لماذا تأخرت الإنتفاضة؟

عبدالخالق حسين
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

2003 / 4 / 5


وهل نحتاج إلى إنتفاضة أم إلى إنفجار موجة الفرح بسقوط النظام؟ 
 

توقع أغلب الكتاب العراقيين والمنكوبين بمظالم النظام العراقي أن مع بدأ سقوط صواريخ الحلفاء على مؤسساته، ستهب الجماهير الشعبية والقوات المسلحة بإنتفاضة عارمة للإطاحة بصدام ونظامه الجائر على غرار ما حصل عام 1991 بعد حرب الخليج الثانية. لم تحصل الإنتفاضة هذه المرة أو ربما تأخرت. لقد اتخذ أنصار النظام وخاصة من الإعلاميين العرب عدم قيام الإنتفاضة كدليل على شعبية السلطة الفاشية وفشل قوات الحلفاء في تحقيق أهدافها وأن المعارضة العراقية قد خدعت الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية التي صورت لها بأن الجماهير الشعبية سوف تستقبل جنود الحلفاء بالورود والأحضان.
كما فسر آخرون من الكتاب العرب على أن الشيعة في الجنوب لم ينتفضوا هذه المرة لأنهم عرب اقحاح تهزهم مشاعر قومية ووطنية دفعتهم للوقوف إلى جانب السلطة وضد الإحتلال الأجنبي. وكأن شعبنا في الجنوب يحتاج من هؤلاء شهادة تزكية لإثبات عروبتهم. وهم بتفسيرهم هذا يصورون وكأن الإنتفاضة الشعبية عملية غير وطنية ولا قومية وأن النظام الآيل للسقوط الذي أذاقهم العذاب طيلة 35 عاماً، هو نظام وطني وقومي يستحق الدفاع عنه، والحقيقة ليست كذلك.
لا شك أن الكتاب العراقيين كانوا أقرب إلى الصواب في تفسير ظاهرة تأخر الإنتفاضة من زملائهم العرب وذلك لسبب واضح وهو أن أهل الدار أدرى بما فيها. وهناك أسباب عديدة ذكرها عديدون في مقالاتهم وباتت معروفة الآن ولكن لا ضير من ذكرها بإيجاز شديد:


1-فشل تجربة عام 1991 عندما دعا جورج بوش الشعب العراقي إلى التمرد والعصيان على النظام  لإسقاطه، ولما انتفض الشعب خذلهم بوش ولم توفر قوات الحلفاء لهم الحماية بل تركتهم عرضة لإنتقام قوات السلطة، حيث تم قتل ما يقارب 300 ألف من المنتفضين وتدمير عشرات القرى والمدن وتشريد الملايين. لذلك فالجماهير لن تعيد نفس التجربة القاسية خوفاً من أن يخذلها الحلفاء هذه المرة أيضاً فتنتهي الحرب دون أن يسقط النظام، ولو أن هذا الإحتمال أصبح ضعيفاً الآن مع محاصرة قوات الحلفاء بغداد والسيطرة على مطارها الدولي ولكن الجماهير وبحسها الغريزي ترى أنها لن تخسر شيئاً فيما لو تريثت إلى أن تنجلي الأمور بشكل أوضح.


2-عمل النظام الفاشي على خلق تنظيمات الميليشيات، فدائيي صدام وأشبال صدام وجيش القدس والحزبيين..الخ، موالية له ومؤلفة من شباب مراهقين وصبية محرومين فأغدق عليهم بالرواتب السخية والإمتيازات في وقت الحصار والعوز، إضافة إلى عملية غسل العقول وتهديد بالإنتقام من كل من يتجرأ على إبداء مشاعر المعارضة ضد النظام.


3-فرضَ النظام أفراد مليشياته المدججة بالسلاح على العائلات وتم انتشارها في المناطق السكنية مع التخويل بالإنتقام من الجماهير إذا ما حاولت إبداء مشاعر الترحاب بقوات الحلفاء أو القيام بعمل ضد النظام.


4-محاولة قوات الحلفاء تجنب وقوع الضحايا بين المدنيين لأنهم جاؤوا لتحريرهم من النظام الفاشي وليس لإلحاق الأذى بهم. وهذه المحاولة أدت إلى إطالة فترة الحرب نسبياً. ولكن لو تأملنا مجريات الحرب بدقة وإنصاف، لوجدنا أنها فعلاً وحيدة من نوعها في التاريخ من حيث سرعة تقدمها وقلة الضحايا والحفاظ على البنى والركائز الإقتصادية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، استغرق إحتلال الفاو من قبل الإيرانيين في الحرب الخليج الأولى ثلاث سنوات وقتل 50 ألف من جنودهم. بينما تم احتلالها من قبل القوات البريطانية في هذه الحرب في غضون ساعات ودون أن تتكبد قواتهم قتيلاً واحداً. وقد وصلت قوات الحلفاء إلى مشارف كربلاء في ثلاثة أيام. وتمت سيطرت الحلفاء على جميع حقول النفط والمؤسسات الإقتصادية والطرق الخارجية والجسور والسدود والمطارات بسرعة مذهلة وبأقل ما يمكن من الضحايا. ويسيطر صدام الآن على جزء من بغداد فقط وأغلب العراق تحت سيطرة قوات الحلفاء، وقد تم كل ذلك في فترة قياسية.  لذلك يمكن القول أن هذه الحرب تسير وفق ما خطط لها دون شك وأنها فريدة من نوعها.  


 
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل فعلاً يحتاج الشعب العراقي إلى إنتفاضة عارمة كالتي حصلت عام 1991، لإسقاط النظام؟
إن الإنتفاضة وحسب تعريفها، هي عملية إنفجار عفوية دون سابق تخطيط أو حتى قيادة. والجماهير بحسها الغريزي تعرف الوقت المناسب لحصول هذا الإنفجار. ومن تجربتها المرة عام 1991 كما أسلفنا، أنها لم تر داعياً لها طالما أن النظام هو ساقط على أي حال. أعتقد من صالح الشعب أن لا تحصل إنتفاضة مسلحة حيث تقع ضحايا وربما حتى قتل أبرياء في عنفوان الهبة الشعبية التي من الصعوبة السيطرة عليها. إن الذي نحتاجه ونتوقع حصوله هو إنفجار عارم في مظاهرات جماهيرية   تعرب الجماهير الشعبية من خلالها عن فرحتها العارمة بسقوط النظام. عندها أتوقع أن يحصل الترحاب بقوات الحلفاء. وقد بدأت بوادر هذا التعبير بالظهور رغم أن بقايا جيوب أشقيائية (فدائيي) صدام مازالت منتشرة بين الجماهير في المدن تبعث فيها الرعب،  حيث رأينا على شاشات التلفزة كيف اختلط الجنود البريطانيون بالجماهير في البصرة وقيامهم بتقديم معونات إنسانية ومرحهم مع الشباب. كذلك شاهدنا الجماهير شمال الكوت ترحب بالقوات الأمريكية الزاحفة نحو بغداد . وهذا أول الغيث..
وسوف تكشف الأيام القليلة القادمة الحقيقة عندما يسقط النظام وتتأكد الجماهير إن 35 عاماً من حكم الإرهاب قد انتهى وسوف تخرج الجموع معربة عن فرحتها بعهد الجديد خال من الإرهاب. عهد يتسم بالحرية والسلام.

 



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن