التأويلية الحداثية للقرآن الكريم.. بين معيارية المعرفة الإسلامية وعبثية المناهج التفكيكية

نايف عبوش
nayefaboush@yahoo.com

2019 / 3 / 2



لا ريب أن النص القرآني باستقامة نصه، مبنى ولفظا ودلالة، ليس من وضع البشر الذي يحتمل كلامه الخطأ والصواب، والاستقامة والعوج ، ناهيك عن إعجازه اللغوي، والبياني المذهل، الذي أفحم عند نزوله قوماً هم أهل الفصاحة، والبيان. ومع أن قيميته واستقامته التي تمثلت في نفي التناقض مطلقاً عن ألفاظه، ومعانيها من جميع الوجوه؛ جاءت إخبارًا مباشرًا من الله تعالى ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) ،( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فإن المتتبع لمصدرية النص الإلهي للقرآن، يلاحظ أن أساطين كفار الجاهلية قد أقروا بها عند نزوله، يوم سلموا بعجزهم المطلق عن محاكاته، أو الإتيان بمثله، على بلاغتهم المعروفة، وجزالة ألفاظهم، وكفرهم الصريح به ابتداء ، بعد أن استهلكوا كل ما دار في خلدهم من ادعاءات زائفة، وهم أرباب الفصاحة، من أنه قول شاعر، أو قول ساحر، أو قول مجنون، حيث يشار في هذا المجال إلى أن رأس كفارهم، الوليد بن المغيرة، حين سمعه، وهو من بين أبلغ فصحائهم يوم ذاك ؛ قال في القرآن:( والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق)، وكل كلام يعاد ويتكرر يمل ويضعف إلا القرآن، لا يخلق على كثرة الرد ، بما يعني أن اقترابه المتجسد في فهم النص القرآني على حقيقة لغة وحي التنزيل، بحسه اللغوي الفطري، هو ما حضر في عقله يومئذ، الأمر الذي اضطره على مكابرته، وعنجهيَّته إلى الإقرار التام، بأن النص القرآني ليس من وضع البشر.

وهكذا نلاحظ أنه ربما لو افتقر القرآن الكريم إلى مثل إعجازه اللغوي والبياني المذهل، عند قوم هم أهل صنعتها، لكان من السهل الطعن في إلهية مصدره في لحظة النزول، دون حاجة إلى انتظار ابتكار مناهج تأويلية حداثية لاحقة لتوكيد مثل هذا الطعن المتهافت .

وبذلك فقد ترسخت حقيقة إلهية النص القرآني الدامغة، في المتراكم من الثقافة العربية الإسلامية على مر الأجيال، كما أقرها فطاحل فصحاء، ونحويي وبلغاء العرب، على السليقة ، كبديهية يقينية مطلقة، لا تتزلزل أمام أي ادعاء طارئ مناقض لها، من قبيل ما بات يُعرَفُ منها اليوم بالمناهج التأويلية الحداثية على اختلاف مسمياتها .

ومع ذلك، فلا يزال بعض المهووسين بالمناهج الحداثية في تأويل النصوص، يتعمدون إسقاطها على قراءة النص القرآني، وإخضاعه لتأويل متعسف،تبعاً لما تمليه عليهم معايير  استخدام هذه المناهج في التعامل مع الوحي القرآني، كما لو أنه نص إنساني عادي، تشكل في إطار بيئته الاجتماعية مكانا ، وزمانا، مما يسوغ لهم القول بتاريخية القرآن على تعالي نصه ، حيث تكون سلطة القارئ في هكذا منهجيات تاويلية تفكيكية، فوق النص القرآني ، وبالتالي تكون موجهة له بألفاظه ودلالته، الأمر الذي يمكنها من أن تستولد بتأويليتها الحداثوية المزعومة معاني جديدة ، على وفق معايير تعاطي القارئ مع الألفاظ المستولدة .

  ولذلك فإن اعتماد منهجيات لا تتوافق أكاديميا مع منهجيات البحث المعتمدة في المتراكم من المعرفة الإسلامية في تأويل النص القرآني، والانسياق وراء ثقافة التفكيك، والتهافت على القراءة التأويلية الهدامة، والعزوف عن تمعن النص القرآني بمقاييس الفهم اللغوي العربي الفصيح، الخالي من عجمة المناهج الحداثية التي رطنت بها ألسنة المتنطعين بالغزو الثقافي،
 تظل أمرا غير مقبول علميا، ولا مستساغ منطقياً ، مهما أضفيت عليها من نكهات زائفة تحت ستار الحداثة، والمعاصرة ، وذلك بغض النظر عن قدسيات النصوص الدينية، والحصانة الأخلاقية التي ينبغي أن تحاط بها، ناهيك عن كونها خروجا على مبدأ الحياد والموضوعية، في البحث العلمي المنصف؛ حيث يفترض أن تتطابق أدوات البحث، ومنهجياته التأويلية، حداثية، أو ما بعدها ، مع معايير المعرفة المعتمدة في اللغة العربية، وعلوم القرآن الكريم، أولا وقبل كل شيء .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن