ملاحظات على قراءة الدستور العراقي

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2019 / 11 / 14

(الخاتمة)
هذا العرض السريع لكل أوجه القصور في الدستور بكل ما جاء فيه من مبادئ وأسس ونصوص تجسد الرؤية الكلية الواردة في الديباجة، والتعهد المنصوص فيها على أن شعب العراق إنما أراد بهذا الدستور بناء دولة مدنية ديمقراطية مستقلة تضمن لشعبها الرفاهية والتطور وأحترام القانون وحقوق الإنسان، سيبقى هذا الهدف ناقصا وبحاجة إلى التطوير والتحديث اللازمين لتجسيد وبسط الرؤية الأجتماعية والعقد الأجتماعي الذي صوت عليه العراقيون بأستفتاء وطني، ولزاما على كل السلطات المركزية واللامركزية أن تعمل جاهدة ليس فقط للحفاظ على المكتسبات المتحققة منه.
وإدامة الزخم نحو صنع مجتمع جديد خالي من أثار المراحل الماضية ومتجاوز لكل الأنات والهفوات التي لم تعالج حالات خلل أو التقصير أو التعديل، أو أنها وضعت لها مقترحات تكميلية ليصار إلى عراق جديد بوجه حضاري يعكس رغبة شعبه للانتقال من المرحلة التأسيسية إلى مرحلة البناء والتطور، ومجارات سعي الإنسانية لعالم خالي من كل أسباب النزاعات والكراهية ونبذ الأخر، المطلوب من كل الجهات في العراق الجديد بمختلف اختصاصاتها أو مسؤولياتها أن تعمل جاهدة وفقا للأليات الدستورية أن تشمر عن ذراعيها لتحقيق ما يصبو له الشعب العراقي من مستقبل واعد، في ظل الديمقراطية والتعددية ودولة المواطنة والمؤسسات، بعيدا عن ما يفرق الشعب ولتعزيز وحدته الوطنية ووجوده الحضاري كدولة رائدة ومحورية، في عالم يكون القانون فيه هو الحاكم والمهيمن على حركته ووجوده.
إننا إذ نضع هذا الجهد ونسعى من خلاله إلى تنبيه من يملك الصلاحيات والاختصاص والقدرة على تنفيذ ما هو واجب، ليس هدفنا الانتقاص من الإرادة المجتمعية أو التشكيك في البنى القانونية الأساسية التي تقوم عليها الدولة العراقية، ولكن بالتأكيد أن ما طرحناه يمثل هاجسا وطنيا مشتركا لكل أفراد الشعب العراقي، ورغبة شعبية أكيدة في أن نرى دستورا ونظاما سياسيا ناضجا قادرا على تمثيل إرادة الشعب وتحقيق حلمه في دولة عادلة، ونظام حكم أداري متكامل يحمي حقوقه ويحافظ على وجود الدولة العراقية الواحدة الموحدة.
نقدم هذا الجهد خدمة للمشرع وللتنفيذي والقضائي وللنخب الدستورية والقانونية والسياسية في العراق، ونأمل أن يكون ذلك مثل الحجر الذي يرمي في ماء راكد ليساهم أخرون وجهات معنية من قانونيين وأكاديميين وحقوقيين، وكل حسب موقعه بأثراء وتنضيج الأفكار والمناقشة والحوار، من أجل دستور أكثر شمولية وأكثر منطقية قانونية خاليا من العيوب والنقص والتكرار والإفاضة اللا ضرورية في بعض نصوصه وترشيد الجزء الأخر، والبناء على روح وجوهر المبادئ الأساسية له.
هذا لا يعني أيضا أن هذا الجهد متكامل وخال من العيوب والنواقص، وبالتأكيد نحن متيقنين تماما أن الحوار والنقد والإضافة وتفعيل الورش الفكرية والندوات وكل أشكال العمل الفكري هو الطريق الأمثل للوصول إلى فكرة متكاملة نسبيا، وقادرة على الترجمة إلى واقع ملموس وحقيقي وعملي يبعد العراق من كل الفخاخ والمصائد المقصودة أو اللا مقصودة، التي أظهر الواقع العملي وجودها حقيقة في مباني الدستور ونصوصه.
كما نأمل من كل المعنيين في الفقه الدستوري وشراح القانون أن لا يتهيبوا البحث والغوص والنقد العلمي، طالما كان ذلك في مصلحة العراق وشعبه، كما نتمنى على السلطة التشريعية أن تنظر بعين المسؤولية الأخلاقية والتاريخية والوطنية والوظيفية إلى هذه الدراسة، والدعوة لحوار وطني عراقي ناضج يساهم في حقيقة كونها ممثلة لإرادة الشعب العراقي وتطلعاته وأهدافه، وأخيرا نختم كل ذلك بقولنا (كان العراق وشعبه ومصالحه العليا من وراء الهدف ولأجله).
الورشة البحثية التي اقامتها مجموعة الحراك الشعبي العراقي.
بغداد أوائل تشرين الثاني 2019

تعديل الديباجة
نَحْنُ أبناء وادِي الرافدينِ، صناع الحضارة الأولى ومهد المدنية وأصحاب الحرف وَالكتابةِ ونظام اللغة، وَرواد الزراعة وفنون الري والبناء، وَوُضَّاع التَرقيمِ والحساب، عَلَى أرْضِنَا سُنَّ أولُ قانُونٍ مدون وشريعة وَضَعَهُا الإنْسَان لأجل الحق والعدل، وفي وَطَنِنا خُطَّ أعْرَقُ عَهْدٍ عَادِلٍ لِسياسةِ الأوْطان، وَفَوقَ تُرابنا عاش الأنبياء والرسل والصالحون ومثوى الأئمة والهداة من الصَحَابةُ والأولياء، ونَظَّرَ الفَلاسِفَةُ وَالعُلَمَاءُ، وَأبدَعَ الأُدَباءُ والشُعراءُ والفنانون روائع خالدة.
وعهدا للأجيال التي ضحت بالغالي والنفيس في سبيل الحرية وحقوق الإنسان، وللأجيال القادمة نرسم لهم مستقبل واعد ومتطور يحفظ لهم حقهم بحياة حرة كريمة مستقرة، أن نَمْضِيَ قُدُماً لبناءِ دَوْلةِ المؤسسات وسيادة القانونِ، عابرين على ثقافة الطَائِفِيَةُ وَالعُنْصُريةُ منْ أَنْ نَسيرَ مَعَاً لِتَعْزِيزِ الوحْدَةِ الوَطَنيةِ، وَانْتِهَاجِ سُبُلِ التَداولِ السِلْمي والديمقراطي لِلسُلْطَةِ، وَتَبْني أسْلُوب التَوزيعِ العَادِلِ لِلِثَروْةِ الوطنية بما يؤمن العدالة الأجتماعية والمساواة، وسيادة منهج تَكَافُؤ الفُرَصِ للجَمْيع.
نَحنُ شَعْب العراقِ الناهضِ تَوَّاً من إخفاقات الماضي وألأمه المريرة، والمتَطلعِّ بثقةٍ إلى مستقبلهِ من خِلالِ نِظاَمٍ جُمهورِيٍ مدني ديمقْراطيٍ تَعْددُّيٍ، عَقَدَنا العزمَ جميعا على احْتِرامِ قَوَاعدِ القَانُون، وَرفض سِياسَةِ العُدوان من أي جهة كانت أو عنوان، والاهْتِمَام الجاد والحقيقي بِالمَرْأةِ والأسرة والطفولة والشيخوخة والعجز وحُقُوقِهَا، وإشَاعَةِ ثَقَافةِ التَنَوعِ الحضاري والثقافي وقبول الأخر ومحاربة الإرهاب وجذوره وأسبابه.
نحنُ شَعْب العراقِ الواحد الذي آلى على نَفْسهِ أنْ يُقَررَ بحريتهِ واختيارهِ نظامه السياسي وفقا لتجربته التاريخية وعمق وجوده الحصاري، وأن يَتَّعِظَ لِغَدِهِ بأمسهِ، وأن يَسُنَّ من مِنْظُومَةِ القيمِ والمُثُلِ العليا لِرسَالاتِ السَماءِ وإرث الإنسانية السمحاء ومِنْ مسْتَجداتِ عِلْمِ وحَضَارةِ الإنْسَانِ هذا الدُسْتورَ الدائمَ، على إنَّ الالتزامَ بهذا الدُسْتورِ يَحفَظُ للعراقِ بديمقراطيته وجوده الحُرَ شَعْبَاً وأرْضَاً وسَيادةً ومستقبل مشرق.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن