حضارة العرب من منظور التوسع الاستعماري (5)

محمد مبروك أبو زيد
mabozaid52@gmail.com

2019 / 6 / 15

السادة القراء الأعزاء.. عرفنا في المقالات السابقة طريقة العرب الهمجية في اقتحام البلدان المجاورة لهم، وعرفنا كيف كانت حصيلة السبي والغنائم ‏تفوق ملايين المرات عدد الذين يعتنقون الإسلام وسط هذا الجو المشحون بالعنف والدم والغبار، فقد اكتسحت الحصادة العربية الدموية بلاد العراق ‏في البداية عهد الخليفة أبي بكر الذي قيل أنه راشد، وبرغم رشده كانت جيوشه تدعك المدنيين العزل الأبرياء وتسيل دماءهم في كل مكان وتنهب ‏بلادهم وتهتك أعراضهم تحت مظلة الهاد وملك اليمين، ثم انثنوا على الشام فدهسوها بحوافرهم، ثم ومصر وشمال إفريقيا حتى استقروا بضع سنين في ‏المغرب..‏

وبعد استقرار الحكم العربي في شما أفريقيا، يبدأ الحلم الجميل من‎ ‎المغرب لغزو أسبانيا، فمع استتباب الأمر لموسى بن نصير في بلاد المغرب.. ‏هؤلاء طالما كانوا يموتون في هذه الحروب فنحن اعتبرناهم شهداء في سبيل الله بينما هم شهداء في سبيل المال والسلطة والنساء، لأنه ببساطة هناك ‏عصابات المافيا واللصوص وقطاع الطرق الذين يعرضون أنفسهم لمخاطر جمة في سبيل الحصول على المال، وحتى إذا نجوا من الموت فهم معرضون ‏للمطاردة والملاحقات الأمنية طوال العمر، ومع ذلك يجازفون بالموت في سبيل المال، غير أن كافة الشعوب مارست الغزو والعدوان وقدمت تضحيات ‏مماثلة، فالاحتلال الأوروبي للشمال الأفريقي لم يأت ليتسلم هذه البلاد على طبقٍ من ذهب، بل قدم تضحيات من المال والعتاد والأرواح في سبيل ‏الحصول على الثروة، حتى أنه في مطلع القرن العشرين تناقصت شريحة الشباب بدرجة كبيرة جداً، وأصبحت الحدائق العامة ممتلئة بالعواجيز الذين ‏يتجولون بين الأشجار ويستريحون على مقاعد الحدائق بين الفتيات العذارى بدلاً من الشباب لأن الشباب ذهبوا في الحروب الاستعمارية في بلاد ‏الشرق، ولم يبق إلا كبار السن والفتيات والأطفال.. فهل كان هؤلاء شهداء في سبيل الثروة التي جلبوها لوطنهم بريطانيا العظمى؟ غير أنه معروف أن ‏كل غازٍ محتل يدخل بلداً فحتماً سينشر فيها ثقافته ولغته ودينه، حتى وإن لم يُكره أحداً على هذه اللغة أو الدين، ففرنسا لم تكره الجزائريين على ‏التحدث بالفرنسية، ولكنهم تحدثوا، حتى أن الأتراك عندما احتلوا مصر نشروا ثقافتهم ولغتهم واقتبسوا حضارة المصريين وفنونها، فطبيعة كل محتلٍ أن ‏ينشر ثقافته، لكن هناك فارق بين من ينشر ثقافته مع احتلال الشعوب ونهب الثروات، وبين من ينشر ديناً لله.‏

‏ كانت النية قد اتجهت إلى عبور‎ ‎البحر والدخول إلى القطاع الجنوبي من إسبانيا، لذلك أخذ موسى ابن نصير في الإعداد للغزو،‎ ‎وكان قد اختار ‏مولاه طارق زياد، لما اشتهر عن هذا القائد من شجاعة وبلاء حسن في‎ ‎ساحات الوغى، لقيادة الحملة على الأندلس‎.‎‏ وكان طارق يقود جيشا معظمه ‏من‎ ‎البربر ( يقول الرواة أن الجيش الذي غزا الأندلس كان بأكمله من البربر،‎ ‎الأمر‎ ‎الذي يرجح عند البعض أن طارق كان بربريا وإلا ما كان باستطاعته ‏قيادتهم وهم‎ ‎المعروف عنهم ميلهم الأصيل للتمرد والعصيان).‏

وفي عام 711 م، كانت هناك أربع سفن تمخر عباب البحر متجهة إلى الأندلس بجيشٍ‎ ‎قوامه سبعة آلاف مقاتل، منهم ثلاثمائة رجل فقط من ‏العرب، وكان "يليان حاكم مدينة طنجة المغربية" هو المسئول‎ ‎المباشر عن توفير هذه السفن للمسلمين‎.‎‏ يقول ابن عذارى إن يليان كان يحمل ‏‏"أصحاب‎ ‎طارق في مراكب التجارة التي تذهب إلى الأندلس، ولا يشعر أهل الأندلس بذلك ويظنون أن‎ ‎المراكب تذهب للتجارة، فحمل الناس أفواجا ‏أفواجا إلى الأندلس‎".‎

وهنا نقف وقفة خفيفة على أعتاب الأندلس التي تم فتحها لنشر الإسلام، ومن المفترض بداءة أن العرب هم من ينشرون دينهم لأنهم الأكثر ‏علماً وفقهاً به من غيرهم وهم من عايشوا الرسول عن قرب ويفهمون أحكام القرآن وتعاليمه السمحة، ومن المفترض أن يشكل العرب لجنة أو مجموعة ‏من الحكماء والمثقفين والعارفين بشؤون الدين الإسلامي ويرسلونهم إلى البلاد لتعريف الشعوب بأحكام ومبادئ وقيم هذا الدين، ومن الطبيعي أن ‏هؤلاء الشيوخ عند دخولهم بلداً أن يستأذنوا للضيافة وفقاً لآداب الإسلام، ثم ينتشروا بين الناس، ويندمجون في معاملاتهم ليعرفوهم بالدين الجديد كما ‏فعل رسول الله عليه السلام في مكة والمدينة المنورة.. إنما العرب جلسوا في قصورهم وحولهم الخدم والسبايا الجميلات وجندوا البربر لغزو الشعوب، وهم لا ‏يعرفون أي شيء عن الإسلام، حتى أنهم دخلوا الأندلس بطريق الغش، حيث تفرقوا فرادى ومجموعات اندست في السفن التجارية واختبأوا في الأندلس ‏حتى وصل طارق بجيشه فجأة في أربع سفن، فتجمع الجميع وكونوا جيشاً داخل الأراضي الإسبانية وفاجأوا (العدو) واحتلوا بلاده لينشروا فيها ‏الإسلام!.‏

فطارق ابن زياد هو نسخة حربية ثانية من خالد ابن الوليد، وهتلر، وما الفارق بينهم إلا أن خالد صحابي جليل، يجيد العربية ولا يجيد ‏الإسلام.. أما هتلر فلا يتكلم العربية لكنه يحب الإسلام أكثر من خالد، على الأقل كان هتلر يحترم صلاة المسلمين ويأمر مساعديه بالسماح لهم ‏بالصلاة في مواقيتها، بينما خالد الوليد كان يفطر رمضان من أجل الحرب.. أما طارق زياد لا يجيد العربية ولا الإسلام، ومع ذلك قام بشحن جنوده ‏‏(الدُعاة) على مراحل خلسة في السفن التجارية إلى الأندلس واستغل ظروف البلد الداخلية واضطرابات الثورة التي كانت مشتعلة في أسبانيا، وقد حمل ما ‏يقارب الخمسة آلاف جندي جملة في سفنه كمرحلة أخيرة لنقل جيشه إلى أسبانيا لمباغتة الأسبان على حين غفلة من أمرهم، واتفق مع الملك المخلوع ‏على الهجوم على بلاده، ثم بعد النصر المزيف يقوم جيش المسلمين بالغدر بالملك المخلوع عند تقسيم الغنائم، فينقض المسلم عليه في غفلة من أمره ‏ليهزمه ويستولى على الغنائم كلها وعلى البلد كله، وهكذا يكون قد نشر فيها الإسلام! وهذا ليس نشراً للإسلام ولا دعوة إلى سبيل الله بالحكمة ولا ‏بالموعظة الحسنة، هذه من أبشع عمليات السطو المسلح في التاريخ. ثم بعد ذلك يقوم بحمل السبايا من النساء الحسناوات والأطفال والغلمان إلى أمير ‏المؤمنين الخليفة الذي ينتظر في العاصمة الإسلامية دمشق! فما ذنب هذه الأسر التي تشردت أو ما ذنب النساء والأطفال إذا قُتل آباءهم وأزاوجهم في ‏الحروب أن يتم استعبادهم وبيعهم في أسواق النخاسة في شبه الجزيرة العربية أو ما ذنب طفل أو طفلة إذا رفض والده أو والدها دفع درهم جزية وتمسك ‏بشرف الدفاع عنهم أن يتم خطفها وتشريدها واستعبادها وبيعها في أسواق العبيد العربية؟ هل هذا هو الإسلام؟ فإذا قلنا أن هذا هو الإسلام، فذلك ‏يعني أحقية الشعوب الأخرى في أن تفعل ما فعله العرب بهم.. لأن خير موارد العدل القياس على النفس.. إن هذا التاريخ الدموي القبيح لا يمثل ‏الإسلام.. وإنما يمثل العرب في شبه الجزيرة ومن عاونهم، فلهم الحق اليوم بأن يفخروا ويفتخروا ببطولاتهم وتوسعاتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية.. ‏برغم أن العرب لم يعرفوا معنى الاقتصاد ولا الحضارة، لكن فقط قام اقتصادهم على ما جنوه من خطف النساء والأطفال وتجارة البشر وأسواق النخاسة ‏التي ملأت مدنهم، وكانت مصدر الدخل القومي لهم.‏

ومع وصول القوات‎ ‎العربية إلى أراضي الأندلس، تبدأ الاشتباكات المتتالية بين المسلمين والأسبان،‎ ‎والتي تنتهي بأكبر جولة كانت بين الفاتحين ‏وبين قوات الأسبان بقيادة "لذريق"، استمرت هذه المعركة‎ ‎حوالي ثمانية أيام، انتهت بهزيمة قوات الأسبان وتراجعت صفوفهم‎ ‎‏ والمسلمون لا يرفعون ‏السيوف عن رقاب الأسبان لمدة ثلاثة أيام. ويواصل‎ ‎طارق زياد مسيرته نحو مدن الأندلس، فيتجه إلى "طليطلة" لكن قصة الفتح لا تنتهي عند هذا ‏الحد. إذ ظلت الحرب‎ ‎دائرة إلى أن استكمل موسى بن نصير جهود طارق، ومن بعدهما عبد العزيز موسى الذي‎ ‎استكمل الفتح العربي للأندلس حين ‏بسط نفوذ المسلمين على الجانب الغربي من الأندلس‎ ‎‏(البرتغال حاليا).‏

لتبدأ بعثات السبايا؛ خطف الأطفال والنساء والفتيات وإرسالهم إلى عاصمة الخلافة الأموية على فترات دورية مع الكنوز والأموال وحصيلة ‏الخراج والجزية والإتاوات وما تمت مصادرته من أموال، ثم قام الخليفة باستدعاء طارق زياد وقائده موسى نصير إلى عاصمة الدولة الإسلامية لمكافأتهم ‏على نشر الدين الإسلامي في غرب أوروبا وبلاد الأندلس.. وبالفعل تحركوا واحداً تلو الآخر مع إحدى حملات السبايا والغنائم، وقام الخليفة باعتقال ‏موسى ابن نصير وتجريده من كل شيء وأودعه السجن، حيث اتهم الخليفة موسى وطارق بالاستحواذ على بعض الغنائم والسبايا، لأنهم لم يرسلوا له ما ‏كان ينتظره منهم، فكافأهم على ذلك.. وانتهت الأيام بموسى وقد وصل عمره الخامسة والسبعين يتسوَّل في الشوارع والطرقات ويستجدي قوت يومه ‏بعدما نشر الإسلام في ربوع الدنيا كلها!.‏

وبقي الإسلام منتشراً في أوروبا على يد المجاهدين في سبيل الله، حتى أن كل من أسلموا خلال المائة سنة الأولى لم يتجاوز عددهم أقل من 1% ‏من سكان الأندلس، ومع ذلك أخبرنا الفقهاء أن المجاهدين ذهبوا إلى الأندلس لنشر الإسلام ! وأن الفتوحات جاءت لإزالة العقبات من طريق ‏الدعوة!، فلماذا لم ينشروه ؟ كيف دخل سبعة آلاف مجاهد في سبيل الله وعملوا على نشر الدعوة خلال مائة سنة، وفي النهاية أقل من 1% فقط من ‏الشعب الأندلسي؟ بينما أعداد السبايا والعبيد تفوق أعداد من أسلموا بآلاف المرات، فهل ذهبوا حقاً لنشر الإسلام ؟ ‏

هذا هو الفصل الأول من الحلم، فصل شديد القوة، تظلله أسماء‎ ‎حفها الاحترام والإجلال لشجاعتها وقوة شكيمتها (مع الأعداء) ونخوتها ‏واعتزازها القوي بعروبتها وإسلامها‎.‎‏ وكما يقول العلماء بأن الفتوحات لم تكن لإكراه الشعوب على الإسلام وإنما كانت لإزالة العقبات أمام انتشاره ‏وقتل الممانعين له، على اعتبار أن حكام هذه البلاد قد وقفوا في وجه الناشرين العرب ومنعوهم من نشر الإسلام في بلادهم ولهذا تدخل العرب بالحرب ‏لإزالة العقبات ! هل كانت العقبات متخصصة لدعاة الإسلام دون غيره من الأديان؟ فلماذا انتشر تلاميذ المسيح في كل الدنيا ونشروا دينهم دون ‏عقبات؟ ولم يضطروا لخوض سلسلة مريرة من الحروب وبحور خلفها من الدماء؟ أم أن كل واحدٍ منهم اصطحب جيشاً جراراً خلفه لإزالة العقبات كما ‏لو كان كاسحة جليد؟ أم أن الله أرسل التوراة بالسلام وأرسل الإنجيل بالسلام وأرسل القرآن بسيوف العرب؟ فالرسالة هي الرسالة، والعبادة هي العبادة، ‏والإله هو الله، وما القرآن إلا خاتم الكتب والرسالات.‏

‏ لكننا نتساءل؛ أي عقبات هذه التي تمت إزالتها إذا كانت الشعوب لم تدخل في الإسلام حتى بعد أن فتحها العرب وعاشوا فيها مئات ‏السنين، فإذا قلنا أن الفتوحات كانت لإزالة الموانع أمام نشر الإسلام، فهذا معناه أنه بمجرد إزالة هذه العقبات والموانع فإن الناس سيدخلون في دين ‏العرب أفواجاً، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً؛ لأن نسبة الذين اعتنقوا الإسلام في هذه الشعوب بعد فتحها وخلال المائة العام الأولى كالآتي: في فارس ‏‏(إيران) كانت نسبة المسلمين فيها هي 5%، وفي العراق 3%، وفي سورية 2%، وفي مصر 2%، وفي الأندلس أقل من 1‏‎%.‎‏ خلال مائة عام من ‏وجود العرب المسلمين في هذه البلاد.. في حين أن الضحايا الذين قتلوا دفاعاً عن بلادهم وأعراضهم وأموالهم كانت نسبتهم تفوق هذه الأعداد بكثير؛ ‏إذ أن خالد الوليد قتل ما لا يقل عن 400 ألف نسمة خلال عامٍ واحد في فتح العراق وأجزاء من فارس، وعدد الذين اعتنقوا الإسلام على يده لا ‏يتجاوز 1% ممن قتلوا على يده.‏

‏ أما الفصل الأخير من الحلم كان على النقيض تماماً.. منتهى‎ ‎الضعف والتخاذل والتشرذم إلى دويلات لم تكن قادرة، وهي منعزلة عن بعضها ‏البعض، أن تتوقف أمام حركة الاسترداد الأوروبي لأراضي شبه الجزيرة الأيبيرية (يرى المؤرخون‎ ‎الأسبان أن هذه الحركة تبدأ من معركة "كوفا دونجا" أو ‏مغارة دونجا وفيها انهزم ابن‎ ‎علقمي اللخمي شر هزيمة من قوات "بلايه"، وانتهت بتأسيس أولى الإمارات المسيحية في‎ ‎شمال الأندلس). وبنفس العوامل ‏التي كانت الساعد الأيمن للمسلمين في فتح الأندلس (الخيانة)،‎ ‎سقط العرب بخيانة بعضهم بعضاً.. بعد أن عاشوا في الأندلس ما يقارب ثمانمائة عام ‏كاملة.. لكن هذه الفترة من الزمن لم تمر مرور الكرام، بل اتصفت بذات طابع الصراع والعنف الدموي والنزاعات السياسية والعسكرية والتفتت.. حتى ‏رحل العرب واستعاد الأسبان بلادهم مرة أخرى.(1)وعاش العرب يبكون على اللبن المسكوب بقية الدهر..‏

نشر العرب دينهم في بلاد الأندلس واطمأنوا خلال 800 سنة، ثم جاء رد الفعل من الأسبان بمحاكم التفتيش" التي أقامتها الكنيسة ‏الكاثوليكية في القرون الوسطى، كانت تهدف إلى تطهير المجتمع المسيحي ممن اعتبروهم (الكفار). وهؤلاء الكفار هم الذين تركوا المسيحية واعتنقوا ‏الإسلام، وغيرهم من اليهود.. كان المسيحيون الأسبان يعتبرون كل من لا يؤمن بدينهم كفار، كما اعتقد العرب وقاتلوا نصف العالم بذات الفلسفة ‏الفاسدة.. كل الفارق بين فتح العرب واسترداد الأسبان هو السبايا.. فالعرب عندما دخلوا الأندلس نهبوا الدور والقصور والكنوز وخطفوا الأطفال ‏والنساء والفتيات واغتصبوا ما طاب لهم، وامتلأت بيوتهم بالعبيد والخدم وامتلأت أسواقهم أيضاً بالعبيد، بينما الأسبان اكتفوا بطرد العرب، وحافظوا ‏على القصور والكنوز، جعلوها متاحف تستقطب السياح من كل أرجاء العالم، خاصة السياح العرب لمن أراد البكاء على المجد الضائع..‏

لكن الأمر لم يتوقف عند محاكم التفتيش التي أسسها الصليبيون لمن اعتبروهم "كفار " (المسمين واليهود) بل جاءت خطوة استباقية للفتوحات ‏الصليبية في الشرق.. في بلاد العرب.. في هجمة ارتدادية لنشر الدين المسيحي في بلاد العرب وحماية مقدساته في مدينة القدس !.. ففي الوقت الذي ‏كادت تنتهي فيه صفحة العرب في أوروبا، كانت أوروبا تفتح الصفحة التالية في الشرق، وتتابعت الحملات الصليبية على بلاد المسلمين باسم الدين ‏أيضاً.. وهكذا استمرت الحملات وحملات ارتدادية.. وجميعها باسم الدين، وجميع الأديان منها براء. فإذا اعتبرنا عصر الفتوحات والبغي والعدوان العربي ‏والخلافة السلالية الاستبدادية هو عصر العزة والكرامة ورفعة شأن الإسلام، فمن حق المسيحيين أن يفتخروا ويتفاخروا اليوم بحروبهم الصليبية التي ‏اجتاحت العالم باسم الصليب ومن أجله ، من حق الأسبان أن يفتخروا باسترداد بلادهم من يد العرب بعد مرور ثمانية قرون، ومن حقهم أن يبرروا ‏محاكم التفتيش التي أقاموها للكافرين في طول البلاد وعرضها (المسلمين واليهود ). ‏

أما في جهة الشرق، فقد كان الوضع أسوأ حالاً.. فإذا عدنا إلى عصر الثقافة الهندية قبل الإسلام سنجدها كانت في العموم ثقافة تحمل طابع ‏الخير ومُحبّة للعلوم والمعرفة والتعلُّم أكثر بكثير مما كان عليه العرب من حياة البادية والشظف والجهل وهجمات السبي القبلي والصراعات الطائفية.. كان ‏في الهند حضارة مزدهرة وقصور ومكتبات عامرة. ومنذ عهد‎ ‎الدولة الأموية، مروراً‎ ‎بالمغول، إلى حكم‎ ‎باهادر شاه‎ (1858)‎، الذي يعتبرونه قائداً عظيماً، ‏مدن بأكملها تم حرقها، وتم عمل إبادة جماعية بحق السكان، مئات الآلاف كانوا يقتلون مع كل حملة عسكرية، وأرقام مماثلة لبشر تم ترحيلهم كعبيد إلى ‏شبه جزيرة العرب في حملات متتالية، كل غازٍ يعمل تلاله الخاصة من جماجم الهنود، كانوا يتعاملون معهم وكأنهم أقل من الحيوانات.. لم تكن هناك رحمة ‏ولا إنسانية.. فالقتل والذبح كان جزاء من لا يؤمن أو يدفع. وهكذا كان غزو أفغانستان في عام 1000م الذي جاء لاحقا لإبادة الهندوس، والمنطقة ‏كانت لا تزال تسمى‎ ‎‏(هندو كوش)،‎ ‎أي ذبح الهندوسي.‏

وتوجد أدلة على أكبر إبادة جماعية للسكان في تاريخ العالم من روايات شهود العيان التاريخية المعاصرة. المؤرخين وكاتبي السير من الجيوش الغازية ‏وحكام الهند تركوا الكثير من السجلات المفصلة للفظائع التي ارتكبوها أثناء مواجهاتهم يوما بعد يوم مع الهندوس في الهند‎.‎‏ هذه السجلات التاريخية ‏المعاصرة كانت تتفاخر وتقوم بتمجيد الجرائم التي تم ارتكابها - الإبادة الجماعية بحق عشرات الملايين من الهندوس، الاغتصاب الجماعي للنساء ‏الهندوسيات وتدمير الآلاف من المعابد والمكتبات .‏

عرفان حسين‎) ‎في مقالته‎ (‎‏(شياطين من الماضي)‏‎ ‎كتب‎: "‎‏ الأحداث التاريخية يجب أن يتم الحكم عليها في إطارها الزمني، فلا يمكن الإنكار أنه ‏وحتى في تلك الفترة الدموية من التاريخ، لم يتم إظهار أي رحمة للهندوس قليلي الحظ الذين كانوا معبراً للفاتحين العرب لبلاد السند والبنجاب، أو ‏القادمين من آسيا الوسطى و اجتاحوا المنطقة من أفغانستان.. الأبطال المسلمين الذين لهم صورة أعظم من الحقيقة في كتب التاريخ ارتكبوا جرائم ‏مروعة‎. ‎‏ محمود الغزنوي،‎ ‎قطب الدين أيبك،‎ ‎بالبان،‎ ‎محمد قاسم، والسلطان‎ ‎محمد توغلاق، كلهم لديهم أيدي ملطخة بالدماء لم يمسحها تقادم السنين عبر ‏الزمن.. بالرؤية عن طريق عين هندوسية، فإن الغزو العربي لبلادهم كان كارثة تامة. معابدهم تم تدميرها، رموزهم الدينية تم تحطيمها، نسائهم تم ‏اغتصابهن، رجالهم تم ذبحهم أو أخذهم كعبيد. عندما دخل‎ ‎محمود الغزني‎ )‎سومناث‎(‎‏ في إحدى غزواته السنوية، ذبح 50,000 وهم كل سكانها‎. ‎أيبك‎ ‎قتل واستعبد مئات الآلاف. قائمة الرعب طويلة و موجعة. هؤلاء الفاتحين الغزاة برروا أفعالهم بأنها واجب ديني مقدس لضرب غير المؤمنين. عن طريق ‏وضع أنفسهم في خانة الإسلام، زعموا بأنهم يحاربون من أجل معتقدهم، وفي الحقيقة كانت الرغبة في الذبح والسلب والاغتصاب هي الواضحة‎..."‎

أما المؤرخ الفارسي (وساف‎ (‎كتب في كتابه أنه عندما قام‎ ‎علاء الدين الخلجي‎ ‎وهو (حاكم من‎ ‎سلالة الخلجي‎ ‎في الهند من أصول أفغانية تركية ‏‏1295-1316 بعد الميلاد باقتحام مدينة‎ ‎كامبايات‎) ‎على رأس خليج‎ ‎كامباي ‏‎(‎‏ قتل الذكور البالغين من السكان من أجل عظمة الإسلام، و أجرى ‏أنهاراً من الدماء، و أرسل نساء المدينة مع ذهبهن وفضتهن وجميع مجوهراتهن إلى بلده، و ألحق حوالي عشرين ألف نسمة من الهندوس إلى طاقم الخدمة و ‏العبيد الخاصة به.. الهند لديها تاريخ ثقافي عميق. هذه الثقافة كانت متداخلة في أعمال بديعة في الثقافة والفكر وحرية العبادة والحرف الفنية. قبل وبعد ‏وخلال الأيام الأولى للإسلام، استمر العلماء الهنود عملهم في العلوم، الرياضيات وما تشمل من (الصفر، الجبر، الهندسة، النظام العشري، ما يسمى ‏بالأرقام "العربية" وهي في الحقيقة أرقام هندية!)، الطب، الفلسفة.. إلخ، وحتى في بلاطات وحكم الآخرين (كالمسلمين في بغداد مثلا.). الآخرين كانوا ‏يأتون إلى الجامعات الهندية، الأطفال الهنود (الذكور والإناث) كانوا متعلمين في نظام تعليمي حكيم يحتوي على طيف واسع من المواضيع العلمية مثل ‏العلوم و الطب و الفلسفة. الفن و العمارة الهندية كانت رائعة. كانوا شعبا مزدهراً. إلى أن جاء الإسلام - ذبح، استعباد، اغتصاب، عنف، نهب، ‏تدمير للمواقع الدينية والحضارية الفنية والمعمارية، فقر، استغلال، إهانة، مجاعة، تحويل قسري للدين الإسلامي، انحدار في الأنشطة الذهنية، تدمير ‏اجتماعي واستفحال الأمراض الاجتماعية. في الإسلام، تم اعتبار أن كل شيء غير إسلامي هو من زمن - الجاهلية - ويجب تدميره (أو الاستيلاء عليه ‏وتسميته معلم إسلامي!)، أفغانستان الهندوسية تم تدميرها و تم إنشاء باكستان، كشمير، و بنغلاديش على أنقاضها. كان ثمن الغزو الإسلامي هائلا ‏في الأرواح، الثروات والثقافة. تقديرات تقترح أن مابين 60 إلى 80 مليون قد قتلوا على يد الغزاة المسلمين وحكامهم مابين عامي 1000 و 1525 ‏وحدها (خلال 500 عام انخفض التعداد السكاني بشكل مخيف‎(‎‏.‏

كانت تلك عينة بسيطة من شهادات شهود العيان المعاصرين ومن الغزاة (الفاتحين) والحكام و مساعديهم أثناء حملات الغزو الإسلامي للهند‎.‎‏ ‏والحاكم الأفغاني المسلم محمود الغزنوي غزا الهند ما يقارب 17 مرة مابين العام 1001 والعام 1026 م. ووثق وزيره الأحداث التي قاموا بها يوماً بيوم ‏في كتاب‎ ‎تاريخ يميني، وثق العديد من الحلقات الدامية للغزوات العسكرية، وكتب متفاخراً يقول: ‏‎"‎دماء الكفار تدفقت بغزارة (في مدينة‎ ‎تهانيسر‎ ‎الهندية) ‏حتى أن التيار كان مشوهاً، على الرغم من نقاوتها كان الناس لا يستطيعون شربها... الكفار هجروا الحصن وحاولوا عبور النهر.. لكن العديد منهم تم ‏قتلهم، وأسرهم، أو غرقوا... تقريبا 50 ألف رجل قتلوا " (2).‏

وهذا المشهد البشع الذي يتفاخر به الوزير المجرم، هو ذات السيناريو الإجرامي الذي ارتكبه خالد ابن الوليد في موقعة نهر الدم خلال الفتوحات ‏العربية في عهد الخليفة الأول. كانت الكارثة أنهم يرتكبون الجرائم دون أن يشعروا بمدى الجرم وانعدام الإنسانية.. فالسمة المشتركة بينهم جميعاً أنهم ‏يتباهون بالذبح والدماء، خاصة عندما تسيل في الأنهار.. لدرجة أن الإرهاب المعاصر "داعش" حاولوا إعادة تجسيد هذه المشاهد مرة أخرى ليمتعوا ‏نفوسهم بالذكرى الجميلة، فلم يجدوا نهراً قريباً منهم، فأخذوا الشباب العراقيين وأوقفوهم صفوف مقيدين بالسلاسل على حافة حمام سباحة، وأخذوا ‏يضربونهم كل واحد رصاصة في رأسه على حافة الحمام ليسقط في المياه، كي يستمتعوا بمشهد اختلاط الدم بالمياه الذي كان يستمتع به سلفهم الفاتحون ‏الأوائل.. وقاموا بكل فخر بتصوير هذه الجريمة ونشر مقطع فيديو على الشبكة كي يرعبوا العالم، كما فكر خالد وغيره، كان المشهد بشعاً للغاية، لدرجة ‏أن شركة جوجل وفيسبوك ويوتيوب قامت بحظر الفيديو لبشاعته وحتى لا يزعج الناس، فالنفوس السليمة بالفطرة لا تتحمل هذا الكم من البشاعة ولو ‏مجرد المشاهدة، بينما النفوس المريضة هي التي تتفاخر وتستمع بالممارسة والتعذيب والقتل ومنظر الدماء. ثم عندما يعترض المسلمون على ما تفعله ‏إسرائيل بأشقائنا الفلسطينيين وأطفالهم، فيأتي الرد تلقائياً أن المسلمين قد استعمروا أجزاء واسعة من العالم بوحشية وقتلوا وذبحوا ملايين سابقًا، فلماذا ‏يشجبون الآن الممارسات ذاتها بعد أن صاروا ضعفاء غير قادرين على مواجهتها‎.‎

وأما عن الفتوحات في الجانب الآخر من العالم، فكان لها شكلٌ آخر لا يقل بشاعة وإجراماً عن الوضع في الشرق، " فقد استطاعت قوات محمد ‏الفاتح (السلطان العثماني)، عبر مدافعها أن تخترق حصون القسطنطينية، التي تمنعت على المسلمين قرونًا طويلة‎.‎‏ دخلت القوات المسلمة، وقتلت ‏الآلاف حتى بعدما توقفت كل محاولات الدفاع عن المدينة، وأسروا كل بالغ يُنتفع به في العمل غنيمة، واغتصبوا النساء؛ حتى الراهبات منهن تم ‏اغتصابهن بعنف، ولم تهدأ تلك الثورة الجنسية، إلا حين وجد محمد الفاتح أحد جنوده يُتلف الممر الرخامي لكنيسة آية صوفيا، فغضب بشدة وأمر جنوده ‏أن يلتزموا الهدوء، فالغنائم لا بد أن تُصان حتى ينظم أمرها السلطان‎".‎‏ ! هكذا كان الفتح باسم الدين !‏

أما مدينة فاما جوستا الواقعة في قبرص، فسقطت في يد القوات العثمانية المسلمة، بعد حصار دام عامًا بأكمله‎.‎‏ يدخل المسلمون فيعاقبوا قائد ‏فاما جوستا “مارك أنطونيو براغادينو” الذي دافع عنها ببسالة لمدة عام، كان العقاب هو قطع أنفه وأذنيه، وإبقائه على قيد الحياة لأكثر من أسبوع ‏وهو على هذه الحالة، ومن ثم تم سلخه حيًّا، وتم حشو جسده المسلوخ بالقش، وأُرسل الجسد إلى القسطنطينية بعد ذلك ليبقى تذكارًا خالدًا للنصر‎.‎‏ !‏

في حين أننا لو عدنا سنجد "وصايا رسول الله عندما يُرسل الجيوش في الحرب والقتال وعند النزال" قال رسول الله محمد صل الله عليه وعلى آله ‏وصحبه وسلم يوصي الجيش في غزوة مؤته: «أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً ‏فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً». وقال أبو بكر الصديق (لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا ‏مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مُثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ولا تٌغرقوا نحلاً ولا تحرقوه). وعَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: ‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا ‏وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ".‏

فـالحرب عند المسلمين دائماً اضطرارية؛ كـ ضرورة الدفاع عن حرية العقيدة وحرمات المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأراضيهم والدفاع عن بلاد ‏الإسلام والمسلمين أينما كانوا بشكل عام. لا مبادأة للقهر والظلم. إن مشروعية القتال في الإسلام تختلف عن غيرها من الأنظمة والقوانين، ومن شاء ‏أن يدرس طبيعة المعارك التي دارت في عصر النبي عليه السلام؛ فجميعها كانت حروب دفاعية لا هجومية فيها أبدا. ورؤية رسول الله (ص) للدوافع التي ‏ينبغي أن تقوم الحرب من أجلها واضحة؛ وهي دوافع لا يُنكرها منصف، ولا يعترض عليها محايد، وهذه الدوافع تشمل ردّ العدوان، والدفاع عن النفس ‏والأهل والمال والوطن والدين.‏

إن المتأمل لحروب رسول الله محمد عليه السلام ضد أعدائه سواء المشركين، أو اليهود، أو النصارى، ليجِد حُسن خُلق رسول الله عليه السلام مع ‏كل هؤلاء الذين أذاقوه ويلات الظلم والبطش، كما كان رسول الله في كل حروبه عادلاً لا يظلم أحد فإذا تأمّلْنا وصايا رسول الله(ص) للجيوش ‏المجاهدين نجد كمال الأخلاق ونُبل المقصد، ولم تكن حالات الحرب والقتال لتُخرِجَ النبي محمد عليه السلام عن أخلاقه السامية، وعن رحمته عليه السلام ‏التي يَتَحَلَّى بها حَالَ السَّلْم؛ لذا فقد كان يرحم الغِلمان وصغار السن الذين لا يملكون أمرهم، كما كان الرسول عليه السلام يوصي بالنساء وينهى عن ‏قتل النساء فلا يجوز أن تتعدَّى الحرب إلى المدنيين الذين لا يشتركون فيها من الشيوخ والنساء والأطفال والعجزة، أو العُبَّاد المنقطعين للعبادة، أو ‏العلماء المنقطعين للعلم، لأن القتال هو لمن يقاتلنا فقط.‏

لم تكن حروب الرسول عليه السلام حروب تخريب كالحروب المسماة بالفتوحات التي حرص فيها المقاتلون على إبادة مظاهر الحياة لدى ‏خصومهم، وقتلهم واستعبادهم وأسر أسرهم وأطفالهم وخصيانهم، بل كان النبي عليه السلام والمسلمون يحرصون أشدّ الحرص على الحفاظ على العُمران ‏في كل مكان، ولو كان بلاد أعدائهم ،وظهرت رحمة الرسول عليه السلام في حرصه حتى على القتلى ، وكذلك على مشاعر ذويهم؛ لذا فقد نهى ‏الرسول عليه السلام عن المُثْلَة أي تشويه جثث القتلى، فعن عمران الحصين رضي الله عنه: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ ‏الْمُثْلَةِ". ورغم ما حدث في معركة أحُد من تمثيل المشركين كفار قريش "بـ سيد الشهداء أسد الله وأسد رسوله حمزة عبد المطلب هاشم رضي الله عنه" عَمِّ ‏رسول الله محمد عليه السلام، فإنه عليه السلام لم يُغَيِّر مبدأه، بل حرص على النهي عن المُثلة أي تشويه جثث القتلى حتى مع المشركين، ولم يَرِدْ في ‏التاريخ حادثة واحدة تقول: إن المسلمين مَثَّلوا بِأحدٍ من أعدائهم .‏

أما على الجانب الآخر، فقد جاء رد الفعل على العرب في عقر دارهم، في عاصمة الخلافة العباسية ذاته، حيث تفاجأ الجميع بقدوم المغول.. ‏وﻳوﻡ ﺩﺧﻞ ﻫوﻻﻛﻮ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺓ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﺠﻨﻮﺩﻩ ﺍﺑﻘﻮﺍ الخليفة ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﺣﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺪﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﻣﺎﻛﻦ ﻛﻨﻮﺯﻩ.. ﻭﺫﻫﺐ ‏ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﺩﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ مخابئ ﺍﻟﺬﻫﺐ ﻭﺍﻟﻔﻀﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﺎﺋﺲ ﻭﻛﻞ ﺍﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻤﻴﻨﺔ في ﺩﺍﺧﻞ ﻭﺧﺎﺭﺝ ﻗﺼﻮﺭﻩ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ أﻥ ﻳﺼﻞ إﻟﻴها ﺍﻟﻤﻐﻮﻝ ﺑﺪﻭن إرشاده، ﺣﺘﻰ أﻧﻪ أﺭﺷﺪﻫﻢ إﻟﻰ ﻧﻬﺮ ﻣﻄﻤﻮر ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻫﺐ ﺍﻟﻤﺘﺠﻤﺪ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ، كان الذهب مطموراً في نفق عميق تحت حمام ‏سباحة بالقصر، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻟﺠﻨﻮﺩﻙ ﻟﻜﺎﻧﻮﺍ ﺣﻤﻮﻙ ﻣﻨﻲ.. ﻟﻢ ﻳﺒﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻨﻮﺯ ﻭﺍلأﻣوﺍﻝ والبلاد والعباد، ‏ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺑﻜﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﺧﺬ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﻳﺴﺘﻌﺮﺽ نساءه الجميلات ﻭﻋﺪﺩﻫﻦ 700 ﺯوﺟﺔ ﻭﺳﺮﻳﺔ ﻭﺃﻟﻒ ﺧﺎﺩﻣﺔ ﻭﺃﺧﺬ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺘﻀﺮﻉ ﺇﻟﻰ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﻗﺎﺋﻼ " ﻣُﻦّ ‏ﻋﻠي ﺑﺄﻫﻞ ﺣﺮﻣﻲ ﺍﻟلﺋﻲ ﻟﻢ ﺗﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ ".. ﺿﺤﻚ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﻭﺃﻣﺮ ﺃﻥ ﻳﻀﻌﻮﻩ ﻓﻰ ﺷﻮﺍﻝ ‏(ﻛﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺶ) ﺛﻢ ‏ﻳﻀﺮﺑﻪ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺭﻛﻼ ﺑﺎلأﻗﺪﺍﻡ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ.. ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻮﻥ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ ﺑﻨﻮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻓﻰ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮﻭﻥ ﺃﺧﺬﻩ ﻫﻮﻻﻛﻮ في ﻟﻴﻠﺔ... ‏

هذه لمحة سريعة من تاريخ الفتوحات العربية في الشام والعراق وفارس والهند، التي مازال الأزهر إلى اليوم يحتفل بها ويعتبرها أعمالاً قومية ‏وبطولات عظيمة قام بها فدائيون مجاهدون في سبيل الله، ولذلك استمرت فتاوى الفقهاء على مدار التاريخ تحث الحكام على الحروب وحددوا لها ‏مواعيد دورية، وتحديداً في مواعيد تحصيل الجزية سنوياً لأنها مصدر دخل قومي لا يستهان به، فلا ينبغي أن ننس أن خالد الوليد عندما غزا العراق ‏وفارس لم يكتفي بمقدار الجزية ولا بحدودها، بعد أن ضاعف من قيمتها أضعافاً مكررة، وإنما ابتكر طرقاً أخرى ووسائل عديدة لتحقيق الغاية، وكان من ‏ذلك ابتكاره لتحصيل الضريبة على الجماجم (الأشخاص) والخراج، وهو ضريبة سنوية تفرض على الأملاك، وكان لهذا الخراج ويلات على أهل البلاد ‏المفتوحة، خاصة في طريقة تقييم أملاكهم والتظلم من حجم التقييم الجزافي. لكن الأمر سيزداد سوءاً عند فتح مصر وتصبح هذه الأملاك ملكاً خالصاً ‏للعرب، على أن يستمر أصحابها في زراعة الأرض وتنميتها مقابل حصة فقط من محصولها ! ‏

لم تكن رسالتهم في الحياة: نشر الحب السلام والعلم والوعي والحق والعدل والسعادة لكل، بل يكرهون أي إنسان لا يؤمن بفكرهم ويقتلونه ‏ويسلبون أمواله، لم يحترموا الإنسان لكونه إنسان، فلم تحظ قيم الإنسانية لديهم بأي تقدير، ولم يعطوا قيمة للإنسان لكونه إنسان، بل شرعوا قتله لكونه ‏رفض الإسلام أو رفض الجزية مع أن الله يقول مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ‏جَمِيعًا ۚ---.(32)/المائدة، لكنهم حتى لم يرجعوا لكتاب الله في تفسير آيات الجهاد في سبيله، بل اقتنعوا وأفتوا بأن الإنسان إن لم يسلم فهو أحق بالقتل، ‏بل إن من تشريعاتهم للجزية فهي كانت لأهل الكتاب فقط أي المسيحيين واليهود أما غيرهم فالأصل عندهم قتله! مرضاة لله! وليس له خيار دفع الجزية ‏‏! فما قيمة الحياة وما قيمة الدعوة إلى الله إذا قُتل الإنسان ؟ إن فطرة الله تقتضي إبقاء هذا الإنسان حياً لدعوته إلى الله عله يؤمن به يوماً ما أو يأتي من ‏ذريته من يؤمن بالله ويُصلح ما أفسده آباؤه... فالمهتما غاندي حرر شبه القارة الهندية بالسلام مع أنه كان مشروعاً له استخدام السلاح لكنه وفر دماء ‏شعبه.. بينما يحتفل المسلمون إلى اليوم بأن خالد الوليد قتل أربعمائة ألف إنسان خلال سنة واحدة، وهو ما يفوق ضحايا القنبلة النووية في الحرب ‏العالمية..بينما النبي لم يقتل إنساناً في حياته قط.. فالعرب لم يكن لديهم فلسفة السلام ولم يتمكنوا ولم يفكروا في نشر الدين الإسلامي بالطريقة التي ‏نشره بها الدكتور ذاكر نايك.‏

نحن نعرف أن كل الأديان قد تم ارتكاب المجازر تحت راياتها، وأغلب الأقوام و الحضارات قد نشأت على تلال من الجماجم و أنهار من الدماء، ‏وأن الأراضي والبلدان ما هي إلا حدود متحركة وهذه هي طبيعة الحياة، تأتي أقوام وتنقرض أقوام، تنشأ دول و تضمحل دول أخرى وكل هذا من ‏الماضي وهذه هي طبيعة التاريخ.. السؤال الذي قد يطرحه البعض لماذا التركيز على ما فعله المسلمين من دون التركيز على آلاف المجازر والحروب الطاحنة ‏والاستعمارات في شتى بلدان الأرض؟ الجواب هو بسبب القدسية المزيفة لهذا التاريخ القبيح، وأثر هذا القبح على الإسلام، جميع الدول والديانات ‏أصبحت تعترف بالأخطاء التي تم ارتكابها باسمها، بل وقدم شعوبها اعتذارات عن ذلك، هم متصالحون مع أنفسهم وتاريخهم ويعترفون بالخير والشر الذي ‏فعله أسلافهم، ولا يجدون داعٍ لتزوير حقائق تاريخية، إلا نحن بقينا كتلة متحجرة كبيرة ندعي المجد ونتفاخر بتاريخ عرب الجزيرة المملوء بالجرائم، نعتبرها ‏بطولات عظيمة، والمشكلة أن هذا التاريخ ينعكس بشكل مخيف على حاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا؛ لأنه اندمج دون وعي في الدين، وتشربت ‏نصوص الدين التراثية بروح العنف والدماء، لدرجة أننا لم نعد قادرين على الفصل بين تاريخ العرب والدين الإسلامي الحنيف، الذي اكتملت مبادئه ‏وتعاليمه بوفاة الرسول الكريم، بينما استمر العرب في تزييف الدين وتحريفه لدرجة أننا لا زلنا إلى اليوم نعتبر خطف النساء والأطفال والسبايا حقٌ ‏وعبادة وجهاد في سبيل الله... فكيف تحوّلت جرائم الحرب إلى ركن من أركان الدين والعبادة ! حتى أن الفقهاء ابتكروا لهذا الركن الجديد أحكاماً ونظموا ‏له ضوابط ومواعيد دورية، وصار له اسماً اصطلاحياً اعترفت به كل مذاهب الفقه وأسموه "جهاد الطلب" أي الحرب الهجومية الدورية على الأعداء.. وهم ‏شعوب دول الجوار.. وحدد الفقهاء مواعيدها الدورية بمواعيد تحصيل الضريبة السنوية كما قال أبو حنيفة ! واشترط بعضهم عدم مرور أكثر من عشرة ‏أعوام دون حملات غزو !!‏

وهناك فارق دقيق لم يدركه العرب، هو الفرق بين الجهاد ونشر الدين، فالجهاد يبدأ من باب المقاومة، وهو فريضة تعني النضال والمغالبة مع ‏الصبر، ويبدأ الجهاد بمغالبة النفس على الهوى وإبعادها عن الرزيلة، ثم يتمدد إلى النضال والاجتهاد في الدفاع عن المجتمع، حيث كان المجتمع يحتضن ديناً ‏جديداً تحاصره الكثير من المجتمعات المجاورة، ومن ثم وجب الجهاد في سبيل الله دفاعاً عن الأنفس والدين، أما فكرة نشر الدين فقوامها الدعوة، وهي ‏مختلفة تماماً وكلياً عن موضوع الجهاد وغرضه، فلا يتصور العقل أن جهاداً ومغالبة في نشر دين، بل إن نشر الدين بحاجة إلى الحكمة والموعظة الحسنة، ‏ونموذج من الأخلاق والقدوة ليروق للناس اتباعه، ونشر الدين هو حالة من سعة الصدر والخلق الطيب، ولذلك قال تعالى: أدع إلى سبيل ربك بالحكمة ‏والموعظة الحسنة وجادلهم بالتالي هي أحسن" وقال: ولو كانت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". أما العرب فقد استخدموا الجهاد والغلظة والمغالبة ‏في نشر الدين وهو ما يسيء إلى الدين ذاته لأن الدين لا ينتشر بالجهاد وإنما بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولأن العرب بطبيعتهم شعب همجي لا ‏يفقهون معنى الحكمة والموعظة الحسنة، فقد استخدموا فطرتهم العنيفة وغلظتهم وهمجيتهم في دخول البلاد المجاورة لهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ‏وأنهم ينشرون دين الله. وهذا خطأ كارثي وقع فيه العرب، ثم جاء الفقهاء بعدهم فشرعوا تاريخهم جعلوه ركناً من أركان العبادة، حتى أنهم حرفوا الكلم عن ‏مواضعه، واعتبروا أن مغالبة الشعوب وتحصيل الجزية منهم هي آلية نشر الدين، مع أننا لو دققنا النظر في موضوع الجزية بهذا المفهوم سنجده خارجاً عن ‏الدين بالكلية؛ فكيف لو رفض إنسان دفع مبلغ 2 درهم أن تقتله؟ فغالباً ما كانت الجزية تقدر بدرهمين إلى أربعة، وإذ رفض شخص دفع هذا المبلغ ‏استحق القتل ! فهل القتل هنا في سبيل الله؟ ثم أن الإسلام لم يفرض أحكامه عنوة على غير المسلمين، فأحكام الميراث لا يتم تطبيقها عنوة عليهم ولا ‏يتم إجبارهم على الصلاة في المساجد عنوة، ولا يتم إجبارهم على ذبح أضحية في العيد أو صيام رمضان، فكيف يتم إجبارهم على تنفيذ الجزية؟ وهل ‏جاء دفع الجزية مقابل عدم دخولهم الإسلام؟ فلو كان ذلك فيعتبر الإسلام إكراهاً لمن لا يقدر على الدفع أن يعتنقه ولو ظاهرياً حتى يتفادى القتل! فلا ‏مفر أمامه من القتل أو الدفع إلا اعتناق الإسلام، ألا يعتبر ذلك إكراه على الإسلام؟ ‏

والغريب أنه بعدما تقدم الفكر وثارت قضايا الرأي العام، وبدأ الشباب يوجهون أسئلة محرجة لدار الإفتاء حول حقيقة ما يثيره الغرب من ‏انتشار الإسلام بالسيف، وهنا وقعت دار الإفتاء في مأزق محرج للغاية، واضطرت إلى اختصار الأمر في حدود عصر النبي وتجاهلت تماماً ما حدث في ‏عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، قالت إن مجموع تحركات النبي العسكرية نحو ثمانين غزوة وسارية وإن القتال الفعلي لم يحدث إلا في نحو ‏سبع مرات فقط‎.‎‏ وأن المحاربون كانوا كلهم من قبائل مضر أولاد عمه صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقاتل أحدًا من ربيعة ولا قحطان. و‎ ‎أن عدد القتلى من المسلمين في كل ‏المعارك 139، ومن المشركين 112، ومجموعهم 251، وهو عدد القتلى من حوادث السيارات في مدينة متوسطة الحجم في عام واحد، وبذلك يكون ‏عدد القتلى في كل تحرك من تلك الثمانين 3.5 أشخاص لكل معركة، وهذا أمر مضحك مع ما جُبل عليه العرب من قوة الشكيمة والعناد في الحرب أن ‏يكون ذلك سببًا لدخولهم الإسلام وتغيير دينهم‎. ‎‏ ‏

قالت دار الإفتاء المصرية أن ما وقع من قتلى خلال نشر الإسلام هو عدد ضئيل ومضحك بالنظر إلى طبيعة المجتمع العربي، فقد وقع فقط ‏‏112 قتيل من المشركين الأعداء الذين بدؤوا بالعدوان على المسلمين في عهد الرسول، ولم تذكر دار الإفتاء أن ما وقع خلال سنة واحدة عقب وفاة ‏الرسول هو 400 ألف قتيل وذبيح على يد الصحابة الذين هاجموا شعوب الجوار من غير المعتدين.. تجاهلت دار الإفتاء فترة الفتوحات والخلفاء ‏الراشدين تماماً ومئات الآلاف من القتلى والأسرى والأطفال والنساء السبايا والعبيد الذين فقدوا كرامتهم وحريتهم في فارس والعراق والشام ومصر ‏وشمال إفريقيا والمغرب والأندلس والهند، وقفزت إلى الصين وجنوب شرق أسيا حيث البلاد التي دخلها الإسلام عن طريق المعاملة والاحتكاك في ‏التجارة، تجاهلت دار الإفتاء المجازر الفظيعة التي وقعت عن قرب في الهند باسم الدين والفتوحات، قالت دار الإفتاء(3): لقد انتشر الإسلام بعد ذلك ‏بطريقة طبيعية لا دخل للسيف ولا القهر فيها، وإنما بإقامة العلاقات بين المسلمين وغيرهم، وعن طريق‎ ‎الهجرة المنتظمة من داخل الحجاز إلى أنحاء ‏الأرض. وهناك حقائق حول هذا الانتشار؛ حيث يتبين الآتي‎:‎‏ في المائة العام الأولى من الهجرة: كانت نسبة انتشار الإسلام في غير الجزيرة كالآتي: في ‏فارس (إيران) كانت نسبة المسلمين فيها هي 5%، وفي العراق 3%، وفي سورية 2%، وفي مصر 2%، وفي الأندلس أقل من 1‏‎%.‎‏. أي أنها ذكرت ‏المائة عام الأولى للإسلام ولم تذكر السنة الأولى التي قتل فها خالد الوليد نصف مليون إنسان بحجة نشر الدين ! وذلك تفادياً من الاعتراف بخطأ ‏الصحابة- لأنهم هم رواة الحديث- وإذا اعترفنا بأنهم أخطأوا وارتكبوا جريمة حرب باسم الدين، فمن الطبيعي أن نضعف ثقتهم في رواية الحديث ونعتمد ‏القرآن مصدراً رئيساً للتشريع في الإسلام، وهذا تخشاه دار الإفتاء حفاظاً على " ثوابت الأمة " من التراث والمرويات والبطولات.‏

هذه الثوابت التاريخية التي اندمجت في الدين وحولته عن مبادئه السمحة جعلت الرئيس الطاجكستاني يقوم بغلق 1560 مسجد في عام ‏‏2016 وتحويلهم إلى مراكز ثقافية ومصحات ورياض أطفال ودور لرعاية المسنين ومنع الأطفال والقصر من دخولها؛ وقال: لا حاجة لنا بمساجد يتخرج ‏منها دواعش وإرهابيون إسلاميون، سأحمي شعبي من محرقة الإرهاب الديني الإسلامي المتطرف.. إنهم يقومون بغسيل مخ الشباب والأطفال.‏

في الواقع فإن ذلك يحدث لأننا نستقي أفكارنا وثقافتنا الدينية من نصوص تاريخية وليست من القرآن، وتاريخية النصوص البشرية هذه أصبحت ‏قيداً على العقل وقيداً على القرآن بسبب تشبثنا بها وعدم قدرتنا على الغوص في المعنى القرآني بمعزلٍ عن الكتابات الفقهية والتاريخية القديمة.. والغريب ‏أننا الآن لازلنا نشكو ونتألم ونلطم ليل نهار من انهيار المستوى الفكري في العالم العربي وانهيار أو انعدام النتاج المعرفي وعدم قدرة العقل على الإبداع ‏مقارنة بباقي شعوب العالم، برغم أن تاريخنا يثبت أننا أصحاب موهبة، فالمصريون لديهم سجل حافل بالإنجازات على مدار آلاف السنين، والعراقيون ‏لديهم سجلات حافلة بإنجازاتهم وحضارتهم العظيمة البابلية وقرينتها الآشورية، وكذلك الفينيقيين والشاميين والمغاربة وغيرهم، الجميع يملك التربة الخصبة ‏الجاهزة والصالحة للإنتاج المعرفي عدا السعوديون العرب ليس لديهم أي سابقة خبرة في بناء حضارات وليس لديهم أي مؤهل على الإطلاق، لكنهم ‏طبعوا سماتهم على الشعوب المجاورة لهم لأن هذه الشعوب ما زالت إلى الآن تتمسك بنتاج العقلية العربية غطاءً ثقافياً لعقولهم ، فما زال أبي بكر جزء ‏مهم وشخصية أساسية في دينهم، وما زال عمر وعثمان عفان وعليّ وغيرهم الكثير من أبناء العرب الذين لوثوا الدين بتاريخهم الدموي العنيف، فأصبح ‏تاريخ هؤلاء العرب ينسب إلى الدين ! مهما كانت جرائمهم وأخطائهم البشرية، وبغض النظر عن منشأهم ومنبتهم في البيئة العربية البدوية البرية التي لا ‏تعرف للإنسانية طريقاً... لماذا يدخل هؤلاء كتب الدين وهم في الأصل شخصيات تاريخية لا دينية أم أننا اتخذنا من تاريخ العرب ديناً يوصلنا إلى الله !

فالإسلام هو صلة الموصول بين العبد وربه، فلماذا يتدخل العرب لصياغته وفق رؤيتهم ! على اعتبار أنهم صحابة ؟! هذه ‏الدرجة أو المرتبة الدينية ليست تشريفاً ولكنها لا تعدوا أكثر من كونها شهادة تطعيم ، أي شهادة تثبت تلقي علاج، مريض عقائدي فكري سلوكي تلقي العلاج على يد رسول ‏الله، فكيف يصير بعد تلقي العلاج طبيباً استشارياً للبشرية نيابة عن الرسول؟! إلا إذا خربت عقول الشعوب المغفلة المغرر بها (المصريين والعراقيين ‏والشاميين ...إلخ) . ثم من الذي قام بجعل هذه الشخصيات ذات قيمة تاريخية مقدسة ؟ أليست صناعة قرشية بامتياز ؟ فهذه الشخصيات العربية لا علاقة لها بالدين إطلاقاً ولا يجوز إلحاقها بالمسائل الدينية، هذه شخصيات تاريخية عربية المفترض أن يدرسها التلاميذ في كتب التاريخ في المدارس السعودية فقط .. لكن العرب أرادوا استغلال الشعوب المغفلة بصنع آباء روحيين لهم من أصول عربية قرشية وبرطها بالدين كي تحصل على قدسيته... هذه الشعوب لم تفهم حقيقة المناسبة التي نزل فيها الإسلام في مهده بل فهمتها من أفواه العرب على أنها تشريفاً للعرب وليس ‏علاجاً لأمراضهم.. ومن هنا صار زعماء هذه العشيرة العربية آباء روحيين للشعوب المدنية المتحضرة بعدما هبطت عقلياتها إلى مستوى أدنى من العروبة ‏‏! ‏فلا يمكن بل مستحيل أن يزدهر شعب ويظل يأخذ من العروبة آباء روحيين له، لأن العروبة نفسها هي المستوى الأرضي مستوى الانبطاح الأفقي.. وبالتالي لا تعلوا إلا على من هبط تحتها.. وأبسط مثال على ذلك عدد الشعب المصري يفوق مائة وعشرة ملايين نسمة، بينما عدد العرب كلهم على بعضهم لا يعادل ثلث سكان مصر، أليس من الغريب أن تحمل مصر صفة العروبة وتهمل هويتها الذاتية الأصلية التي عاشت عليها آلاف السنين؟! وهي ليست بلد عربي ولا لغتها عربية ولا شعبها عرب؟ وهي موجدودة في عمق التاريخ لأكثر من ثلاثين ألف عام قبل ميلاد العشيرة العربية في الحجاز ! أليس ذلك دليلاً على أنها منبطحة إلى ما تحت مستوى العروبة ؟

الهوامش؛
‏ - منقول مع التصرف، عن مدونة تبيان - الكاتب / عبد السلام عصر - مهندس مدني، وباحث في التاريخ الإسلامي، وكاتب ‏
على الرابط التالي: ‏https://tipyan.com/the-whole-story-of-andalusia‏/‏
‏2 - ترجمة المهندس الكاتب: مصطفى الفارس على الرابط التالي: ‏https://mustafaris.com/post/islamic-invasion-of-india-the-greatest-genocide-in-history/‎
وقد قررت عمداً الاستعانة ببعض المصادر الأجنبية ليعرف القارئ المسلم ماذا يكتب العالم الأجنبي عن تاريخ العرب وينسبونه للإسلام ظلماً بسبب العرب
‏3 - موقع دار الإفتاء المصرية : ‏http://www.dar-alifta.org/ar/ViewFatwa.aspx?sec=fatwa&ID=12787



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن