التضخم في مصر

احمد البهائي
f.mrahi@kpnplanet.nl

2019 / 7 / 21

يعرّف التضخم بأنه الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار في دولة ما والناجم عن فائض الطلب عما هـو معروض من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة. كما يعرف بأنه عبارة عن الانخفاض المستمر والمتواصـل فـي القيمـة الحقيقية لوحدة النقد، حيث يمتاز التضخم في مصر بأنه مركب ومتنوع، فالتضخم في مصر، بجانب أنه ناشئ عن الطلب فهناك التضخم النقدي، والتضخم في أسواق السلع (التضخم السلعي والتضخم الرأسمالي)، كذلك التضخم في أسواق عوامل الإنتـاج (التضخم الربحي والتضخم في التكاليف). وما يزيد تميز هذه الأنواع أنها تشترك في خاصية واحدة، وهي عجز النقود عن أداء وظائفها أداءً كاملاً، فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن معدل التضخم العام لشهر يونيو 2019، شهد تراجعاً على المستويين السنوي (ليسجل 8.9% مقابل 13.8% فى يونيو/ حزيران 2018) والشهري (بانخفاض 1% عن شهر مايو/ أيار 2019)، بالنظر إلى الأرقام المعلن عنها، حيث بلغ حجم الانخفاض في معدل التضخم السنوى 4.9%، ومع ذلك من يراقب أسعار أسواق السلع والخدمات، يعلم أنها بعيدة تماما عن تلك الأرقام والنسب المعلنة، لنتساءل من جديد: أي مؤشر رقمي يقاس عليه التضخم في مصر؟
حيث تكتـسب مؤشرات الأرقـام القياسية أهميتها، من خلال مقدرتها على إظهار التغيرات في مستويات الأسعار التي تحدث في الاقتصاد، فكلما كانت تلك الأرقام دقيقة وشاملة، دل ذلك على مقدرتها في عكس التغيرات التي تحـدث فـي القـوة الشرائية للنقود. فمن الملاحظ، أنه يعتمد في عملية قياس ظاهرة التضخم في الاقتصاد المصري على الرقم القياسي لأسعار الجملة والرقم القياسي لأسعار التجزئة، تلك الأرقام المعروف عنها أنه يشوبها بعض القصور وعدم الدقة في جمع بياناتها، وهذا ما تبينه أرقام ومعدلات التضخم المعلن عنها، متجاهلين الاعتماد على رقم قياسي آخر أكثر دقة، وهو الرقم القياسي الضمني، فهو يعد من أكثر الأرقام القياسية استخداما في قياس تضخم اقتصاديات الدول، وتعتمد هيئـات ومنظمـات دوليـة عديدة، وخصوصا صندوق النقد الدولي على هذا الرقم، وذلك نظرا لاحتواء هذا المؤشر على أسـعار جميع السلع والخدمات الموجودة في الاقتصاد القومي، سواء كانت سلعا وسيطة أو إنتاجية أو سلعا استهلاكية نهائية، كما يتضمن أسعار الجملة والتجزئة على السواء، ويتم الحصول عليه من خلال قسمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية علـى الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة مضروباً في مائة، وذلك في سنة معينة أو كل ربع سنوي، فإذا كان ناتج القسمة مساويا 100، فذلك دليـل علـى استقرار مستويات الأسعار، في حين أنه إذا زاد الناتج عن 100، فإن ذلك يؤكد على حدوث ارتفاع في المستوى العـام للأسعار. وعلى العكس إذا كان الناتج أقل من 100، فإن ذلك يدل على حدوث انخفاض في المستوى العام للأسعار.
والدليل على ذلك، أعلن أن معدل التضخم السنوي 2017 و2018 في مصر كان على التوالي 29.5%، 14.4% حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ولكن باستخدام مؤشر الرقم القياسي الضمني، هو في حقيقته أعلى من ذلك، فبقسمة الناتج المحلى الإجمالي بالأسعار الجارية خلال أعوام 2017 و2018 (4.440 و3.475) على الناتج المحلى الإجمالي بالأسعار الثابتة لنفس الأعوام (3.650 و 2.000 ) كل منهما مضروب في مائة، حيث الأرقام مقدرة بتريليون جنيه، تجد أن التضخم على التوالي 173.5%، 122%، أي أن الزيادة عن 100 لأعوام 2017 و2018، كانت 73.5% و22%، ومع توافر بيانات عن الربع الأول والثاني للسنة المالية الحالية 2018/2019، حول الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية (1.404 و1.383) والثابتة (0.951 و0.923 )، تجد أن التضخم للربعين الأول والثاني للسنة المالية الحالية على التوالي 152% و 145%. وهذا يدل على أن معدلات التضخم أعلى من النسب المعلن عنها ، حسب مؤشر الرقم القياسي الضمني، ومن هنا نطالب ببعض الشفافية، وألا تكون البيانات التي يعتمد عليها في قياس التضخم تقتصر على عدد محدود من محافظات الجمهورية، حتى تعكس التغيرات الحقيقية في مستوى معيشة الأفراد، وألا تقتصر على أنماط المستهلكين في الحضر دون الريف، وألا يعتمد فيها على أسلوب العينة في إعداد الرقم القياسي لأسعارالمستهلك، وعدم الاعتماد على الأسعار الرسمية لمبيعات التجزئة التي لا تعكس حقيقة الأرقام الفعلية، وخاصة عند انتشار ظاهرة التعامل في السوق السوداء، أو تحديد الأسعار في السوق، وفقا لقوى العرض والطلب، وذلك حتى لا تشير الأرقام القياسية الى التضخم الظاهر، دون الإشارة إلى التضخم المكبوت، وهذا ما نخشاه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن