ليون تروتسكي - البلشفي الاخير

سيزار ماثيوس
hhs200118@gmail.com

2019 / 8 / 18

اعداد / الرفيق سيزار

في هذه الايام تمر علينا الذكرى 79 لاغتيال احد كبار قادة ثورة اكتوبر الشخصية الثانية بعد لينين ومؤسس الجيش الاحمر وصاحب نظرية الثورة الدائمة ، مؤسس الاممية الشيوعية الرابعة ليون برونكشتاين تروتسكي (البلشفي الاخير) هو ماركسي بارز وأحد زعماء ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917 إضافة إلى الحركة الشيوعية العالمية في النصف الأول للقرن الماضي ومنظر للثورة الاشتراكية بصفته احد ابرز الذين يدعون إلى الثورة العالمية الدائمة ، كما أنه عضو المكتب السياسي في الحزب البلشفي إبان حكم لينين، كان له الأثر الفعال في القضاء على أعداء الثورة في سنوات الحرب الاهلية 1918 / 1921 باعتباره مفوض الدفاع وقائد الجيش الاحمر ، بعد ذلك عين مفوض العلاقات الخارجية حيث يعتبره البعض أفضل العقول في الحزب الشيوعي، وأقدر من لينين في بعض الأمور العملية  ، لقد عمل تروتسكي جنبا الى جنب مع لينين في سنوات الشدة الحرب الاهلية والتدخل الامبريالي الخارجي ضد ثورة اكتوبر، وأعتقد أغلب الشعب الروسي أن تروتسكي سوف يخلف لينين في رئاسة الحزب ولكن ستالين كان ذا سلطة قوية ونفوذ داخل الحزب فتسلم سكرتارية الحزب ثم تسلم رئاسة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية وزعامة ستالين كانت تعني نهاية السلطة العمالية التي لاجلها قامت الثورة وتغلبت البيروقراطية وسلطة الفرد على حكم السوفيتات .
نظرية الثورة الدائمة
في عام 1905 وضع تروتسكي نظرية المعروفة ب( الثورة الدائمة) التي يجب أن تتعدى حدود روسيا إلى أنحاء العالم، وتدعو إلى اشعال ثورات متتالية في بلدان مختلفة لتقوم الثورة العالمية التي صارت أساس قوّة وسلطة النخبة الشيوعية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية بعد عام 1918.
في عام 1905 اندلعت الثورة في روسيا وعاد تروتسكي من فنلندا إلى الامبراطورية الروسية ليترأس مجلس نواب العمال في مدينة سانت بطرسبرغ ،وينتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمجلس السوفييت في سانت بطرسبرغ التي صار اسمها فيما بعد: (لينين غراد) .

ألقي القبض على تروتسكي عام 1907 بعد فشل الثورة وأصدرت المحكمة حكمها بنفيه إلى سيبريا مدى الحياة مع تجريده من جميع حقوقه المدنية، غير أنه ما لبث أن هرب إلى أوروبا الغربية ومنذ ذلك الحين وحتى عام 1917، عندما قاد مع لينين الثورة الروسية، ظلّ تروتسكي يشكّل القوة الكامنة المنفيّة لثورة البروليتاريا العالمية.
خلال وجوده في السجن، انتهى من صياغة نظريته عن "الثورة الدائمة" في مقالة بعنوان "نتائج وتوقعات". أمضى الفترة ما بين عام 1907 و1914 مع ناتاليا سيدوفا وولديهما ليون وسيرجي في فيينا حيث أصدر مجلة برافدا (الحقيقة).
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى نزح تروتسكي إلى سويسرا ومنها إلى النمسا ثم إلى فرنسا حيث عمل مراسلا لصحيفة يومية كبيرة يصدرها الليبراليون في روسيا كما أصدر صحيفة "ناشيه سلوفو.
كان تروتسكي أحد الدعاة إلى عقد مؤتمر زيمروالد عام 1915الذي أدان الحرب العالمية ووصفها بانها حرب "امبريالية" موجهة ضد العمال والطبقات الفقيرة في العالم كله، أدت دعوته لمعارضة الحرب ولتأسيس "الأممية الثالثة" إلى تقارب في وجهات النظر بينه وبين لينين بعد سنوات طويلة من الخلاف بينهما.
في عام 1916 قامت السلطات الفرنسية بتهجير تروتسكي إلى إسبانيا لاتخاذه الموقف الموالي لألمانيا على حد وصفها. ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية
منذ ما قبل عام 1905، وخلال مناقشات حول سياسة التحالفات، وضع تروتسكي الإطار لنظرية "الثورة الدائمة"، التي تعتبر واحدة من ألمع المساهمات في النظرية الماركسية. ماذا تعني هذه النظرية؟
كانت الثورة الروسية بالنسبة للمناشفة ذات طبيعة ديمقراطية برجوازية. وبالتالي فإنه لا ينبغي للطبقة العاملة أن تطمح إلى السلطة، بل عليها فقط دعم البرجوازية الليبرالية ضد النظام القيصري. وبموجب هذا المنطق الميكانيكي كان المناشفة يشوهون أفكار ماركس عن تطور المجتمعات. كانت نظرية المناشفة " للثورة عبر مراحل" تؤجل احتمال حدوث ثورة اشتراكية إلى المستقبل البعيد. وفي انتظار ذلك، ينبغي على الطبقة العاملة أن تلعب فقط دور التابع للبرجوازية الليبرالية. هذه النظرية الإصلاحية نفسها هي التي ستتسبب لاحقا في هزائم للطبقة العاملة في الصين سنة 1927، وإسبانيا ما بين 1936-1939، وإندونيسيا سنة 1965 والتشيلي سنة 1973.
رد تروتسكي على هذه الأفكار على النحو التالي: "إذا كان الأمر يتعلق فعلا بثورة برجوازية ديمقراطية، فإن القضية الرئيسية فيها هي الأرض. ستنتقل السلطة إلى أيدي الطبقة التي ستقود الفلاحين ضد القيصرية. إلا أن البرجوازية وصلت متأخرة جدا مما يجعلها عاجزة عن لعب دور ثوري. وقد احتلت البروليتاريا الميدان الرئيسي. إن النضال الثوري ضد النظام القيصري سوف يؤدي إلى تعبئة الطبقة العاملة، التي لن تتوقف عند الحدود المفروضة من طرف من يسمون بالليبراليين البورجوازيين. لهذا السبب سوف يخون الليبراليون الثورة ويدعمون القيصر ضد العمال والفلاحين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البرجوازية في روسيا مرتبطة بآلاف الخيوط إلى كبار ملاكي الأراضي من خلال النظام البنكي. وحدها الطبقة العاملة، في ظل تنظيم وقيادة الماركسيين، من يمكنها قيادة الفلاحين نحو النصر، وإسقاط الدولة القيصرية وإنجاز مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية. لكن الأمور لن تنتهي عند ذلك الحد. حيث ستجد حكومة العمال والفلاحين نفسها مجبرة على تطبيق تدابير اشتراكية منذ اليوم الأول لتوليها السلطة. إن المهمة التي يجب على الطبقة العاملة أن تحضر نفسها لها هي الاستيلاء على السلطة."
في عام 1905، كان تروتسكي وحده من يدافع عن فكرة إمكانية انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا، قبل انتصارها في أوروبا الغربية. وكان لينين لم يوضح موقفه بعد. إلا انه بشكل عام، كانت وجهة نظر تروتسكي قريبة جدا من وجهة نظر البلاشفة، كما اعترف بذلك لينين لاحقا. لكن في عام 1905، اثبت تروتسكي كونه الوحيد الذي أكد بجرأة ووضوح الحاجة إلى ثورة اشتراكية في روسيا. وبعد اثني عشر عاما، أثبت التاريخ أنه كان على حق. لن نتطرق هنا بالتفصيل إلى ثورة 1905. إن أحد أفضل الكتب التي ألفت في هذا الموضوع هو كتاب تروتسكي: 1905. ومما يزيد من أهمية هذا الكتاب الماركسي الكلاسيكي كونه كتب من قبل أحد القادة الرئيسيين لهذه الثورة. لقد كان تروتسكي في الواقع رئيس مجلس سوفييت سان بطرسبرغ. وبعد هزيمة الثورة اعتقل إلى جانب أعضاء آخرين في السوفييت وتم ترحيلهم مرة أخرى إلى سيبيريا، التي فر منها - للمرة الثانية - سنة 1906

صعود وعزل تروتسكي والاممية الرابعة
بعد رحيل لينين بدأ التصادم مع ستالين ، ونشأ أول جدال حول نقابات العمّال ، فقد أراد تروتسكي جعلها تحت سلطة الدولة ، ولم يرغب ستالين في ذلك . إلا أنه بعد موت لينين عام 1924م لم يحضر تروتسكي الجنازة لعدم تواجده في المدينة وقتها، فيما أعلن ستالين نفسه خليفة للزعيم واتهم تروتسكي بقلة الاحترام للينين، فاحتدم الصراع من أجل السلطة بينه وبين ستالين الذي تمكن من التحالف مع زينوفييف وكامنييف وبوخارين وغيرهم بل وتمكن أيضاً من عزل انصار تروتسكي في الحزب واشعال خلافات بينه من جهة وانصاره من جهة أخرى. وفي عام 1926م تم اعفاء تروتسكي من العضوية من المكتب السياسي في الحزب البلشفي بتهمة النشاط المعادي للحزب ونفيه من الحزب الشيوعي من قبل ستالين وماهو الا محض افتراء بحق العمود الصلب للبلشفية تم تهجيره عام 1929م، خارج الأتحاد السوفيتي إلى مدينة آلما آتا في آسيا الوسطي ، ثم إلى تركيا. أما أنصاره في الحزب الذين اعترفوا باخطائهم مثل زينوفيف وكامينيف وراديك وانتونوف اوفسينكو وغيرهم تم اعدامهم كلهم على يد ستالين في ثلاثينات القرن الماضي. وفي عام 1932م تم نزع جنسية الأتحاد السوفيتي عن تروتسكي، فانتقل إلى فرنسا ثم إلى الدنمارك والنرويج عام 1935م. ثم اعتقلته الحكومة النرويجية وصادرت مؤلفاته كلها خشية لتأثيره السلبي على الوضع الداخلي في البلاد. واضطر إلى مغادرة البلاد خوفاً من تسليمه إلى الحكومة السوفيتية وفي عام 1936 هاجر تروتسكي إلى المكسيك حيث أقام في منزل الفنان ديوغو ريفيرا .
أعلن تروتسكي عام 1938م قيام الأممية الرابعة التي لا تزال قائمة لحد الآن ويحظى نشطاءها بالشعبية في بعض الدوائر الشبابية لبعض دول العالم وخاصة في أمريكا اللاتينية. وتجدر الإشارة إلى الدور لعبه التروتسكيون في الاضطرابات الطلابية عام 1968م في باريس
تروتسكي والاشتراكية في بلد واحد
كانت من ابرز الجدالات التي دارت بين تروتسكي والدكتاتور السوفيتي هو مسألة الثورة الاشتراكية حين طالب ستالين بموضوع الاشتراكية في بلد واحد كان ستالين في إصداره الأول لكتابه «أسس اللينينية، 1924» متمسكا بفكرة فلاديمير لينين حول عدم كفاية حدوث الثورة في بلد واحد. توفى لينين عام 1924، وبنهاية هذا العام صدر الإصدار الثاني لكتاب ستالين، وقد بدأ موقف ستالين في التغير، حيث ادعى أن بإمكان البروليتاريا وواجب عليها تأسيس مجتمع اشتراكي في بلد واحد. في أبريل 1925، انتهج الاتحاد السوفييتي الاشتراكية في بلد واحد كسياسة للدولة بعد مقال يناير 1926 الذي كتبه ستالين عن قضايا اللينينية. مثلت الفترة ما بين 1925 إلى 1926 تحولا في نشاط الشيوعية الدولية من العمل على نطاق عالمي إلى الدفاع عن الدولة السوفييتية. وقد عرفت هذه الفترة وحتى عام 1928 بالفترة الثانية، حيث مثلت تحول الاتحاد السوفييتي من سياسة شيوعية الحرب إلى السياسة الاقتصادية الجديدة
على عكس نظرة تروتسكي التي دعت الى اخر لحظة بوجوب قيام بل النضال اليومي لتحقيق الثورة الاشتراكية العالمية التي جاءت من تحليلات ماركس حيث اعتبر تروتسكي ان الثورة العالمية هي ركن اساسي للقضاء على الراسمالية واقامة الاشتراكية العالمية وهذا ما كان يميز تروتسكي عن بقية البلاشفة بعد لينين وهو التمسك بالمبادئ الثورية عمل تروتسكي على الدفع باتجاه إعطاء الأولوية للعمل الثوري في العالم ونادى باستمرار الحرب مع ألمانيا بقصد المساعدة على تهيئة الظروف المناسبة لقيام ثورة بروليتارية في ألمانيا التي كانت قد قاربت على الانفجار. وبعد أن بدأ الأمر يستتب بالضرر للثورة الروسية البلشفية ركز تروتسكي على استحالة نجاح الاشتراكية في بلد واحد وهو شعار رفعه ستالين - وبأن هذا المفهوم يتعارض مع مبادئ الماركسية وتقاليدها
و قد ربط تروتسكي بين رأيه هذا وتحليله لطبيعة الاقتصاد العالمي والتقسيم الدولي للعمل والسوق الدولية الذي يتجاوز الحدود القومية. وعلى هذا الأساس قال باستحالة النهوض الاقتصادي في الحدود القومية لأن النظم الامبريالية والبورجوازية سوف تحول دون الوصول إلى الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن الدولة الاشتراكية الواحدة الوحيدة لن تقوى على تجاوز التخلف الموروث وأن أزمات الاقتصاد السوفييتي لا يمكن حلها إلا بتنيسق اشتراكي للقوى الإنتاجية على نطاق عالمي وهو ما لن يتحقق إلا بانتصار الثورة العالمية عن طريق المجابهة الدائمة مع الإمبريالية والرأسمالية
رحيل البلشفي الاخير
بعد محاكمات موسكو الاولي والثانية التي اقيمت عام 1932 واتهم فيها البلاشفة القدماء اعضاء اللجنة المركزية التي قادت ثورة اكتوبر 1917 تم اعدامهم جميعا بمن فيهم بوخارين وزينوفييف وكامنييف وبقي تروتسكي فقط من البلاشفة قادة الثورة كونه نفي الى الخارج .
فب عام 1937 اقيمت محاكمة غيابية في الأتحاد السوفيتي على تروتسكي حيث صدر بحقه حكم الإعدام الغيابي ، ووجّهت إليه تهمة الخيانة .
بعدها صعّد ستالين جهوده لإزالة هذه الشوكة التي تؤذي خاصرته ، وتمكن رجاله عام 1938م من التسلل إلى مشفى باريس ، حيث كان ابن تروتسكي ليون سيدوف يرقد مريضاً هناك ، وخطفوه ثم قتلوه باسم الثورة .
وفي صباح 24 من شهر مايو أيار سنة 1940م ، اندفع عشرون رجلاً - متخفّين بملابس رجال الشرطة المكسيكية - داخل منزل تروتسكي في مدينة مكسيكو سيتي ، وزرعوه بالديناميت ، وأمطروه بالرصاص ... ولم يكن تروتسكي في المنزل .. لكنهم اقتادوا حارسه القادم من نيويورك : روبرت شيلدون .. وقد عثر على جثته ممزّقة بفعل شفرات السكاكين الستالينية .
بعد ذلك الهجوم الرهيب ، تحول منزل تروتسكي إلى ما يشبه القلعة ، فقد أضيف المزيد من الفولاذ إلى الأبواب والنوافذ ، وحشدت الأسلحة الأوتوماتيكية حول منافذه ، فيما جُنّد جيش من الحراس للمراقبة .
وكما يحدث عادة ، أهمل تروتسكي حماية نفسه من أصدقائه ، ففي عام 1940م ، قدمت فتاة أمريكية سيلفيا آغليوف صديقها فرانك جاكسون إلى تروتسكي ، وكانت قد عرفت فرانك قبل سنتين في باريس .
لقد حاز فرانك صفات محببة ، فهو مستمع جيد ، وطالب مجدّ ، ويحسن الإطراء ، وبذلك صار ضيفاً دائماً على مائدة تروتسكي ، وأحد أفراد الحلقة المحبّبة لديه .
أما من حيث الهواية ، فكان فرانك يمارس تسلق الجبال ، ويتدرّب على استعمال الفأس أثناء التسلّق .لم يخطر ببال أحد أن يتساءل عن مصدر دخل فرانك مع أنه ينفق الكثير دون أن تنضب أمواله .لم تدرك سيلفيا أن فرانك كان في الحقيقة عميلاً سوفييتاً اسمه رامون ميركادير ، ويحمل على عاتقه مهمة اغتيال تروتسكي بمساعدة إفريقا دي لاس إراس.
وفي يوم 20 من شهر أغسطس سنة 1940م دخل رامون منزل تروتسكي متسلّحاً بمسدس وخنجر ، وحاملاً فأساً في ثنايا معطفه . ثم توجّه المتآمر إلى غرفة المكتب حيث أخفى الفأس ، وبعد ذلك توجّه لمجالسة تروتسكي دخل رامون مع تروتسكي إلى غرفة المكتب ، وفجأة سمعت زوجة تروسكي ضجة في تلك الغرفة فنادت الحراس واندفعت تفتح الباب ، ويا لهول المنظر الذي شاهدته في الداخل ... فالدم يغطّي المكان بلونه الأحمر القاني
ومات تروتسكي في المستشفى بعد 26 ساعة متاثرا بجراحه بعد ان ضربه رامون بفأس على راسه يوم 21 اغسطس عام 1940م "وبذلك انتهت حياة تروتسكي كمناضل اممي بارز لكن لم ينته الامل بضرورة الثورة الاشتراكية وانهاء الراسمالية .
العظماء لايموتون بل يصبحون اساطير بعد موتهم"



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن