كليّات المجتمع Community Colleges ، و جامعات الشركات

عماد عبد اللطيف سالم
emaasalem@gmail.com

2019 / 4 / 8

كليّات المجتمع Community Colleges ، و جامعات الشركات


في البلاد التي تتم فيها تدنية معدلات القبول في الجامعات الى مادون الخمسين . في البلاد الوحيدة ، ربما، على امتداد هذا العالم ، التي يتم فيها قبول جميع الحاصلين على الشهادة الاعدادية في الجامعات الحكومية والأهلية . في البلاد التي لا "يرسِب" فيها أحد ، ولا يتم فيها "ترقين قيد" أحد في جميع المراحل الدراسية. وفي الوقت الذي يتكدّسُ فيه ، لدينا ، مئات الآلاف من خريجي الدراسة الأعدادية(على اختلاف تخصصاتهم ، وقدراتهم العلمية ، ومؤهلاتهم التربوية) في جامعات حكومية وكليّات أهليّة لم تعُدْ قادرة (لظروف وأسباب وتبريرات كثيرة لا يتسّع المجال لذكرها الآن)على توفير الحد الأدنى الضروري من المتطلبات (المهنية والعلمية والأكاديمية) للتعليم الجامعي ، وبالتالي فهي غير قادرة على الاستجابة لاحتياجات (ومتطلبات) سوق العمل المعاصرة (بحدّها الأدنى أيضاً) . في هذا الوقت ذاته تتحقّق في بلدان اخرى كثيرة ، زيادات كبيرة في التسجيل بما يُطلَقُ عليه "الكُليّة المُجتمعية" أو "كليّة المجتمع"Community College ، أو "كليّات المجتمع المحلّي". وبعد مرور أكثر من قرنٍ على تأسيس أوّل كليّة منها في الولايات المتحدة الأمريكية(وهي كليّة جولييت جونيور كوليدج ، في ولاية ألينوي)، ماتزال هذه الكليّات تتبوأ مكانة محوريّة في مجالات تطوير القوى العاملة ، ومواصلة تحصيل العلم (لأولئك الذين لم تسمح لهم ظروفهم الخاصة بمواصلة تعليمهم الجامعي) ، وتوسيع نطاق مسؤولية المجتمع المدني على الصعيد المحلي .
وكان لهذه الكليات ، عبر تاريخها ، وعلى نحو أكثر في هذه الأيّام ، دور حاسم في ايجاد انظمة فعالة لتأهيل الطلاب (وبالذات طلبة المدارس الاعدادية) للأنتقال مباشرةً من مقاعد الدراسة الى مواقع العمل . وتؤمّن الكليّات المجتمعيّة (بالاضافة الى كونها حلقة الوصل الرئيسة بين التعليم في المدارس الثانوية ، ومابعد المرحلة الثانوية) برامج انتقالية خلاّقة ، كالإعداد الفني ، والتدريب على المهن في مقر العمل ، والتعليم التعاوني ، والتعليم الخاص بالحياة المهنية . وهي تتعاون بالاضافة الى ذلك مع أرباب العمل والمجتمعات المحلية والحكومات والمنظمات العمالية ، والتنظيمات النقابية الأخرى.
ويصل عمر ثلث طلاب هذه الكليات ، تقريباً ، الى الثلاثين أو اكثر في الولايات المتحدة الأمريكية . وتتخصّص هذه المؤسسات في تدريس المهارات العملية التي يمكن تطبيقها مباشرةً في مكان العمل ، وكانت مفيدة على نحو خاص في اعادة تدريب الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم ويبحثون عن فرص عمل جديدة .
وتتضمن مناهج التدريس في هذه الكليات مواد دراسية تقليدية ، كالنجارة ، والحدادة ، وإعداد المعجنات والحلويات ، وصيانة السيارات ، وصناعة الأكسسوارات ، والمنتجات التراثية .. وأخرى غير تقليدية مثل صيانة الألكترونيات ، والتمريض ، والعلاج بالتدليك، وأمن معلومات الكومبيوتر. وتتطلب المهن ذات الدخول المتوسطة هذه الآن ، مهارات تزيد كثيراً عما كان مطلوبا من العمال ذوي الدخول المتوسطة في السابق .
وتستفيد نسب متزايدة من السكان في سنّ العمل من توجّهات هذه المؤسسات التي تتركّز أساساً حول الايفاء باحتياجات سوق العمل الحديثة . وفي البلدان المتقدمة عموماً (التي لحقت بها دول "نامية"عديدة ، وأصبحتْ هذه بدورها دول صناعية "جديدة" ) ظهر شكل آخر من هذه المؤسسات التعليمية ، هو ما يُطلق عليه "جامعة الشركات" . وتحولت هذه "الجامعة" على نحو سريع الى جزء ثابت في تعليم الكبار المتصّل بالعمل.
وتقوم الكثير من الشركات التي تحتاج الى مستخدمين جُدُد ، على مستوى مقبول من الجودة بالنسبة لها ، باستكمال تعليم هؤلاء ، وتحسين قدراتهم ، وإعدادهم للمنافسة بنجاح وكفاءة في الأسواق العالمية.
ولدى شركة جنرال موتورز نظام "جامعة" موسّع بهِ ست عشرة كليّة "وظيفية" ، تقوم بإعداد "تلاميذها" ليشغلوا الوظائف المتاحة في سوق العمل حال تخرّجهم . وتقوم شركة ماكدونالدز (لغاية عام 2008) ، بتعليم أكثر من خمسة آلاف موظف سنوياً في "جامعة الهامبورجر" التابعة لها .. وهي تسمية مناسبة لما يمكن ( أو يجب) أن تقوم به هذه الجامعات من مهام .
نحنُ أحوَجُ ما نكون لـ "كليّات" و "جامعات" كهذه .
والنماذج الناجحة للكليّات المُجتمعية ، القائمة في بلدان أخرى ، جديرة بالاقتداء ، دون الحاجة الى إعادة اختراعنا للعجلة من جديد .. ومنها النموذج الماليزي ، على سبيل المثال لا الحصر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن