الإرهاب اليهودي -الصهيوني و قيام دولة إسرائيل -3

محمود الصباغ

2019 / 10 / 5

الفصل الثالث : إرغون تسفائي لئومي
[ المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل :הארגון הצבאי הלאומי בארץ ישראל, ويقال لها اختصاراً الإرغون أو إتسل ארגון].
كنت قد أشرت في مكان سابق من هذا البحث إلى إنشاء الحزب التصحيحي، كما أشرت أيضاً لجزء من سلوك عناصر الإرغون ضد السلطات البريطانية.
ساهم فلاديمير جابوتنسكي رفقة يوسف ترومبلدور بدور فعال في إقناع الحكومة البريطانية من أجل العمل على تكوين فيلق يهودي أثناء الحرب العالمية الأولى, وقاما معاً بتشكيل اثنتين من الكتائب اليهودية الأربعة التي ضمها الفيلق (باقي الكتيبتين عمل كل من دافيد بن غوريون واسحق بن تسفي على بنائهما(1) ). سجنت السلطات البريطانية جابوتنسكي بعد الحرب انتهاء الحرب لضلوعه في تنظيم ما يعرف بالدفاع اليهودي عن المدينة القديمة خلال أعمال الشغب التي قام بها العرب سنة 1920. ولم يطلق سراحه إلا بعد الضغط على حكومة الانتداب من قبل الييشوف (2). انتخب جابوتنسكي في العام 1921 عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية, ولكن الحال لم يستمر طويلاً, فقد أصدرت الحكومة البريطانية ف العام 1922 كتاباً أبيضاً اقترحت فيه تقسيم فلسطين وإنشاء دولة جديدة غرب الأردن(3) , الأمر الذي لم يرق لجابوتنسكي , لاسيما أنه يتعارض مع أحلامه بخصوص الدولة اليهودية داخل "فلسطين التاريخية" بما في ذلك شرق الأردن و أي انحراف [ مهما صغر] عن فهمه هذا يعد خيانة للقضية الصهيونية(4), فاستقال من اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية إثر قبولها بالكتاب الأبيض, وعمل على تشكيل تكتل سياسي جديد دعاه الاتحاد العالمي للصهيونيين التصحيحين, كما أنشأ مجموعة شبابية باسم "بيتار" בית"ר تخليداً لذكرى يوسف ترومبلدور [ بالعبرية ברית יוסף תרומפלדור بمعنى عهد أو ميثاق يوسف ترومبلدور] الذي كان قد "استشهد" دفاعاً عن مستوطنة تل حاي عقب أعمال الشغب سنة 1920, وفي نهاية المطاف انسحب جابوتنسكي و أتباعه سنة 1935 من منظمة الصهيونية العالمية إثر رفض هذه الأخيرة تبني قيام دولة يهودية كأحد أهدافها, وقام على إثرها بتشكيل منظمة صهيونية جديدة(5). وعلى مدار سنوات ثلاثينيات القرن الماضي التي شهدت اضطرابات عدة في فلسطين دعا التصحيحيون إلى تبني موقف أكثر تشدداً من مواقف الهاغاناه ضد السلطات البريطانية. و تمثلت أهدافهم في نقطتين: الانتقام من الإرهاب العربي, حثّ السلطات البريطانية على فتح الأبواب لزيادة الهجرة اليهودية من شرق أوروبا و ألمانيا الهتلرية(6).
كان جابوتنسكي على خلاف مع حاييم وايزمان زعيم منظمة الصهيونية العالمية بخصوص الهجرة, ففي الوقت الذي كان يرى فيه وايزمان يرى بوجوب أن تكون الهجرة عملية مدبرة و مدروسة وذات تخطيط, فقد نظر إليها جابوتنسكي باعتبارها مفتاح تحويل فلسطين إلى دولة يهودية(7). وكتب جابوتنسكي (استنادا إلى حياته المبكرة في الإمبراطورية الروسية) : " إنما سمات التشتت و النفي גָּלוּת هي أسوء ما يمكنه أن يعرفه الشخص من الرعب, أما هو أكثر قتامة فهو إرث استرخاص الدم اليهودي, الدم المستباح הדם המותר الذي يطالب أحد بدفع ثمنه, ولوضع حد لكل هذا أن يراق في فلسطين (8). و في العام 1937 قامت مجموعة من شباب حركة بيتار بقيادة دافيد رازيل بتشكيل المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل التي عرفت اختصاراً باسم الإرغون, وأشار[ صموئيل] كاتز بأن تاريخ تشكيل الإرغون يعود لما قبل 1937 مع تشكيل "هاغاناه ب" הגנה ב , و" ب" يرمز إلى الحرف الأول من اسم " بيتار", كان نصف أعضاء الإرغون يعود لأصول شرقية حيث شكل يهود اليمن و السفارديم المصدر لرئيسي لمجندي الإرغون أما القيادة فكانت في الغالب من" الشباب المثقف المنتمي للإرث الثوري البولوني"(9). و يظهر [كريستوفر] سايكس سخرية أكثر في تقويمه لجابوتنسكي من معظم المؤلفين الآخرين الذين كتبوا عنه فيقول بأن جابوتنسكي عبر بصورة صريحة عن عدم "التعاون بينه و بين العرب حتى يصبح اليهود أسياداً فعليين في فلسطين, وكان يضغط لتشكيل الفيلق اليهودي لغزو الأرض الموعودة"(10). غير أن مناحيم بيغين رأى الأمر من زاوية مختلفة, فقد اعتبر قائد الإرغون أن منظمة الدفاع العبرية وضعت حداً للهجمات العربية أحادية الجانب, مثل تلك التي وقعت في الأعوام 1920 في القدس و 1921 في يافا , وتمرد 1929 و"الثورة العربية 1936 – 1939" (11). ومع تصاعد الأعمال الإرهابية من العرب و اليهود على حد سواء, فقدت بريطانيا السيطرة على الوضع, وجاء الكتاب الأبيض سنة 1939 ليوقف معظم الهجمات العربية على الحكومة الانتدابية في حين أوقف اندلاع الحرب العالمية الثانية العنف اليهودي ضد السلطات الانتدابية(12). وفي 16 نيسان-أبريل 1938 تعرض ثلاثة يهود إلى هجوم مسلح أثناء عودتهم من احتفالات عيد الفصح في ضواحي القدس مما أدى إلى موتهم على الفور, فقام في اليوم التالي يهوديان بإلقاء قنبلتين على مقهى عربي في يافا كرد انتقامي (13) , كما قام اثنين من اليهود التصحيحيين- بعد خمسة أيام من حادثة مقتل الرجال الثلاثة- بإطلاق النار على حافلة ركاب عربية, و تمكنت السلطات الانتدابية من إلقاء القبض عليهما لاحقاً وحكما عليهما بالإعدام, وأثنا جلسة الاستئناف قال السيد س. لاودمان من المنظمة الصهيونية الجديدة أن ما قام به الرجلين يعود للشعور بالإحباط الذي يشعران به جراء عامين من العنف العربي(14). و في ربيع العام 1938 قتل العرب خمسة من اليهود وهم نيام (لم يحدد كاتز مكان الحادث أثناء سرده للحادثة) كما قتل سبعة أشخاص بهجوم على مستوطنة , و قتل تسعة آخرون في هجوم على حافلة ركاب. فانتشرت عمليات إطلاق نار متفرقة و طعن و تفجيرات و حرائق, وكانت الإرغون تزعم أنها جميعها عمليات انتقام عينية(15). ويتضح إحباط اليهود بسبب الزعم بعدم الحماية البريطانية[ لمجتمع الييشوف] من خلال تعليق يهودي [ ساخر] تم التعبير عنه بعد الهجوم العربي ليلاً على مستوطنة روش بينا [على أراضي قرية الجاعونة]: "سوف تصل قوة بريطانية إلى مسرح الحدث إثر كل هجوم . في بعض الأحيان يصلون في الوقت المناسب للمشاركة في العمل على طرد المهاجمين, كانوا يصلون دائما في الوقت المناسب لمنع أي مطاردة [للمهاجمين]"( 16). و سرعان ما حولت الإرغون هجماتها ضد الأهداف البريطانية بعد صدور الكتاب الأبيض سنة 1939. أثبت صدور الكتاب الأبيض وما تلاه من قيود على اليهود نجاعة الإرهاب و العنف الذي كان يمارسه العرب. و في يوم الإعلان الرسمي عن الكتاب الأبيض ( 17 أيار-مايو 1939) هاجمت الإرغون مقر الإذاعة الفلسطينية (17). وكان لاندلاع الحرب العالمية الثانية و مقتل اثنين من الشخصيات المحورية في الإرغون سبباً في توقف عنف عصابة إتسل حتى العام 1944.
توفي فلاديمير جابوتنسكي الزعيم الروحي للإرغون و للحزب التصحيحي في آب- أغسطس 1940 في الولايات المتحدة. وفي تشرين أول- أكتوبر 1941 حلت مأساة أكبر على الإرغون فقد أطلقت القوات البريطانية سراح دافيد رازيل ( كان "معتقلاً" لتورطه في أعمال عنف قديمة)، واشترطت عليه السلطات البريطانية مقابل ذلك القيام بعملية عسكرية لصالح الجيش البريطاني في العراق المؤيد للنازية, فطلب منه تفجير حقول النفط لمنع الألمان من الاستفادة منها, وأثناء ذلك بيّت رازيل النية -سراً- على اختطاف الحاج أمين الحسيني مفتي القدس الذي كان يعيش في بغداد والذي كان [ بزعم رازيل] وراء الثورات العربية خلال عقد الثلاثينيات. غير أن مقتل رازيل في العراق وضع حداً للعملية المفترضة و للاختطاف (18). وبموت رازيل عاشت الإرغون فترة من التخبط بسبب افتقارها للقائد القوي, فتولى يعقوب مريدور القيادة لفترة قصيرة, لكنه كان غير ملهماً ولم يتمتع بالحس القيادي الذي كان متوفراً في شخص شاب بولندي مهاجر حديثاً و قيادياً بطبعه يدعى مناحيم بيغين فتمت له السيطرة على الإرغون في العام 1942. كان بيغن رجلاُ منظماً ويتمتع برؤية ثاقبة وفلسفة مكّنته من إعادة هيكلة كاملة للإرغون في الوقت المناسب، فقام بقطع علاقته بحزب التصحيحيين و أعلن أن على الإرغون أن تكون حزباً سياسياً(19). ظهرت ثمار إعادة بناء التنظيم بوضوح عندما رفضت الحكومة البريطانية برنامج بلتيمور مما " أجبر" الإرغون على التخلي عن هدنة الحرب مع البريطانيين. و قام بيغن بتنظيم الإرغون في أربعة أقسام(20):
أ) جيش الثورة، ويتألف من وحدات التدريب الاحتياطية.
ب) وحدات الصدمة، لم تتكون أبدًا وكان المقصود منها أن تكون منظمة سرية تعمل داخل المناطق العربية .
ج) قوة الهجوم: المقاتلون الفعليون
د) قوة الدعاية الثورية، وتتابع عن كثب أعمال جيش الثورة لشرح الأساس المنطقي لهجمات الجيش .
لاحظ بيغن ضرورة تواجد قوة الدعاية الثورية لأن الثورة الصهيونية [ بزعمه] كانت في أحد جوانبها معركة كسب عقول الناس بقدر ما هي معركة كسب الأرض. وكانت النشرات و الملصقات و الكتيبات اليدوية تعد الوسيلة الأساسية لنشر مقولات الإرغون بسبب السيطرة البريطانية على الصحافة. وجدت قوة الدعاية الثورية أن أفضل تكتيك في حملاتها هو الحقيقة حتى لو كانت محرجة (21). فبعد هجوم كبير استهدف مستودعاً للجيش لم يسفر سوى الاستيلاء على 14 بندقية، قامت الأرغون بنشر قصة مربكة عن العملية لتجد ازدياد ثقة الجمهور بتصرفاتها و مواقفها (22). و يزعم بيغن أن البريطانيين صدقوا بأن لدى الإرغون آلاف من الإرهابيين المحترفين. بينما واقع الأمر يشير إلى حوالي أقل من 20 إرهابياً متفرغاً ولا يزيدوا عن 40 عنصراً في أحسن الأحوال. وبالإضافة إلى قلة عدد الإرهابيين المتفرغين، كان عدد الموالين يتراوح بين عدة مئات إلى حوالي 3000 شخص يمكن اللجوء لهم و الاستفادة منهم عند الضرورة، للحصول على مساعدة فعالة من وقت لآخر(23). وتسيطر القيادة العليا على جميع أنشطة الأرغون. و عندما لا تتوفر صيغة الإجماع كان يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية. وتألفت القيادة العليا للأرغون من مناحيم بيغن، يعقوب مريدور، أرييه بن إليعيزر ، إلياهو لانكين، شلومو ليفي وصموئيل كاتز(24). وكان بيغن قد وضع استراتيجية عمل للإرغون تستند على ثلاثة عوامل(25):
أ. دراسة أساليب الحكم التي تستخدمها بريطانيا العظمى في المناطق الاستعمارية الأخرى.
ب. دراسة الوضع الدولي الراهن .
ج. تفحص موقف وحالة بريطانيا العظمى عند نهاية الحرب العالمية الثانية.
و من خلال هذه التقصيات وضع بيغن فلسفته لطبيعة أسلوب الحكم البريطاني الذي كان يعتمد على المكانة و السمعة وليس على القوة. وبالتالي، فإن تدمير هذه المكانة سوف يؤدي إلى زوال الحكم البريطاني(26).
"إن ميزة العمل السري الذي تفشل كل محاولات قمعه أو سحقه أو إضعافه أو إعدام عناصره أو طردهم لابد أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض هيبة النظام الاستعماري الذي يقتات على أسطورة قدرته الكلية. وأي هجوم يفشل في عدم فقدان هذه الهيبة يعد ضربة له و لهدفه وموقفه" (27). بمثل هذا الطرح بالإضافة إلى وجهة بيغن بخصوص" عقدة مصعدة-مسّادة" تشكلت أسس العقيدة الإرهابية للأرغون:" لقد كنا مقتنعين بأن شعبنا ليس لديه حقاً ما يخسره [في مكافحة بريطانيا العظمى] باستثناء احتمال الإبادة "(28). وحدت عصابتي الإرغون و شتيرن جهودهما بعدما أعلنت بريطانيا رفضها لمقترحات برنامج بلتيمور. وكان الشرط الوحيد الذي وضعه بيغن على أنشطة الإرغون يتمثل في عدم مهاجمة الجيش البريطاني طالما مازال يحارب ألمانيا النازية(29), و في كانون الثاني-يناير 1944، نفذت كلتا العصابتين هجمات منسقة ضد المؤسسات المدنية البريطانية مثل دائرة الهجرة، ومكاتب جباية الضرائب, و مكاتب ومقر إدارة التحقيقات الجنائية(30). و نشرت الإرغون في أوائل العام 1944 كتيباً تم توزيعه في عموم فلسطين دعت فيه إلى التمرد ضد السلطات البريطانية." لم يعد هناك أي هدنة قائمة في أرض إسرائيل بين الشعب اليهودي والإدارة البريطانية التي تسلم إخواننا لهتلر. إن شعبنا في حالة حرب مع هذا النظام- فلنحاربه حتى النهاية"(31). وقد حاول كل من إلياهو غولومب و موشيه سنيه من قيادات الهاغاناه إقناع الإرغون بتغيير تكتيكاتهم خوفاً من انتقام السلطات البريطانية من الييشوف, لكن جهودها ذهبت سدىً. وفي خريف العام 1944 وجه زعيم الهاغاناه تهديدات بتصفية الإرغون بقوله:" سوف نتدخل و ننهيكم"(32), و في السادس من تشرين الثاني-نوفمبر 1044 اغتالت عصابة شتيرن وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط اللورد "موين", ومع نهاية العام كانت الهاغاناه قد أعلنت الحرب على عصابتي إرغون و شتيرن وألقت السلطات البريطانية القبض على 279 عنصراً ينتميان لكلتا العصابتين بمساعدة الهاغاناه وتم نفيهم إلى إريتريا(33) في سياق حملة بريطانية عرفت باسم " الموسم" تيمناً بتقاليد الصيد البريطانية(34). ورغم مشاركة منظمة الهاغاناه في حملة " الموسم" إلا أن بيغن أمر بمنع الانتقام من عناصرها(35).
ساد البلاد هدوء نسبي حتى نهاية الحرب حيث بدأت عقبها حركة المقاومة اليهودية التي تميزت بالجهود المشتركة لكل من الهاغاناه و الإرغون و شتيرن. وأصبح زمام الأمور بيد الإرغون بعد الهجوم البريطاني على الوكالة اليهودية وسجن غالبية قيادة الهاغاناه. وهاجمت الإرغون -خلال فترة حركة المقاومة- معسكر صرفند العسكري بهدف سرقة السلاح و ألقي القبض على اثنين من اليهود هما مايكل آشبعل و يوسف سمحون وعرضا على محكمة عسكرية التي حكمت عليهما بالإعدام استنادا لـ"قوانين الطوارئ"(36). اعتبرت إرغون المحاكمة غير قانونية، مدعية, دون أساس صحيح, أن المتهمين يجب أن يعاملا كأسيري وأن تطبق عليهما لوائح اتفاقية جنيف(37).. وفي ليلة 18 حزيران-يونيو ، 1946، داهمت مجموعة من عناصر الإرغون نادي الضباط البريطاني في تل أبيب وخطفت خمسة ضباط بريطانيين كرهائن بدلاً من آشبعل و سمحون(38) مما أثار غضب الهاغاناه و الوكالة اليهودية و اعتبروا أن هذا الهجوم سوف يلحق أشد الأذى بالقضية الصهيونية. وقامت الإرغون بإطلاق سراح رهينتين من الخمسة كبادرة حسن نية و إظهار أنهم لم يتعرضوا لأذى, { يشير بيغن إلى أن السبب في ذلك يعود إلى أن مكان احتجازهم لم يكن آمناً} (39). وادعت الهاغاناه مسؤوليتها عن إطلاق سراح الرهينتين, وتعهد المندوب السامي البريطاني بتخفيف الحكم الصادر ضد آشبعل و سمحون من الإعدام إلى السجن المؤبد في 12 تموز-يوليو 1946, فأطلق سراح بقية الرهائن الثلاثة. وقد سبق ذكر الهجوم البريطاني على الوكالة اليهودية في الثلاثين من حزيران-30 يونيو 1946. ووجد البريطانيون أثناء مداهماتهم تلك وثائق تثبت تورط الوكالة اليهودية وبن غوريون بأنشطة الهاغاناه الإرهابية. وكانت الأدلة الأكثر وضوحاً هي البرقيات المتداولة بين لندن وفلسطين التي تناقش مسألة القيام بـ" حادثة فردية خطيرة". و في الأول من تموز- يوليو، نشرت التايمز خبر اعتقال نحو 2000 يهودي برسم التحقيق معهم و هذا يعني أن "المرحلة الأولى من عمليات استعادة القانون والنظام في فلسطين قد اكتملت الآن تقريبا"(40). وفي الثالث من تموز-يوليو أفيد أن الجيش البريطاني يتحقق من وثائق "سرية للغاية" وجدت أثناء مداهمة مقر الوكالة اليهودية (41). وأطلقت الحكومة البريطانية يد الجيش في حرية التصرف فتمت عمليات تفتيش واسعة في المستوطنات و للأفراد بالإضافة إلى مكاتب الوكالة اليهودية(42). و قام بيغن -على وقع الأنشطة البريطانية هذه- بوضع خطة عمل بالتعاون مع الهاغاناه للقيام بعمل ما( تفجير فندق الملك داود) -الأمر الذي أنكرته الهاغاناه بعد ذلك ونفت أي دور لها في التخطيط مع الإرغون لتنفيذ هذا العمل-, ولكن التاريخ أظهر أن الهاغاناه كانت متورطة, مثلها مثل الإرغون, في تفجير فندق الملك داود الذي كان يحتضن في جناحه الأيسر المقر الرئيسي للإدارة الفلسطينية[ الانتدابية]. وكان المقر محصناً جيداً بحزام من الأسلاك الشائكة و جنود حراسة و بوابات فولاذية و وسائل دخول إلكترونية, أما بقية المبنى فكان فندقاً يستقبل نزلاء مختلفين (43). كانت خطة بيغن تقضي بتفجير مقر الحكومة في الجناح الأيسر, وفي الأول من تموز-يوليو وافقت الهاغاناه على الخطة. ويقول كورزمان أن إسرائيل جليلي من الهاغاناه حاول منع بيغن من تنفيذ خطته, غير أنه ألمح بموافقته عليها كي يمنح بعض السيطرة للهاغاناه على العملية(44). غير أن مصادر أخرى تشير إلى أن الهاغاناه كانت متورطة حتى أذنيها بالعملية, و يشير كل من أسبري و بيغن و كاتز[كل منهم بصورة منفصلة] إلى وجود سببين وراء تفجير فندق الملك داود: الانتقام من الهجوم البريطاني على الوكالة اليهودية و تدمير الوثائق السرية التي من شأنها أن الكشف عن علاقة الوكالة اليهودية و بن غوريون بالأعمال الإرهابية للهاغاناه(45). و لم يكن باستطاعة أحد القيام بهذه العملية وحشد القوات اللازمة لتنفيذ المهمة سوى الإرغون بسبب اعتقال معظم قيادات الهاغاناه و الوكالة اليهودية. وفي ذات الوقت كانت عصابة شتيرن موكلة بتفجير المكاتب الحكومية في مبنى الإخوة دافيد, وهو الهجوم الذي وافقت عليه الهاغاناه أيضاً. ولكن هجوم شتيرن فشل بسبب مشاكل في التوقيت(46).
تم التخطيط للهجوم على يد أميحاي بغلين "جيدي" قائد العمليات في الإرغون و يتسحاق ساديه ضابط العمليات التابع لمنظمة الهاغاناه (47)، ودار نقاش بين المشرفين على العملية بخصوص ما إذا كان ينبغي تحذير سكان المباني ( كان هذا أمراً هاماً بالنسبة لعمليات الإرغون, بقدر ما كان له أهمية لدى الهاغاناه لتجنب سفك الدماء كلما كان ذلك ممكناً) (48). وطلب ساديه خمسة عشر دقيقة فقط كمهلة تحذير قبل بدء العملية وذلك للتأكد من عدم قدرة البريطانيين على إنقاذ الوثائق [ المصادرة من مقر الوكالة اليهودية], بينما اقترح بغلين خمس و أربعون دقيقة لتطهير المبنى, وتم الاتفاق على ثلاثين دقيقة كحل وسط, كما تم تأجيل الهجوم مرتين بطلب من الهاغاناه (50). وفي الثاني و العشرين من تموز-يوليو وعند الظهيرة تقريباً تم سحب شاحنة حليب يعمل عليها " عرب"[ يقصد المؤلف تنكر عناصر الإرغون بزي عربي و يخفون المتفجرات في أوعية الحليب ] إلى داخل مطبخ في الطرف الغربي من الفندق. حمل “العرب" أوعية حليبهم عبر ممر الطابق السفلي إلى الجناح الشرقي .و لحظة خروج أحد الجنود البريطانيين من غرفة الراديو في الطابق السفلي أطلق عليه عناصر الإرغون النار, ولم يكن لدى البريطانيون حراس منتشرين في الطابق السفلي (51). وعند الساعة 12,37 انفجرت القنابل فقتل 91 شخصاً من البريطانيين و العرب و اليهود [ 41 عربي و 28 بريطاني و 17 يهودي, بالإضافة إلى خمسة آخرين من جنسيات مختلفة-المترجم] وأصيب 45 آخرين (52) . وكان من بين القتلى البريطانيين العميد ر. سميث دورن ، مفوض التجارة و الصناعة ؛و السيد جي تي فارلي ، السكرتير الأول ؛و السيد جي .جاكوبز ، وكيل الشؤون المالية والمساعد الإداري المستر جي .براون (53) . و تزعم إرغون أنها أرسلت تحذيراً شاملاً[ تنفي السلطات البريطانية استلامها أي تحذير, بل تؤكد قيام مجموعات من اليهود بإعاقة عمل سيارات الإسعاف و المسعفين بعد الانفجار-المترجم]. في حين يقول كميحي بعدم وجود دليل على أن الإرغون حذرت رئيس المساعدين قبل وقت كافٍ من العملية, وأن جميع تحذيرات الإجلاء الأخرى كانت في توقيت قريب من زمن الانفجار(54). و يزعم بيغن ( ويدعم أقواله عدد من مؤلفين آخرين و صحفيين) أن " القنبلة التحذيرية" تم تفجيرها خارج الفندق لإبعاد المارة عن الموقع المستهدف, وكانت قد أرسلت تحذيرات هاتفية إلى إدارة الفندق ومكتب بريد فلسطين و القنصلية العامة الفرنسية (55). و على ما يبدو كان لدى ممثلي الصحافة الوقت الكافي بعد التحذير للوصول و تصوير القنابل التحذيرية قبل تفجير الفندق (56). كما كان لدى القنصلية الفرنسية المزيد من الوقت بما يكفي لفتح النوافذ لمنع تحطمها من الانفجار(57). و قالت إرغون أن جميع المكالمات [ التحذيرية] تمت و اكتملت بحلول الساعة الثانية عشر وخمسة عشر دقيقة (58), و يزعم مكتب بريد فلسطين تلقيه اتصالاً عند الساعة 12.35(59). كما نشر المكتب جدول التوقيت" الرسمي" للحادث كما أعلنته حكومة فلسطين: الساعة 12.10 دخول عناصر إرغون للفندق, 12.20 خروجهم من الفندق, 12.25 انفجار تحذيري خارج الفندق, 12.37 , انفجار الجناح الشرقي للفندق(60). و للإجابة على سؤال ، "لماذا لم يتم إخلاء الفندق؟", نقلت الهاغاناه عن السكرتير الأول للإدارة البريطانية قوله: " أنا من يعطي الأوامر هنا، أنا لا أتلقى أوامري من اليهود" ثم أصر على عدم مغادرة أحد من المبنى (61 ). و لدى كل من كاتز و ليتفينوف تفسيراً أكثر قبولا في تقويمهم للحادث يرى بأن البريطانيين ببساطة لم يأخذوا تحذيرات الإرغون على محمل الجد. (62). "لقد كانت إرغون تعتزم أن يؤمن العمل لها دعاية مذهلة وليس جريمة قتل جماعية، ولكن تحذيراتهم العادية أدت بالسلطات الرسمية إلى تجاهلها باعتبارها خدعة يهودية. "(63) . وكان لوقع انفجار فندق الملك داود على الييشوف و الوكالة اليهودية هائلاً وموضع سخط عظيم . حتى أن الهاغاناه استنكرته, كان للضجيج الذي أحدثه الانفجار انتعاشاً في بعض المواقف الأخرى[ المعادية لليهود], كما ينقل كيمحي عن رسالة أرسلها الجنرال إيفلين باركر إلى جميع قوات الجيش و الشرطة :
"1. لا يمكن إعفاء الجالية اليهودية في فلسطين من المسؤولية عن السلسلة الطويلة من الاعتداءات التي بلغت ذروتها في تفجير جزء كبير من المكاتب الحكومية في فندق الملك داود مما تسبب بخسائر فادحة في الأرواح. و من الواضح أنه بدون دعم , سواء فعلي أم خفي, من الجمهور اليهودي العام ،لم يكن لتلك العصابات الإرهابية أن تمكن من القيام بأعمالها الإجرامية, هذا الدعم سوف يتم الكشف عنه قريباً وحينئذ فإن يهود هذا البلد سيثبت أنهم متواطئون و سوف يتحملون جزء من الذنب.
2. أنا واثق من أنهم سينالون عقابهم وسوف يدركون حجم الكراهية و الازدراء الذي نكنه لسلوكهم هذا, لا ينبغي ألا نسمح لأنفسنا بأن ننخدع بالتعاطف المنافق الذي أبداه قادتهم وهيئاتهم التمثيلية أو باحتجاجهم بعد مسؤوليتهم عن هذه الأفعال لأنهم غير قادرين على السيطرة على أولئك الإرهابيين , ودعوني أكرر هنا , إذا كان الجمهور اليهودي يريد حقاُ وقف مثل هذه الجرائم فالطريق الوحيد لذلك هو التعاون معنا بفعالية.
3. وبناء على ذلك, قررت أنه اعتباراً من وقت استلامكم هذه الرسالة سيتم وضع قيدوداُ على جميع الأماكن الترفيهية اليهودية والمقاهي والمطاعم و المحلات التجارية والمساكن الخاصة. لا يجب أن يجتمع أو يتصل أي جندي بريطاني بشخص يهودي و إن حدث ذلك فينبغي أن يكون مختصراً قد الإمكان. وبقاء كافة الأعمال تحت المراقبة و في متناول اليد.
4. أقدر أن هذه التدابير سوف تلحق بعض المشقة بالقوات, لكنني متأكد سوف تفهم تلك القوات معناها و قوتها و أهميتها لو شرح لهم أسبابي الموجبة لمثل هذه الإجراءات وسيعاقبون اليهود بأسلوب يجعل هؤلاء يكرهونها أكثر من أي شيء آخر عبر إظهار ازدراءنا لهم و توجيه الصفعات لهم.
التوقع: الجنرال إ. ه. باركر
القيادة العامة للقوات العسكرية
فلسطين 64.
سري
لم تساعد هذه النغمة المعادية لليهود التي تضمنتها الرسالة كثيراُ الحملة البريطانية لمكافحة الإرهاب , بل أنها في الواقع أضافت إلى الإرغون الأساس المنطقي للهجوم. تعرضت الحملة البريطانية لأضرار فادحة لأن الإرغون استطاعت اعتراض الرسالة و نشر نسخ منها في القدس و حيفا و تل أبيب ( 65) .وأعلنت السلطات الانتدابية عن مكافأة بقيمة 2000 جنيه لرأس [ مناحيم] بيغن (66) . وتم اعتقال 376 يهودياً للاشتباه بعلاقتهم في تفجير فندق الملك داود. و أعرب كليمنت آتلي في 24 تموز-يوليو عن عزم " السلطات في فلسطين الحصول على أي تفويض تحتاجه لمنع هجمات الإرهابيين" وبأن " ثبوت الأدلة بأن الإرهابيين قدموا من شرق أوروبا فهذا سبب أكثر من كافٍ لعدم السماح لـ 100،000 مهاجر بالدخول إلى فلسطين " (67). و في أوائل آب- أغسطس، ظهرت مجموعة حالات جدل على صفحات جريدة التايمز. ناقش فيها عضو البرلمان السيد موريسون الوضع في فسطين بقوله: " رفض السكان اليهود التعاون مع قوى القانون و النظام كان أكبر عقبة أمام نجاح السلطات في مثل هذه العمليات" ( 68) . وقام السيد موريسون بفصل الحكومة عن خطاب الجنرال باركر على صعيد الاصطلاحات و لكن ليس على صعيد المعنى. و هاجم الوكالة اليهودية لعدم تعاونها مع سلطات الحكومة الانتدابية عندما يكون مثل هذا التعاون" واجب منصوص عليه صراحة بضرورة التزامهم به وفقاً لصك الانتداب" ( 69). وردت الوكالة اليهودية أن بريطانيا لا يمكنها أن تطلب من الييشوف دعم الانتداب في الوقت الذي لم تقم فيه الحكومة البريطانية بدعم مجتمع الييشوف (70) . تواصل العنف في العام 1946. فتم قطع أنابيب النفط وتفجير قطارات الإمداد و التموين، وإزالة خطوط السكك الحديدية، ومهاجمة القواعد العسكرية، كما تعرضت البنوك لعمليات السطو و السرقة و نصبت الكمائن للجنود، وزرعت الألغام في الطرق. و في 31 تشرين أول- أكتوبر أعلنت إرغون مسؤوليتها(71) عن إلقاء قنبلتين انفجرتا في السفارة البريطانية في روما أدى إلى وقوع أضرار طفيفة وإصابات بشرية خفيفة (72).
و في كانون أول- ديسمبر1946, وقعت سلسلة من الحوادث كانت كافية لإقناع الييشوف أن العنف حقق مكاسب أكثر مما يمكن الحصول عليه بالتفاوض, فقد تم الحكم على اثنين من رجال الإرغون ( كاتز و كيمحي) بالسجن 15 عاماً بتهمة حمل السلاح، بالإضافة إلى 18 جلدة لكل منهما. و يتساءل [ مناحيم] بيغن بعد مباشرة 7 جلدات بالسوط " هل بات اضطهادنا الآن يتمثل من خلال جلدنا بالسوط في وطننا ؟(73) " . تم نشر تحذير إلى البريطانيين: " منذ قرون عدة و أنتم تجلدون بالسوط السكان الأصليين في مستعمراتكم- دون انتقام. في تقويمكم الغبي الذي تعتبرون فيه اليهود في أرض إسرائيل أيضاُ مثل السكان الأصليين [ لمستعمراتكم] . أنتم مخطئون . فصهيون ليس منفى و اليهود ليس زولو[ الإشارة لقبائل الزولو, أحد مجموعات السكان الأصليين في جنوب أفريقيا-المترجم] . لن تجلدوا اليهود في وطنهم. وإذا ما قامت السلطات البريطانية بذلك فسوف يتم في المقابل جلد الجنود البريطانيين علناً "(74).[ ورغم هذا التحذير] قامت السلطات البريطانية في 27 كانون أول- ديسمبر بجلد كيمحي 18 جلدة. و في اليوم التالي تعرض للجلد العلني كنوع من الانتقام كل من الرائد البريطاني، بادي بريت، وثلاث ضباط صف، رقيب الأركان تيرينس جيلام، و إ. رايت، و غوردون فينتهام (75). وبعد هذه الحادثة بأسبوع ألغت السلطات البريطانية عقوبة الجلد, وهذا ما كانت تطلب به الوكالة اليهودية عبر احتجاجات عديدة لمدة تزيد عن ربع قرن دون جدوى. و لكن بريطانيا لم توقفه إلا بعد قيام الإرغون بجلد البريطانيين بالسوط انتقاماُ لجلد اليهود (76) . الرسالة كانت واضحة إذن. العنف يحقق مكاسب أكثر و يدفّع الثمن للطرف الآخر(77) . ومع اقتراب العام 1946 من نهايته، قتل نحو 373 شخصاً على يد عصابتي الإرغون و شتيرن في سياق حملاتهم ضد العرب والبريطانيين على حد سواء (78) . غير أن العام التالي لم يكن أفضل من سابقه حينما نشرت صحيفة التايمز تحذيراً من الإرغون يشير إلى أن "القاعدة العسكرية البريطانية التي يجري بناؤها حالياً في فلسطين سوف تتعرض للهجوم من قبل جنودنا و سوف تكون المركبات العسكرية عرضة للهجوم أيضاُ "(79). و أقرت الصحيفة بأن جميع تهديدات الإرغون قد نفذت. و أشارت المقالة ذاتها أن عنصر الإرغون دوف غرونر حكم عليه بالإعدام لدوره في الهجوم على مستودع شرطة رامات غان في نيسان- أبريل 1946. وفي جلسة النطق بالحكم، هاجم غرونر البريطانيون لفشلهم في أداء دورهم وفق صك الانتداب " لم يتبق لكم شيء إذن من الأساس القانوني لحكمكم والذي بات يعتمد الآن على مبدأ واحد فقط: القوة الغاشمة. " (80).
لم يقتنع مجتمع الييشوف في الحكم الصادر ضد غرونر , غير أن ردة فعل الإرغون كانت أكثر وضوحا. وتقول صحيفة التايمز أن اليهود كانوا يستخدمون قاذفات لهب محلية الصنع في هجماتهم الإرهابية. (81.) و في الثاني عشر من نيسان -أبريل فجرت الإرغون مركز شرطة حيفا. وامتلأت المنشآت البريطانية في عموم إيطاليا بالبروباغاندة المضادة و القنابل التحذيرية والقنابل الكرتونية المزيفة(82) . في 26 كانون ثاني- يناير 1947 ، اختطف القاضي ويندهام من منزله في القدس كرهينة مقابل دوف غرونر. و لم يتم إطلاق سراحه إلا بعد الإعلان عن وقف تنفيذ الحكم ضد غرونر بعد يومين من خطف القاضي ويندهام (83) . وفي 14 شباط-فبراير 1947، أخبر وزير الخارجية بيفن القادة العرب بأن حكومة الانتداب سوف تقوم بتقديم طلب إلى الأمم المتحدة من أجل "تقديم المشورة بشأن إدارة البلاد " ( 84). و جاء البيان بعد رفض العرب واليهود قبول خطة بيفن لفلسطين بتقسيمها إلى كانتونات عربية و يهودية بإدارة بريطانية (85)
وكان البريطانيون قد هددوا بتطبيق الأحكام العرفية لمنع الهجمات الإرهابية. و في 1 آذار-مارس. ردت الإرغون على التهديدات بمهاجمة المعسكرات البريطانية و المركبات العسكرية في عموم فلسطين، وفي لفتة عنف مذهلة تم تفجير نادي الضباط الخاص بالجنود البريطانيين في مبنى غولدشميت في القدس مما تسبب في خسائر فادحة في المبنى, وإصابة حوالي ثمانين شخصاُ (86). و ذكرت الصنداي إكسبرس البريطانية، تحت عنوان " السيطرة أو الرحيل ": "يجب على البريطانيين الخروج من فلسطين والبقاء بعيداً عما يجري فيها. لا يمكن لبريطانيا أن ترد الإرهاب بإرهاب مضاد مثلما تفعل ألمانيا النازية... " (87). وفي اليوم التالي لهجمات الإرغون، أعلنت بريطانيا الأحكام العرفية في القدس، وتل أبيب، ورامات غان و بتاح تكفا في إطار خطة أطلق عليها اسم "عملية فرس النهر"، و تسبب فرض الأحكام العرفية التضييق على حوالي 250،000 يهودي حوصروا في منازلهم باستثناء ثلاث ساعات يومياً ما بين العاشرة صباحا و الواحدة ظهرا, وهي الفترة التي كان يسمح فيها للمحلات أن تفتح أبوابها؛ و تم كذلك تعليق الخدمات البريدية والاتصالات الهاتفية؛ واستبدلت المحاكم المدنية بأخرى عسكرية؛ كما تم حظر حركة المرور المواصلات العامة, وحظر
التجمعات التي تزيد عن ستة أشخاص(88). بعد إطلاق عملية فرس النهر بيومين طلب آرثر كريش جونز وزير المستعمرات تشكيل لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة للإسراع في النظر في الانتداب ( 89) . في نفس اليوم في فلسطين حظر مكميلان القائد العام للقوات البريطانية استعمال كلمة " إرهاب" لأنها كانت جذابة للغاية و من شأنها أن تعلي من مكانة الإرغون و شتيرن و ترفعهما إلى مكانة خاصة وهم في الواقع لسوا سوى "قتلة ومجرمين وبلطجية". (90) . غير أن فرض الأحكام العرفية لم يوقف الهجمات: فلم تتوقف عمليات السيارات المفخخة و لا تفجير الأبنية, كما تعرض مبنى شنلّر في القدس، في قلب منطقة الأحكام العرفية، لهجوم من عناصر الإرغون (91). وتحت تأثير الضغط المتكرر من الإرغون و شتيرن، رفعت الأحكام العرفية في 16 آذار-مارس 1947. (92). و أثارت صحيفة التايمز اللندنية حالة الأحكام العرفية في فلسطين بأنها أثبتت "عدم فائدتها كسلاح ضد الإرهاب, بل تسبب المزيد من الاختناق للحياة الاقتصادية في البلاد(93) ", وقامت بريطانيا بتقديم طلب للأمم المتحدة لنقل الجلسة الخاصة بفلسطين من أيلول- سبتمبر 1947 إلى 28 نيسان-أبريل 1947.
في اليوم الأخير من شهر آذار-مارس، تسببت انفجارات وقعت في مصفاة شل للنفط بخسائر بلغت نحو 250،000 جنيه إسترليني . أخبر البريطانيون الييشوف بأن عليهم تحمل تكلفة بهدف حثّهم على التعاون في مكافحة الإرهابيين. (94)
وفي السادس من نيسان-أبريل تم نقل كل من دوف غرونر، ودوف روزنباوم ومردخاي ألكوسكي وإليعيزر كاشاني إلى سجن عكا وإعدامهم, وتمت عملية النقل في ظل حظر تجول لمدة 24 ساعة (ينتمي كل من كاشاني وألكوسكي و روزنباوم إلى عصابة شتيرن) تمت العملية بمنتهى السرية إلى درجة أنه لم يحظ أي منهم بطقوس التلقين الأخيرة التي تجرى عادة بحضور الحاخام (95) . وكانت الإرغون قد حذرت من أن "إعدام أسرى الحرب يعد قتلاً متعمداً. و نحن نحذر النظام الدموي البريطاني بالتراجع عن ارتكاب مثل هذه الجريمة.( 96). كما ناشد اثنين من كبار الحاخامات الإرغون بعدم الانتقام لإعدام غرونر (97) . لكن الانتقام لم يكن ممكناّ ولم يكن بالإمكان العثور على عناصر من الجيش البريطاني للانتقام منهم، فقد كانوا جميعهم قابعين أسرى قواعدهم.( 98) . في 23 نيسان-أبريل 1947، حذرت الإرغون السلطات البريطانية من أن إعدام غرونر "حرر الإرغون من مراعاة" قواعد الحرب وفي المستقبل. . . [هم] . . . سيحاول تنفيذ حكم الإعدام على الفور ...على أي سجين أو سجناء يقعون في أيديهم.( 99) " و في الرابع من أيار- مايو، هاجمت الإرغون بقيادة دوف كوهين قلعة عكا " المنيعة". و بمساعدة بعض المتفجرات المهربة إلى النزلاء، تم اختراق السجن و تمكن 41 عنصر من الإرغون و شتيرن من الهرب ومعهم 244 مجرماً عربياً. وعلقت هآرتس في اليوم التالي: " استقبل الهجوم على سجن عكا هنا كأنه ضربة جديّة للهيبة البريطانية بعد تنفيذ حكم الإعدام و عشية جلسة الأمم المتحدة التي أظهرت عزم بريطانيا السيطرة على الوضع.(100) ". و تم القبض على خمسة عناصر من الإرغون خلال الهجوم, فحكم على ثلاثة منهم بالإعدام هم : أفشالوم هفيف، مئير ناكار وياكوف فايس( 101) , وفي الساعة الواحدة من فجر يوم الثاني عشر من تموز -يوليو اختطفت الإرغون الرقيبين ميرفن بايس و كليفورد مارتن من مقهى في مدينة نتانيا على الرغم من الأحكام العرفية، وحظر التجول المفروض لمدة 24 ساعة، وفشلت القوات البريطانية في العثور على الجنديين المخطوفين على الرغم من فرض طوق محكم حول نتانيا و مساعدة عناصر من الهاغاناه في عملية البحث ( 102) . وأعلن بيغن نية الإرغون إعدام البريطانيين المخطوفين في حال قيام السلطات البريطانية بإعدام الموقوفين الثلاثة (103) . لكن السلطات البريطانية نفذت الإعدام فيهم في التاسع و العشرين من الشهر, وفي اليوم التالي قام بغلين" جدعون"(وهو من خطط لعملية فندق الملك داود و الهجوم على قلعة عكا) بإعدام الجنديين البريطانيين( 104). ثم قام بنقل الجثتين إلى بيارة برتقال, وأعاد عملية شنقهم ثم قام بتفخيخ المنطقة بالألغام( كانت الإرغون قد حذرت الهاغاناه من الاقتراب من الجثث لأنهما ملغمتين بسبب قيام الهاغاناه بمساعدة السلطات البريطانية في البحث عن عناصرها , فقامت الهاغاناه بتحذير البريطانيين من وجود الألغام مما لم يتسبب بمزيد من الخسائر الإضافية) (105). وفي الحادي و الثلاثين من أيار-مايو أعلن بيغن عن تنفيذ حكم الإعدام بالجنديين, وقد أرفق مع الجنديين ملاحظات من الإرغون, تشير إلى أنه تمت محاكمتهما بعد التثبت من ضلوعهما في" أنشطة معادية للعبرانيين" تتضمن(106):
"1. الدخول غير المشروع إلى الوطن اليهودي ؛
2. انتمائهما إلى منظمة إرهابية إجرامية بريطانية معروفة باسم جيش الاحتلال، وهي المسؤولة عن التعذيب والقتل والترحيل، وحرمان الشعب اليهودي من الحق في العيش ؛
3. الحيازة غير المشروعة للأسلحة ؛
4. التجسس ضد اليهود في ملابس مدنية، [كانوا أعضاء من الأمن الميداني] ؛
5. العداء المتعمد ضد الحركة السرية. "
وتتابع ملاحظات إرغون القول أن عمليات الإعدام كانت عمل قضائي و ليس فعل انتقامي. (ومع ذلك، لم يستشر أي من المصادر في هذه الورقة بما في ذلك كاتز وبيغن مما يدل على أن الإعدام لم يكن سوى عمل انتقامي) ويستنتج كاتز بأن الأعمال الانتقامية كانت فعالة لأنه لم تحدث عمليات إعدام أخرى في فلسطين وأن البريطانيين أعلنوا إنهاء الانتداب بعد ثمانية أسابيع فقط (107) . و في محاضرة للجمعية الملكية الإمبراطورية قال العقيد آرتشر -كوست، السكرتير السابق للحكومة البريطانية في فلسطين" شنق أولئك الجنديين البريطانيين عجّل أكثر من أي عمل غيره من رحيلنا [ عن فلسطين ]. "(108)
يشير شهر آب- أغسطس 1947 إلى استمرار الهجمات ضد المواقع البريطانية في فلسطين. ففي الرابع منه تعرض فرع بنك باركليز للسطو و سرقة 1000 جنيه من خزينته على يد "ثمانية يهود يمنيين" (109). وقامت القوات البريطانية بإلقاء القبض على إسرائيل روكاح رئيس بلدية تل أبيب و عوفيد بن عامي رئيس بلدية نتانيا للاشتباه بتعاطفهما مع الإرهاب(110) . كما قتل, في غضون ذلك، ثلاثة من أفراد الشرطة البريطانية عندما فجر اليهود دائرة العمل التابعة لحكومة الانتداب في القدس(111). وفي العاشر من آب-أغسطس أطلق العرب النار على مقهى هاواي في تل أبيب, وفي يومي 13 و 14 انتشرت أعمال شغب تسبب بها العرب و اليهود في مدينة يافا ( قتل فيها 22 عربياً و 12 يهودياً و أصيب ثمانون من كلا الطرفين بجروح مختلفة)(112) , وانتقاما للهجوم على مقهى هاواي قامت الهاغاناه يوم 15 آب-أغسطس بهجوم أدى إلى تفجير منزل عربي مما أسفر عن مقتل 12 عربياً, بينهم أربعة أطفال, القتلى العرب كان يشتبه بضلوعهم في الهجوم على المقهى اليهودي, وادعت الهاغاناه أن المنزل كان بمثابة مركز تدريب للمقاتلين العرب, كما زعمت أنها لم تكن تعلم بوجود أطفال داخل المنزل قبل الهجوم(113). كما انتشر العنف في ذات الشهر خارج فلسطين , فقد نشرت فيينير كوريير Wiener Kurier ,إحدى الصحف التابعة للجيش الأمريكي، رسالة لمنظمة إرغون تعلن فيها مسؤوليتها عن الهجمات على قطار للقوات البريطانية في النمسا، وعلى مقر القيادة البريطانية العليا في فندق ساشر Sacher Hotel في فيينا(114).
وفي السادس و العشرين من آب-أغسطس تعرض مصرف باركليز في تل ابيب لسرقة 150000 جنيه {تم استرداد 105،000 جنيه إسترليني في اليوم ذاته} وقتل أثناء ذلك 4 رجال شرطة بريطانيين(115). و في التاسع و العشرين منه، قُتل 10 أشخاص، معظمهم من الشرطة البريطانية، عندما قام عناصر الإرغون بدحرجة برميل متفجر في شارع الملوك في مدينة حيفا. ادعت الإرغون أن الهجوم كان انتقامًا من القرار البريطاني بإبعاد 4554 لاجئًا كانوا على متن السفينة Exodus 1947 إلى قبرص وهامبورغ (116).
في اليوم الأخير من أيلول -سبتمبر 1947، قدمت لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين تقريرها بعد قيامها بإجراء مقابلات مع عشرات الأشخاص المهتمين في الولايات المتحدة وأوروبا وفلسطين والعالم العربي ، تقريرها. وأوصى ممثلو كل من بيرو و إيران و السويد و أستراليا وكندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا والهند وهولندا وأوروغواي ويوغوسلافيا على إنهاء الانتداب(117). . دعت خطة الأغلبية إلى تقسيم فلسطين إلى دولة عربية و أخرى يهودية. في حين كانت خطة الأقلية تدعو لاقتراح دولة فيدرالية بحكومتين عربية و يهودية تدير كل واحدة شؤونها وقطاعها الإقليمي في البلاد (118). و قد وافق بعد عدة أيام الدكتور آبا هلليل سيلفر باسم القسم الأمريكي في الوكالة اليهودية على خطة التقسيم الثانية(119). وكانت الإرغون قد دعت من الثامن عشر من تشرين أول-أكتوبر 1947 إلى تشكيل حكومة يهودية للسيطرة على البلاد حالما يغادر البريطانيون فلسطين(120). وتضمنت خطة مناحيم بيغن للمرحلة القادمة النقاط التسع التالية (121):
1- إنشاء حكومة يهودية مؤقتة، تقاتل من أجل إنهاء نظام الاحتلال البريطاني
2. إنشاء المجلس القومي الأعلى بوصفه برلمان الشعب للتشريع وفرض الواجبات وإصدار الأوامر.
3. نشر إعلان الاستقلال والحرية العبريين كأساس لدستور يضمن الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية لجميع السكان.
4. إنشاء المحاكم والدعوة إلى مقاطعة المحاكم البريطانية.
5. إنشاء خزانة وطنية تُدفع لها جميع الضرائب، وحظر جميع حالات الدفع للحكومة الانتدابية.
6. إنشاء جيش تحرير موحد يؤدي القسم بعدم إلقاء السلاح حتى إنشاء دولتنا المستقلة.
7. إنشاء القيادة العسكرية العليا التي يجب أن تعلن حالة التعبئة العامة و تنظيم إدارة الطوارئ للحياة اليومية للشعب و مجريات الصراع .
8. الدعوة لطلب المساعدة من الشتات" الدياسبوراDiaspora."
9. نشر نداء إلى شعوب العالم - إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وجميع الشعوب الحرة - لتقديم المساعدة للمقاتلين العبريين من أجل الحرية
كان [ مناحيم] بيغن مهتمًا بالحرب العربية اليهودية من أجل السيطرة على فلسطين. واستمر في اتهام بن غوريون والوكالة اليهودية بتجاهل تحذيراته في نشوة النجاح التي أعقبت إنجاز قيام الدولة اليهودية التي طال انتظارها(122).
صوتت الأمم المتحدة في التاسع و العشرين من تشرين الثاني-نوفمبر 1947، لصالح قرار إنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين. وتم تحديد الأول من آب-أغسطس 1948 كأقصى موعد للجلاء البريطاني عن البلاد (123). وبهذا تميز شهر كانون الأول-ديسمبر من ذات العام بتعقيدات ثلاثية الجوانب, فقد تعرضت القوافل اليهودية لهجمات من العرب, قابله رد يهودي بالهجوم على القرى العربية و بين هذا و ذاك كان على البريطانيون القيام بمحاولة حفظ بعض التوازن, وفي الثاني من كانون أول- ديسمبر قام الشباب العرب بأعمال الشغب في القدس, فنهبوا و أحرقوا بعض المحال التجارية اليهودية, وكأول دليل على "الحياد" البريطاني في آخر أيام الانتداب قامت الشرطة البريطانية بإجلاء السكان اليهود من مناطق الشغب تلك, لكنهم لم يقوموا بما يلزم لمنع مثيري الشغب من التحرك كما منعت الشرطة عناصر الهاغاناه من التدخل ضد مثيري الشغب(124) . وذكرت صحيفة التايمز أن أعمال الشغب في القدس أظهرت انهياراً واضحاً للسيطرة البريطانية حيث كان العرب يقاتلون العرب و اليهود و البريطانيين على حد سواء. و بدا الأمر -كما تشير التايمز- كما لو أن الوكالة اليهودية بدأت في إحكام سيطرتها على السلطة(125).
في 15 كانون أول-ديسمبر 1947 ،و في أعقاب الهجمات المضادة اليهودية ضد العرب، وزعت الإرغون المزيد من الكتيبات. اتهمت فيها البريطانيين "بالتخطيط لصراع دموي بين اليهود والعرب، يهدف من بين عدة أشياء إلى إعادة سيطرتهم على البلاد"( 126) , وزعمت الإرغون أن الجلاء البريطاني عن فلسطين كان يتم بطريقة تحفظ سيطرة الجيش البريطاني على المناطق اليهودية مع إخلاء المناطق العربية، وبالتالي إطلاق العنان للعرب لمهاجمة اليهود. و بهذا يكون البريطانيون هم العدو الحقيقي -حسب قول الإرغون- وسوف لن تكون القوات البريطانية في مأمن من أي هجوم من الإرغون ما لم يغادروا فلسطين (127).
وفي الثامن عشر كانون أول-ديسمبر1947،اشتكت الوكالة اليهودية من عدم حماية القوات البريطانية و رجال الشرطة لليهود إزاء هجمات العرب ضدهم. وفي اليوم ذاته أطلق اليهود النار على اثنين من الجنود البريطانيين في القدس(128) . توفي أحدهما لاحقاً متأثراً بجراحه. وبعد أربعة أيام، أطلق عناصر من الإرغون النار على مجموعة من الجنود البريطانيين في القدس أيضاً فأصيب ضابط و ضابط صف من فوج المخابرات العسكرية Life Guards رداً على حادثة الاغتصاب المزعومة لفتاة يهودية على أيدي أفراد من هذا الفوج حدثت قبل أسبوع من هجوم الإرغون (129). ولم تكن الدول العربية تخفي معارضتها لدولة يهودية في فلسطين. وكان رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا الصوت المعارض الوحيد في الدعوة العربية للحرب ضد اليهود. كان التواطؤ بين العرب والإنجليز نتيجة حتمية بالنسبة للصهاينة. وكانوا يستشهدون على ذلك بحضور العميد البريطاني كلايتون جميع اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية( 130) .
في 29 كانون الأول-ديسمبر ، أسفرت إلقاء قنبلة من سيارة أجرة عن مقتل شرطيين بريطانيين وأحد عشر عربيًا بالقرب من باب دمشق [باب العمود]في القدس. كان هذا العمل رداً على الهجوم بالقنابل على العمال اليهود وهم في طريقهم إلى أعمالهم(131), وفي ذات اليوم هاجم "مغاوير البحر" التابعين للإرغون مقهى عربي في يافا انتقاماً لهجمات مماثلة على المقاهي اليهودية في تل أبيب(132).
بدأ جيش الإنقاذ العربي،{ الذي نشأ لمنع الاستيلاء اليهودي على الأراضي العربية (من وجهة النظر العربية ) ، أو لتدمير الدولة اليهودية (من وجهة النظر الصهيونية) } التسلل إلى فلسطين في أوائل العام 1948 ، قبل الانتهاء الرسمي للانتداب (133). وكان البريطانيون قد أعلنوا عن عزمهم الجلاء بنهاية يوم 15 أيار-مايو 1948. وفي العاشر من كانون الثاني- يناير 1948 صدر توجيهاً من وزير الحرب البريطاني إيمانويل شينويل يأمر بموجبه الجنرال مكميلان قائد للقوات البريطانية في فلسطين، بتجنب العرب أو اليهود ما لم يقوموا بأعمال تؤثر على الانسحاب البريطاني(134). ابتعد البريطانيون، لكن المعركة من أجل فلسطين كانت قد بدأت للتو. وقد عبرت صحيفة التايمز عن الموقف بالعبارات التالية: "الدولة اليهودية موجودة عملياً على أرض الواقع، و التقسيم قد تحقق بالفعل بفضل إسفين الخوف والعداء الذي انغرس بين العرب واليهود، ويبدو أن العرب ملتزمون بالقوة. ولكن تطبيق صارم لقوة مستقلة وقوية بقيادة اللجنة[ اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين ] هو الأمر الوحيد الكفيل بتغيير نوايا العرب في إثارة المتاعب لليهود و قيام هؤلاء بالرد بمزيد من المتاعب."(135).
في شباط-فبراير 1948، تعرض مبنى البريد الفلسطيني للهجوم بالقنابل. كانت الشرطة البريطانية متورطة في الهجوم. وتعرض شارع بن يهودا في قلب الحي التجاري في القدس للتفجير على يد اثنين من الجنود البريطانيين المتعاونين مع العرب والفارين من الخدمة, مما أسفر عن مقتل ثلاثة وخمسون شخصاً بإضافة إلى مئات الجرحى[ وقع الانفجار يوم الثاني و العشرين من شباط-فبراير 1948 حين انفجرت ثلاث شاحنات تابعة للجيش البريطاني و سيارة مصفحة يقودها جنود عرب غير نظاميين و جنود بريطانيين فارين من الخدمة , وفي اليوم التالي للانفجار أصدرت القادة العربية العليا بياناً تبنت فيه العملية و أعلنت مسؤوليتها الكاملة عنها واعتبرت أن الهجوم انتقاماً لما قامت به عناصر من عصابة الإرغون المتطرفة بهجمات في مدينة الرملة , وجاء في البيان" ما دام اليهود لا يلتزمون بقواعد الحرب، سنواصل الهجمات العشوائية الانتقامية على نطاق أوسع." من الجدير ذكره أن منفذي العملية البريطانيين الفارين هما إيدي براون (يقال إن إرغون قتلت أخاه)، و العريف في الجيش بيتر ماديسون بأوامر مباشرة من قائد جيش الجهاد في المنطقة الشهيد عبد القادر الحسيني – المترجم]. ويزعم المؤرخ بارنيت ليتفينوف مقتل 10 جنود بريطانيين على يدي إرغون وشتيرن بهجمات انتقامية. وقامت قيادة الهاغاناه بإعطاء الأوامر لعناصرها ببدء تنفيذ هجمات ضد العرب و إطلاق النار على من يبدون مقاومة وذلك بعد فترة هدوء نسبية استمرت نحو عامين تقريباً, وبدأت المجموعات السرية الثلاثة [ هاغاناه, إرغون, شتيرن] التحضير لحرب الاستقلال الإسرائيلية. وأوقف البريطانيون الإشراف الدقيق السابق على الشؤون الصهيونية لتصدي لمشاكل الإخلاء(136).
ما حدث بعد ذلك ( أي حرب 1948 ) يقع خارج نطاق البحث هذا حيث تحول الإرهاب اليهودي إلى عمليات عسكرية، وأصبحت المنظمة الإرهابية تشكل وحدات قوات الدفاع الإسرائيلية[ بمعنى الجيش]. وفي العموم, لن يكون الفصل الخاص بالإرغون كاملاً ما لم يتم التطرق لحدث آخر إضافي, أي [ مجزرة] دير ياسين. وعبر مسار تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية لعب الهجوم على دير ياسين القريبة من القدس دوراً في إذكاء المزيد من المشاعر التي تنتج عن مثل هذا النوع من الأحداث، بما في ذلك حادثتي [مطار] عنتيبي و [عملية] ميونيخ.
في نيسان-أبريل 1948، كانت قوات الهاغانا والإرغون و عصابة شتيرن تحاول رفع الحصار عن القدس. وفي الأسبوع الأول من نيسان- أبريل، قام 1500 يهودي بمهاجمة 1400 عربي يقودهم عبد القادر الحسيني في القسطل (137). وما بين الثاني وحتى التاسع من نيسان -أبريل تبادل الطرفان السيطرة على القسطل عدة مرات، ومع نهاية اليوم التاسع من نيسان -أبريل تمكنت قوات الهاغاناه من السيطرة النهائية عليها. و اعتمادا على انحياز المؤلف وموقفه من الحدث، كان الهجوم على دير ياسين إما هجوماً منسقاً يتزامن مع هجوم الهاغانا على القسطل (138), أو خطوة من قبل الإرغون وشتيرن للحصول على حصتيهما من المجد(139) . يبدو أن أطروحة الهجوم المنسق تحتوي على المزيد من الوثائق المؤيدة و المزيد من التفاصيل من قبل العديد من المؤلفين. قررت كل من إتسل و ليحي مهاجمة دير ياسين لأنها على مقربة من القدس و من الممكن استخدامها لشن هجوم عربي على المدينة المحاصرة. ففي العام 1929 هاجم العرب المواقع اليهودية في المدينة الجديدة انطلاقا من دير ياسين كقاعدة أساسية لهم (140) . يقول كاتز إن الهجوم على القرية كان بسبب عمليات القنص المستمرة الآتية من دير ياسين باتجاه الضواحي الغربية للقدس(141). تم التخطيط للهجوم ليبدأ عند الساعة الرابعة و النصف من فجر التاسع من نيسان-أبريل. و سوف يبدأ الهجوم من ثلاث جهات بحوالي 80 عنصر من الإرغون من الشرق و الجنوب و 40 عنصر من شتيرن من جهة الشمال؛ على أن تترك الجهة الغربية كمنفذ للعرب للهروب(142) . وسوف تصاحب الهجوم شاحنة مثبت عليها ميكروفون يطلق نداءات تحذير للعرب وإبلاغهم بالممر الغربي للهروب(143) . كان مردخاي رعنان هو من يقود قوات الإرغون , بينما قوات شتيرن كان يقودها يهوشع زيتلر(144) .كانت العملية بأكملها ستكتمل في غضون ساعتين(145). ثم بدأت المتاعب حين تعطلت الشاحنة الصوتية بسبب كمين مضاد للدبابات(146) . تبين أن دير ياسين مسلحة بما فيه الكفاية. وبحلول العاشرة صباحاً، أصيب أربعون من المهاجمين، وقتل أربعة (147). وبدأت ذخيرة الإرغون بالنفاذ مما أجبر رعنان على تغيير استراتيجيته. وأمر بتفجير كل مبنى يطلق منه العرب النار(148). مما أسفر عن مقتل العديد من الرجال والنساء والأطفال من سكان القرية من جراء الانفجارات. أصيب نحو 40% من المهاجمين, وقتل حوالي 240 عربي من أصل 400 ( الأرقام العربية تشير إلى مقتل 110 من سكان القرية البالغ عددهم حوالي 1000 نسمة)(149). و تزعم منظمة إرغون أن دافيد شلتائيل قائد الهاغاناه في القدس وافق على الهجوم على دير ياسين (150),لأن الهاغاناه كانت تخطط لإنشاء مطار هناك( 151). و يعرض بيغن رسالة من شلتائيل إلى رعنان دعماً لهذا الزعم: "أعلم أنك تخطط لشن هجوم على دير ياسين. وأود أن أشير إلى أن الاستيلاء عليها والاحتفاظ بها هو خطوة واحدة في خطتنا العامة. ليس لدي أي اعتراض على قيامك بالعملية شريطة أن تكون قادراً على السيطرة على القرية. أما إذا كنت غير قادر على القيام بذلك، فأحذرك من تفجيرها مما سيؤدي إلى تهجير سكانها و سوف تجد القوات الأجنبية الفرصة سانحة لها لاحتلالها مما سيزيد من الصعوبات التي نواجهها في نضالنا العام مما سيتطلب منا اقتحام المكان تضحيات كبيرة, علاوة على أن الفشل في الهجوم ودخول القوات الأجنبية للمكان سوف يعطل خطة إنشاء مطار هناك"(152). لكن الجانب الآخر من النقاش يرى أن دير ياسين حاولت الحفاظ على علاقات جيدة مع اليهود. كما قام المزارعون اليهود بتزويد القرويين بالفواكه الطازجة، وعمل فلاحو دير ياسين كخدم في البيوت اليهودية, فضلاً أن مختار القرية رفض[ دخول] أربعين إرهابياً عربياً للبلدة (153). و يزعم شلتائيل أن الإرغون لم تحذر [سكان] دير ياسين من الهجوم وأن كلاً من إتسل وليحي هربا من دير ياسين(154). كما يزعم مقال نشر في نيويورك تايمز أن الهاغاناه لم تتدخل و تسيطر على دير ياسين إلا بعد قيام عناصر إتسل و ليحي باستعراض النساء و الأطفال العرب الذين تم أسرهم في الهجوم في القدس(155). وقامت قوات الهاغاناه بتسليم الأسرى للبريطانيين(156). ويقول شلتائيل عن اليوم التالي للهجوم" أن الجماعات المنشقة لم تشن عملية عسكرية.... كان بإمكانهم مهاجمة عصابات العدو في منطقة القدس وتخفيف العبء عن المدينة لكنهم اختاروا, بدلاً من ذلك, مهاجمة إحدى القرى الهادئة في المنطقة غير المرتبطة بأي من هجمات العصابات منذ بداية الحملة الحالية؛ مهاجمة واحدة من القرى القليلة التي لم تسمح للعصابات الأجنبية بالدخول إليها". " وعلى مدى يوم كامل قام رجال ليحي و إتسل بذبح الرجال والنساء والأطفال، ليس في سياق الهجوم، ولكن في عمل متعمد بقصد الذبح والقتل فقط"(157). وعلى الفور كتب بن غوريون إلى العاهل الأردني الملك عبد الله يتنصل فيه من مسؤولية الوكالة اليهودية عن الأعمال الإرهابية التي وقعت في دير ياسين. فأجاب عبد الله أن مسؤولية الأفعال اليهودية إنما تقع على عاتق الوكالة اليهودية (158) . ووصف ناثان فريدمان- يلين ، رئيس عصابة شتيرن المجزرة (في اعتراضه على زيتلر، الذي قاد عصابة شتيرن دير ياسين ) بأنها عمل "غير إنساني ولا يتفق مع كرامة المقاتلين من أجل الحرية"(159). غير أن المستفيد الأكبر من عملية دير ياسين كانت البروباغاندة. وحاول الخطاب العربي تكثيف كراهية العرب لليهود و الخوف منهم، لكن هذا الخطاب خلق بدلاً من ذلك حالة من الذعر في الوسط العربي(160). فانهارت إرادة المقاومة العربية ودفعتهم للنزوح خارج البلاد(161) كما أشار إلى ذلك الكاتب الأردني يونس أحمد الأسد في صحيفة الأردن في 9 نيسان-أبريل 1953، " لم يقصد اليهود إيذاء سكان القرية ولكنهم أجبروا على القيام بذلك بعد أن تعرضوا لمقاومة مسلحة من سكان القرية فسقط عدد من المهاجمين اليهود قتلى, لم يهرب العرب من القرى الأخرى بسبب هذه المعركة ولكن بسبب الوصف المبالغ فيه الذي نشره القادة العرب لتحريضهم على محاربة اليهود "(162).
يزعم كاتز أن نزوح العرب بدأ في كانون الثاني-يناير بناءً على طلب من اللجنة العربية العليا من أجل تخفيف العبء عن كاهل الجنود العرب. كما يزعم أيضاً أنه بحلول آذار- مارس كان سهل سارونة خالياً كلياً من العرب(163).[ من المعروف أن جبل الكرمل يقسم السهل الساحلي الفلسطيني إلى قسمين: قسم شمالي صغير لا يزيد اتساعه عن 12 كلم هو سهل عكا " يسمى الآن عميق زبولون אמק זבולון "وقسم جنوبي أكثر اتساعاً وعمقاً هو سهل سارون שרון و يبدأ من مدينة حيفا وصولاً إلى مدينة يافا]. ويذكر الصهاينة الآخرون فرار نحو 150 ألف عربي من فلسطين اليهودية بحلول نهاية نيسان-أبريل 1948(164). وجميع هذه المزاعم و البيانات عرضة-بدورها- للنقاش الجاد فيما يتعلق بدقتها.
مثلما استخدم اليهود أيضاً ذاكرة دير ياسين ضد العرب بفعالية فقد استخدمت أيضاً ضد الإرغون و شتيرن على حد سواء . يقول جاك دو روزنييه أحد أعضاء بعثة الصليب الأحمر الدولي" نشرت الأخبار القادمة من دير ياسين الهلع الذي أبقى عليه اليهود بمهارة "(165). استخدم اليهود دير ياسين على نطاق واسع في حملات حربهم النفسية المعدة لجعل العرب يتركون أرضهم (166) . التسجيلات المرعبة وصوت الشاحنات المصاحبة للهجمات اليهودية" الصراخ و البكاء وألم النساء العربيات و عويل صفارات الإنذار وقعقعة السلاح، التي يقطعها صوت كئيب ينذر بالموت و يهتف باللغة العربية، "تذكروا دير ياسين" و " احفظوا أرواحكم، أيها المؤمنين! اهربوا بحياتكم فاليهود يستخدمون الغاز السام والأسلحة الذرية, حبّاً بالله انجوا بحياتكم"(167).
كل هذه اللغة أدت إلى ولادة أسطورة " الإرهاب" (168). و لم يقتصر الأمر على تفاخر الإرهابيين بجهودهم في انسحاب البريطانيين، بل تفاخروا أيضاً بخلقهم حالة ذعر أصابت العرب أثناء فرارهم من المناطق اليهودية. ادعى الإرهابيون الصهاينة بأن أفعالهم قللت من الخسائر اليهودية وعملت على زيادة نسبة السكان اليهود(169). وتعتمد صحة هذه المزاعم و العبارات على وجهات نظر المؤلفين. أولئك الأشخاص المتحيزون لصالح الإرغون يعتقدون أن الادعاءات الإرهابية صحيحة، أما أولئك المنحازين لبريطانيا أو بن غوريون يرون في مثل هذه التصريحات مجرد افتراءات.
وعلى إثر إعلان الوكالة اليهودية عن قيام دولة إسرائيل، اندمجت عصابة شتيرن مع الجزء من الإرغون في الأراضي التي احتلتها إسرائيل ومع الهاغاناه لتشكيل قوات الدفاع الإسرائيلية[ الجيش الإسرائيلي] . في القدس التي لم تكن خاضعة للسيطرة الإسرائيلية اشتبكت المجموعات الثلاث مع العرب تحت رايات ثلاث منفصلة: الهاغاناه و الإرغون و شتيرن. كان وجود ثلاثة مجموعات مسلحة خاصة يسبب قلقاً كبيراً لدافيد بن غوريون وللحكومة الإسرائيلية الوليدة مما دفع بن غوريون لاتخاذ إجراءات معينة للتخفيف من وطأة مشكلة الفرق المسلحة الخاصة المتعددة , وهو الأمر الذي تمكن منه سريعاً .
..................
ملاحظات
عنوان الكتاب:Jewish: Zionist terrorism and the establishment of Israel, First published 1977
المؤلف: Peeke, John Louis
الناشر:Calhoun: The NPS Institutional Archive DSpace Repository
http://hdl.handle.net/10945/18177. Downloaded from NPS Archive: Calhoun
المترجم: محمود الصباغ
................
الهوامش
1Levine, Evyatar and Shimoni, Yaacov, (eds.), Political Dictionary of the Middle East in the 2 0th Century , The Jerusalem Publishing Co., Ltd., Jerusalem, Israel, 1974 revised 1976. p. 2 07.
2 Ibid.
3 Laqueur, Walter, (ed.), The Arab-Israeli Reader , 3d Edition, Bantam Books, Inc., New York, 1976, p. 45.
4 Litvinoff, Barnet, To the House of Their Fathers: A History of Zionism , Frederick A. Praeger, New York, 1965., p. 205.
5 Levine, Evyatar and Shimoni, Yaacov, (eds.), Political Dictionary of the Middle East in the 2 0th Century , p. 2 01
6 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War , The World Publishing Company, Cleveland, 1970., p. 55.
7 Ibid.
8 Katz, Samuel, Days of Fire , Doubleday, New York, 1968., p. 40.
9 Asprey, Robert B., War in the Shadows: The Guerilla in History , Doubleday & Co . , Garden City, 1975, p. 771.
10 Sykes, Christopher, Crossroads to Israel , The World Publishing Co., 1965.
11 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 48.
12 Center for Research in Social Systems, p. 7 6
13 The Times, The London Times Publishing Co., London, United Kingdom. 18 April 1938.
14 The Times, 5 June 1938.
15 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 36.
16Ibid. p. 35.
17 Frank, Gerold, The Deed , Simon & Schuster, New York, 1963., p. 76.
18Ibid, p. 104.
19 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 83.
20 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 76, p. 87.
21Ibid, p. 84.
22Ibid.
23Ibid, p. 62 and Center for Research in Social Systems, p. 419.
24 Begin, p. a6n2.
25Ibid, p. 52.
26 Ibid.
27 Asprey, Robert B., War in the Shadows: The Guerilla in History, p. 773.
28 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 41.
29 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 83, and Asprey, p. 773
30 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 83.
31 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 42.
32 Katz, Samuel, Days of Fire ,p.84, and Begin, p. 143.
33 Asprey, Robert B., War in the Shadows: The Guerilla in History, p. 774.
34 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 144.
35 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 85.
36 Ibid, p. 91.
37Ibid.
3 8 The Times, 19 June 1946.
39 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 241.
40The Times, 1 July 1946.
41The Times, 3 July 1946.
42Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 , Secher & Warburg, London, 1950. p. 14 6.
43Ibid, p. 173.
44 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War , p. 4 65
45 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 213, and Asprey, Robert B., War in the Shadows: The Guerilla in History, p. 776
46 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 213.
47 Katz, Samuel, Days of Fire ,p.93, and Begin, p. 216.
48 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 93.
49 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 216.
50ibid.
51 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 , p. 174.
52 Asprey, Robert B., War in the Shadows: The Guerilla in History, p. 776.
53 The Times, 23 July 1946.
54 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 ,pp. 174-175.
55 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 219.
56 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 94.
57 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 219.
58Ibid.
59Palestine Post , 23 July 1946, Jerusalem, Israel, p. l,col.l
60Ibid.
61 Katz, Samuel, Days of Fire , p.92 , and Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., op cit, p. 220.
62 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 94.
63 Litvinoff, Barnet, To the House of Their Fathers: A History of Zionism , , p. 24:
64 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 , . p. 41.
65 Ibid, p. 175.
66The Times , 25 July 1946.
67The Times , 24 July 1946.
68The Times, 2 August 1946.
69Ibid.
70 Ibid.
71 The Times, 5 November 1946
72The Times, 1 November 1946.
73 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 231.
74Ibid, p. 233.
75Ibid, p. 234 and The Times, 30 December 1946.
76Center for Research in Social Systems, p. 421.
77 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 , , p. 193.
78 Asprey, Robert B., War in the Shadows: The Guerilla in History, p. 777.
79The Times, 1 January 1947
80 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 254.
81The Times, 8 January 1947.
82 The Times, 13 January 1947.
83 The Times, 29 January 1947.
84 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 317.
85 Levine, Evyatar and Shimoni, Yaacov, (eds.), Political Dictionary of the Middle East in the 2 0th Century , p. 78.
86 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 125.
87 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 217.
88 The Times, 3 March 1947.
89The Times, 4 March 1947.
90Ibid.
91 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 126.
92 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 322.
93 The Times, 17 March 1947.
94The Times, 1 April 1947.
95 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 268.
96Ibid, p. 255.
97 The Times, 21 April 1947.
98 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 275.
99The Times, 24 April 1947.
100 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 327.
101 Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 141.
102Ibid, p. 164 and The Times, 28 July 1947.
103The Times, 29 July 1947.
104 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War ,, p. 17 2.
105Ibid.
106The Times, 1 August 1947.
107Katz, Samuel, Days of Fire ,p. 164
108 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 290.
109 The Times, 5 August 1947.
110The Times, 6 August 1947.
111Ibid.
112 The Times, 16 August 1947.
113The Times, 14, 15, 16 August 1947.
114The Times, 20 August 1947.
115The Times, 27 August 1947.
116The Times, 3 September 1947.
117 Laqueur, Walter, (ed.), The Arab-Israeli Reader , p. 108.
118 Ibid, p. 111.
119 The Times , 3 October 1947.
120 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 180.
121 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 205.
122Ibid, p. 336.
123 Laqueur, Walter, (ed.), The Arab-Israeli Reader , p. 116.
124 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 ,p. 2 01.
125 The Times , 3 December 1947.
126 The Times, 16 December 1947.
127ibid.
128The Times, 18 December 1947.
129The Times, 22 December 1947.
130 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 , , 1 ft -7 p. 197.
131The Times, 30 December 1947.
132Ibid.
133 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 ,, p. 201.
134 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War ,, p. 18
135The Times, 17 January 1948.
136 Litvinoff, Barnet, To the House of Their Fathers: A History of Zionism , p. 292.
137 Ibid, p. 275.
138 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 214.
139 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 ,, p. 219.
140 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War , p. 141.
141 Katz, Samuel, Days of Fire , ,p. 214.
142 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War ,p. 13 9.
143 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 215.
144 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War ,p. 13 8.
145 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 215.
146 Ibid.
147Ibid.
148Ibid.
149 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War , p. 14 8
150 Begin, Menachem, The Revolt, Story of the Irgun , Shuman, New York, 1951., p. 163.
151 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 214.
152Ibid, p. 162.
153 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War , p. 138 and Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 , op cit, p. 217.
154 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 216.
155New York Times, p. 18, 11 April 1948
156Ibid.
157 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War , p. 14 8.
158Ibid, p. 149.
159 ibid.
160 Ibid p. 14 9.
161 Katz, Samuel, Days of Fire , p. 216.
162Ibid, p. 217.
163Ibid, p. 216
164 Sykes, Christopher, Crossroads to Israel ,p. 253.
165Abu-Lughod, Ibrahim, The Transformation of Palestine , Northwestern University Press, Evanston, Illinois, 1971,p.186
166Ibid, p. 185.
167Heiman, Leo, Marine Corps Gazette , Vol. 48, p. 38, 168June 1964.
168 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars, The Middle East 1915-1950 , p. 217.
169 Ibid.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن