من المسؤول عن تهديد الكرة الأرضية بالزوال : النظام الرأسمالي أم عيب في الدماغ ؟

الهيموت عبدالسلام
abde.elhimout@gmail.com

2019 / 6 / 9

1/الرأسمالية ستقطع الشجرة إذا لم تستطع بيع ظلها (كارل ماركس )
* لم يعد يختلف أحد على التوصيف الدراماتيكي الذي آلت إليه الكرة الأرضية : الاكتظاظ السكاني ، الإنتاج الزائد ، الاستهلاك الزائد ،الحرارة الزائدة ، المديونية الزائدة، ذوبان الثلوج ، استنزاف الموارد الطبيعية ،اختفاء العديد من الأنواع البرية والبحرية ، خلق حاجات اصطناعية بهدف الاستهلاك ،يوجد حاليا 65 مليون لاجئ مناخي على هذا الكوكب لجأوا من مناطق القرن الإفريقي والشرق الأوسط وباكستان وإيران، أظهر تقرير ل500 عالم ينتمون ل 60 دولة أن سنة 2016 سجلت أرقاما قياسية في درجة الحرارة وانبعاث الغازات الدفينة وارتفاع مستويات سطح البحر والأراضي المعرضة للتصحر/الجفاف، تصل في بعض المناطق الفرنسية وليس الإفريقية 50 درجة حرارية ... لدرجة يرى الكثير من العلماء أنه خلال الثلاثين سنة المقبلة سوف يكافح جزء كبير من البشر فقط من أجل البقاء. هناك سيل من الدراسات العلمية والعديد من مؤتمرات الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة والتنمية ولقاءات الأحزاب الاشتراكية والمنتديات العالمية والجمعيات الناشطة في مجال البيئة تبرز ضمنا أو علنا بأن نظام الرأسمالية المتوحشة اللاهث حول جلب المزيد من الأرباح ولو على حساب التهديد بزوال هذا الكوكب الأرضي يقول ألبرت إنشتاين في هذا السياق " إن الفوضى الاقتصادية التي تعيشها الرأسمالية هي مصدر جميع الشرور التي تعيشها البشرية "

2/ دماغنا هو أسوء عدو لنا (سيباستيان بوهلر )
* الجديد في الأمر هو ظهور دراسة علمية للطبيب وعالم الأعصاب الفرنسي ورئيس تحرير مجلة " الدماغ والنفسي " "سيباستيان بوهلر " يقول فيها أن الإنسان الإفريقي منذ حوالي 200 ألف سنة امتلك سلاحا سحريا هو الدماغ الذي استخدمه كآلة للتفكير وللاستفادة من البيئة وإعادة إنتاجها ومحاولة السيطرة عليها ، وقد ظل الدماغ حليفا طبيعيا للإنسان وللطبيعة ،ونحن مدينون بهذه النجاحات التي وصلتها البشرية من خلال تطوير هذا الجهاز الاستثنائي القادر على التجريد والتخطيط، جهاز قادر على صنع الآلات ، على التواصل الشفهي والكتابي ، على التعاون من أجل ربط مجموعات من الرجال والنساء حول المشاريع المعقدة،هذا العضو هو دماغنا الذي يتكون من حوالي 100 مليار خلية عصبية ، كما أن العديد من الخلايا الدبقية التي تحيط بها تغذيها وتحميها، إنها تنتج الوعي ، والقدرة على التفكير في الذات والمعنى الذي يريد المرء أن يعطيه لحياته. إنه أعجوبة تكنولوجية لا تصدق على الإطلاق. لقد استغرق الأمر مئات الآلاف من السنين حتى يتمكن مدعومًا بجينات مضبوطة بعناية لمواجهة جميع التحديات المتغيرة لبيئتنا.
ولكن لوجود عيب في قلب هذا التصميم الدماغي أي أن هناك شبكة من الخلايا العصبية داخل هذا الدماغ هي المسؤولة عن غريزة البقاء وهي التي لا تتوانى عن طلب المزيد من الطعام والجنس والقوة.

3/ السترياتيوم
لايختلف "سيباستيان بوهلر " في النتائج الكارثية والحرجة التي وصلها الكوكب الأرضي ولكن يتساءل بدوره عن الأسباب التي جعلت دماغنا يدفعنا بقوة لتدمير هذا الكوكب ويتحول دماغنا من حليف طبيعي إلى أشرس الأعداء للإنسان والطبيعة ، بعد دراسة مَسْحية عصبية وفيزيولوجية وقد لخصها في كتاب "العيب الإنساني" أن سبب هذا العمي والتدمير والطلب المتزايد على الطعام والجنس والقوة مرده إلى هذا الجزء من دماغنا اسمه "سترياتيوم" وهو المسؤول عن الرغبة والإدمان والعيش وفقا لمبدأ اللذة ،إن دماغنا تمت برمجته ليفكر فقط في الحاضر ولا يعنيه المستقبل وتبرمَج لينحصر في إشباع هذه الرغبات الإدمانية والغريزية/الليبيدية والتوسعية .
إن السترياتيوم هو المُخطط الذي يرسل جرعات من الدوبامين التي تعطي إحساسا بالسعادة والنشوة لجميع أعمال القشرة المخية و التي تهدف إلى تحقيق متطلبات أساسية : حب البقاء و الغذاء والجنس والإنجاب و الوضع الاجتماعي وقانون أقل جهد. هذا هو الجهاز الذي سمح لنا بالاستفادة من بيئتنا لمحاربة العناصر المعادية ، والانتصار على الحيوانات المفترسة أكثر قوة بمئات المرات ، هذا الجهاز الذي استطاع أن يهزم الأعداء شراسة والأعداء الأكثر هشاشة و مجهرية الذين هاجموا نظام المناعة لدينا منذ زمن سحيق ،إن هذا الحليف أصبح الآن متحررا وقد يتسبب اليوم في خسائر جمة ،إنه أصبح الآن يهدد بقتله لثمانية مليارات من أمثاله، إنه دماغ كلما زاد نجاحه كلما اقترب من خسارته.
يقف عالم الأعصاب على التناقض الدرامي بين مستوى عال من الذكاء ومستوى وعي منخفض "الإنسان قد وُهب وعيا ولكنه غالبا ما يتم تجاهله ولا يتم تطويره بقدر ما يتطور ويرتفع مستوى الذكاء : الذكاء يرتفع إلى أعلى مستويات المجتمع كالنجاح في الدراسة ليصبح الإنسان محاميا أو مهندسا أو مدير مشروع في أي فرع من فروع الاقتصاد ،ولكن عندما تسأل المهندس أو مطور خطوط مستحضرات التجميل أو مسؤولا تنفيذيا في شركة : هل أنت على علم بما تفعله ؟ لا وعي ولا علم بما يفعلون"

4/ سبق في السبعينات من القرن الماضي أن أشار " كونراد لورنز " عالم الأحياء النمساوي والحاصل على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء إلى أخطار الاختلالات الغريزية في الحياة الحديثة ،وإلى الرغبة الزائدة في الغذاء والجنس والهيمنة والميل إلى الكسل ،وكان قد أوضح قبل "سيباستيان بوهلر " بأن هناك علاقة بين ميول الإنسان للطبيعة وتدميرها ولكن : لورنز" لم يتحدث بشكل واضح عن الآليات العصبية المسؤولة عن هذه الانجرافات ولم يوضح التفاعل بين هذه الآليات الفسيولوجية والانجرافات الحديثة لتدمير البيئة،
إن "سيباستيان بوهلر " بتحديده : العضو في الدماغ المسؤول عن هذه الميولات التي لا تشبع من الطعام والجنس والتملك والقوة ، وللآليات العصبية وكيفية تفاعلها مع القشرة الدماغية ، ولعدم التكافؤ بين الذكاء والوعي ،وسقوط الإنسانية في أسر الحاضر والفوري يكون قد قدم اكتشافا علميا كبيرا ووضع حجرا جديدا في بناء الفلسفة النفسية البيولوجية .
ما من حل يراه صاحبنا أمام هذا الإفراط في التخريب وفي الاستنزاف وفي الاستهلاك وفي الإنتاج والذي يتحمل مسؤوليته عيب في التصميم الدماغي سوى تغليب ثقافة الضمير والعمل الجماعي والتأمل ورفع الوعي لمستوى الذكاء .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن