مقاطع من حكاية التنمية ، والتخلُّف، وتنمية التخلُّف، في العراق

عماد عبد اللطيف سالم
emaasalem@gmail.com

2019 / 5 / 10

مقاطع من حكاية التنمية ، والتخلُّف، وتنمية التخلُّف، في العراق



- للتنميّة في العراق أوجه وتسميّات و موضوعات عديدة ، منها التنمية الاقتصادية ، والتنمية البشرية ، والتنمية المُستدامة .. وأيضاً التنمية الاجتماعية ، والشاملة ، والتضمينيّة ، و"الخضراء" ، و متعددة الأبعاد.
- وضعَ العراق (منذُ تأسيس كيانه السياسيّ في عام 1921) ، الكثير من البرامج والخطط والاستراتيجيات لتحقيق هذه التنمية .. ليس أوّلها برامج و خطط التنمية الوطنية المُتعاقبة ، وليس آخرها "الأهداف الانمائيّة للألفيّة"، و "رؤية العراق 2030 ".. و"التقرير الوطني الطوعي الأوّل".. ولا أعرفُ ماذا بعد .
- عقدَ العراق منذ العام 2003 ، الكثير من المؤتمرات ، و الدورات ، والندوات ، والاجتماعات ، و ورش العمل .. وشكّل الكثير من اللجان ، وشاركتهُ في ذلك بحماسة مكاتب ومنظمّات وهيئات و وكالات الأمم المتّحدة كافة.
- مع الأسف الشديد ، ومع أحترامنا وتقديرنا الكبير للجهود المخلصة التي بذلها العراق بهذا الصدد ، فإننا لم نتمكن من بناء "رؤية"تنموية ، أو نموذج عراقي للتنميّة ، قابل للتنفيذ ، والإستدامة.
- ذلك أنّنا لم نتخلّص من "إنبهارنا" بالأدبيات التنموية للمنظمات الدولية ، و"تبعيتنا" لها. فكلما ألقَتْ إلينا بـ "عَظمةٍ" تنمويّة ، ركضنا وراءها .. وكلّما رمَتْ علينا كسرة خبزٍ تنمويّة ، إبتلعناها على الفور ، دون التحقُّقِ من قدرتنا على هضمِ مفاهيم، وعمليات"مُلتَبِسة" كهذه.
- نحنُ "مُتَخَلِّفون" . نعم .. لا بأس .. وماذا في ذلك ؟
- إنّ "التخلّف" مرحلة تاريخية مُحدّدة ، وذات خصائص وسمات مُعينة ، وليس مصيراً أو قَدَراً أو مساراً لا نحيدُ عنه.
- و "التخلّف" يبقى نسبيّاً ، وليس مُطلَقاً(مهما كان "جَلْدَنا" لأنفسنا حادّاً وعميقاً و مُبَرّراً).
- و التخَلُّف "حالة" ، ومُشكلة قابلة للحلّ ، وليس "عاراً" سيبقى لصيقاً بنا أبدَ الدهر.
- و جميع البلدان المُتقدمة الآن ، كانت "مُتخلّفة" في مرحلةٍ ما .. والكثير من البلدان الآن ، ما تزالُ متخلّفةً بشكلٍ أو بآخر.. ولكنها لم تجعل من تخلّفها أبداً موضوعاً للتسقيطِ والشتيمة .. بل حافزاً على العمل الجاد ، والتصميم على الإنتقال لوضعٍ أفضل ، وهذا ما كان.
- ومعَ ذلك ، فإنّ ما نُعاني منهُ الآن ( وما عانينا منهُ سابقاً) ، وما يحدثُ لنا الآن(وما حدث لنا سابقاً) ، هو ليس "التخَلُّفَ" المَحْض والصِرْف والواضِح ، بحدّ ذاته ، بل هو "تنمية" هذا التخلف (مع سَبْق الإصرار والترَصُّد) على أرض الواقع ، ومن قبل جهات كثيرة ، وعلى أكثر من صعيد.
- وفي الاقتصاد ، والسياسة ، والاجتماع (وفي التاريخ أيضاً) ، فإنّ "تنمية التخلّف" هي أسوأ من "التخلّف" بكثير ، وتداعياتها ونتائجها (في الأجلين القصير والطويل) ستكونُ أمَرُّ وأقسى من "التخلّف" بحدّ ذاته.
- لذا .. وقبل الشروع بالتنمية (أيّاً ما كانَ نوعها ، ومهما كانت طبيعتها) ، يجبُ علينا العملُ أوّلاً على إيقاف عمليات "تنمية التخلّف" لدينا ، و في جميع المجالات.
- إنّ التنمية هي "عملية" Process ، وليست لُعبة لُغَويّة ، أو ظاهرة صوتيّة ، أو مِنبراً لجدل تنظيري-أكاديمي عقيم ، أو تهريجاً "أبويّاً" في خطاب "شعبوي" مجّاني.
- وهذه "العملية" مُركبّة ومُعقّدة ومُتداخلة ومُتكاملة، ودائمة، وليست "بوقاٌ" ولا "ديكوراً" لتلميع وجه الدول الوطنية والحكومات المحلية والمنظمات الدولية،وتحسين سمعتها المُلطّخة بفقر وجوع وأُميّة البلدان"النامية" أو "المتخلّفة" أو"المقهورة" على امتداد الكون.
-إنّ مّنْ بإمكانهِ أن يقولَ أو يفعلَ ذلك بشجاعةٍ وصِدقٍ وتصميم ، فإنّ عليهِ أنْ يفعل ذلك الآن .. من اجلِ بلدهِ ، ومن أجل مستقبلٍ أفضلَ لأبناءهِ ، قبل أيّ اعتبارٍ آخر.
- ومن لم يكن بوسعهِ ذلك(لأيٍّ سببٍ كان)، فإنَّ عليهِ أن يُكرمنا بسكوته.. ويبقى صامتاً إلى الأبد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن