الديموقراطية دفعة واحدة أم على مراحل تنموية متدرجة (1)!؟

سليم نصر الرقعي
elragihe2007@yahoo.co.uk

2019 / 3 / 6

(الجزء الأول) (تابع سلسلة حواراتي عن الديموقراطية فكرً وتطبيقًا !)
************
هل نطبق الديموقراطية دفعة واحدة أم على مراحل تنموية متدرجة بصبر جميل ونفس طويل!؟؟ .. وهل شعوبنا ونُخبنا السياسية - بهذه المواصفات والنقائص الحالية - مهيئة للديموقراطية ولقيادة قطار الحرية أم ليس بعد؟ وإذا لم تكن مهيئة بعد فهل الحل هو الحكم الديكتاتوري؟ المتمثل في حكم الزعيم الأبدي حتى ولو من على كرسي متحرك؟؟ أم هو الحكم العائلي الوراثي؟ أو الحكم القبلي أو الطائفي؟ أو حكم الحزب الواحد؟ أو الحكم العسكري المتسربل بقناع النظام الجمهوري!؟؟ .... ما هو الحل إذا كنا لسنا جاهزين للديموقراطية بعد أو لم نبلغ بعد سن الرشد والاستحقاق!؟؟؟".

***************************************************
قال : "شعوبنا العربية وخصوصًا الشعب الليبي غير مهيأة وغير مستعدة بعد للديموقراطية ولهذا تطبيق الديموقراطية في هذه البلدان سينتهي إلى حالة من الصراعات الجنونية التي تتسبب في عدم الاستقرار وفي الفوضى والانهيار الاقتصادي!.
* * *
فقلتُ: "هذا القول - بنظرة واقعية - له ما يبرره بالفعل، وأنا نفسي كتبتُ عن اشكاليات توطين وتمكين الديموقراطية في بلداننا، وذكرت ضرورة التدرج في التطبيق الديموقراطي، وذلك بأن نقر الديموقراطية في الدستور في ظل ثوابتنا الوطنية والدينية العامة المتفق عليها ونقر الحريات السياسية للشعب والأفراد (الحقوق السياسية للشعب كشعب وللفرد المواطن كمواطن)(والحريات الشخصية للفرد كإنسان) - وفي ظل ثوابت نظامنا الاجتماعي العام الذي يوازن بين حقوق الجماعة الوطنية وحقوق الافراد وبين مقتضيات الأمن والاستقرار ومقتضيات الحرية - ثم بعد اقرار كل هذه الحقوق العامة والخاصة في دساتيرنا ويحدد الدستور - كذلك - الصلاحيات والسلطات وما هي المؤسسات والآليات والاجراءات النظامية التي تضمن حسن سير العدالة الاجتماعية والديموقراطية وممارسة حياة سياسية عادلة وآمنة... بعد هذا .. أي بعد دسترة الديموقراطية كنظام سياسي نبدأ في مسألة (التطبيق العملي التدريجي) وفق (اتفاقات وموافقات) (الميثاق الوطني) المكتوب الذي تتفق على بنوده القوى الوطنية والسياسية والاجتماعية كخطة سياسية ودليل سياسي لتمكين وتوطين الديموقراطية في بلداننا وترسيخها بشكل تنموي خطوة خطوة لوقاية الديموقراطية من كل الآفات والمخاطر التي قد تؤدي - وبسبب ظروفنا المحلية والدولية الحالية - إلى اجهاضها وانهيارها كما جرى في عدة تجارب سابقة لبلداننا!.... فلا شك أن دسترة النظام السياسي الديموقراطي هو أمر أساسي من حيث المبدأ في مسألة توطين وتمكين الديموقراطية (الليبرالية) - ولا أقول العلمانية بالضرورة - في بلداننا العربية والمسلمة، ولكن وفي الوقت ذاته نعترف بأننا من حيث ضمان نجاح التطبيق نحتاج إلى الانتقال للديموقراطية على جرعات وخطوات ومراحل، ووفق خطة زمنية للتنمية السياسية ووفق (ميثاق وطني مكتوب) متفق عليه بين غالبية القوى السياسية والاجتماعية وبشهادة الأمم المتحدة، وقد ضربت مثلاً أنه في البداية يمكن أن يكون لدينا حزبين فقط في بلد كبلدي ليبيا، حزبين تدعمهما ماليًا الدولة باعتبار أنهما معهدان سياسيان لتخريج رجال دولة وقادة سياسيين في البلد، يكون الأول عبارة عن تجمع لكل القوى الليبرالية واليسارية التحررية ( ذات الخلفية العلمانية والانسانية)، ويكون الثاني عبارة عن تجمع للقوى المحافظة (ذات الخلفيات الوطنية والدينية والقومية)... وليعرض كل منهما مشروعه وبرنامجه السياسي على الشعب فمن يختاره جمهور الأمة يحكم ويقود البلد في ظل حاكمية الدستور الوطني وعلى هُدى الخطوط العريضة للميثاق الوطني المكتوب المتفق عليه بين أغلب القوى السياسية والمثقفة الوطنية... وهكذا وبهذه الطريقة يُصبح هذان الحزبان (الحزب الليبرالي التحرري) و(الحزب الوطني المحافظ) معهدين لتخريج نخب سياسية واعية وقادة سياسيين مؤهلين للحكم والقيادة.. فلا شك أن كل دولة تحتاج إلى نخبة من رجال الدولة المخضرمين والقادة السياسيين الوطنيين، وبالتالي ينضم كل من يريد ممارسة السياسة لأحد الحزبين الوطنيين ليكتسب المهارات والخبرات السياسية في أحد هذين المعهدين الوطنيين المتنافسين، ثم تجرى انتخابات بحيث يحكم الفائز لخمس سنوات والآخر في المعارضة ثم بعد انتهاء مدة حكم الأول يستلم الثاني الحكم بدون انتخابات لخمس سنوات أخرى، وهذه الفترة أي الـ10 سنوات هي فترة التنمية السياسية وتعويد الليبيين على الديموقراطية من خلال تجريب قيادة كل حزب للدولة لمدة 5 سنوات، وسيساهم هذا في الاستقرار الذي نحتاج إليه في بداية التجربة (الديموقراطية) كما سيساهم هذا التوافق الرشيد على هذه الحقبة التأسيسية والخطة العشرية على حماية الديموقراطية الوليدة - وهي بعد (غضة، طريّة) - من الابتسار والانهيار، لأن الحزب الخاسر المعارض يُدرك أنه سيستلم الدورة الثانية للحكم بعد الحزب الفائز بأغلبية أصوات الشعب أي الفائز بالحكم، فالحزب (الخاسر) سيتلم الحكم بطريقة تلقائية سلسلة بعدانتهاء مرور 5 سنوات من خطة التنمية السياسية الديموقراطية العشرية، ولهذا لن يشتط في توجيه الانتقادات للفريق الآخر بغرض ارباكه وافشاله!! ... بعد هذه الفترة اي ال10 سنوات يمكن بدء مرحلة التنافس السياسي والسباق الديموقراطي الحر بل وفتح باب تعدد الاحزاب أو يستمر نظام الحزبين اذا وجدناه مناسبًا لنا، والأفضل خلال هذه الفترة التأسيسية - بالنسبة لبلد مثل ليبيا يتصف بالجهوية والقبلية العميقة كما يتصف المجتمع اللبناني بالطائفية الدينية - أن يكون هناك على رأس الدولة (ملك دستوري) - من العائلة السنوسية - بصلاحيات محددة ومحدودة كرمز للوحدة والاستقرار لا يمارس الحُكم والسياسة ولكنه - كممثل دائم للأمة وحارس للوحدة الوطنية والاستقرار وكراعٍ سامٍ للحياة الديموقراطية - ويكون هذا (الملك) رقيبًا يراقب الساسة في البرلمان ويمكنه - وبنص مادة دستورية وفي حالة استثنائية واحدة فقط - التدخل، وذلك إذا وصل الصراع السياسي داخل وخارج البرلمان بين الفرقاء السياسيين إلى مراحل متقدمة خطرة تهدد أمن واستقرار البلاد ومصالح العباد ونمو الاقتصاد، أي كما حصل في مصر عقب وصول الاخوان للحكم فلو كان هناك نظام ملكي دستوري لم تكن هناك حاجة لإنقلاب عسكري وعودة العسكر للحكم بدعوى حماية الوحدة الوطنية واستعادة الاستقرار، فالملك بمثل هذه الصلاحية قادر على نزع فتيل الأزمة حيث يقوم الملك - عند وصول الفرقاء لطريق مسدود كما حصل في مصر أو السودان أو الجزائر - بحل البرلمان والحكومة ويأمر الفرقاء السياسيين بالذهاب إلى عطلة سياسية اجبارية لمدة 6 أشهر يدير خلالها الملك عن طريق (حكومة مُصغرة) من المدراء (التكنوقراط) الدولة حتى تنتهي العطلة وتبدأ عملية انتخابات عامة جديدة!.. فمثل هذه السلطة المحددة والاستثنائية للملك ستحد أولًا من تغول الصراع السياسي بين الفرقاء وتدفعهم لإيجاد حلول سياسية عاجلة للأزمات الناشبة بين الحكم والمعارضة، وثانيًا فوجود ملك دستوري بمثل هذه الصلاحية الدستورية تقي (تجاربنا الديموقراطية) من عودة الحكم العسكري بدعوى انهاء الفوضى!... والنظام الملكي الدستوري البرلماني في تقديري هو النظام الأنسب لأغلب الدول العربية وهو أفضل وأكرم من كل هذه الجمهوريات المزيفة التي يحكمها العسكر وأجهزة مخابراتهم أو العائلات والطوائف!... وهو النظام المناسب لبلادي (ليبيا) قطعًا أقولهذا بشكل يقيني تام، فبلد كليبيا بطبيعته الجهوية والقبلية و(المُركبة) لا يصلح له إلا نظام ملكي برلماني دستوري يحقق نوعًا من الحياة الديموقراطية أو نظام جمهوري شكلًا يديره العسكر أو تسيطر عليه عائلة حاكمة وقبيلة نافذة!.... ولكن على كل حال إذا لم ترق لنا عودة الملكية الدستورية فيكون البديل هو اقامة (مجلس رئاسي) يقوم بطريقة المحاصصة (عضوين منتخبين من كل منطقة أو طائفة) يتولى رئاسة البلد بصلاحيات محدة ومحدودة يمارس نفس صلاحيات الملك الدستوري السابق ذكرها، ويكون الحكم الفعلي بمعنى سن القوانين وإدارة الدولة وممارسة السياسة في يد البرلمان، الحزب الحاكم، بينما ينحصر دور الملك أو المجلس الرئاسي في رقابة سير التنافس السياسي بين الفرقاء السياسيين عن بُعد، فإذا استشاط الصراع بينهم داخل البرلمان بما يهدد وحدة البلاد أو نمو الاقتصاد أو يعطل مصالح العباد الأساسية هنا يتدخل الملك أو المجلس الرئاسي بنص دستوري، فيوجه (نصيحة) للفرقاء السياسيين بضرورة حل النزاع بينهم في أسرع وقت حِفاظًا على مصالح المواطنين واستقرار الدولة ويمهلهم أسبوعين لإيجاد حل بينهم، ثم بعد اسبوعين يوجه إليهم (الانذار الأخير) - بإسم الأمة - ثم بعد اسبوعين آخرين إذا لم يمتثل الساسة أو عجزوا عن حل الأزمة الخانقة - وبعد تشاور الملك مع المحكمة الدستورية العليا وقيادة الجيش الوطني ومجلس الشيوخ (الاعيان) يصدر الملك - باسم الأمة - مرسومًا بحل البرلمان والحكومة ويأمر الساسة جميعهم بالذهاب في عطلة سياسية اجبارية لمدة 6 اشهر كعقوبة لهم على فشلهم في ادارة المنازعات بينهم وتحقيق المأمول منهم من قواعدهم الشعبية، ثم بعدها يدعو الملك أو المجلس الرئاسي إلى انتخابات برلمانية جديدة..... وهكذا - وبمثل هذه الوصفة السياسية الذكية المناسبة لطبيعة بلداننا العربية حديثة العهد بالديموقراطية وبخصوصياتها الاجتماعية - يكون الحكم للبرلمان ولكن تحت رقابة الملك أو المجلس الرئاسي الممثل للأمة والذي لا يتدخل في الحكم والسياسة الا في حالة فشل الساسة في البرلمان، وبهذا يظل الفرقاء السياسيون حريصين على حل منازعاتهم بالحسنى بشكل سريع قبل أن يهوي على رؤوسهم جميعًا (سيف العزل)(!!) لأنهم لو فشلوا سيطردهم الملك أو المجلس الرئاسي ويحل البرلمان!... وهكذا فإننا بهذه الطريقة يمكن ضبط الأمور واقامة ديموقراطية مناسبة لمجتمعاتنا العربية - حديثة العهد بالديموقراطية - وخصوصًا في حالة بلادي ليبيا وما يشبهها من مجتمعات كدول الخليج، فليس للديموقراطية شكلٌّ واحد وقالب جاهز مُعلب مستورد من (الألف) إلى (الياء) بل هي مجموعة مبادئ وقيم تعزز حرية الشعب وحرية الافراد وهي طريقة سياسية لتداول السلطة بشكل حضاري سلمي منظم وممارستها بشكل رشيد وفق تطلعات جمهور الأمة، الديموقراطية طريقة مرنة يمكن تشكيلها وتكييفها مع ظروف وحاجات وخصوصيات كل مجتمع ثم العمل على تمكينها وتحسينها - خطوة خطوة - والارتقاء بها - درجةً درجةً - مع مرور الزمن ومع التجريب العملي واكتساب الخبرات ومع تطور ونمو ثقافة المجتمع وترقي العقل الجمعي والسياسي للنخب خاصةً وللشعب عمومًا !".
**********************
سليم نصر الرقعي 2018
(*) اعترض أحد الاصدقاء على دعوتي لبناء وتمكين الديموقراطية بطريقة التنمية السياسية المتدرجة أي على جرعات وخطوات زمنية متفاوتة ومدروسة ومتفق عليها بين مهور الأمة والنخب السياسية وقال : "انا مع الخيار الديمقراطي الفوري ولسنا اوصياء على الشعوب ولا توجد امة ولدت ديمقراطية لكنها تتعلم الديمقراطية بالممارسة وحدها، أما معاملة الشعوب معاملة القاصرين فهذا استبداد له عواقبه الوخيمة"... واعترض آخر فأكد على أن سبب اجهاض وفشل تجاربنا العربية لبناء أنظمة ديموقراطية يكمن في (الفيتو الغربي) فالغرب لا يريد لدولنا أن تكون ديموقراطية ويُفضل إما حكمها بشكل ديكتاتوري من خلال رؤوساء وملوك عملاء لهم أو اغراقها في الفوضى والارهاب!!.... وسأحاول الاجابة على هذين الاعتراضين في الجزء الثاني من مقالتي هذه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن