القربان .. بين الرمز والمدلول الحضاري

بير رستم
pirustem@gmail.com

2019 / 8 / 11

كتب الصديق والأستاذ "حسين محمد علي" في صفحته بخصوص "القربان" موضحاً؛ بأن "الأضحية كانت تعبيراً عن قلق وجودي إنساني ومحاولة لتفادي غضب الآلهة ...وذلك في كل الميثيولوحيات في الجغرافيات المتعددة ...محاولة رشوة لآلهة حانقة غاضبة منتقمة بعقوبات جماعية للخلق ...وتطور مفهوم القربان تبعا لتطور الوعي ...فكان القربان في حضارة مايا وأنكا وفي بعض ميتوبوزاميا وحتى في مصر هو الإنسان وبملامح وصور قاسية عند الرومان ...وجاءت الديانات الموحدة فتطور الى حالة من وعي فكري وانقذت الانسان من هذا الطقس الرهيب عند اليهود ثم الاسلام كما في قصة إبراهيم الخليل المشهورة ولليهود تطلب شديد لشروط الأضحية الحيوانية تتعلق بالسلامة الجسدية والجمال وعلى اثرها تقفت الديانة الاسلامية مع تخفيف للشروط ومغريات دنيوية واخروية حتى الوصول الى ارتكاسية العدد سبعة حسب بعض الاجتهادات الفقهية ...".

ويضيف كذلك فيقول: "وما يلفت النظر المعرفي أن مقاربة المسيحية كان انقلابا حقيقيا لمفهوم ومدلولات القربان فالسيد المسيح أعطى للموضوع بعدا رمزيا وحمى الحيوان بأن جعل القربان فقط قطعة من خبز الفطير يقدمها القس لفم المؤمن بيده ...وجرعة من الخمر هي بمثابة دم الاضحية والتي تصل الى ذروة الحالة الإيمانية بأن قدم المسيح دمه لفكرة الخلاص الانساني ...وفي السياق نجد ان الرب رفض قربان قابيل وكان كناية عن فاكهة وخضر من الأرض وقبل قربان هابيل الذي قدم للرب عجلا مما يشي بان الرب كان يرفض دخول البشرية المرحلة الزراعية وهي متطورة عن عن المرحلة الرعوية ...هذا في المنظور الرمزي التاريخي ...وفي الصور المرفقة ...لوحة جديرة بالتأمل ايضا ...لوح حجري لكاهنين زرادشتيين يقودان كبشين للتضيحة بهما واللوح يعود الى فترة ٥٠٠ ق م ...!!".

وقد كتبت له بدوري التعليق التالي: قراءة دقيقة تنم عن خلفية ثقافية عميقة بالقضية .. وللتأكيد على موضوع تقديم الإنسان كقربان بشري، فإننا لو عدنا لأساطيرنا القديمة عن "الديو؛ أي الغول" وحجز المياه وتقديم فتاة جميلة وذلك بهدف السماح للمياه بالجريان من الينابيع المحجوزة، سوف يتوضح لنا المشهد الإنساني القرباني .. أما بخصوص قبول الرب قربان هابيل (الرعوي) مقابل رفض قربان قابيل (الزراعي) ومن ثم قتل الأخير للأول، فإن الأسطورة هنا تجسد الصراع بين الحضارتين؛ الزراعية والرعوية وبالأخير وكما نعرفه من السياق التاريخي، يكون إنتصار الزراعة على الحضارة الرعوية والتي تجسدت في موت هابيل (الرعوي) وقد ذكرت ذلك في إحدى قراءاتي حول المسألة.

وهكذا يمكننا القول: بأن مفهوم القربان يرتبط -من جهة- بالفداء والتضحية والخلاص وذلك على المستوى الإنساني، بينما وعلى المستوى الحضاري، فـه يجسد الصراع التاريخي بين القديم والجديد وإنتصار الأخير ب"قتل" الآخر القديم وولادة الجديد وقد تجسد بطريقة ما في ملحمة "عشتار" وذلك بنزول الأخيرة للعالم السفلي لإنقاذ تموز عشيقها من عالم الموت وهو تجسيد لدورة الزراعة حيث رش البذار وموت البذرة "القديمة" في قلب التربة ومن ثم ولادة السنبلة الجديدة..ويمكننا إسقاط ذلك في الحقل السياسي حيث موت النظم السياسية القديمة القائمة على الدولة المركزية المستبدة التوتاليتارية وولادة نظم سياسية جديدة قائمة على التعددية والتشاركية وذلك وفقاً لمتطلبات المرحلة التاريخية الراهنة ولذلك يمكننا التأكيد؛ بأن سوريا القادمة لن تكون سوريا المكون الواحد، بل سوريا كل المكونات المجتمعية الأقوامية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن