عن النقد الموجه لتوثيق تاريخ الانصار ..4

صباح كنجي
kunji57@gmail.com

2019 / 5 / 11

عن النقد الموجه لتوثيق تاريخ الانصار ..4

بعد نشر حلقتين عن بدايات حركة الانصار وما ورد فيها من آراء ومعلومات تسعى للوصول الى الحقائق الخاصة بهذا التاريخ .. تكونت من خلال التعليقات آراء مختلفة ومتباينة ساهمت في اغناء هذا الجهد من خلال المزيد من المعلومات.. وتبين وجود اشارات الى ما ذهبت اليه في الجزء الاول الخاص بالكفاح المسلح الذي اعقب انقلاب شباط عام 1963 .. ونبهني النصير رزكار ابراهيم الى وجود توثيق فيديو لعدد من الانصار والشيوعيين السابقين من سوران.. يتحدثون عن تلك الايام منهم عبد الخاق زنكنة.. ومام محمد ميرخان.. لقناة ريكاي كوردستان بالكردية في برنامج شارع اليسار.. فراجعتها وترجمت ما له علاقة بهذه البدايات الى العربية وضمنته ذلك الجزء..
وهي تؤكد ما قلته.. فقد تطرق عبد الخالق زنكنة الى تعرضه للاعتقال بعد هروبه من كركوك وايداعه في سجن للحزب الديمقراطي الكردستاني مع مجموعة من الرفاق الملتحقين بالجبال آنذاك ..
وهذا ما اكده مام محمد ميرخان ايضا في اربيل ومعاناتهم من تجاوزات الآغوات التابعين لحدك الذين ضايقوهم وحاصروهم في تلك الايام ..
أما كريم احمد.. فقد لخص حديثه عن البدايات وموقف حدك منهم.. بقوله في الحلقة 24 من حلقات التوثيق .. ( عانينا من شحة السلاح والمعيشة وضغط المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اصدر توجيها لمنظماته للتصدي للشيوعيين ومنع وصولهم الى كردستان واعتبر وجود الشيوعيين يوسخ ارض كردستان .. فكلفنا عزيز محمد بالاتصال بالبارزاني للتنسيق وتحديد الاماكن .. وكانت قرية كلكه سماق تمون مقراتنا .. وطلبوا من عناصرهم قتل الشيوعين وكان هذا امتداد للقرار 13 القاضي بإبادة الشيوعيين وصادروا الارزاق واعتقلوا وقتلوا العديد منهم .. وبعد لقاء عزيز محمد بالبارزاني تغير الموقف وبدأ الصراع بين البارزاني والمكتب السياسي لحزبه المؤيد للانقلاب وهو كان لا يثق بالبعثيين ورفض ممارساتهم بقتل الابرياء والشيوعيين ) ..

من جهته ذكر ابو عمشة من خلال اتصال تلفوني معي.. ان مجموعة من الانصار في بهدينان يتجاوز عددهم الثلاثين من رفاق العمادية ودهوك تمت محاصرتهم في قرية صوريا التابعة لناحية زاويته .. من قبل مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني ..
كان هذا هو الموقف الاولي لحدك من الشيوعيين بداية .. لغاية بدء الخلاف بينهم وبين حزب البعث حيث بدأت قوات حدك تغيير موقفها من الشيوعيين.. وكان لتوجيهات الملا مصطفى البارزاني دوراً مهما في وضع حد لهذه الميول العدوانية المناهضة لوجود الشيوعيين وتبنيهم للكفاح المسلح بعد الانقلاب في كردستان..
اما بخصوص الافلام والحلقات التي انجزها النصير المخرج علي رفيق .. فلا بد من التأكيد ان بعض القصور و النقص في المعلومات والمغالطات التي لها علاقة بالبدايات.. كما تحثنا عنها في الحلقات الماضية .. لم يكن الهدف منها تقليل الجهد الكبير الذي يؤديه العزيز علي رفيق ومن يساعده في هذا المجال ..
وللحقيقة اقول.. حينما التقينا في المانيا لأول مرة للتوثيق.. وشاهدت عدته المكونة.. من كامرا مكسورة مشدودة بلاصق من البلاستيك.. يصعب التحكم بها وتثبيتها .. تألمت واصبت بالدهشة واتضح لي حجم معاناته.. وقلة الدعم المقدم له من قبل المعنيين في منظمة الانصار والحزب..
لذلك فهو خارج اطار اللوم والنقد من هذه الجهة .. وايضا فهو لا يتحمل مسؤولية حديث الآخرين وتلاعبهم بالتواريخ.. وما له علاقة بتزوير الحقائق وتبديلها او طمسها في هذا السياق والجهد التوثيقي .. المعتمد على حديث الرواة ..
وهم من يتحمل مسؤولية قول الحقيقة فيما يتعلق بالبدايات وغيرها.. مما له علاقة بالأنصار .. كما هو الحال مع الحلقة المخصصة لكارثة مراني في الانفال.. التي تتطلب المزيد من الجهد والبحث والتقصي .. لأنها تتعلق بمصير أكثر من 200 ضحية.. ما زلنا في موضع البحث عن رفاتهم.. واماكن تغييبهم.. بعد مرور اكثر من ثلاثة عقود من الزمن الصعب على هذه الجريمة ..
لكن.. هل بالإمكان التوقف عند المنجز الكبير لـ علي رفيق من خلال افلامه وحلقاته؟ .. التي اقتربت من السبعين بهذه العجالة.. ومتابعتها كاملة كما نتمنى ونرغب.. لكي نصوب ونغني ما يمكن ان ينجزه لاحقاً ..
اتمنى ذلك.. وبحكم متابعتي لهذا المنجز استطيع ان اقول.. من خلال تعاملي معه اثناء وجوده في المانيا.. بالإضافة الى تلك الملاحظة حول الكاميرا التالفة.. و هي العدة الرئيسية للمخرج المعتمدة في التسجيل فثمة ملاحظة مهمة.. تتعلق بطبيعة تحركه وتنقله من مكان لآخر بحثاً عن الانصار لتسجيل الحوارات معهم ..
ما شاهدته من تنقل سريع بين برلين وهامبورغ ومن ثم اولدنبورك.. في يوم واحد.. لإنجاز عدة لقاءات .. مع عدد من الانصار في وقت واحد .. على امتداد يومين شمل كل ( 1ـ ناظم .. 2ـ ابو سربست ..3ـ توفيق ..4ـ علي حيول ..5ـ صباح كنجي )..
وفي اجواء مع مجموعة كبيرة تتواجد في دار واحدة .. لا يساعد على التركيز .. ويشتت الجهد ويقلص فرص التدقيق .. في توثيق واختيار الافضل.. لصالح تحديد الوقت.. و اختصار الحديث.. وحصره في موضوع او حادثة محددة.. قد لا تكون مهمة كما حدث مع ابو باز.. والحديث الطويل عن جلب الجواميس.. والمشاهد غير الواعي لتجربة الانصار قد يتصور.. ان مهمتنا الاولى كانت البحث عن الجواميس والابقار كقطاع الطرق ..
خاصة وانها تأتي في حديث لشخصية قيادية مثل ابو باز قدمه في لقطة ثانية كشخصية دموية تهدد صاحب بغل من الفلاحين بالقتل!!.. وهو عكس طبيعة ابو باز وعلاقاته المتميزة والطيبة بالفلاحين من بين جميع الانصار وقادتهم في هذا المجال.. كان يمكن استغلال وقت الحديث معه لتوثيق الأهم والمهم عن البدايات والاحداث التي عاصرها في المرحلتين ولعب دوراً مهماً فيها ..
هكذا بالنسبة للبقية.. حيث تنفرد كل شخصية من الانصار في الحديث عن خصوصيات تجربتها فعلى سبيل المثال.. كنت قد اتفقت معه و مع طاقم العمل المساعد له.. المكون من النصيرين ابو امل و ابو علي الآتين من هولندا قبل ساعات ان نتحدث عن فترة ما بعد الانفال ايضا.. لأني بقيت لمدة سنة ونصف لوحدي في كهوف كردستان.. وهي تجربة نادرة تستحق الحديث عنها للتوثيق كما أرى ..
لكنهم فاجأوني وانا استعد للتسجيل.. بطلب الحديث عن حصارنا في مدرسة سينا والاشتباك مع الجيش.. وهي تجربة مواجهة مباشرة تستحق التسجيل ايضا .. لكن يبقى التهيؤ والاتفاق المسبق شيء ضروري مع المتحدث.. كي لا يسهو ويتردد.. او يتوقف قدر الامكان للاستذكار والتذكر عند التوثيق ..
وايضا بالإمكان التطرق الى عموم الحلقات.. التي تباينت في مستوى الاخراج والمعلومة والحديث.. لكن اعتقد ان رؤية المخرج وتدخله ضرورية عند المونتاج.. لانه هو من يقرر اولا واخيرا تفاصيل كل حلقة.. وعليه يقع الاختيار .. من هنا يمكن مناقشة المخرج علي رفيق .. وارجو ان لا اكون مخطئاً في استنتاجي .. الذي تكون من خلال مشاهدتي لأغلب الحلقات التي انجزها..
على سبيل المثال حلقة كارثة مراني.. التي تعتمد على وتيرة تصاعد الاحداث السريعة في الأنفال.. لكنه يفاجئنا في النهاية بحديث.. كأنه همس خجول للنصير ابو أمل وهو يتحدث ببرود عن وقائع الانفال.. بهمهمة غير واضحة .. يصعب للحواس المتوترة من دراما الحدث متابعتها.. لذلك لم افهم شيئا مما قاله النصير ابو أمل بهذه الصيغة غير الملائمة المدغمة في حلقة التوثيق وهي ذات الملاحظة التي تكررت في حلقة ثانية ايضا ..
وتتجلى اهمية دور المخرج في التعامل مع مادته الخام.. واعادة تركيبها وهي مهمته الاولى في هذا المضمار كما اعتقد .. وفي ذات السياق.. شاهدت من خلال عدة حلقات على سبيل المثال.. احاديث عن حالات لشهداء لها علاقة بالأنهار والمعابر المائية الجبلية الخطرة..
فقد تحدث في الحلقة 21 يونس متي.. النصير أبو آذار ـ ابو سيبان لاحقا.. عن شقيقه الذي استشهد اثناء عبور نهر الهيزل.. وما تركه في نفسه من خوف وأثر كبيرين.. وهو يفصل في استذكاره لمخاطر عبور الماء والطرق الجبلية في الانفال من فوق خشبة بطول مترين..
كذلك تحدثت النصيرة نادية ـ سلام الدلال -أم رحيل في الحلقة 27.. عن العبور بمعية عدد من النصيرات والوقوع في كمين للجيش التركي عند الدخول الى كردستان.. وكمين ثاني اثناء الخروج ووقوع طفل من يد امه في الماء بالقرب من الجيش ..
وهو ذات الحديث المؤثر للنصير زيدان محسن ـ ابو خلود في الحلقة 13 من التوثيق الذي كشف عن تواجد الأم المنكوبة وزوجها مع شقيقة الطفل في كوبنهاكن.. كان بالإمكان اللقاء بهم من قبل المخرج وربط حديثهم مع حديث ابو آذار وخوفه من الماء ..
واستكمال هذا الربط فيما ورد في حلقة اخرى مستقلة.. ذكرنا بها المخرج عن جرف المياه للنصيرة أم سرباز في توجلة .. وهكذا مع الحالات الاخرى الاصعب حينما تعرضت مفرزة الانصار اثناء العبور لكمين للجيش العراقي واطلاق النار عليهم.. وهم وسط مياه دجلة وما حل بهم بين شهيد واسير وغرق..
دون ان ننسى حديث النصيرة عائدة المؤثر في فيلم سنوات الجمر والرماد الذي أخرجه عام ٢٠١٢.. عن الجزء المبتور من اصابع النصير ابو ولاء حينما انفجر لغم علي يده في عملية انصارية واسعفته ووجدت أصابعه المبتورة فقررت بدلا من دفنها وضعها في مياه الروبار وهي تقول وتفكر .. سيكون أحد روافد دجلة وستذهب الأجزاء المقطوعة لتسير عبر مجرى النهر إلى بقية الوطن في الجنوب..

وكل هذا لا يبتعد في مضمون الحلقة 29 و حديث للشاعر النصير احمد دلزار.. عن تاريخه و كفاحه الثوري ونشأته والتحاقه بالأنصار.. و ما شاهده في بشتاشان.. والقصيدة التي كتبها عن الطفل الغريق.. وهو يقترب من المائة عام..
والسؤال الذي يتبادر للذهن ..
لماذا لم تضم وتجمع كل هذه الشهادات التي تتمحور حول المعابر والمياه في سيناريو فيلم او حلقة خاصة؟.. بدلاً من تقديمها مبعثرة ومجزأة في عدة حلقات من هذا التوثيق الذي تحدثنا عنه في الاسطر.. الم يكن من الافضل والاجدى لو قدمت بالصيغة التي نراها ونقترحها .. أليست هذه هي مهمة التوثيق .. وهي دعوة لمواصلة الجهود لإنجاز الافضل من الحلقات التي ننتظرها من المخرج والمساعدين له في هذا المجال ..
و بدلاً من هذا التنقل والترحال المتعب.. لماذا لا تهيء له في كل عاصمة ومدينة يتواجد فيها عدداً من الانصار.. اماكن مؤقتة لعدة ايام ليستقر فيها مع من يساعده لإنجاز مقابلاته؟..
كما هي فرصة لنقول ان هذا الجهد يحتاج للمزيد من الدعم والرعاية.. ومن حقنا ان نتساءل الى اين تمضي "التبرعات" التي تستقطع من رواتب الأنصار التقاعدية .. و لماذا لا توضع تحت تصرف المخرج علي رفيق لدعم جهوده وانجازاته الكبيرة في مجال توثيق ذاكرة الأنصار؟!! ..

ـــــــــــــــــــ
10 ايار 2019
صباح كنجي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن