صراخٌ في الوادي

عبد الستار نورعلي
sattarnoor42@yahoo.se

2019 / 4 / 8

صراخ في الوادي
عبد الستار نورعلي

إلى روحِ الشهيدة العذراء ميسون حسن،*
التي انفجر بها لغمٌ في الطريق على الحدود مع ايران،
أثناء حملة التهجير 1980 :

"صراخٌ سُمِعَ في الوادي،
بكاءٌ ونحيبٌ شديدْ،
فاطمةُ تبكي على ابنتها
وتأبى أنْ تتعزّى،
لأنّها قد رحلتْ" * *
* * * * *
انفجارٌ يُدوّي ....
صرخةٌ تتعرّى....
رعبٌ يلفُّ الجميعْ...
هدوءٌ... وصمتٌ جليلْ...
لغمٌ يُمزّقُ الجسدَ النحيلَ الجميلْ،
ينثرُ الشظايا في الفضاءْ.
دمٌ يلصقُ فوقَ الوجوهْ.
فاطمةُ تتلفّتُ خلفها...
أينَ التي تسيرُ الهوينى؟
اينَ التي انحسرَ شعرُها،
والتفّتْ عباءتُها بشوكةٍ في الطريقْ؟
فاطمةُ تتلوّى ...
تلعقُ الترابَ ...
تنحبُ في نشيجٍ طويلْ:
أينَ أنتِ، يا مَنْ وجهُها قمرٌ
يرقصُ النورُ فيهِ خيوطاً تشقُّ العيونْ؟
البسي العباءةَ، إنّي أخافُ العيونْ،
عيونَ الكواسرِ التي اقتحمتْ بيتَها ساعةَ الفجرِ،
نفثتْ سُمَّها...
هو يومُ الرحيلْ.

فاطمةُ كانتْ تصلي:
" والفجرِ وليالٍ عشر"
رفعتْ يدَها، رأسَها، صوبَ السماءِ،
استجارتْ بالدعاءْ:
اللهمَّ، ارفعْ هذهِ الغُمّةْ
عن هذهِ الأمّةْ.

فجأةً ...
عرباتٌ... زمجراتٌ... في الزقاقِ،
اقتحامٌ،
وسلاحٌ مُشرَعٌ في الوجوهْ.
وشفاهٌ مثلُ الذئابِ تعوي،
تحتسي القيحَ والدماءْ.

لملمتْ فاطمةُ نُثاراً ....
رعشةٌ في الفؤادِ، اضطرابٌ في العيونْ.
أسرعتْ...
حدّقتْ في زوايا دارها،
أمرَتْ قمرَ البيتِ:
ارتدي العباءةَ،
خبّئي وجهَكِ،
فالكواسرُ لا تعي الفرقَ بينَ الحلالِ والحرامْ،
الجميعُ سواءٌ أمام الذي لا سواءَ فيهِ.

إنّهُ الحشرُ.....!
بشرٌ فوقَ بشرٍ...
شاخناتٌ تتلوّى ...
والطريقُ طويلْ....
المدى سيلُ رصاصٍ ودخانْ....
إنّهُ الرحيلْ !
العيونُ مغروزةٌ في الأرضِ...
دموعٌ جامدةٌ في العيونِ التي ألفَتْ رحلةَ الترابِ،
رفيفَ النخيلِ والمياهْ.
حفاةٌ ....
حياعٌ...
بقايا ثيابٍ...
نظراتٌ مصوّبةٌ في الخواءْ،
نحيبُ النساءِ،
صراخُ الصغارِ،
لهاثُ الكبارِ،
يشقُّ العراءْ.

تلتقي القوافلُ...
تتباعدُ....
تدوسُ الصخورَ... الشوكَ...
تغوصُ في الوحلِ....
تحدّقُ في الجبالِ...
أينَ الطريقُ؟
ما السبيلُ إلى الأفقِ الضبابْ؟
تسيلُ دموعُ السماءِ... تبكي...
رياحاً... دماً....
دويُّ المدافعِ في المدى ....
ودخانْ....

انفجارٌ يُدوّي....
ورعبٌ يلفُّ الجميعْ ...

صراخٌ سُمعَ في الوادي
بكاءٌ ونحيبٌ شديدْ.
هدوءٌ.....
وصمتٌ ثقيلْ.....
تسيرُ القافلةْ......


*ميسون حسن: هي ابنة شقيق حامي هدف منتخبي الجيش والعراق الوطني لكرة القدم السابق ( أنور مراد). كانت في ريعان الشباب.

** تضمين من الانجيل:
"صراخٌ سُمِعَ مِنَ الرامّةِ: بكاءٌ ونحيبٌ شديدٌ ! راحيلُ تبكي على أولادِها، وتأبى أنْ تتعزَّى، لأنّهمْ قد رحلوا !"
(انجيل متى، الاصحاح 2 الآية 18)

عبد الستار نورعلي
الجمعة 9-4-1993



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن