ماساة طالبة!

محمد مسافير
moussafir.med@gmail.com

2019 / 4 / 22

لم يتبق لها سوى أيام معدودات لتجمع أغراضها وتنتقل إلى شقة جديدة، مع رفيقات جدد، لقد تغير كل شيء في حياتها، وها هي الآن تحاول الاستعفاف، لقد قررت أخيرا أن تقطع مع ماضيها، أو على الأقل مع الجزء الأخير منه... صحيح أنها كانت تحسد كثيرا زميلاتها على الاهتمام الكبير الذي كن يحضين به من طرف الشباب، وفي نفس الوقت، كان يحز في نفسها كثيرا تجاهلهم لها، لم تكن آية من الحسن والجمال، ولكنها لم تكن أيضا قبيحة المنظر، كانت ملامحها تخفي في الحقيقة حسنا راكدا، علمت ذلك من صديقاتها، وهن من أثاروا في نفسها مسألة الاهتمام بالذات، طالما قاومت إصرارهن، فتراها تهز منكبيها لا مبالية، أو متظاهرة باللامبالاة، لكنها حين تنزوي إلى فراشها، تغرق في دنياها الخفية، تتألم بقسوة يعقبها تأوه عريض مرتفع، ما يلبث أن يهبط إلى درجة الأنين، ثم تنداح إلى الصمت...
وكان مما كن يعبنها عليه، نحافتها المفرطة، وملابسها الذكورية، لكنها قررت بعد طول جحود، أن تنصاع لنصائحهن، لتنعم ولو بالقليل من الاهتمام..
كانت طالبة حقوق سنة أولى، قدمت من ضواحي مدينة تزنيت إلى أكادير حيث الكلية، كانت في خفة النحلة ولا تمسك عن الحركة، لكنها عدلت عن ذلك منذ أن رغبت في الامتلاء، فطفقت تنام النهار كله، وتأكل أكثر من القدرة، إضافة إلى استعمال بعض الأعشاب وبعض الطرائق الصحراوية التي تسمن أجزاء من الجسم دون غيرها، واستمرت على ذلك الحال أشهرا، ثم شرعت في ارتداء ملابس رفيقاتها في الشقة، لكن جاءت العطلة...
لاحظت أمها امتلاءها فسعدت بذلك، حيث كانت نفسها تتمنى أن تراها على ذاك القوام، عل عريسا يأتي فيطلب يدها ويخلصهم من تكاليف دراستها، أو يقعدها في البيت... ولعوز الأسرة الشديد، فقد كانت ترسل ابنتهم مع جاراتها من الفتيات إلى الطريق الرئيسية لبيع التين الهندي (الشوكي)، وكن يسعدن كثيرا بذلك، حيث تتاح لهن فرصة الانتشاء ببعض الغزل من المارة...
توقفت سيارة بقرب بضاعتها، سألها صاحبها عن الثمن فأجابته، وقرر أن يشتري منها كل ما بحوزتها، سعدت كثيرا لذلك، وهبها نظرة غير قصيرة ولا بريئة أثملتها فترنحت بعيدا عن تيار الزمان، وأفعمت قلبها بهجة ظافرة، تبادلا أطراف الحديث، علم منها أنها طالبة تكتري شقة بحي السلام، تبادلا أرقام الهاتف، ثم تواظبا على المحادثة..
سعدت كثيرا برفقته، كان يغدقها بالمال والاهتمام، وكانت تحوطه هالة من الفخامة مصدرها بدانته المتناسقة، وشاربه المرتب أبدا، فهامت على وجهها في مظان الهوى في الحدائق والمقاهي والشقق الفاخرة، يسكب في أذنيها بين الفينة والأخرى الثناء الجميل، فتغرق في النشوة التي لا يضاهيها ثمن..
لكنها سرعان ما استفاقت من الحلم الجميل، حيث تحول إلى كابوس قض مضجعها أسابيعا، بعد أن تلقت مكالمة هاتفية من زوجة فارس أحلامها، تهددها بالفتك إن لم تبتعد عن زوجها، لم تكن أصلا على علم بزواجه، ولم يتبادر إلى ذهنها لحظة أن تسأله، حطمت بطاقة الهاتف، ثم قررت طي صفحته إلى الأبد، وفي عينيها استكنت نظرة خاملة لا تنشد إلا السلامة...
انكسر قلبها فعلا، لكنها استجمعت قواها أخيرا بعد أن طوقتها الوحشة داخل الغرفة، فغادرتها ذات مساء، والسماء مجللة بسحب الخريف وكأنها تقطع الحبال مع كل أمل، لقد ألفت وجوده بجنبها، وهي الآن في أمس الحاجة إلى رفيق يقوم مقامه... أخذت مجلسها على أحد كراسي المقهى الذي كانت ترتاده وإياه، فلاحظ شاب وحدتها ثم دنا إليها، وبعد بضع دقائق، غادرا بيدين مشتبكتين...
مرت السنة الأولى والثانية دون أي أداء دراسي يذكر، لكن علاقاتها غدت أكثر توسعا وتعددا، تغادر شقتها في منتصف الليل، ولا تعود إلا بعد الظهر، فتغرق في النوم إلى وقت العشاء، تستيقظ وتقضي الساعات الطوال أمام المرآة حتى تضمن أعلى منسوب من الإثارة...
لكنها بدأت تستشعر الضياع وقتامة المستقبل، أحست ذات ليلة بتأنيب ضمير منقطع النظير، فغرقت في البكاء والعويل إلى الفجر، عندئذ قررت حزم حقائبها إلى شقة جديدة، مع رفيقات جدد، طالبات مجدات لا يرغبن إلا في التحصيل والنجاح، عزمت على أن تقطع مع ماضيها، أو على الأقل، مع الجزء الأخير منه..
كانت لها أخت متزوجة تقطن في عين القليعة، وفي آخر زيارة لها، بعد أن قررت الرجوع إلى رشدها، أُعجِب زوج أختها بلوحة إليكترونية كانت قد أهداها لها صديقها الأول، فقررت أن تبيعها له بثمن رمزي، فقد يساعدها ذلك أيضا في القطيعة الكلية مع كل تفاصيل الماضي، مسحت كل أسرارها منها: مكالمات صوتية وصور وفيديوهات، ثم سلمتها له...
بعد أسبوع تقريبا من الزيارة، اتصل بها زوج أختها يستعجل رؤيتها، كان بانتظارها في مقهى بالحي الذي تقيم به، جلست إلى جانبه، ثم صعقها بماضيها...
لقد علم بأمرها بعد أن تمكن من استعادة كل ما مسحت، انهال عليها بوابل من الشتائم المنحطة، توسلت منه السترة، لأن الفضيحة قد تكون رقبتها هي الثمن الوحيد الذي قد يمسح العار عن والدها، استغل حرج موقفها، فآثر ابتزازها في ارتشاف أنوثتها ...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن