نداء الى العالم وللعراقيين بالمقدمه ؟/ب

عبدالامير الركابي
amir.rekaby@hotmail.fr

2019 / 3 / 26

نداء الى العالم وللعراقيين بالمقدمه ؟ / ب

يقترب العالم اليوم والمجتمعات، من الدخول في الطور الأخير من اطوار"المجتمعية" الى مابعدها، والى مايضادها وينفيها على اعتبارها بالاصل ظاهرة ضرورية ومؤقته، كان من اللازم حكما اجتيازها، قبل ان يصبح العقل حاضرا ومتحررا من وطاة الحيوانية الجسدية التي ظلت عالقة به، منذ انبثق في الحيوان، وصار هذا منتصبا وقادرا على استعمال يديه، حين انتهت يومها المرحلة الأولى من "النشوئية/ الارتقائية"، بما هي صيرورة الحيوان الى ماعرف اعتباطا ب"الإنسان" منذ انبثاق العقل*. وتلك واحدة من قصورات العلوم الحديثة، وتوقفاتها عند الحدود التي يتيحها التكوين الأحادي المجتمعي، حتى باعلى اشكاله وصيغه، وأكثرها دينامية، كما هي ممثلة بالطبقية الاوربية، عند قمة صعودها، أي لحظة الإفصاح عن مكنوناتها القصوى.
و"الانسان" هو بالفعل االهدف الذي تريد الصيرورة الثانية الازدواجية "العقل/ جسدية" الجديدة، بلوغه، انما مع "فك الازدواج"، وانتهاء طور خضوع العقل للجسدية والارضوية المجتمعية. أي تحرر العقل وتحوله الى القوة الفاعلة المستقلة، المتسيدة على الطبيعة والجسد، والمتلائمة مع إيقاع الكون والخلقية العظمى، ماوراء الصنمية السماوية. وهو ماكان يشترط خارطة مجتمعية موزعه بحسب الاختصاصات والبنى، تتظافر مجتمعة لنقل المجتمعية وضمان تحولها خارج الجسدية الحيوانية الارضوية، والاهم وجود بؤرة أساس، وموضع بدء اولي، وتحقق نهائي، يفصل بينهما تاريخ طويل من طغيان الأحادية والمنظورات الخاضعه للجسد وهيمنته الانتقالية على العقل، كما غلبة اشكال من وسائل الإنتاجية الادني، عبر طوري الإنتاج اليدوي، ومن ثم الالي، قبل الإنتاج المعرفي التكنولوجي، المتلائم مع نوع مجتمعية التحول واللادولة واليات تحوله.
ان ارض مابين النهرين، هي تحديدا البؤرة المختارة من قبل الغائية الكونية، لنقل الكائن البشري عبر الطور التصيّري الأخير، المجتمعي، نحو "اللامجتمعية" المطابقة لعالم العقل المتفوق، والمرتبط اطرادا بالايقاع الكوني. ومجتمع اللادولة السومري المبني على حافة الفناء اتفاقا مع طبيعة الشروط الإنتاجية والحياتية، وكيانية الازدواج، التي نشات بحكم قيام الدول القاهرة في أعلاه لتندمج به ايقاعا، مشكلة عبر الصراع، نمط وحدة مجتمعية كبانية، قاعدتها الانشطار العمودي المجتمعي، لا الافقي الطبقي القائم على الطرف الاخر من البحر المتوسط. جعلت المجتمعية القائمة هنا، والتاسيسية تاريخيا، نمطا اخر مختلفا، سواء بصفته الازدواجية، او طرفه الأسفل "اللادولة"، وهو مايشمل شكل دولها القاهرة، المحكومة لقوانين "الإمبراطورية الازدواجية" التي لاشبيه لها ولامثيل، شرقا، او غربا.
وهذا النمط من "المجتمعية"، هو بالأحرى الشكل الأعلى من أنواع المجتمعيات الناظمة للطور المجتمعي النشوئي المفضي الى اللامجتمعية و"الانسان"، بالإضافة لنمطين احاديين، الأول نمط اجتماع دولة غالبة على المجتمع، مثالها ونموذجها الاعرق مايتمثل بكيان وادي النيل، واعلى اشكاله تركيبا ومن ثم دينامية، مجتمع أحادية الدولة والطبقات الغالبة الاروربي، المنشطر افقيا، ونمط لادولة احادي يذكرنا بالمايا والازتك في أمريكا اللاتينية، وامريكا قبل الغزو الأوربي الاستيطاني الابادي، وأستراليا قبل الغزو، وبعض افريقيا، وأجزاء من اسيا، اعلى اشكال هذا النمط وأكثرها دينامية، هو مجتمع اللادولة الجزيري العربي، المحكوم لاقتصاد الغزو، وقانون الاحتراب كوسيلة للبقاء، والخلية القبلية المهياة للتراجع لصالح العقيدة وظهور "مجتمع عقيدي" محارب، من المستحيل على اية قوة حربية معروفة في زمنها صده، لاسباب تتعلق بالكينونة والبنية، ذلك غير ماتبقى من اشكال مختلطة. وحضور هذا التقسيم المجتمعي وانماطه، وتوزعها الجغرافي غير الاعتباطي، ينطوي على وحدة فعالية وصيرورة مصدرها الطبيعة الحاضرة سواء في الطور النشوئي الحيواني الأول، قبل انبثاق العقل، او في الطور الحالي الارتقائي الاجباري الى "الانسان" عبر ومن خلال المجتمعية.
وهنا تكمن المسالة اللغز، والاساس المضمر الغائب والمتعذر الادراك من الحقيقة الوجودية التاريخية ومسارات التاريخ البشري، الامر الذي اقتضته اشتراطات تفارق العقل وتشكلاته ضمن المجتمعية، وهو ما نجد دلاله بارزه عليه عبر ماتحقق في العصر الحديث اوربيا، مع الاكتشاف المتاخر جدا، للظاهر المجتمعية في القرن التاسع عشر، مع الاقتراب من اولياتها، ومباشرة إدخالها مجال البحث والقراءة السببيه العلية، ماقد دل على تأخر العقل العضوي واحتياجه للقدر اللازم من الاختبارات التاريخية والموضوعية، قبل توفره على الأسباب التي تؤهله لوعي حقيقته، خارج الحدس، ووفقا لقوة الادراك، الامر الذي لم يكن متوقعا بالطبع توفره مكتملا بمجرد وقوعه على البدايات والمنطلق.
هذا غير احتمالات الخطا والشطط، من نوع "توحيد"/ من فرض النمطية الواحدة/ الظاهرة المجتمعية، او "تابيدها" ومعها الجسد بالطبع، على اعتبارها ظاهرة نهائية، لاوسيلة مفضية لغاية تتعداها، وافتراض محركات للتاريخ جزئية، خاصة بنمط بعينه، مثل موضوع "صراع الطبقات"، والمراحل التاريخية، ومآلاتها، الامر الذي يمكن تفهمه، لابل توقعه من قبيل القصور البديهي، ضمن السياقات العامة لعمل العقل والأفكار، قبل ان تنبثق الرؤية المجتمعية، وارتباطها المادي العضوي، بعملية النشوء والارتقاء الثاني، مابعد الحيوانية.
ان تاريخ المجتمعية والكائن البشري،منذ تبلور المجتمعية "التحولية" الأولى الايلة الى " اللامجتمعية" في ارض مابين النهرين، يبقى بالطبع محكوما عليه بالخضوع للمنظورات والمعتقدات الأحادية الجزئية والناقصة، ان لم تكن الخارجه كليا عن سياقات الحركة الفعليه للحياة والتاريخ، ماقد القى على التاريخ ومساراته، نفس اثقال ماقبل الادراك العقلي اللاحقة بالمجتمعية وانماطها، بما جعل هذا المجال من مجالات عمل العقل ومحاولته اعقال الوجود، مجانبا للحقيقة ولطبيعة الاليات للفعليه الناظمة للوجود وحركته، فلم يظهر من قبل مايمكن ان يدل على ان التاريخ هو فعالية المجتمعيات وانماطها، متوالية ومشتبكة وصاعدة، تبدا بدورة أولى ازدواجية منتكسه، هي الدورة الكونية الرافدينية الازدواجية، بتعذر بلوغها الأهداف والمقاصد التي تنطوي عليها بنيويا، لعدم توفر المقومات المادية الضرورية واللازمة للانتقال المنشود آنيا، مايفضي لانتصار الدورة الثانية الشرقية والغربية، الأحادية، الإمبراطورية، بمظهريها الأكبر، الفارسي، والروماني. قبل صعود الدورة الثانية، الجزيرية التي هي قوة مجنمع لادولة احادي، امكن ان يتحقق عقيديا بحكم اشتراطات تاريخية، كردة فعل على وطاة وثقل حضور الامبراطوريات الأحادية ومخاطر احتمالية خنقها الكامل لاليلات منطقة الشرق المتوسطي.
ومع ان محرك الدورة الثانية لم يكن ليصبح قابلا للوجود من دون الاطار المفهومي لمجتمع اللادولة الازدواجي الأول التاسيسي الرافيديني، الا ان فعل هذا المنجز الختامي من منجزات الابراهيمية بطورها النبوي، المؤسس على الصنمية السماوية لاسباب نابعه من اضطرارات الإجابة على ظروف الانتكاس وانتصار الأحادية، الا ان مساهمته في تحرير الاليات الرافدينية الازدواجية المعطلة، بفعل اشتراطات ذاتية، ووطاة الاحتلال الفارسي، لم تكن قد تسنى لها موضوعيا ان تكون سببا في احياء "دورة ثانية مكتملة" من دورات الازدواج التاريخي الرافديني، قياسا لاهدلفها القصوى التحولية، فالاسباب التي كانت وراء الانتكاس الأول، أي عدم توفر الأسباب المادية الضرورية للانتقال من المجتمعية، كانت ماتزال مستمرة هي نفسها، ولم تكن وسائل الإنتاج قد عرفت، الانتقال نحو الالية، ولا بالخصوص الانقلاب الأهم الراهن "العقلي التكنولوجي". المطابق لاشتراطات التحول النهائي.
ومع ان اليات الازدواج المجتمعي كانت حاضرة وقتها، بالاخص بمايتعلق بنمط الدولة وخاصياتها الإمبراطورية الأعلى حتى من صيغتها الأولى البابلية ، بظل ماقد وفره انفتاح الأفق الشرقي بفعل الفتح، عدا عن مظاهر هامة دالة على نزوع لتجاوز، النبوية الجزيرية الختامية، الا ان اشتراطات الدورة الثانية المكتملة بدءا وتشكلا، ومن ثم حصيلة، ماكانت حاضرة، ولعب كون مادة الدورة الحالية من العرب الجزيرين، هم أبناء مجتمع لادولة احادي، وان ماتسببوا في ايقاظه من محركات، لم يكن نتاج عملية ذاتية تاريخية كما ماكان قد حدث في الدورة الأولى، او الدورة الحالية الثالثة مع عودة تشكل ارض مابين النهرين الحالية، والمبتدئة من القرنين السادس عشر والسابع عشر في ارض سومر الحديثة في المنتفك .
بهذا تكون الدورة الازدواجية الرافيدينية الكونية الأولى ، قد بدات بالاصل كصيغه محكومة لمحفزات طبيعية وذاتية، والدورة الثانية بعد الانقطاع الأول، بمحفزات ومادة تشكل من الخارج الملحق بالكيان الازدواجي، والثالثة الراهنه، ذاتية ونابعة من محركات طبيعية تاريخية مع فعل محفزات طارئة أحادية هي الاعلى، أهمها الاوربية الحديثة، ومنجزها المادي والمفهومي، المتوفر على كل ماتقتضيه وتتطلبه وظلت تحتاجه، البنية الازدواجية الرافدينية كي تحقق انقلابها التحولي الأعظم، المتوقع حصوله من هنا فصاعدا. علما بنه لن يتغير امر قوم، الى ان يغيروا مابانفسهم قبلا، أي منظورهم لذاتهم والعالم بما يتفق و:
ـ كون المجتمعية ثلاثية اعلاها الازدواجي المجتعي.
ـ كون المجتمعية ضرورة أخيرة قبل انتقال الانسايوان الى "الانسان" بتراجع هيمنة وسطوة الجسد والارضوية.
ـ كون التاريخ المنصرم هو ثلاث دورات، أولى ازدواجية منتكسه رافدينيه، وثانية وثبة لادولة أحادية، وثالثة هي الراهنة، مدمجة، تبدا أولا بالانقلاب الحداثة الأوربي، وتنتهي بالانقلاب الكوني المجتمعي التحولي العراقي، الى مابعد مجتمعية.
ـ كون ارض الرافدين هي بؤرة التحولية المجتمعية، وان ماتشهده اليوم من تفاقم في اشتراطات العيش على حافة الفناء، هو مقدمات انتقالية، تنتظرالارتقاء لمستواها ادراكا، ووعي قوانينها، أي إعادة قراءة التاريخ الجاري وحركته ومقاصده الى اليوم، واستنطاق استهدافاته.
ـ كون الانقلاب الراهن قادم وحتمي، لايمكن صده او الوقوف بوجهه.
وأخيرا كون هذا النداء هو مجرد تنويه من بين تنويهات، ستظل تترى على امل لفت الانتباه اعالميا، وبالأخص عراقيا، على طريق انقلاب العقل وعلاقته بالكون، الشرط الأساس الذي لاانقلاب كوني من دونه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سبق ان عالجنا وان من دون تفصيل مسالة " الانسايوان " و " الانسان" التي تستحق مزيدا من المعالجة ولاشك.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن