إبراهيم الكوني في فخ التقليد

أحمد أغ أبو اليسر
Agamadi787@gmail.com

2019 / 10 / 30

لا شيء يقرفني مثل سماعي لكاتب روائي يصف نفسه بأنه مبدع، دون أي خجل..
مبدع على أي مستوى مثلا؟
من بين الروائيين الذين يقترفون هذا كثيرا أستاذي الفاضل إبراهيم الكوني، ففي كثير من محاوراته الإعلامية المسجلة على اليوتيوب يصف فيها نفسه بهذا اللقب دون أي مراعاة للمستوى المعرفي للجمهور المتلقي..
«أنا عندما أبدع نصا» ترد هذه العبارة كثيرا على لسان الكوني، دون أن يحدد لنا الإبداع الذي يقصده، هل هو يقصد الإبداع بهذا المعنى اللساني الذي نعرفه المتمثل في أن الإبداع هو المجيء بشيء لم يأت أحد بمثيله قط؟
إن كان هذا هو المقصود فإن أبسط شيء ينفي الإبداع هنا هو كتابته في حدود الرواية، التي ليس هو أول من ابتدعها حتى نصفها بأنها إبداع له، أما إن كان ما يقصده هو أنه يبدع داخل جنس الرواية أفكارا لم يبدعها أحد قبله قط، فيمكننا نقده من خلال أهم رواية له، وأقرب رواية له إلى قلبه حسبما قاله بلسانه في لقاء أجراه معه تركي الدخيل على قناة العربية السعودية التي تبث من الإمارات، فعندما سأله الصحفي عن أفضل رواياته إليه قال: "المجوس"..
حسنا.. رواية المجوس يبدأها الكوني باستنساخ فكرة "الإنسان الأعلى" وهي فكرة قديمة دخلت بدايتُها إلى كل الفلسفات الحضارية المتأخرة عن طريق "الفيلسوف" عند أفلاطون على ما أظن، مرورا بالفلسفة الإسلامية التي أنعشها محيي الدين بن عربي فيها كثيرا من خلال "الإنسان الكامل" حتى وصلت إلى فريدريك نيتشه ناضجة فقلبها إلى "السوبرمان" بإرادته للحياة، واستمر الكوني لصفحات عديدة في الانتصار لفكرة "الإنسان الأعلى"أو "الإنسان الحكيم" عن طريق "أوداد" الواقف على أطول جبل في سلسلة جبال أكاكوس: (لاحظْ أن هذا هو أسلوب نيتشه بالتمام والكمال في زراديشت" ويسخر من كبار الطوارق عندما يتطاول على أكاكوس، وأكاكوس هنا هو "الحكمة"، التي تُبديهم له "كقطيع من النمل" وهذا تعال ثقافي واضح على البشر، وهو نفس التعالي الذي مارسه أبو حامد الغزالي في " تهافت الفلاسفة" كما مارسه العشرات من الفلاسفة الآخرين، وبالتالي هذا يعتبر تقليدا في الفكرة وفي الأسلوب معا.
أما في آخر الجزء الأول من هذه الرواية فإن الكوني يستنسخ بشكل فظ رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، وهي حقيقة رواية عظيمة لكنها ليست إبداعا أبدا إلا في جزء بسيط جدا في نهايتها، لأنها في بدايتها تقليد للكتب السماوية، وتقليد لابن كثير في "البداية والنهاية" أما في نهايتها فتقليد للفلسفة المادية التي سبقت نجيب محفوظ إلى "قتل الجبلاوي" رغم أن محفوظ قتْلُه للجبلاوي مختلِف، فكيف يمكن إذن لروايةٍ تقلِّد روايةً، تقلِّد كتبا قديمة أن تكون إبداعا؟
لمزيد من التوضيح: "واو الضائعة" عند الكوني في المجوس، هي تقليد ل"البيت الكبير" عند نجيب في أولاد حارتنا، وكذلك "وانتهيط" في المجوس هو نفسه "إدريس" في أولاد حارتنا، و"الجد الأول" عنده هو "أدهم" عند محفوظ: و"السلطان" عند الكوني، هو "الجبلاوي" عند محفوظ، فأين الإبداع في هذا رجاء، بعد أن استعمل الكوني هذه الرموز في نفس السياق الديني الذي استعملها فيه نجيب محفوظ أيضا؟ واستخدمها في رواية وصفَها هو نفسه بأنها أفضل رواياته، لكن ماذا عن رواياته الأخرى، التي لم يصفها بذلك؟ ماذا عن روايته الجميلة: "التبر"؟ هذه الرواية العدمية الرائعة بكل ما تعنيه معاني الروعة هل هي إبداع، أم تقليد؟
الحقيقة أن من يقرؤ رواية التبر يمكنه بكل بساطة أن يدرك في أسرع وقت أنها تتحدث عن ثنائية فلسفية قديمة هي: "العدمية القيمية للمِلْكية" و"الحرية كنقيض للملكية" وهذه الملكية المناقضة للحرية لا يحصرها الكوني على سبيل المثال في ملكية "الثروة والجاه" فقط، بل يوسعها حتى تشمل "ملكية الأبناء والأعراف، والتقاليد"، التي اعتبرها كلها سلطة متناقضة مع الحرية، وجاءت فكرة الرواية في أغلبها - لا أقول كلها؛ لأنه تحدث فيها عن الألم كفلسفة مستقلة - تدور حول هذه المفاهيم التشاؤمية، مستعيرا لغة "كافكا" السوداوية أيضا للتعبير عنها، وهي مفاهيم ممتدة من الفلسفة الرواقية إلى "أبي العلاء المعري" في الفلسفة الإسلامية، مرورا بأكبر مروجي العدمية وفلسفة الألم المعاصرة: "آرثر شوبنهاور" و"إيميل سيوران" الذيْن لم يضف الكوني سوى أن سار على نهجيْهما بوضوح شديد، والسير على نهج العظماء هو نهج عظيم، لكنه ليس إبداعا..
الكوني يكتب روايات عظيمة، يناقش من خلالها أفكارا وجودية عظيمة فعلا، لكن ذلك ليس إبداعا؛ الإبداع معضلة وجودية أخرى أعقد، إضافة إلى أن القارئ الجيد هو الحكم الذي يستطيع وصف العمل بأنه إبداع أو غير ذلك، وليس كاتب العمل..!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن