسه وجها لوجه امام الاستعمار الذي يعمل جاهدا باستمرار لبسط سيطرته ، والمحافظة على امتيازاته تحت ستار الاستقلال الشكلي .
--- بعد ثلاث سنوات من التردد والجمود والحيرة ، ضعُفَ خلالها حماس الجماهير الشعبية ، وكادت ان تدفع بالبلاد الى الهاوية .
--- وفي الوقت الذي استرجعت فيه القوات الوطنية اندفاعها وحماسها ، وفي الوقت الذي استطاعت فيه الجهود المتواصلة الفعالة ان تستخلص رسائل التحرر والبناء وتوطد بناءها .
--- وفي الوقت الذي نشاهد فيه حملة الدس والبلبلة والتفرقة ، نجد في تكاثر الهيئات السياسية المصطنعة ، مساعدا لتحطيم معنوية الشعب ، وصرفه عن المعركة الحقيقية التي يفرضها تحقيق الأهداف الوطنية .
--- ........ ويؤكدون ان الهيئات السياسية في شكلها الحاضر أصيبت بالتعفن ، ولم تعد صالحة لتربية الجماهير وتجنيدها للمهام البنائية ، بل صارت أداة للتفرقة ، ووسيلة لاكتساب مراكز شخصية ، او للاحتفاظ بها ، هذا إذا لم تمهد السبيل لتدخل اليد الأجنبية ، ولم تسخر في خدمة مصالح خسيسة متسترة . .... لخ "
ثانيا : المؤامرة الأولى ضد الاتحاد الوطني : " على اثر اعتقال الاخوين محمد البصري وعبدالرحمان اليوسفي ، بعد ان تعرضت جريدة " التحرير " لتدابير إدارية جائرة .......
والكتابة العامة وهي شاعرة بان هؤلاء المفسدين لن يخلو لهم المجال ، الاّ في جو الاستفزازات التي لم يفتؤوا يخلقونها ويُغدونها ، تهيب بالشعب المغربي ان يحتفظ بحذر ويقظة ، حتى لا يقع في الفخ الذي نصبه له أعوان الاستعمار المتربصون باستقلالنا الوطني ....
ونطالب بوضع حد لهذا الجو الاستفزازي وذلك بمبادرة المسؤولين بإطلاق سراح الاخوين وبرفع التدابير الجائرة التي ظلت جريدة " التحرير " تستهدف لها ... " .
ثالثا : قرار المؤتمر الثاني للاتحاد ( مايو 1962 ) .
القرار المذهبي :
" بعد سنوات طويلة من الكفاح من اجل التحرير الوطني ، وتصفية الأنظمة الاستعمارية ، وبعد كمية هائلة من الدماء الشعبية المُراقة ، والتضحيات الجسيمة التي بذلتها الجماهير ، فإن المغرب بالرغم من حصوله قانونا على الاستقلال ، لا يزال يتخبط في متناقضات لا تزداد الا تفاقما:
-- الملكية المطلقة من النوع العتيق الذي عرفه المغرب قبل السيطرة الاستعمارية.
-- المس بالانتصارات السياسية التي حققتها الجماهير ، وخاصة في مجال الحقوق الديمقراطية والنقابية .
-- التصفية المادية والمعنوية للمقاومة ، بواسطة سياسة انتقامية حاقدة موجهة ضد المناضلين الذين كانوا اكثر بلاء في المعركة الطويلة ضد الاستعمار .
-- استغلال . وهو في الواقع وسيلة الاستعمار لإرساء دعائمه ، ولاكتساب آفاق مضمونة اكثر ، وصفة مشروعة وضرورة وطنية .........لخ " .
القرار السياسي :
ان المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني المنعقد بالدارالبيضاء أيام 25 و 26 و 27 مايو 1962 .
-- بعد ان درس تقرير نشاط الاتحاد ، ودرس الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوضع الذي توجد عليه البلاد في الظروف الراهنة .
-- وبعد ان استعرض نتائج السنوات الست الأولى ، وخاصة تجربة الحكم الملكي في السنتين الأخيرتين ، حيث ان النتائج تتجلى في :
ا ) حكم مشخص فرديا من نوع مطلق قديم .
ب ) جهاز اداري متعفن تسوده اللاّمسؤولية ، والامتيازات والمحسوبية .
ج ) مساس بالمكاسب التي دفعت الجماهير ثمنها غاليا في ميدان الحقوق الديمقراطية والحريات النقابية .
د ) تصفية المنظمات الوطنية للمقاومة ماديا ومعنويا ، واتباع سياسة انتقامية خانقة ، ضد المناضلين الذين امتحنوا امتحانا في كفاحهم الطويل الشاق ضد الاستعمار .
ه ) تبني قسم من البرجوازية الوطنية الكبرى ( آ ل الفاسي – التشديد من عندي ) للامتيازات وللمواقف والنظريات الاستعمارية في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، الامر الذي أدى الى مزج تام في المصالح ( حكم ثروة ) ، والى انسجام عميق في الرأي بين هذا القسم ( حزب الاستقلال بقيادة آل الفاسي ) وبين الاستعمار ، ومن جهة أخرى الى إبقاء الجماهير الشعبية في حالة من القلق والتقهقر والعجز .
و ) مواصلة السعي باستمرار ، وبصفة خاصة من جانب الرجعية الحاكمة ، قصد ابتدال الشعارات الثورية للجماهير ، وابلاءها ، وخلق الالتباس والتردد في النفوس ، ورفع صفات الجبن ، والتملق ، والشلل الفكري الى مرتبة الفضائل . كل ذلك من اجل استئصال روح النضال عند الجماهير الشعبية ، وتأبيد استغلالها واستعبادها وقهرها .
ن ) وحيث ان المغرب بفضل منظماته الحية الشعبية ويقظة جماهيره ونضجه ، يقاوم اليوم بتصميم كل انزلاق نحو الحكم الاستبدادي ، وهو يتوفر على طاقات تشكل القاعدة الاصيلة لتطور ديمقراطي .
................... " .
رابعا : بيان الى الشعب المغربي حول انتخاب مجلس النواب 17 مايو 1963 :
" أيها الشعب المغربي المناضل .
لقد قرر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ان يشارك في الانتخابات المقبلة لمجلس النواب ، وبذلك اختارت منظمتنا ان تخوض معركة جديدة وان تفتح واجهة داخل صفوف القوات الرجعية نفسها .
وان قرارنا هذا لا يمكنه ان يترك مجالا للبس او التأويلات المغرضة ، ما دام الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو المنظمة الثورية التي تواجه النظام الاقطاعي الفردي ، وما دام احد اهم اهدافنا المستعجلة هو محو الاقطاع ، لكي تخلفه بصفة حتمية مؤسسات شعبية منتخبة ..........لخ
أيها المواطنون الاحرار والابرار : واننا نقول بكل صراحة لأولئك الذين يفكرون في دعوتنا لما يسمونه " وحدة وطنية " ، ليس هناك وحدة وطنية ممكنة مع نظام اقطاعي في أسلوبه ، ورجعي من صميم روحه ، قد اعطى البراهين على تقلبه واستخفافه بالمبادئ ، وعدم ايمانه باي شيء / وأخيرا اعرب على عجزة وفشله الفادح .
وان هذا النظام الفردي " المشخص " ، الذي هو مدين حتى في وجوده لوطنية الجماهير الشعبية ووفاءها ، اصبح همه الوحيد ، هو تمهيد الطريق بكل وسائل التحايل لسيطرة الاستعمار الجديد المتحكم في مقاليد الأمور .
وحيث ان الاستعمار الجديد لا يعتني الا بمصالحه العاجلة القريبة المدى ، فانه يرى من حقه ان يلزم عملاءه بان يخدموه بامانة ، وان يؤدوا مهمتهم اتم الأداء :
فها هو الدستور المصنوع على يد فنيي الاستعمار الجديد قد نسج لباسا للنظام القائم ، وها هي الجبهة ( جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية – لفديك ) مثل حزب ( الاصالة والمعاصرة ، والتجمع الوطني للأحرار اليوم .... ) التي أسسها القصر الملكي ، وتضم الخونة المشهورين ، والاقطاعيين ، والموظفين المتعفنين ، قد أًنشئت لضمان الاستقرار المطلوب ، وها هم بلسان النظام كمدير الديوان الملكي ( احمد رضى اگديرة ) ، وغيره من عملاء الاستعمار الجديد، يعلنون بكل وقاحة عن مذهبهم المزعوم ، مدعين بان أسلوب التخطيط الاشتراكي في الاقتصاد خطأ ، وان الإصلاح الفلاحي من ضروب الخيال ، وان تأميم الصناعة والتجارة الخارجية من قبيل الأوهام الوخيمة العواقب . وتزيد ابواق دعاية الاستعمار الجديد ، في اباطلها مؤكدة ان سلوك طريق الرأسمالية ، وفتح اسواقنا الداخلية في وجه مطامع الاستعمار ، لهي الخطة الواقعية الوحيدة الناجعة .
تلكم هي النظريات التي يريد النظام المتسلط اليوم ان يبني عليها سياسته واستمراره . بل تذهب به السخافة ، فيحاول ستر نواياه ومناوراته ، وهو يبدل كل الجهد لكي ينظر اليه إخواننا في الجمهورية الديمقراطية الشعبية الجزائرية نظرة جد واحترام ، بينما هو يسعى فقط لإقامة وحدة المغرب العربي على أساس المصالح ، أي لفائدة الاستعمار الجديد .
أيها المواطنون المخلصون ،
ان النظام الرجعي الذي تسلط على الحكم منذ مايو 1960 ، قد أزال اليوم عن وجهه النقاب ، واصبح معروفا مشخصا .
وانها لمفخرة عظمى للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، كتبها له التاريخ الذي لا مرد لحكمه ، إذ استطاع ان يكشف عن حقيقة النظام القائم بفضل وعي الجماهير الشعبية في البوادي والحواضر ، مما يلمسه الخاص والعام من احاديث الناس ، بل وفي الأغاني العامية بالعربية ، او البربرية التي تعبر عن اصدق تعبير عن خوالج النفوس والمشاعر .
ان الجميع موقن والحالة هذه انه لا سبيل لإصلاح النظام القائم وعلاجه او تزكيته ، وان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لا يرى دواء له غير زواله ........
اننا نعلم ان هذه المعارك ( البرلمان - الانتخابات ) ، ليست الا جانبا من جوانب نضالنا الثوري ، إذ ان اهم اهدافنا لن يتحقق عن طريق البرلمان ، إن كان هناك برلمان ، بل سيتم بحول الله خارج البرلمان ، وبفعل العمل المنظمة الذي تقوم به الطبقة الكادحة ، والفلاحون والشباب والمثقفون الثوريون ....... " .
خامسا : بيان اللجنة المركزية لمقاطعة الانتخابات البلدية والقروية 16 يوليوز 1963
( يلاحظ ان هذه الفترة تزامنت مع مؤامرة 16 يوليوز المسلحة )
.... وبعد الانصات الى العروض المفصلة ......
لاحظ الحاضرون بالإجماع :
1 ) ان تصرفات السلطة البوليسية والإدارية في سائر انحاء المغرب ، بأمر من الحكم المطلق نفسه ، ترمي الى خلق جو من الرعب ،والخوف ، والقمع ، والتهديد ، والارتشاء ، لإنجاح الجبهة الملكية في الانتخابات المقبلة ....
2 ) ان تصرفات الحكم المطلق بواسطة البوليس ، وادارته المركزية والمحلية ، وبواسطة عصاباته ، يرمي في الحقيقة الى فرض دكتاتورية شمولية ، معتمدة على الإرهاب ، والتعذيب ، والارتشاء ، والى تمركز الحزب الوحيد ، خلافا لما يدعيه هذا الحكم في دستوره الممنوح والمفروض ...... " .
ثانيا ) المحور الثاني ، ويتجسد في حركة 3 مارس 1973 : تجسد هذه الحركة الوجه الثاني الأبرز من ماضي الاتحاد الراديكالي ، التي حاول المؤتمر الانقلابي -- الاستثنائي القطع معها والتنكر لها ، وان كانت الحركة من خلال المشروع المجتمعي العام الذي كانت تهدف الى تحقيقه ، يتعارض مع مطالب جماعة المكتب السياسي ، والاصلاحويين واليمينيين التي كانت ترمي الى ملكية برلمانية على الطريقة المغربية لا على الطريقة الاوربية ، أي تحديث الدولة وعصرنتها ، وتطوير النظام عن طريق الانتخابات ، والحكومة المسؤولة امام البرلمان وامام الملك التي تحظى بثقته . وللتذكير فان الحركة جاءت في مضمونها متجاوزة للسياسات الاستراتيجية التي كانت تنخر عقول جزء من الطبقة السياسية اليمينية والتي كان أهمها :
--- الخلاف هو خلاف في مفاهيم الملكية : مطلقة مستبدة ام دستورية ؟ عبدالرحيم بوعبيد .
--- الخلاف هو خلاف في شكل الملكية : هل مطلقة ام برلمانية على الطريقة المغربية ؟ الجناح الاصلاحي في الحزب .
--- الخلاف هو خلاف حول الملكية : هل برلمانية على الطريقة المغربية ، ام على الطريقة الاوربية ؟ المهدي بن بركة ، عبدالرحمان اليوسفي .
--- العنف سيؤدي الى التدخل الأجنبي والحل هو المائدة المستديرة لحل ازمة الديمقراطية بين القوى ( التقدمية والوطنية ) علي يعته .
--- ضرورة التعبئة الجماهيرية ، والتنظيم المحكم ، والخطة المدروسة للمرحلة الحالية . عبدالله إبراهيم .
ان كل هذه المواقف ، ومهما تعددت اعتباراتها واختلفت ، فهي تلتقي في قاسم مشترك ، هو رفض العنف كخيار ، وكشكل رئيسي للنضال الجماهيري ، بغرض الحفاظ على النظام ، من اخطار كانت تهدده ، وملامحها تلوح في الأفق ( انقلاب الجيش - افقير ) . لقد اعتبرت حركة 3 مارس ، ان هذه المواقف هي تعبير عن الواقع الإصلاحي المأزوم لهذه القوى اليمينية بعد ان إتهمتها بالانتظارية ، وعرقلة النهوض الثوري للشعب وللحركة الجماهيرية .
إذا كانت الحركة الماركسية اللينينية المغربية ( منظمة الى الامام ) و ( منظمة 23 مارس ) ، قد وصفت حركة 3 مارس ، بانها رغم كونها ، انها تشكل احدى روافد الحركة الوطنية وحركة التحرر المغربي ، وكتجسيد عضوي وايديولوجي ،واستمرار يائس لنفس الطبقة البرجوازية الصغرى ، واعتبرتها من خلال نهجها المسلح الفوقي ، كامتداد للجناح البلانكي الذي يؤمن بالانقلاب على الحكم من فوق ، ومن ثم يعوض نفسه عن الشعب حين يبخس حقه في النضال ، ولا يعيره ادنى قيمة ولا اهتمام ، فان هذا الوصف ، اي البلانكي ، لا ينطبق على حركة 3 مارس ، لكونها كانت تحمل مشروعا مجتمعيا عاما ، من خلال برنامج عُمّم في حينه على معظم الصحف بالمهجر ، الامر الذي يعني ان النقاش كان يجب ان يتناول المشروع العام الذي كانت تطمح الى تطبيقه حركة 3 مارس ، والذي كان يختلف عن المشروع العام الذي نظرت له منظمات الحركة الماركسية اللينينينة المغربية ، والمشروع الذي حاولت البرجوازية المتوسطة الوصول اليه ( الملكية الدستورية البرلمانية على الطريقة المغربية ) .
ان الاختلاف بيٍّنً بيْنَ المشروع العام للحركة الماركسية ( الجمهورية الديمقراطية الشعبية ) ، وبين المشروع العام الذي نظر له الجناح الإصلاحي في حزب الاتحاد الوطني / الاشتراكي ( الملكية الدستورية البرلمانية بوعبيد ، بن بركة ، اليوسفي ) وبين المشروع العام لحركة 3 مارس ( الجمهورية البرلمانية على الطريقة العربية ) .
ومن خلال الرجوع الى جذور حركة 3 مارس ، والخط العام الذي سارت عليه ، يتبين ان ظهور الحركة ، لا يعتبر في حد ذاته قفزة فجائية في تطور الحركة الوطنية ، بل هي انبثاق لنفس الممارسات ، ونفس التناقضات التي سادت الاتحاد منذ النصف الأول من الستينات والتي أهمها من جهة ، المحاولات المتكررة لإسقاط الحكم بالعنف ( احداث 16 يوليوز 1963 ، محاولة تصفية الأمير الحسن ، الهجوم على القاعدة العسكرية الامريكية بالقنيطرة ... ) ( الفقيه محمد البصري ، احمد اگوليز الملقب بشيخ العرب ، مومن الديوري .... ) ، ومن جهة أخرى ترك العمل الجماهيري في حدوده الإصلاحية ( المهدي بن بركة ، بوعبيد ، اليوسفي ) .
لقد أعلنت حركة 3 مارس عن نفسها كجبهة وطنية ، وقدمت برنامجا ادنى يلبي بعض القضايا الاستراتيجية ، مثل إقامة ( الجمهورية البرلمانية ) ، واعتمدت في سبيل ذلك على عفوية الكفاح المسلح الفوقي للسيطرة على الحكم ، ولم تعتمد على الحزب الثوري الطليعي ، ولا على الجماهير التي كانت متخلفة في وعيها ، سياسيا . بل ان الاتحاد الاشتراكي الذي كان يُعتبر في بعض خطوطه التي افرزتها احداث 8 مايو 1983 متجاوبا مع برنامج حركة 3 مارس ، لم يكن مهيئً تنظيميا وسياسيا ، لتحمل اعباء وتبعات هذا المشروع الذي لم ينتقل الى اساليب عمل هجومية وجماهيرية .
ان اعتماد حركة 3 مارس على عفوية الكفاح المسلح لإقامة جمهورية برلمانية انتخابية ، يفسر الى أي حد تأثرت هذه الحركة بالانقلابات العسكرية التي قادتها البرجوازية الصغيرة في العالم العربي ، كما يفسر تعطش الحركة في الوصول الى الحكم ، ولو بالعنف ، ومهما كان الثمن ، ولو بالمشاركة مع الجنرال محمد افقير في انقلاب الطائرة في سنة 1972 . ان حركة 3 مارس كانت موضوعيا تريد النيابة عن الجماهير وعن الشعب ، ومن ثم تحريف النضال عن مهامه المركزية ، الثورة الوطنية الديمقراطية ، فكانت بذلك سبابا في خسارات جسيمة اصابت الاتحاد وفصائل يسارية أخرى .
لقد قامت حركة 3 مارس بتقييم مغلوط للوضع ، فتوصلت الى ان الظرف السياسي اكتملت فيه اكبر شروط الازمة لإعلان الثورة المسلحة . ومن اهم ما جاء في تقييم الحركة :
1 ) ان النظام في المغرب اصبح غير قادر على الاستمرار بفعل التناقضات الداخلية والخارجية . فداخليا نمت التناقضات التي تُوجت بانقلابين عسكريين ( 1971 و 1972 ) ، بينما الوضع الاقتصادي ينمو في اتجاه الازمة العامة ، ويزداد معه تعفن جهاز الدولة ، وتضارب المصالح بين الفئات المساندة للنظام ، وبالتالي سقوط هيبة الدولة والنظام في اعين الجماهير والشعب ، وتبلور وعيها الثوري بإمكانية اسقاط النظام وإقامة آخر محله .
امّا خارجيا ، فقد تنامت التناقضات بين حلفاء النظام فرنسا وامريكا ، وفقدان ثقة المستثمرين وارتفاع حجم الديون .
2 ) اتساع الحركة الجماهيرية والمطلبية واستعداد الجماهير للدخول في اية عملية ثورية .
3 ) تردد القوى الإصلاحية التقليدية ، واقتصارها على مطالبها الدستورية والمؤسساتية ، من اجل التحالف مع النظام ، وذلك لخوفها من المصير المجهول الذي ينتظرها ، ولعدم قدرة هذه الأحزاب على ترويض الجماهير والدفع بها نحو الثورة .
ان هذا التقييم المغلوط لحركة 3 مارس للوضع السياسي ، والتحليل البسيط الذي استعملته في تشخيص أسباب الازمة العامة ، هو ما شجعها على طرح بدائل النضال المسلح والبؤر الثورية ، لا قامة جمهورية انتخابية برلمانية ، تهيمن فيها البرجوازية الصغيرة ، والمتوسطة ، وما فوق المتوسطة ،وتحتكر الحكم لصالحها ، ومن ثم قمع الطبقات التي تكون المجتمع المغربي .
ومرة أخرى فان الطبيعة التكوينية لحركة 3 مارس ، تبين انها انبثقت عن تناقضات القوى الشعبية ، التي عجزت عن التوفيق بين خطين أساسيين متعارضين ، احدهما سياسي إصلاحي ملكي برلماني ، والأخر انقلابي جمهوري . وانْ كان النظام قد نجح في سحق الحركة حيث وصلت الاحكام الى الإعدام الذي نفذ في من صدر في حقهم ، وكان التنفيذ يوم عيد الأضحى ، وهو اليوم الذي كان فيه عبدالرحيم بوعبيد يقدم التهاني للحسن الثاني في القصر الملكي .
بعد انعقاد المؤتمر الانقلابي – الاستثنائي بما له وما عليه ، انعقد بالدارالبيضاء المؤتمر الوطني الثالث أيام 8 و 9 و 10 في دجنبر 1978 ، حيث حدد بشكل جلي موقف الاتحاد ، من المجالس المنتخبة ، والمسلس الديمقراطي ، وتجلى ذلك على الخصوص في قرارات المؤتمر ، وفي قرار اللجنة المركزية لمايو 1979 . ومن اهم ما جاء في البيان السياسي العام :
" ... يؤكد المؤتمر ان الاختيارات اللاّشعبية اللاّديمقراطية التي تمسك بها الحاكمون ... والتي طالما ندد بها حزبنا ... أصبحت الآن امام افق مسدود وحكمت على نفسها بالفشل في كافة الميادين .... " " انعزال السلطة كليا عن الشعب وقواه الحية ، وسقوطها في ايدي الانتهازيين ، والسماسرة ، وكافة الساعين الى الاثراء ، وارضاء نزواتهم الشخصية بواسطة التملق والنفاق ، وهذا مرة أخرى يفتح المجال لتسرب كثير من العناصر الانتهازية الى مراكز التوجيه والتنفيذ والتقرير ، مما أدى الى نشوء طبقة طفيلية وبيروقراطية ، وضعت يدها بالتدريج على كافة المرافق الاقتصادية ، مستعملة سلطة الدولة لاستغلال الدولة والشعب في آن واحد ... "
لقد حكم المؤتمر على المسلسل الديمقراطي بالفشل التام ،ووصف البيان العام التجربة الديمقراطية بانها :
" .... الديمقراطية المزيفة في ابشع صورها واقبح مظاهرها .. " وطرح البيان البديل المرحلي الذي على الحزب ان يناضل من اجله وهو " .. الديمقراطية التي تعني الغاء جميع أساليب المخزنة في دولتنا ، وتحويلها الى دولة وطنية ديمقراطية تعتبر الشعب مصدر جميع السلطات .... " ، وقد طرح المؤتمر برنامجا استعجاليا ومرحليا من اجل " .. مراجعة شاملة للدستور ، واجراء انتخابات حقيقية يضمن فيها التعبير الديمقراطي الحر لكافة المواطنين ، وضمان حياد الجهاز الإداري .... انتخابات حرة ونزيهة تمكن البلاد من التوفر لأول مرة على مؤسسات حقيقية ... " .
واضح إذن ان الحزب اصبح في توجهاته المستقبلية ، مرتبطا بالقرارات التي خرج بها المؤتمر الاستثنائي ، وبقرارات المؤتمر الوطني الثالث ، هذان المؤتمرين اللذين حددا ،وسطرا أهدافا واضحة ،وخطا سياسيا مرحليا .
وإذا كان المؤتمر الاستثنائي قد وضع الديمقراطية ضمن معادلة واحدة ، تتكون من ثلاث عناصر هي التحرير والديمقراطية والاشتراكية ، فان المؤتمر الوطني الثالث قدم بوضوح موقف الحزب من الانتخابات ، البرلمان ، والمسلسل الديمقراطي ، حيث حكم عليهم بالفشل ، واعتبر انهم يمثلون " الديمقراطية في ابشع صورها " .
لقد كان هذا يعني وفي ذاك الوقت ، ضرورة الالتزام بقرارات المؤتمر ، والعمل على تبني استراتيجية واضحة في العمل الحزبي لإعادة الثقة والروح اليه ، واعادته الى موقعه الديمقراطي . وكاستمرار وتتمة لهذه القرارات ، وفي افق الالتزام والتحضير لتجسيد ما اقره المؤتمر ، عقدت اللجنة المركزية في 31 مايو 1979 ، اجتماعا قررت فيه الانسحاب من مجلس النواب ، وتركت للمكتب السياسي مسؤولية تنفيذ هذا القرار .
بعد أخذ / ورد / وتردد ، قرر النواب " الاتحاديون " في 6 أكتوبر 1981 ، تقديم رسائل فردية الى رئيس مجلس النواب ، يعتبرون فيها ان مدة انتخابهم كنواب ، قد انتهت مع نهاية السنة التشريعية الرابعة في 8 أكتوبر 1981 ، وذلك استنادا على الفصل 43 من الدستور .
بعد خطاب الملك الحسن الثاني في 9 أكتوبر 1981 ، تلقى النواب الاتحاديون رسائل فردية من رئيس مجلس النواب ، يخبرهم فيها بلا قانونية الانسحاب ، وبضرورة العودة الى البرلمان .ان هذا بالفعل ما حصل ، إذ عوض ان يلتزم المكتب السياسي للحزب بقرارات الأجهزة الحزبية ، أذعن لطلب رئيس مجلس النواب ، والحقيقة أوامر الملك ، ولرغبة البرلمانيين الذين كانوا يتصرفون كبرلمانيين لا علاقة لهم بالحزب ، وقد تم بالفعل الرجوع في 13 أكتوبر 1981 ، حيث حضروا الجلسة الاستثنائية التي عقدت مساء ذاك اليوم المشؤوم ، بذريعة وتبريرات واهية لا تنطلي حتى على الضبع ، ولا أساس لها من الصحة ، كالتهديد الذي تتعرض له قضية الصحراء ، او محاصرة البرلمانيين بضغطين متوازيين قانوني وسياسي ، او ضرورة التواجد بالبرلمان ولو بنائب واحد ، او ان الاتحاد بدون برلمان لن يكون له وجود .....لخ .
وهكذا احتدم الصراع مجددا في الحزب حول قضية عودة النواب الى البرلمان ، وبدأ الصراع يأخذ شكل بلاغات وقرارات ، وبلاغات وقرارات مضادة ، وتطور الصراع في افق امامي حين اصدر المكتب السياسي في 31 مارس 1981 قرارا يقضي بطرد مسؤولين وطنيين ، ومن ابرزهم عبدالرحمان بنعمرو ، الصادق الشتوكي ، الملحاوي ، احمد بنجلون ...لخ ، ثم تبعت هذا القرار قرارات أخرى ، وفي نفس السنة بطرد مناضلي بني ملال ، أزيلال ، خريبگة ، الدارالبيضاء ، فاس .... لخ
وامام ضغط القواعد والتفافها حول حزبها ، بدأ المكتب السياسي بنهج أسلوب الوشاية والتبليغ بالمناضلين ، وسيتطور الصراع بحصول احداث 8 مايو 1983 التي انتهت بدخول عبدالرحيم بوعبيد ،ومحمد اليازغي ، وعبدالواحد الراضي ، وفتح الله ولعلو ... بحصة مهمة الى البرلمان ومقاعد مريحة في الحكومة ، ودخول 34 مناضلا ألقي عليهم القبض في أماكن متفرقة سجن لعلو ، وانتهى هذا الصراع بان اصبح الاتحاد الاشتراكي يتكون من جناحين متعارضين ، احدهما يمثله المكتب السياسي ، والأخر يمثله جماعة اللجنة الإدارية الوطنية التي ستتحول في 6 أكتوبر 1991 الى حزب الطليعة .
بعد العملية الانشقاقية التي قادها المكتب السياسي ، وبفعل احداث مخلفات 8 مايو 1983 ، عقد الاتحاد الاشتراكي مؤتمرين آخرين . المؤتمر الرابع الذي كان دون أهمية ، لأنه جسد الطابع اليميني المخزني للقيادة ، والمؤتمر الخامس الذي تميز بالضغط الذي مارسته القواعد / والشبيبة ، و نقابة الكنفدرالية ، وافضى بدخول محمد الاموي الى المكتب السياسي ، بعد كان الحسن الثاني قد فرض على عبدالرحيم بوعبيد ، دخول كل من عبدالواحد الراضي ، وفتح الله ولعلو الى نفس المكتب . كما ان وزارة الداخلية عينت العديد من الكتاب الإقليميين للحزب بالعديد من المدن الكبرى .
ان كل محلل ومتتبع لتاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي ، منذ قرارات 6 شتنبر 1959 ، وحتى قرارات 30 يوليوز 1972 ، وتغيير اسم الحزب باقتراح من الحسن الثاني في سنة 1974 ،من الاتحاد الوطني الى الاتحاد الاشتراكي ، مرورا بأحداث 3 مارس 1973 التي جاءت بسبب فشل انقلاب الطائرة التي شارك فيه الحزب ( الفقيه محمد البصري ..... ) ، وبسبب اختطاف الجنود من السجن المركزي بالقنيطرة الى السجن الرهيب تازمامارت ، وحتى يناير 1975 المؤتمر الانقلابي – الاستثنائي بالدارالبيضاء ، وقدوم عبدالرحمان اليوسفي للدخول في الحكومة كوزير اول وليس كرئيس للوزراء ....... لخ ، وبالنظر الى الوضعية التي اضحى عليها الحزب مع ادريس لشكر المتعاون مع ادريس البصري ، سيستخلص ان حزب الاتحاد الاشتراكي كما عرفته الأجيال السابقة ، وكما عرفه المثقفون ، لم يعد اليوم غير اسم بدون مسمى ، فاصبح دكانا يملك علامة تجارية متخصص في استجداء وتوسل المقاعد البرلمانية والمناصب الوزارية . فالاتحاد كما عرفه المثقفون والتقدميون في السبعينات والثمانينات ، قد مات منذ المؤتمر الخامس . ومن لا يزال يعتبر صَدَفَة ادريس لشكر اتحادا ، يكون قد ارتكب جرما في حق تاريخ الحزب ، الذي اثر في العديد من الاحداث التي لا تزال راسخة في الذهنية المغربية . فهل كان مناضلو الحزب على شاكلة (الاتحادية البرلمانية رحاب التي شتمت الشعب ، او البرلماني الفداوشي الذي حث وزير الداخلية على حجب الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي ) ، وهل كان المهدي ،وبوعبيد ،والفقيه ، وعمر ... سيقبلون الجلوس مع حزب العدالة والتنمية ، ومع من كانوا ينعتونهم بالأحزاب الإدارية . خلاصة : رحمه الله الاتحاد . انه الزمن الرديء بكل المقاييس .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن