الحرب بين واشنطن وطهران .. بالتصريحات!

نجاح محمد علي
najahmali@gmail.com

2019 / 5 / 19

يبدو حتى الآن أن التصعيد الذي تشهده المنطقة لم يقنع الايرانيين باحتمال تعرض بلادهم لهجوم عسكري أمريكي ومن هنا جاء إعلان المرشد آية الله علي خامنئي أن “المواجهة” الحالية مع أمريكا “ليست عسكرية لأنه لن تندلع أي حرب" مضيفاً " لا نحن ولا هم يسعون إلى حرب ”، مكرراً رفضه التفاوض “مع الإدارة الأميركية الحالية”.
ولَم يمنع موقف المرشد هذا من بروز بعض التباين في تصريحات الايرانيين حول التفاوض فقد كتب الأكاديمي صادق زيبا كلام رسالة خاطب فيها الرئيس حسن روحاني قائلاً: "هل تعتقد بأن 24 مليون شخص صوّتوا لك أرادوا معاداة أميركا؟ ستُفاجأ إذا عرفتَ النسبة المئوية للإيرانيين الذين ضاقوا بمعاداة أميركا، ويريدون فقط حياة مع أمل وسلام".كذلك دعا حشمت الله فلاحت بيشه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان إلى عقد مفاوضات أمريكية إيرانية في قطر أو العراق، لتجاوز التوتر بين البلدين. وعلى الفور قال المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني(يرأسه روحاني) إن دعوة فلاحت بيشه "وجهة نظر شخصية"و أن المجلس الأعلى للأمن القومي هو الجهة الوحيدة المخولة بإبداء الرأي بشأن القضايا الاستراتيجية.
فخ الشجرة
هذا التباين في التصريحات الايرانية أشار له الرئيس الأمريكي ترامب الذي قال في تغريدة إنه "مع كل الأخبار المزيفة، لا يمكن لإيران أن تعرف ما الذي يجري بالفعل!".ورد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر "تويتر" ايضا، قائلاً إن الولايات المتحدة هي التي "لا تعرف بماذا تفكر"و إن تناقض أفعال "الفريق ب"، مع أقوال الرئيس الأمريكي، يوضح أن الولايات المتحدة هي التي "لا تعرف بماذا تفكر...
ويستخدم ظريف في تصريحاته دوماً، مصطلح "فريق ب"، للاشارة الى كل من بولتون (جون) مستشار الأمن القومي الأمريكي، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبن سلمان (محمد) ولي العهد السعودي، وبن زايد (محمد) ولي عهد أبو ظبي.
إذن ..من وجهة نظر ظريف وآخرين يوجد في داخل الادارة الامريكية موقفان من ايران، وما يريده الايرانيون هو زيادة الهوة بين الرئيس الطامح لولاية ثانية ومستشاريه المتشددين الراغبين بالتصعيد وتغيير نظام الجمهورية الاسلامية عبر سيناريو الحرب وتحريك الداخل ...
وطوال الاسبوع كان الرئيس الأمريكي في تصريحاته وتحركات وزارة الدفاع البنتاغون وكأنه فوق الشجرة لا يستطيع النزول منها.
رفاق ترامب الجمهوريون الذين يسيطرون على أغلبية المقاعد في مجلس الشيوخ لم يسعدهم هذا الوضع وباتوا في حرج أما منافسيهم الديمقراطيين على أعتاب اانتخابات 2020 الرئاسية، ومن هنا تجري الاستعدادات بالكونغرس لكي يدلي مسؤولون من إدارة ترامب بإفادات سرية بشأن الموقف مع إيران..
وعموماً يظهر لدى الايرانيين أن ترامب لايفي بأهم وعوده الانتخابية وهو عدم الخوض في حروب جديدة وسحب قواته من المنطقة،فهو يعلن الانتصار على تنظيم الدولة في العراق وسوريا لكنه يبقي على قواته في العراق ويعرض حياة جنوده للخطر!
تفاهمات
لقد ارتفعت في العراق في الآونة الأخيرة أصوات تطالب بسحب القوات الأمريكية ووصل الأمر الى التهديد باستهدافها واستهداف السفارة الأمريكية، وهذه المرة لم يأت التهديد من حلفاء ايران (كعصائب أهل الحق مثلاً) الذين لجأوا الى البرلمان وطالبوا بسن قانون يلزم الحكومة بإخراج هذه القوات لأن عملها انتهى، وإنما جاء التهديد من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الذي كانت واشنطن (خطة مارتن إنديك) تراهن عليه لاحتوائه (بواسطة السعودية) وزعامات شيعية أخرى، ليكون المخلب في مواجهة النفوذ الايراني داخل العراق.
ويمكن القول في ضوء التصعيد الأخير وتسريبات أخرى رافقتها تطمينات حقيقية قدمها السفير الايراني لدى بغداد ايرج مسجدي لنظيره البريطاني جوناثان ويلكس خلال لقائهما الخميس في مبنى السفارة الايرانية حول سلامة قوات التحالف ومنها بالطبع القوات البريطانية والأمريكية، وأن أي خطر لن يتهددها من قبل ايران مالم تحدث!
اللقاء جاء بعد أن عدلت بريطانيا من تصريحها بشأن عدم وجود خطر يهدد هذه القوات في العراق، ويتفهم الايرانيون أنه جاء(مجاملة) للأمريكان ومع ذلك فانهم التزموا بمبدأ التفاهم الذي على أساسه تم تشكيل الحكومة العراقية الحالية وانتخاب السيد عادل عبد المهدي رئيساً لها ولابأس من التذكير هنا بتصريح جوناثان ويلكس نفسه غرد على تويتر يوم 20 أيلول سبتمبر الماضي قائلاً : (دعوت سعادة السفير الإيراني الى نقاش صريح حول اخر المستجدات في العراق و اتفقنا على أن الحكومة القادمة يجب أن تحسن خدماتها المقدمة و توفر الوظائف الى الشعب) ، فهما لم يتفقا فقط على اسم رئيس الوزراء وهو عادل عبد المهدي في خضم الجدل مع بريت ماكغورك ممثل الرئيس الأمريكي آنذاك حول المرشح المطلوب، وإنما حددا مهام الحكومة ووظائفها المقبلة، وهذا يعني دعمها بالكامل.
ومع أن انتخاب عادل عبد المهدي تم بعيداً عن المرجعية العليا وهو لم يكن خيارها بالمرة ، إلا أن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني شدد خلال لقائه مؤخراً ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين ھينيس بلاسخارت، على العلاقات المتوازنة للعراق مع جميع دول الجوار من دون التدخل في شؤونه الداخلية أو المساس بسيادته، رافضاً أن يكون محطة لتوجيه الأذى لأي بلد آخر.
ومن هنا فإن كلما يتسرب خارج هذا الإطار ، يرفضه رئيس الحكومة العراقية كما يرفضه التفاهم الايراني البريطاني في العراق، ويرفض بالتالي زعزعة الأمن والاستقرار فيه من أي جهة كانت بما لايمنح واشنطن الذريعة لاتهام ايران بالمباشر أو بالواسطة.
ومن هُنَا يمكن الاشارة الى الاتصال الهاتفي الذي أجراه مؤخراً الرئيس حسن روحاني بالرئيس العراقي برهم صالح وتأكيده له أن إيران غير معنية بأي نشاط تقوم به فصائل عراقية خارج إطار الدولة العراقية، وترافق ذلك مع التصعيد الجديد في المنطقة المتمثل بتفجيرات الفجيرة الذي يهدد بعرقلة الملاحة وبالتالي تصدير النفط عبر بحر عمان ومضيق هرمز، وباستهداف طائرات مسيرة منشآت نفطية حيوية في العمق السعودي وتحديد نقل النفط عن طريق البحر الأحمر وباب المندب.
وبينما ظل الفاعل في تفجيرات الفجيرة مجهولاً لغاية في نفس يعقوب ولأنه ليس من مصلحة الأطراف المعنية الإفصاح عنه، أعلن أنصار الله في اليمن مسؤوليتهم عن عملية ينبع قرب الرياض ووصفوها بالعملية العسكرية الكبرى، وأنها تشكل انتقالاً لمرحلة جديدة من التصعيد ضد السعودية سيكون عنوانها الأبرز هو الاستهداف الاقتصادي المفتوح حتى تكف السعودية عن استهداف اليمن وتتوقف عن الاعتداء على اليمنيين، وهناك قائمة بأهداف حساسة واستثنائية وأكثر مما يتوقع السعوديون وسيتم استهدافها لاحقاً .

الحرب بين واشنطن وطهران يستبعدها الايرانيون خصوصاً وأن هناك أطرافاً إقليمية ودولية سارعت الى القيام بوساطات في محاولة لجر الطرفين الى مائدة المفاوضات والحوار المباشر الذي يريده ترامب ويلح عليه وترفضه طهران رسمياً ولا تغلق الباب نهائياً أمامه بالتأكيد على مطالب تبدو واقعية مشروعة وليست شروطاً كما تقول وتندرج في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 (2015)وهو آخر قرار دولي حول المسألة النووية الايرانية وقضى بتأييد الاتفاق النووي ورفع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن