اللعبة الماكرة: مدى أهلية كريم احمد الداود ان يكون شاهداً أميناً للتاريخ. 2

خسرو حميد عثمان
khasrowothman@gmail.com

2019 / 10 / 28

بعد ان اطلعنا على وجهات أربعة من القادة الشيوعيين بصدد ماحدث في نقرة السلمان أواخر عام 1949 التي لم تلتقِ في أي شئ، باستثناء كراهيتهم بدرجة أو بأخرى ل(حميد عثمان الذي كان عمره وقتئذ 23 عاماً)، مثل هذه الشهادات تُعتبر مثلومة ولا يمكن الأخذ بها لآن الشهادة كما عرفها أهلها العلم من اللغويين: بأنها الخبر القاطع.
لهذا، لنرى كيف يروي حسقيل قوجمان الذي لم يكن له أية مرتبة حزبية عن الحدث ومألاته في مقاله الموسوم(حميد عثمان ودوره في قيادة الحزب الشيوعي)*: 
احدى القيادات التي نشأت سنة 1949 كانت بقيادة عضو في الحزب اسمه حميد عثمان. عملت هذه القيادة لفترة قصيرة ثم اعتقل حميد عثمان وارسل الى سجن نقرة السلمان في اواخر تلك السنة. وهنا بدأت معرفتي لحميد عثمان اذ لم اتعرف عليه حين كنت خارج السجن. 
فور مجيء حميد عثمان الى السجن انضم الى قيادة منظمة السجن. كان المسؤول الاول لهذه المنظمة انذاك سالم عبيد النعمان والمسؤول الثاني كان نافع يونس. وفي مواصلة الحياة في المنظمة شعر حميد عثمان بان قيادة سالم عبيد النعمان ليست على ما يرام واعتبر انها كانت يمينية في سياستها العامة وعلاقاتها مع ادارة السجن. فنشأت في قيادة المنظمة السجنية فئتان متناقضتان في ارائهما الاولى بقيادة سالم عبيد النعمان ونافع يونس والاخرى بقيادة حميد عثمان وابراهام شاؤل وزكي خيري.
في سنة 1951 بلغ الخلاف بين الفئتين درجة كبيرة من الحدة فاتفقتا على ان تعرضا اراءهما على مجموع السجناء وان تمنحا كل عضو في المنظمة فرصة اختيار الفئة التي يريد البقاء معها وبهذه الطريقة انقسمت المنظمة بصورة سلمية جدا الى منظمتين احداهما تبعت سالم عبيد النعمان ونافع يونس وكان عددهم اقلية لم تتجاوز العشرين او الاثنين وعشرين كان بينهم عدد من قدماء السجناء الذين حكموا مع الرفيق فهد. وانحازت الاغلبية الساحقة الى فئة حميد عثمان وقد كنا انذاك حوالى 250 سجينا. وكانت العلاقات بين الفئتين ودية ولم تجر اية مشاحنات او صدامات بينهما طيلة وجودهما في نقرة السلمان. وكان التعاون بينهما في القضايا المشتركة يجري بكل ود واحترام. هنا بدأت قيادة حميد عثمان بالظهور. 
كان حميد عثمان كغيره من القيادات الحزبية المتتالية وحتى القيادات القديمة التي قادت المنظمة بعد اعدام الرفيق فهد جاهلا للنظرية الماركسية جهلا مطبقا. ولكنه كان بخلاف غيره حريصا على رفع مستوى المنظمة وتثقيفها مستعينا بمن رأى فيهم القدرة على ذلك. كان الكادران المقربان اليه زكي خيري وابراهام شاؤول. في تلك الفترة ظهرت الكتب الماركسية التي بقيت مدفونة طيلة فترة قيادة سالم عبيد النعمان الى الوجود وسنحت الفرصة لقسم من الاعضاء قراءتها والتثقف بها. كان من اهم تلك الكتب الجزء الاول من الراسمال باللغة الانجليزية وكذلك الايديولوجيا الالمانية وتاريخ الحزب البلشفي. في فترة سالم عبيد النعمان كان الكتاب الوحيد المعروف بوجوده في المنظمة كتاب الاقتصاد السياسي لليون تييف وكان حكرا على سالم عبيد النعمان ونافع يونس لانهما كانا الشخصين اللذين يقومان بالتثقيف به. ولم يكن سالم عبيد النعمان او نافع يونس يفهمان الكتاب حتى عند قراءته ولذلك فان ما سمي التثقيف طيلة الفترة من 1949 حتى 1951 لم يتجاوز الفصل الاول من الكتاب.
في تلك الفترة ترجم ابراهام شاؤول وزكي خيري ثلاثة فصول من تاريخ الحزب البلشفي وكان يجري التثقيف بها من قبل زكي خيري وابراهام شاؤول. ولكن مع الاسف لم يشعر اي من هؤلاء الكوادر بضرورة دراسة كتاب الراسمال كوسيلة لاتقان الاقتصاد السياسي ولذلك بقي هذا الكتاب تحت مخدتي طيلة فترة وجوده في السجن. ولم يظهر هذا الكتاب في تاريخ السجن سوى لمدة ثلاثة شهور اختفى بعدها نهائيا. ولكن الجو العام في تلك الفترة كان جوا يصبو الى الثقافة بتشجيع تام من حميد عثمان. وحتى جرت انذاك دورات محدودة لتعليم الرفاق اللغة العربية والقراءة والكتابة اذ كان عدد من الرفاق لا يجيدونها. في رأيي كانت تلك الفترة القصيرة خير الفترات في تاريخ منظمة السجون.
لم تدم تلك الفترة طويلا اذ ان المنظمة بالاتفاق مع الحزب قررت اعلان الاضراب عن الطعام مع جميع منظمات السجون الاخرى وكان المطلب الرئيسي من الاضراب اغلاق سجن نقرة السلمان الصحراوي ونقل السجناء الى السجون السياسية الاخرى. وشارك في هذا الاضراب عن الطعام جماعة سالم عبيد النعمان ايضا. وقد نجح هذا الاضراب بعد واحد وعشرين يوما ووافقت الحكومة على نقلنا الى السجون الاخرى وكان اذذاك سجنان سياسيان اخران هما سجن الكوت وسجن بغداد المركزي. وقد جرى نقل السجناء على وجبات كانت قيادة المنظمة هي التي تقرر اسماء السجناء الذين يجري نقلهم فيها. وطبيعي كان اول المنقولين السجناء ذوي الاحكام الطويلة. وقد اختارت قيادة منظمتنا نقل اغلب السجناء من منظمتنا الى سجن الكوت بينما قررت منظمة سالم عبيد النعمان الانتقال الى سجن بغداد.
وحال وصولنا الى سجن الكوت وبعد الاحتفالات باستقبالنا من قبل منظمة الكوت اصبح حميد عثمان قائد المنظمة وبدأت منذ الاسبوع الاول حلقات التثقيف وانضم الى المثقفين عزيز الحاج ولكن ابراهام شاؤول لم يبق في سجن الكوت مدة طويلة بل انتقل الى سجن بغداد. وفي هذه الفترة اختارني حميد عثمان على غير المألوف لكي اكون احد المثقفين. فقد كان المألوف ان يكون التثقيف مقصورا على المسؤول الاول او المسؤولين في قيادة المنظمة كما كان الحال في زمن قيادة الرفيق فهد. ولاول مرة شذ حميد عثمان عن هذه القاعدة واختار شخصا ليس من الكوادر التنظيمية ليكون مثقفا. وقد احتج الكثير من اعضاء المنظمة على ذلك ولكن حميد عثمان اصر على ذلك.
لم تدم قيادة حميد عثمان لمنظمة سجن الكوت طويلا اذ ان حميد عثمان كان دائما حريصا على محاولة الهروب من السجن للانضمام الى الحزب في الخارج. فقد نظم حفر نفق من احدى غرف السجن الى الساحة الخارجية وهي عملية شاقة طويلة ساهم بها عدد من الرفاق الاقوياء وكان بين السجناء مهندس هو عمر على الشيخ وكذلك كان ارا خاجادور خبيرا في قضايا البناء. وفي نهاية سنة 1951 تم حفر النفق وجرى مع الحزب اتفاق على ان يعد سيارة لنقل الهاربين الى بغداد. ومن المعروف ان عزيز الحاج خرج ليلة قبل الهروب واجتمع بقيادة الحزب في الكوت واتفق معهم على موعد الهروب. ولكن الحزب لم يرتب سيارة لنقل الهاربين في الوجبة الاولى وهم سبعة ولا في الوجبة الثانية في الليلة التالية وعددهم سبعة اخرون واضطر الهاربون الى السير على الاقدام في اتجاه بغداد. ورغم اننا نجحنا في اخفاء الهروب لمدة يومين فان الوقت لم يكن كافيا لوصول الهاربين الى بغداد مشيا على الاقدام ونجحت الشرطة في القبض عليهم جميعا. وكان بين الهاربين جميع الرفاق التي كانت احكامهم طويلة وقد استثناني حميد عثمان من الهروب نظرا لاني كنت اعاني من كسر في احد اضلاعي.
تلك كانت نهاية وجودي مع حميد عثمان اذ لم نلتق بعد هروبه بتاتا لا في السجن ولا بعد السجن. وانطباعي عنه هو انه كان افضل من قاد منظمة السجن طيلة فترة وجودي في السجون السياسية.
ولكني اجد من الضروري ان ابدي رايي الشخصي فيما يتعلق بالهروب. ان حميد عثمان حين نظم الهروب من السجن لهذا العدد الكبير من السجناء كان يفكر في مصلحة الحزب اذ ان وجود هذا العدد من الكوادر المهمة داخل الحزب وخارج السجن يعزز الحزب ويقوي قيادته. ولكن القيادة القائمة في الحزب انذاك، قيادة باسم (بهاء الدين نوري) لم تبذل جهدا في تسهيل تسفير السجناء الى بغداد وتركتهم يسيرون على الاقدام في طريق الكوت بغداد مما ادى في النتيجة الى اعادة اعتقالهم جميعا. ولا اعتقد ان هذا كان من قبيل الصدف بل كان حسب رايي متعمدا ومقصودا. فان وجود حميد عثمان خصوصا في الحزب كان يمكن ان يعني منافسة بهاء الدين نوري على قيادة الحزب وهذا ما كان يخشاه بهاء. ومن تجربتي في الحياة مع بهاء لمدة سنتين في نقرة السلمان اعتقد ان بهاء مؤهل لان يضحي بهذا العدد من السجناء من اجل الابقاء على مركزه الحزبي.
رغم اني لم التق بحميد عثمان بعد الهروب الا اني سمعت شيئا عن اخباره. فقد نظم هروبا ثانيا من سجن بعقوبة مع سجين اخر هو حيدر حاتم. وطبيعي انه حين انضم الى الحزب اصبح قائده. ولكنه ازيح عن مركزه بعد فترة قصيرة بصورة قاسية جدا وباستخدام سياسة بوليسية حسبما سمعت بعد خروجي من السجن. وكانت ازاحته بحجة انه كان يساريا متطرفا. لا استطيع ابداء رايي في هذا الخصوص فقد كان من المحتمل جدا ان يصبح حميد عثمان يساريا متطرفا. ولم اطلع على ادبيات الحزب لفترة قيادته للحزب في تلك الفترة لكي احكم عليها. فقد كان حميد عثمان كما قلت سابقا جاهلا للنظرية الماركسية وهذا قد يؤدي بالانسان الى الاتجاه الى اليسار او الى اليمين بدون ان يشعر وقد اطلق لينين على التطرف اليساري "مرض الطفولة في الشيوعية". ولكن ظروف الحركة الشيوعية العالمية انذاك، اي بعد وفاة ستالين، كانت تسير نحو اليمين بتشجيع من القيادة الخروشوفية حتى قبل المؤتمر العشرين، وقد ظهر ذلك واضحا في العديد من الاحزاب الشيوعية. وقد يكون سبب اتهام حميد عثمان بالتطرف اليساري ميل قيادة الحزب الى اليمين كما ظهر جليا فيما سمي القضاء على الانتهازية بضم المنظمات الانتهازية الى الحزب وفي الكونفرنس الثاني بعد المؤتمر العشرين. ان الحكم على ذلك يتطلب دراسة مفصلة لا استطيع القيام بها لعدم توفر الادبيات والمعلومات الكافية لتحقيق ذلك ولكني لا اؤيد الوسيلة البوليسية المهينة التي استخدمت في ابعاد حميد عثمان وطرده من الحزب. فحتى لو انه حقا كان متطرفا يساريا كان بالامكان ابقاؤه في الحزب وازاحته من القيادة وتثقيفه بحيث يبقى من الكوادر المهمة في الحزب. 
ان الحديث عن اليسارية المتطرفة واليمينية شيء مرتبط بسير الاحزاب الشيوعية ولا يمكن اعطاء قاعدة عامة عنه. ففي عرف الاممية الثانية كان لينين متطرفا يساريا وحتى في عرف بعض قادة الحزب البلشفي كان لينين متطرفا يساريا ويذكر في هذا الخصوص موقف زينوفييف وكامينيف من قرار اعلان ثورة اكتوبر. انهما اعتبرا الثورة تطرفا يساريا ولذلك كشفا عن موعد الثورة مما كان سيؤدي الى تنبيه الحكومة البرجوازية لمقاومتها. وعند انشطار منظمتنا في نقرة السلمان كان جماعة حميد عثمان يعتبرون جماعة سالم عبيد النعمان يمينيين ومنهم نشات راية الشغيلة في سجن بغداد بقيادة جمال الحيدري وعزيز محمد. وفي المقابل كان جماعة سالم عبيد النعمان يعتبرون جماعة حميد عثمان يساريين متطرفين. والمقياس الحقيقي للتطرف اليميني او اليساري تمييزا عن الخط الصحيح هو تطبيق الماركسية تطبيقا صحيحا في كل مرحلة من مراحل النضال. فقد يكون شعار او موقف ما اليوم يمينيا ويصبح غدا يساريا والعكس بالعكس.
لا اعلم شيئا عن مصير حميد عثمان بعد طرده من الحزب بهذه الصورة.
* http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=66327&nm=1
(يتبع)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن