العراق : قرن من الانتفاضات الشعبية والانقلابات العسكرية / الحلقة الاولى

عادل حسن الملا
molaadil@yahoo.com

2019 / 11 / 16

العراق....مئة عام من الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية؟
ماذا جلبت هذه الاحداث للعراق وشعبه؟
اولا":
ثورة ١٩٢٠
دشنت ثورة ١٩٢٠ في العراق قرن من عدم الاستقرار السياسي في العراق تمثل في حصول الكثير من الثورات الشعبية ( سنأخذ منها تلك الثورة و وثبة كانون ١٩٤٨ وانتفاضة آذار ١٩٩١ مثالا) و العديد من الانقلابات العسكرية ( نستشهد بانقلاب بكر صدقي ١٩٣٦و ثورة ( انقلاب) ١٩٥٨ و انقلاب شباط ١٩٦٣واخيرا انقلاب ١٩٦٨).
حصلت ثورة العشرين بعد ٣سنوات من دخول القوات البريطانية لبغداد وانهاء عقود من الاحتلال العثماني لا يختلف اثنان في انه من أسوأ الحقب التي مرت على بلاد الرافدين.
ولقد كانت الثورة بتحريض ودفع المرجعية الدينية وشيوخ العشائر الذين كان لهم سلطة ابوية روحية واقتصادية قبل ظهور نظام الاقطاع لاحقا".
لانريد ان نتحدث عن حجم الخسائر البشرية والمادية للثورة ولكن نكتفي بأضاءة بعض نتائجها:
١- استبدال الحكم البريطاني المباشر للعراق والذي سعى منذ اول وهلة لتحديث البلد وادخال نظم تعليمية وادارية وصحية حديثة ( أنشأ الانكيز مدرسة ابتدائية حديثة في طويريج بعد ست اشهر فقط من دخولهم بغداد !) بنظام ملكي على رأسه ملك ( غير عراقي ) مرتبط بمعاهدة غير متكافئة مع الانكليز تضمن لهم مصالحهم العسكرية والاقتصادية.
٢- تحول النظام الزراعي الابوي الى نظام اقطاعي بعد ان قام الانكليز بتمليك الاراضي الشاسعة لشيوخ العشائر لضمان ولائهم وعدم تكرار ماحصل في ١٩٢٠. ولم يكتف الانكليز بذلك بل عمدوا الى ارضاء شيوخ العشائر بمناصب تنفيذية رفيعة اضافة الى بقاءهم اعضاء مزمنين في البرلمانات التي كانت تنتج من انتخابات غير نزيهة على الاطلاق.واخفق النظام الملكي في ارساء ديمقراطية حقة حيث كان هناك الكثير من القوانين التي تحد من حرية التفكير والتعبير و منها قانون ( اسقاط الجنسية) سيء الصيت ناهيك عن تزوير الانتخابات وقمع التحركات الشعبية بشكل دموي وزج المعارضين في السجون.
ثانيا":
وثبة كانون:
عندما حل عام ١٩٤٨ كان قادة الحزب الشيوعي العراقي في السجن بعد تخفيض احكام الاعدام بحقهم نتيجة حملة التضامن التي قادها الحزب الشيوعي البريطاني.
وفي هذه الفترة بالذات كان على رأس الوزارة العراقية صالح جبر السياسي القادم من مدينة الناصرية وكان على هذه الوزارة ارساء العلاقات مع بريطانيا على اساس جديد بعد نفاذ المعاهدة بين الطرفين.
بعد مفاوضات جرت في بريطانيا وقع الطرفان معاهدة جديدة في مدينة بورتسمورث اخذت نفس الاسم.
ومهما قيل عن المعاهدة لكن يبدو انها افضل من المعاهدة السابقة وقد ذهب البعض من المتأخرين انها معاهدة جيدة للعراق وادعى اخرون ان فيها بنود سرية تضمن اعطاء الفلسطينين الاستقلال والحيلولة دون قيام دولة يهودية فيها.
ومما له دلالة في هذا الصدد ماقاله الفريد سمعان الشاعر الشيوعي في مقابلة تلفزيونية اننا ( يقصد الطلبة) عندما تظاهرنا ضد المعاهدة لم نكن نعلم اي شيء عن بنودها !!!
وماان تم الاعلان عن المعاهدة حتى اندلعت التظاهرات في بغداد وغيرها من مدن العراق فيما عرف بوثبة كانون وسقط الكثير من الضحايا وخاصة على جسر الشهداء مما اضطر الحكومة للاستقالة والغاء المعاهدة.
وكان من تداعيات الوثبة اضافة الى سقوط عدد كبير من الضحايا :
١- اعادة محاكمة قادة الحزب الشيوعي يوسف سلمان و زكي بسيم وحسين الشبيبي و يهودا صديق واعدامهم وتعليق اجسادهم في ساحات بغداد الرئيسية في احد مشاهد ( الزمن الجميل) !!ربما الجميل فقط في هذه الصورة ان هؤلاء الاربعة مسيحي و سني وشيعي ويهودي.
٢- توجيه ضربة قوية للاحزاب السياسية المعارضة.
٣- لم يحصل العراق على شيء على صعيد الاستقلال السياسي بل ان الامر ازداد سوءا" وانتهى بدخول العراق في حلف عسكري لاحقا وهو الحلف المعروف ب( حلف بغداد).
العراق....مئة عام من الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية؟
ماذا جلبت هذه الاحداث للعراق وشعبه؟
ثالثا":
انتفاضة آذار ١٩٩١:
بعد عامين من نهاية الحرب العراقية الايرانية (التي استغرقت ثمان سنوات تحول فيها العراق من بلد ناهض قوي اقتصاديا يمتلك مئات المليارات من الدولارات كخزين مالي الى بلد ذي مديونية ضخمة ناهيك عن مئات الالاف من الضحايا و المعوقين والاسرى هذا عدا عشرات الالاف من الشباب الذين تم اعدامهم لاسباب سياسية او لهروبهم من الخدمة العسكرية او في الحرب مع الفصائل المسلحة الكردية) اجتاح الجيش العراقي الكويت و اصبح العراق بمواجهة مباشرة مع تحالف دولي بقيادة امريكا ناهيك عن فرض عقوبات اقتصادية قاسية وصولا الى عدوان عسكري شامل استهدف كل البنى التحتية في العراق مما اجبر الجيش العراقي على الانسحاب.
كانت الهزيمة العسكرية للنظام و الدمار المرعب الذي اصاب البلد و حجم الضحايا بين المدنيين والعسكريين على حد سواء و تراكمات عقد الثمانينات الرهيبة و مرارتها سببا" كافيا" لاشعال انتفاضة شعبية عفوية عمت مدن الوسط والجنوب وكردستان .
الا ان دخول الاحزاب الاسلامية على خط الانتفاضة ورفع شعارات طائفية حال دون امتدادها الى المحافظات الغربية كما ان خذلان التحالف الدولي للانتفاضة تسبب في سحقها بقسوة بالغة بعد اقل من شهر من اندلاعها.
لقد اسفرت الانتفاضة اضافة حجم الخسائر البشرية الهائل في صفوف المدنيين والجيش الى:
١- انفصال منطقة كردستان ( اربيل وسليمانية ودهوك) وبقرار دولي منع الطائرات العراقية من التحليق في تلك المنطقة وفق ما سمي وقتها ب ( no fly zone)
٢- تعمق الطائفية المجتمعية على خلفية بعض الشعارات التي رُفعت و عزوف المدن الغربية عن المشاركة.
٣- الحاق الاذى بالكثير من مؤسسات الدولة ووثائقها وتردي الاوضاع الصحية والخدمية في المدن المنتفضة .
بعد كل هذا ماهي العلة في هذه الانتفاضات الثلاثة والتي آلت الى ما آلت اليه؟
من بين الكثير من الملاحظات ربما نستطيع ان نسجل مايلي:
ا- عدم وجود قيادة نزيهة و خبيرة قادرة على قيادة الحراك ورسم الاهداف بماينسجم مع توازن القوى و صياغة التكتيكات المناسبة.
٢- العفوية والتعامل برد الفعل دون وجود اهداف واضحة وعملية وقابلة للتطبيق ورفع شعارات مضللة لا يتضح ما بعدها ....( خروج الانكليز او الغاء معاهدة او اسقاط نظام وماذا بعد ذلك ؟ لا يوجد تصور او يوجد تصور ولكن طوباوي ).
٣- خطل وخطأ الاعتماد على الطرف الخارجي الذي سرعان ما يتخلى ويخذل الحراك اذا اقتضت مصلحته ذلك .
٤- التشكيلات السياسية الدينية ( وهي حتما" طائفية) والقومية في بلد متعدد الاديان والقوميات والطوائف كالعراق لا تقدم شيء للهدف الوطني ولا تصب بمصلحة هدف بناء دولة وطنية حديثة قادرة على العيش لكن يجب الاعتراف ان الخطاب الديني والقومي الشعبوي هو الاكثر رواجا"وقبولا"....
لذا ينبغي عدم الافراط بالتفاؤل



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن