ما بعد إقرار التعديلات الدستورية في مصر

رياض حسن محرم
riad999@gmail.com

2019 / 5 / 19

ما إن تمت الموافقة العجولة للبرلمان على المواد الممكن طرحها للإستفتاء عليها مساء الثلاثاء الموافق 16 أبريل حتى أعلن رئيس الهيئة العليا للإنتخابات يوم الأربعاء 17 ابريل عن بدء الإستفتاء خارج مصر ابتداءا من يوم الجمعة 19 ابريل أي بعد 48 ساعة (ولا نعلم كيفية وصول أوراق الإستفتاء الى جميع السفارات في كافة أنحاء االأرض)، بينما تجرى انتخابات الداخل أيام السبت والأحد والإثنين 20 -21 -22 ابريل متداخلة مع أيام استفتاء الخارج، وبعد انتهاء التصويت بأقل من 24 ساعة أعلن رئيس الهيأة العامة للانتخابات نتيجة ذلك الاستفتاء بموافقة 88،5 %على التعديلات بينما رفضها 11،2% منهم، محددا أن نسبة التصويت بلغت 44،33% من أجمالي من يحق لهم الإدلاء بأصواتهم.
لم يذكر المستشار رئيس الهيأة أي تفاصيل أخرى عن نسب التصويت بالخارج أو تفصيل النتيجة بالمحافظات أو الجنس أو العمر أو أية تفاصيل أخرى تمكننا من تحليل من أين جاءت الثلاث ملايين صوت الرافض لتلك التعديلات، وطويت صفحة الموضوع بتلك السرعة المريبة ولم يفتح الموضوع ثانية تقريبا لا من المؤيدين أو المعترضين، وكأنهم يطبقون السنة النبوية "إكرام الميت دفنه"، فتم دفن المرحوم الذى لا تجوز عليه الاّ الرحمة، تذكرت يوما حينما سألت مديرى في العمل عن موضوع الجنس في حياته "وكانت زوجته ما زالت على قيد الحياة"، فأجابنى .. "واجب ثقيل"!! ..رحم الله الجميع.
لسنا بصدد مناقشة مدى دستورية ذلك الإستفتاء، فهذا موضوع فات أوانه، وأعتقد أنه لن يجرؤ أحد أن يرفع قضية بعدم الدستورية فمصيره معروف، ولكن لنستعرض سريعا أهم المواضيع التي تم الإستفتاء خصيصا من أجلها، وأولها يتعلق بالفترات الرئاسية التي تم تمديدها من أربع سنوات إلى ستة ، ولمرتين، مع إضافة مادة انتقالية، تمدد الفترة الرئاسية الحالية للرئيس السيسي إلى ستة أعوام وتسمح له فقط بالترشح لفترة ثالثة في الانتخابات المقبلة، أي يظل في الحكم الى عام 2030 (فإذا كان عمر الرئيس حاليا "كما هو معروف" 65 عاما فبموجب هذا التعديل يظل في الحكم حتى عمر 76 سنة، أي يكون قد قضى في الحكم 16 سنة "منذ انتخابه أول مرة)، وبموجب ذلك التغيير فاننى أعتقد أن السيسى سيظل في الحكم ما شاء له "ويتسع عمره"، فقد مهّد لنفسه الأرض ذلولا ليحكم متى شاء طالما عنده تلك الأغلبية الكرتونية جاهزةة، فقد استطاع بالقمع والاعيب بهلوانية أن ينهى أي صوت معارض له بالسجن أو بالشراء، التعديل الثاني يتعلق بالقضاء ويقضى بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يضم هذه الهيئات ويترأسه رئيس الدولة الذي يقوم بتعيين رؤساء الهيئات القضائية والمحاكم، بما في ذلك المحكمة الدستورية والنائب العام، ثالثة الأسافى تكمن في إعادة تحديد صلاحيات القوات المسلحة والتي لم تعد تقتصر على حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وإنما أصبحت تشمل، أيضا، صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد، وذلك بعد ترتيب أوضاع تلك المؤسسة ( فقد جرى إقصاء مفاجئ لكل من محمود حجازي رئيس الأركان، واللواء خالد فوزي مدير المخابرات العامة، ووزير الدفاع صدقي صبحي، واللواء محمد عرفان جمال الدين مدير جهاز الرقابة الإدارية، ومحمد الشحات مدير المخابرات العسكرية في تواريخ متقاربة).
ما وصف بالحوار المجتمعي حول التعديلات الدستورية ظل حبيس جدران مجلس النواب واقتصر على نخبة، كانت قد أعلنت بالفعل عن تأييدها لهذه التعديلات "البرلمان المسيطر عليه من قبل السيسي وأنصاره، صوت لصالح التعديلات ولم يرفض الامر إلا 22 برلمانيا فقط وامتناع برلماني واحد، وذلك من بين 554 عضوا بمجلس الشعب المصري"، ، بينما تم منع الأحزاب السياسية والجمعيات المختلفة من فتح النقاش حول الموضوع في الشارع، وذهب أحد نواب الأغلبية للمطالبة بسحب الجنسية المصرية ممن يدعون إلى رفض التعديلات، ويوم الإستفتاء نفسه وقبله كانت شوارع القاهرة وباقي المدن تغص باللافتات الدعائية الضخمة تظهر فيها صورة الرئيس عبد الفتاح السيسي بينما يدلي المصريون بأصواتهم على التعديلات الدستورية على خلفية موسيقى شعبية "وطنية" تصدح من مكبرات الصوت، يصاحب ذلك توزيع شنط مواد تموينية أمام اللجان، بينما هددت السلطات بتغريم كل من يقاطع التصويت بغرامة 500 جنيه ، كما تم الاستفتاء على جميع المواد المطلوب تغييرها وبعض المواد المضافة ككتلة واحدة، فإما تقول نعم أو لا للجميع، "من غير نقاوة" ويشبه ذلك مسألة في الطب تسمى (all´-or-non role).
لم يفت من كان وراء التعديلات تضمينها بعض الرتوش "كالزوائد" مثل التأكيد على التمثيل الملائم للعمال والفلاحين والشباب والأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة وتحديد نسبة تمثيل المرأة في البرلمان بـ 25 %. كما نصت التعديلات على إنشاء غرفة ثانية للبرلمان باسم مجلس الشيوخ عدد أعضائه 180 يختار الناخبون ثلثيهم بينما يعين رئيس الدولة الثلث الباقي بعد أن تم إلغاء المجلس المذكور (الشورى سابقاً) بموجب دستور 2014، ويدلل ذلك على عدم كفاءة هؤلاء الترزية في قص ورفى ولصق القوانين كرجال مبارك "فتحى سرور ومفيد شهاب مثلا" والسادات "جمال العطيفى ورفعت االمحجوب وغيرهم"، وعبد الناصر "كان لديه الدكتور/ عبد الرزاق السنهورى وحافظ عفيفى وراشد البراوى وآخرين"، هذا بينما لا تضم كتائب السيسى مثل تلك الكفاءات كترزية قوانين، كما تشمل التعديلات المقترحة أيضا: تعيين نائب أو أكثر من نائب للرئيس ، وقبيل الإستفتاء وأثنائه تم القبض على بضع عشرات من أعضاء "حزب الدستور" الليبرالي و"الحركة المدنية الديمقراطية" المعارضة بسبب تعبيرهم عن رفضهم التعديلات، والقبض على مهندس شاب يدعى أحمد بدوي يوم الأحد "ثانى أيام التصويت"، في حي التجمع الخامس، لقيامه برفع لافتة تدعو للتصويت بـ «لا» على التعديلات الدستورية ، بينما حجبت السلطات المصرية 37 ألف موقع في محاولة لمنع التصويت على حملة "باطل" الإلكترونية التي تجمع تواقيع ضد التعديلات ( حسب ما أوردته مؤسسة NetBlocks)) التي يتركز عملها على رصد شبكة الأنترنت)، واحتجاز آخرين بسبب إعتراضهم على شحن الموظفين الحكوميين في أتوبيسات عامة للتصويت. السلام عليكم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن