سمير دوسكي- تصنيع اشكال تجريدية بملصقات من الذاكرة

سيروان شاكر
sirwan_sh_a@yahoo.com

2019 / 9 / 3

تقنيات جديدة تمزج بين الواقع والمادة
سمير دوسكي- تصنيع اشكال تجريدية بملصقات من الذاكرة
هكذا عرف هذا الفنان البارع في صنع اشكال جديدة ولكن هذه ليس بالالوان فقط وانما زيادة اشكال تجريدية عن طريق الكولاج- سمير مزج الكولاج بالالوان تارة وتارة لايعطي للون دوره فقط الكولاج واحيانا يذهب بعيدا عن كل هذه المواد ليتجه الى عالم الصلابة والتقنية الكلاسيكية لاشكال معاصرة وخرافية وهي مجسمات منحوتة وكانها منحوتات اغريقية ومرة تراها اشكالا حقيقية اقرب الى الواقع ومرة سهما يقطع هذا الشكل فيحوله بلمسته السحرية الى عالمين مختلفين مرة تفهمه واخرى تحتار في التحليل، لايعطي الحيز والمجال للمتلقي في البقاء لمنطقة محددة بل تتحرك عيون المشاهد في كل لحظة كي ينهي المتلقي مهمته في التعامل مع هذه الكتل مرة ,ومرة اشكاله الزخرفية والهندسية والتجريدية، فهو يعي ويدرك مافي دواخله وبكل تلقائية يعبر عن نظريته الذاتية (اعرف ما في داخلي ابدع في اشكالي) مساحات لونية عميقة تاخذ المتذوق الى حيث المتاهات والعالم الخفي ويصفها هو ذاته مذهبا فلسفيا تعدديا يعارض الفكرة الاحادية في مفهوم العمل الفني، فواقعه ليس مستقلا عن الفكر الانساني لان كل ما فينا ياتينا منه الا انه لايقوم علينا وعلى الفعل الانساني الذي يكون معني بالمقومات الحسية للاشكال المرسومة بوصفها معطيات ذات طبيعة تجريدية مرة وفيزيائية مرة اخرى في التعامل اللوني ويكون الحكم على اساس ترابطات شكلية وصلاتها فيما بينها- هل تناول هذا الفنان المبدع مفهوم العقل المخفي بتفاؤل رغم المعاناة الواقعية الموجودة في العالم الحالي ام حلل الحقائق بحياة حسية بوصفها تجرية لايدخله الا المبدعون، فدوسكي كان يقظا للاجابة على هذه التساؤلات حين وصف اشكاله ومنحوتاته بانها سلسلة من المعطيات تخصع لعوالم الحس فقط، انها احكام غريبة ينفذها هذا الفنان ليبين العلاقات التي يستحيل للدلالات الشكلية ان تظهرها للعيان انها اعتيادية بل هي في غاية الدقة وكانها ممر الى السحاب.
لقد كان سمير الدوسكي على دراية بما تحدده اعماله من معرفة فكرية انسانية فالعالم بخلاف الميتافيزيقية هي مادة معرفية ولكن عكس هذا الفنان الباحث عن الخفايا الذاتية تامل واستنتج من افكاره وعالمه الذهني ان الوقت لايخضع لما تراه بل ان الزمن عنده باحث في خفايا الوجدان والجمال فلهذا تعدد نمط الاعمال والاشكال والاساليب والتقنيات فلم يشبع عند نمط معين من التعابير فتعمد ربط كل ما يملك من الاحاسيس بعوالم خارجية وبمعركة ازلية مع الخيال ومع ظله لاظهار الحقيقة التي ينتظرها كل متذوق حقيقي في ان الدافع هو موجود عند الانسان منذ الازل وهو البحث عن حقيقة الجمال وما يتاثر به لحظة الادراك في الوجدان، لترى سمير هذا الفنان الدؤوب بمنحوتاته يجعلنا ان نكون جزءا من قضيته الطفولية مرة والعنفوانية تارة اخرى فهو فنان راق يستعمل التلقائية والذاتية بموجب مقاييس الانسانية- وترى عالم الالوان والكولاجات الملونة لاتخضع لوحدتها كما هو موجود في اعماله النحتية، تختلف المواضيع وتختلف التعابير هذا هو اللاشعور عندما يبدأ شق طريقة الى اللانهاية في مفهوم اختزال الواقع نتائج لم نحصل عليها منذ زمن بعيد فاعماله غريبة بناء وتراكيب ومزج للالوان وهندسة دقيقة تحرك الرؤية الى ما هو خفي او حتى بمفهوم بسيط – تنمو المعرفة والوعي الخيالي والجمالي ضمن واقع مواز للادراك الحسي يحتم الانسان اتباعه- خصوصية موضوعية تؤدي فيها الرؤية عاملا تنظيميا تنسق احاسيسنا ويجعلها تنتظم وتتطور بمقتضى تاسيسه لهذا العالم وبكيفية متناسقة مع الوجود فلا تتحد المعرفة في تطابقها مع الحقيقة الخارجية وانما بما تحدثه من تفاعل معها- ان اعمال هذا المبدع المتفرد في عالمه وفي اجواءه الاسطورية يكمن للعالم وعيه الجمالي فمن رسم وكولاج ونحت ونصب تذكارية يقيم سمير فلسفته المنطقية ويبرر مطاليبه الانسانية في اقامة جمهورية مستقلة تكون الاحساس والشعور والعاطفة سادتها، فبرنامجه جديد في الاحساس يكشف عن المعطيات الداخلية للبشر بفعل التجربة الشعورية التي تعبر عن القوى المرئية للواقع والاستجابات المؤثرة منه، انفتاح جديد على الخبرة الداخلية فيتعلق الوعي بانفعالات واحاسيس تمتد من عناصر الخبرة الجمالية التي وضعها سمير في الشكل واللون والتكوين التجريدي والمنحوتات الحديثة ومجسماته المصنوعة من مواد مختلفة والهدف تجديد قيمتها الجمالية عند المتذوق المبدع الذي يشعر في قرارة نفسه بانه ماخوذ بذلك الانسجام في كل جزء من العمل الفني الابداعي. وجب على هذا المبدع ان يتضح صورته العلمية والعملية في هذا العالم الواعي من الناحية الجمالية بان يظهر بما يراه رؤيته الخيالية ويؤلف بها رموز دقيقة تتخذ من الشكل نمطا جديدا مخالفا لاصوله الاعتيادية فيغير مضمونه جماليا، ويتذوقه المشاهد في حالة هيجان اذ يكون جزءا مهما في قضيته ليسلب عاطفته للعلاقات الادراكية والتاثيرات الخيالية والانفعالية والفكرية التي تتوسط تراكيبها بين ما هو داخلي مع ما هو خارجي حينها تظهر القيمة الحقيقية بين ذات الفنان والمادة اي بين ذاته وبين ادواته البسيطة التي استولت على شعوره فيظهر الموضوع الجديد وحده بعناصره المكونة للصورة الفنية، صورته المتخيلة من عالمه المستقل كونيا، فله افكاره وفلسفته على النتاج الفني – طاقة وذكاء ووعي جمالي لاتجعله ان ينتظر الالهام للوصول حيث انه يسبقه بالخيال كرد فعل لارادته في صياغة عالم جميل حسب معانيه وصورة اللامرئية ليعبر عن علاقة تجريدية يتحقق الوعي هدفه في اللاوعي – انه حصيلة الانفعال والتفاعل الذي يعد مظهرا من مظاهر الواقعية لهذا المنتج، فتاتي الاشكال النحتية واللونية من حيث لايدرك انها تلقائية تفرض نفسها على ذهنه لتنتقل الى المشاهد فيجبره على تذوقها ووعيها في احكامه الداخلية.
يواجه سمير مصيره بكل عبقرية ليستعيد قدرته في بناء صورته الكاملة، سلسلة من الحلقات الفكرية يمر بها يستقر عند واحدة لينهيها فيتجه الى الثانية فيبدع فيها، لقد فهم الطبيعة باشكالها المخفية وعلى اساسه صنع عالما حرا له واستقلالية افكاره كشف لنا نظرية ان العالم باسره لايتحدث بل يفهم من خلال قدرة البشرعلى اقتحام المجهول فلغة دوسكي واضحة بصرية جمالية بطرق متعددة ومتنوعة فاتخذ مسميات مختلفة ولكنها محددة القواعد حتى لايختلف في صياغتها او دلالاتها فهو حامل عقيدة مبداية في ميدان الفن ادواته وخاماته مترجمة احساسه بكل شفافية ودقة هذا هو سبب تميزه عن الفنون والاساليب الاخرى الواردة في عالم الفن.
الكاتب
سيروان شاكر



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن