جغرافيا ، اقتصاد ، جهاد .

محمد ليلو كريم
Mohemmedlilocream@yahoo.com

2019 / 6 / 24

أنظروا الى الجغرافيا ، وحدِقوا في البلدان ، ومن ثم تأملوا السؤال التالي : هل يتنافر العمل الجهادي مع مناطق الرخاء الإقتصادي ؟ ..
قد يكون هذا السؤال من أهم الاسئلة التي تطال مناطق فعالية الحركات الجهادية .
لا ينبغي للجواب أن يكون حادًا ، واضح اللون ، فالسعودية التي يترأسها نظام يعتبر الوهابية دين الدولة لم تسقط في أتون الإحتراب والنزاع الدموي رغم أن الوهابية دين جهاد ، هذا صحيح ، ولكن تونس الأكثر فقرًا من السعودية لم تسقط في أتون الاحتراب والنزاع ، وكذلك ؛ افغانستان الجرداء سقطت في أتون الاحتراب والنزاع ولحق بها العراق وهو بلد غني ، أي أن الجواب لن يكون قصيرًا مختصرًا ، أو شاملًا نقدر من خلاله مقابلة السؤال الذي استهل المقال ، ولكن جواب مهم يطرح نفسه بوقائع الجغرافيا ، فالدول التي استغرقت طويلًا في الرخاء الاقتصادي كانت محصنة أكثر تجاه العمل الجهادي ، واقصد دول الخليج أضف لها الأردن ، فهل للعامل الاقتصادي دور فعال في ابعاد العمل الجهادي عن بيئته ؟
بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عما يوحي بمشروع أمريكي لدعم اقتصاديات دول المنطقة وقد يبدأ المشروع وينطلق في قمة البحرين ، أو ورشة البحرين ، والورشة اقتصادية الطابع ، ومع أن الإعلام يركز على التفاعل السياسي مع القمة وما ينتقده الفلسطينيون منها ، أو كلها ، ومقاطعة دول اقليمية لها ومشاركة أخرى ، إلا أن للورشة دلائل ينبغي أن ننظر للخلف لبلورة رأي يُضاف لها لدعم رأينا في هذا المقال ، ومع أن كاتب كعكيفا ألدار وهو كاتب اسرائيلي ؛ وجدَ تشابهًا بين القمة المزمع عقدها وقمة الدوحة عام ١٩٩٧ (( ولفت الكاتب الاسرائيلي،  إلى أن "قمة البحرين 2019 شبيهة بقمة الدوحة 1997، خلال الولاية الأولى لنتنياهو في رئاسة الحكومة )) إلا أن الأمر أعمق بكثير ، فقمة عام ١٩٩٧ اشترطت الأرض مقابل السلام وفق قرارات ٢٤٢ و ٣٣٨ ، ويبدو أن أضافة للأرض ستُدرج رشوة كبيرة لإتمام الصفقة ، صفقة القرن ، وأنا هنا لست في محل الحديث عن صفقة القرن أو ورشة البحرين ، فالحديث يتناول موضوع علاقة التنافر بين الرخاء الاقتصادي والعمل الجهادي ، وقلنا أن السعودية الوهابية لم تسقط في فرن العمل الجهادي ولا دول الخليج ، ولا الأردن ، وكذلك تركيا ، وتسائلت : هل يتنافر العمل الجهادي مع مناطق الرخاء الإقتصادي ؟
قد يكون الجواب شافيًا الى حدٍ ما أن تحركنا وفق الفرضية التالية : تأكد للرأسمالية الغربية أن الرخاء الاقتصادي الذي دعمته في شريط الخليج دفع بالفعالية الجهادية الى خارج الشريط ، ولأن المصالح ما عادت تكتفي بشريط النفط ، بل توسعت لتضم مساحات اخرى استجابة لتحقيق مصالح أكبر فالتجربة افضت الى التخطيط لتوسيع مساحة الرخاء الاقتصادي ، وعلى هذا الاساس سنشهد تطورات اقتصادية لصالح بلدان كالعراق والفلسطينيين وسوريا ولبنان ومصر ، شرط أن يُبعَد الفاعل الايراني عن أرض المشروع ، وهنا نفهم تحرك القطعات العسكرية الامريكية الى مقربة من سواحل ايران مع الصبر على الدفاع الايراني العنيف العنيد عن مشروع تصدير الثورة ، فأمريكا ترتأي أن الرشوة الضخمة التي ستشمل حكومات وشعوب ستُحجم مساحة الجهاد ، وثورة الجهاد ( أنتهى نص الفرضية ) .
هناك ما يدعم الفرضية آنفة الذكر ، منها الحملة الجيدة للبناء ومد الطرق في مصر ، وانشاء مدينة نيوم على البحر الاحمر من الجانب السعودي ، وأخبار عن نية قطر فتح اللجوء والتجنيس للعراقيين ، وقد تكون زيارة امير الكويت لبغداد داعمة أيضًا ، وتقديم تسهيلات للعراقيين للتملك العقاري في تركيا ، وفسح المجال من قِبل أمريكا للمزيد من إضعاف السعودية الوهابية ، وما تنبأ به الاقتصادي العالمي طلال ابو غزالة من حدوث أزمة اقتصادية عالمية أكثر قوة من أزمة عام ٢٠٠٨ وما ستكسبه دول الخليج والعراق كدول نفطية من الأزمة بما يضيف عائدات مالية لخزائنها ، ويبدو أن شريط الخليج سيُضاف له العراق وسوريا ومصر ، وسيحرص ترامب كراعٍ أول لصفقة القرن أن تبتدع ايران المجاهدة وكل الجهاد عن أرض المشروع وقد يضطر للعب داخل ايران وتثوير الجهاد في وجه الثورة الاسلامية ، وأن نظرنا الى صعوبة هذا اللعب فهناك صعوبة أخرى ، إنها صعوبة التكهن بالداخل الاسرائيلي ومدى ابتعاده عن عُقّد التاريخ السبطي .
ما التاريخ السبطي ؟
أقصد بالتاريخ السبطي فترة ظهور ذرية الاسباط الاسرائيليين في أرض الميعاد التي دخلوها بعد موت موسى والجيل الذي رافقه بعبور البحر ، فقصة التأريخ السبطي تنقل لنا صراعات اسرائيلية مريرة منذ حكومة داوود وسليمان وما تلتها من حكومات وصراع مملكتي يهوذا واسرائيل وانتهاءً بتواطئ الملوك وبالتوالي ( منحيم بن جادي ، فقح بن رمليا ، هوشع بن أيلة ) مع القوى الخارجية على حساب التماسك الوطني . هل ستداوم اسرائيل داخليًا على استقرار مديد بغياب التهديد الخارجي ؟ .
وصعوبة أخرى ، أنها الأغلبية الشيعية في العراق وما تمثله من حائط صد جهادي بوجه المشروع الأمريكي الاقتصادي لاسيما وأن طهران تدعم عشرات الحركات المسلحة الشيعية العراقية بالمال والحماس .
تتعلق المسألة الاسرائيلية بما سيكون ، بينما المسألة العراقية تتعلق بما هو كائن .
لماذا لا تدعم امريكا قوة الدول ذات الرخاء الاقتصادي لتتمكن من صد هجمة معسكر الجهاد ؟
ما زالت امريكا تُصّر على منع تركيا من اتمام صفقة صواريخ أس ٤٠٠ الروسية .. ماذا يعني هذا ؟
يتمحور أصل المشروع الامريكي حول خدمة صفقة القرن ، ومن الخدمات التي تُقدَّم للمشروع أن يُحاط بجغرافيا ضعيفة ، فالورشة البحرينية تتطلع الى خلق منطقة يُعاد انتاجها بقوة رشوة كبيرة تُمكنها من الدخول في عصر من الرخاء الإقتصادي ، ولكن شرط الرخاء أن يرافقه إرتخاء ، فالشخص العضلي غير الشخص السمين ، أي أن الحال التي تريدها امريكا راعية الصفقة للمنطقة أن تكون مثقلة بالرفاهية لا بالتقدم ، بالترف لا بإستقلالية القرار ، واعتقد أن أمريكا قطعت اشواط في هذا المسعى ، ولم يتبقى إلا ، الأصعب ، نعم ؛ ما تبقى هو الأصعب .
ستُجاهد أمريكا الزمن إذ لم يتبقى على عصر البترول إلا عقد أو أكثر بقليل ، والبترول المصدر الرئيسي حاليًا لتمويل المشروع ( مشروع الرشوة الكبرى ) ، كما وأن تحجيم دور ايران وقطع أذرعها ليس بالأمر الهين ، ويجب أن يحافظ الأمريكي على صورته أمام الخليجيين كقوة لا تُقهر وتستحق التبجيل ، وكذلك التحكم بالتنازع على صدارة المنطقة بين مصر والسعودية وتركيا ، والتناغم مع الإسرائيليين (( (( بناءً على الاستطلاع الذي أجرته صحيفة هاآرتس، في النتيجة، يعتقد 7 في المائة من المشاركين أن الصفقة لصالح إسرائيل بينما يعتقد 31 في المائة أن الصفقة تحبذ الفلسطينيين /Shalev Chemi. "Israelis Support Equal Rights for Reform and Conservative Jews – but Want U.S. Jews to Keep Their Mouths Shut". مؤرشف من الأصل في 27 مارس 2019. اطلع عليه بتاريخ July 4,2018 .. ويكيبيديا .. صفقة القرن )) ، وحماية ما يُشيّد على الأرض من التخريب والفساد ، والتعامل بحرفية عالية طوال فترة حماية المُنجز على الأرض ، وإبقاء السيطرة على القرار الامريكي الداخلي والرأي العام والمعارضين للسياسة الخارجية ، أي أن صفقة القرن كدولة باطنية تحاول جاهدة للإستمرار في استكمال نفسها للوصول الى لحظة الإعلان .
لنرجع الى صلب الموضوع ونطرح السؤال التالي : كيف لمنطقة الرخاء الاقتصادي وهي المرتخية أن تصمد أمام قوة الجهاد ؟
لقد صدرت السعودية تنظيم القاعدة ودعمت حركة طالبان في افغانستان وحركات اخرى في سوريا والعراق ، وصدرت قطر الجهاد ، وسمحت الكويت بمرور الخط الشيرازي المُتشدد والإستثمار على اراضيها والتكسّب اقتصاديًا (( وبعد الضربة التي تلقاها الشيرازيون في إيران غيروا خطابهم بالخليج ، وبدأوا يتبنون خطاباً معتدلاً مع الحكومات العربية . وعاد حسن الصفار للسعودية وتبنى الحوار مع السلفيين والدولة ، وانتقل من مرجيعة آل الشيرازي إلى مرجعية آية الله السيستاني في العراق . كما دخل العديد من شيرازية البحرين في البرلمان وتصالحوا مع الحكومة .
أما النائب الكويتي صالح عاشور الذي يعتبر عراب الشيرازية بالكويت والمشرف على قناة "الأنوار" التي يديرها المليونير الشيرازي الإيراني الأصل ، اسماعيل جنتي ، فيعتبر وجها بارزا في قيادة هذا التيار هناك / العربية نت ، صالح حميد )) ، ووقفت الامارات مع السعودية في الحرب مع اليمن ، ومن خلال هذه الصور نرى ما يعني تصدير الجهاد الذي تبنتّه الدول الخليجية كمشروع إشغال يخدم بالتالي الصفقة القرنية .
لماذا سُمِح لتركيا بالقفز واختصار الزمن في طفرة التقدم الاقتصادي ؟
لماذا سُمِحَ للاردن بتحقيق وضع اقتصادي جيد ؟
لماذا أتيحَ لكردستان العراق بالدخول في وضع اقتصادي جيد ؟
كل هذا وغيره أوجّه المشروع الامريكي الذي عبرّنا عنه ب ( الرشوة الكبرى ) أو تحقيق رخاء اقتصادي يضم منطقة جغرافية كبيرة للشكل الخليجي المُرفّه ، بل أن اعمال السيسي الاقتصادية والمشاريع الكبيرة في مصر وتوقف الاقليم السُني العراقي عن ضرب القوات الامريكية وجهان ايضًا لمشروع أمريكا الاقتصادي في المنطقة وسنشهد بعد ورشة البحرين المزمع عقدها قريبًا تسارع في وتيرة تنفيذ المشروع ومحاولة توفير الرخاء الاقتصادي للفلسطينيين والعراقيين للدخول في مرحلة تالية من المشروع ، فالمشروع يتعلق ب ( صفقة ) ومصطلح صفقة من المُستخدمات الإقتصادية - كما وأن كلمة ( ورشة ) ليست ببعيدة عن الإقتصاد - والقائمون على صفقة القرن لم يستخدموا كلمة ( مشروع ) أو ( معاهدة ) أو ( اتفاقية ) بل استخدموا كلمة ( صفقة ) مما يدعم ما نفترضه من مسعى أمريكي لبلورة رخاء اقتصادي يحيط بجغرافيا الصفقة .
صفقة القرن :
سيحمل مشروع صفقة القرن إسم ( مبادرة الشرق الاوسط ) اثناء مؤتمر البحرين الدولي الذي سيُعقد في ٢٥ و ٢٦ حزيران الجاري في العاصمة المنامة ، وسيتكفل جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي بعرض الصفقة والتي تتضمن ٥٠ مليار دولار تُدفع للفلسطينيين على مدى ١٠ سنوات لتُساهم في اصلاح الاقتصاد الفلسطيني وكذلك انشاء صندوق استثماري عالمي لتمويل هذا التوجه ولدعم دول عربية مجاورة لإسرائيل .
يقول كوشنر : (( أكثر من نصف الاستثمارات سيذهب الى الضفة الغربية وقطاع غزة ، وما نريده ايضًا هو : انعاش اقتصاد الإردن ومصر ولبنان . لأننا أن استطعنا رفع اقتصاد المنطقة بأكملها ، واقتصاد اسرائيل بطبيعة الحال جيد جدًا ، لكن إذا دمجنا كل شئ اعتقد أن هذا سيؤدي حقًا الى ارتفاع كبير في الاستثمار في المنطقة . فرص عمل أكثر ونوعية حياة افضل ، ومزيد من السلام أيضًا كما نأمل )) هذا تحت عنوان : السلام من أجل الإزدهار (( الجانب السياسي والجانب الاقتصادي يُمثلان جهدين قويين جدًا ، واستيعابهما في وقت واحد سيكون صعب جدًا ، لذا أظن انه كان من الضروري فصلهما . باعتقادنا انه من الأفضل وضع الخطة الاقتصادية أولًا لأنها أقل اثارة للجدل ...... كوشنر )) ....
وضِعت صفقة القرن في عهد الرئيس ترامب .
سيتم أخلجّة مساحة أوسع من الجغرافيا الشرق أوسطية وبما يوفر رخاء اقتصادي للمجتمعات ، بشرط اغراءجغرافيا الجهاد ..........



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن