رسالة إلى أميمة

مختار سعد شحاته
mukhtarshehata@hotmail.com

2019 / 9 / 3

يا أميمة، كلما مرت طفلة أمامي أراك، لا تكبرين أبدا، أحمل الأشياء البسيطة إليك، ألملم ابتسامتك الطفلة البريئة، وأضعها في أقصى مكان من روحي، كنت أعلم أنني سأحتاجها يوما... كنت أعلم يا أميمة، وأردد بيت الشعر العربي بتصرف أليم:
(لا تكليني لهمٍ يا أميمة ناصبُ....)
كيف انتهى ببساطة ما بيننا إلى ذلك البعد البغيض، كيف صرنا مجرد أرقام بعضها مرصودة ومرصوصة إلى بعضها البعض؟! ناءت بنا مسافات، غيرت الدنيا فينا وغيرتنا، حتى صرتُ في أحب اللحظات إلى قلبي أكثر قلقا، فماذا لو جئتك، وأعترف لك أني أحبُ؟ وأن الحب يحدث بلا ترتيب، وأنه صياد للقلوب المكلومة، والأرواح الحائرة، ماذا لو قلت لك أن لي حبيبة اجتهدت في البحث عنها لسنوات؟
صدقيني، حين نقع في الحب، تختلط الأشياء، لا نفكر في أي ماض، إذ تتنازعنا الرغبات في الحياة بكل الصور، مرة صورة الحبيب، ومرة صورة الرجل، ومرة صورة الذي ارتاح، ومرات ومرات صورة من يلقى العوض. لا نملك خيارا حين يضربنا الحب، وحين نتأكد أنه حبنا الناضج العفي، حتى لو كانت كل ملابساته صعبة ومرهقة متى نظرها الناس. صدقيني لا يهم، الناس لن يرضوا، وأنت حين تحبين لن يدرك الناس أهمية ذاك الحب في عمر كعمر أبيك، سيتحسس الناس الخبايا والخفايا ليقولوا كيف لمثلي أن يقع في الحب؟! لا تهتمي، وأحبي، عيشي لحظات حبك بانفتاح تام على السعادة، وإياك أن تخافي، استكيني في حبك ومع من أحبك، لأجلك، فأنت وقتها تستحقين.
يا حبيبة أبيها، سيمر كثيرون على قلبك، يباركون اسمك، يخذلون حلمك حينا، وآخرون سيحفزون روحك، لكنهم أبدا لن يكونوا ما حلمتِ، هؤلاء فراقهم حتمي، ومفيد للأطراف كلها، ودافع للقلب كي يعرف عما وعمن يريد أكثر. التجارب لا تسحقنا يا ابنتي، التجارب تنقينا من شوائب الحياة والعمر، منا من يدخل التجارب ويمر عمره دون انتباه إلى الحب الحقيقي والناضج، وهكذا صار كمثل الحمار يحمل أسفارًا، ربما تنبهرين في تجربة ما مرت، حتى وإن طالت، صدقيني، ليست إلا في حقيقتها رفرفة للروح وصرخة عوز واحتياج. الروح يا عمر أبيك لا يحتمل إلا حبًا واحدا ناضجًا، ولا يتفق على عمر خاص محدد متى نلقاه، ووحدهم المحظوظين، هم من عرفوه.
أميمة الحبيبة،
ربما يجعلنا القدر تجربة البعض الاستثنائية، وربما يكون البعض لنا محطات نحو استثناء الحب الناضج حين يدخل إلى قلوبنا بلا توقيت أو توقيف للمساءلة عن الأسباب والأحداث، دعي الأشياء على طبيعتها، ولا تخافي، الخوف قاتل نذل وبغيض للحب وللقلوب، لا ترهقي روحك بالأسئلة عن ما كان وما سيؤول له كل شيء متى عرفت ذاك الجبل، جبل الحب، فقط احمليه على روحك وقلبك، وامضي معه حيث يكون وإلى أين ينتهي بك، وإياك أن تسمحي لروحك أن تنهزم أمام سفاسف التجارب الماضية مهما كان، حتى ولو كان بعضها مثلك بالنسبة إلي.
علمي أولادك أن الحب ليس عار، وأن القلب ليس نقطة ضعف الإنسان، إنما منه تكون الحياة، وبراحته تستقيم الدنيا وما فيها من اعوجاج.
أميمة؛
أنا أحب. نعم أحب كما لم أعرف المحبة من قبل، فالأب الأهوج المجنون الذي عرفتيه، صار الآن أرصن، صار أكثر استعدادا للحياة، لكن الحياة بحب لا باندفاع وطيش.
أنت يا حبيبة أبيك، ستكبرين، وسيفاجأك كما فاجأني، أرجوك امنحي له كيانك ولا تخافي، فحين نحب يتبدد كل الخوف.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن