الحكم الرشيد وبعض متطلبات الإصلاح

داخل حسن جريو
dakhiljerew@gmail.com

2019 / 3 / 1

يعرف البنك الدولي مفهوم الحكم الرشيد بأنها "الطريقة التي تباشر بها السلطة في إدارة موارد الدولة الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية. ويبدو جلياً أن هذا المفهوم يتسع لأجهزة الحكومة كما يضم غيرها من المؤسسات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني”. ويثير هذا المفهوم أهمية قواعد السلوك وشكل المؤسسات، وأساليب العمل المرعية بما تتضمنه من حوافز للسلوك.
وتعرف منظمة الشفافية الدولية الحكم الرشيد بأنه: "هو الغاية الحاصلة من تكاتف جهود كل من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومختلف المواطنين في مكافحة ظاهرة الفساد، بداية من جمع المعلومات وتحليلها ونشرها لزيادة الوعي العام حول الظاهرة، وخلق آليات تمكن هذه الأطراف من القضاء على الظاهرة أو على الأقل التقليص منها".
حدد البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مجموعة معايير للحكم الرشيد أبرزها :
1- حق مشاركة جميع أفراد الشعب بالتصويت في الإنتخابات بكل حرية وأمان, وضمان حرية تشكيل النقابات والجمعيات والأحزاب السياسية.
2 - سيادة القانون وضمان نظام قضائي شفاف ونزيه بحث يكون الناس جميعا سواسية أمام القانون, لا فرق بين فقيرهم وغنيهم ,أو كبيرهم وصغيرهم, في إطار ما يحدده القانون تحقيقا للعدل والإنصاف.
3 -الشفافية بتوفير جميع المعلومات وجعلها في متناول من يحتاج إليها بما يضمن حقوق الناس.
4 - الإستجابة السريعة لتلبية حاجات الناس المشروعة بموجب القوانين المرعية .
5- المساواة بين الناس وضمان كل ذي حق حقه .
6 - إستغلال الموارد المادية والبشرية المتاحة بكفاءة عالية بتحقيق تنمية شاملة مستدامة لمصلحة البلاد والعباد.
7- مساءلة ومحاسبة كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام والكسب غير المشروع, وإجتثاث كل أشكال الفساد المالي والإداري ومحاسبة الفاسدين والمفسدين.
8- النزاهة بالتعامل بالمال العام والحرص على صيانته بإتخاذ كافة الإجراءات التي تؤمن حسن تصرف جميع الرؤساء والمرؤسين في المؤسسات العامة والخاصة طبقا للقوانين والأنظمة المرعية.
9 -الرؤية الإستراتيجية الطموحة لتطوير المجتمع حاضرا ومستقبلا عبر خطط علمية تنفذ ضمن مدد زمنية محددة , والقدرة على تصحيح مسارات تنفيذها ومعالجة أية إنحرافات قد تظهر أثناء تنفيذها .
وضعت هيئة البنك الدولي( 22 )مؤشرا لاختبار وتحقيق الحكم الرشيد، ( 12) مؤشراً منها للمـساءلة العامة في أربعة مجالات هي : درجة انفتاح المؤسسات السياسية في البلد,و درجة المشاركة السياسية ونوعيتها, ودرجة الشفافية ومدى القبول الذي تحظى به الحكومة لدى الشعب, ودرجة المساءلة السياسية.وتشمل البيانات الموضوعات الآتية : الحقوق السياسية للأفراد ,الحريات المدنية ,حريةالصحافة ,الأداء السياسي ,التوظيف لدى الجهاز التنفيذي , تنافسية التوظيف ,انفتاح التوظيف ,المشاركة في التوظيف ,القيود لدى التنفيذ ,المساءلة الديمقراطية ,الشفافية. و(10 )مؤشرات تخص جودة الإدارة,لقياس حدود الفساد في مجال إدارة الموارد وإدارة السوق ومدى احترام الحكومة للقوانين، ويشمل بيانات حول: درجة الفساد، نوعية الإدارة، حقوق الملكية، الإدارة المالية، تخصيص الموارد، احترام وتطبيق القانون، السوق الموازي.
يتم ترتيب الدول بحسب موقعها من هذه المقاييس على سلم يتكـون من( 173) رتبة بحسب عدد دول العينة التي تؤخذ من مناطق مختلفة وحسب مستويات دخل مختلفة أيضا، ويحسب معدل صلاح الحكم, وتتراوح علامة الدولة من صفر إلى( 100) حسب درجة صلاح الحكم. وتُغطي الأسئلة حقولا عدة وحيوية تجسد مدى اندماج الشعوب في مسار أنظمتها الحاكمة.
حدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أربعة مجالات (للحكم الرشيد) أو الحوكمـة هي:
1.الحوكمة الإقتصادية : يتضمن هذا النوع من الحوكمة، عمليات اتخاذ القرارات التي تؤثر بشكل مباشر أو غيـر مباشر في النشاطات الاقتصادية في الدولة.
2.الحوكمة السياسية: يوجد هذا النوع من الحوكمة في مجال آليات اتخاذ القرارات السياسـية وتطبيقهـا وسـن القوانين والتشريعات في الدولة.
3.الحوكمة الإدارية : هي نظام لتطبيق السياسات من خلال مؤسسات القطاع العام التي يجب أن تتصـف بالكفاءة، والاستقلالية، والمساءلة، والشفافية.
4.الحوكمة الشاملة:هي العمليات التي تؤدي إلى مستوى معيشة أفضل لجميع أفراد المجتمع, وضمان الحرية والأمن والآمان والخدمات الصحية.
تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد على أنه سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية ولا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي والفساد المالي. وترى أن عمليات الفساد تسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية.وتشير تقارير المنظمة التي دأبت على إصدارها سنويا منذ العام 1995إلى أن السودان وسورية واليمن والعراق وليبيا هي أكثر الدول العربية فسادا , وأنها تقع في أعلى سلم دول العالم الأكثر فسادا. ولعل الإرهاب وعدم الإستقراروالفوضى التي تعم هذه البلدان وسوء الإدارة وضعف الوازع الأخلاقي برغم ظاهرة التدين التي تطفو على السطح, السبب الرئيس لظاهرة الفساد المستفحلة والتي يبدو أنها باتت وباءا مستوطنا في هذه البلدان.
ولأجل إقامة نظام حكم رشيد في أي بلد من البلدان ومنها العراق ,لابد أن تتوفر شروط معينة ذاتية وموضوعية , نذكرهنا البعض منها :
1-القيادة السياسية المدنية الواعية والمدركة لحاجات الناس , والقادرة على رسم السياسات الصحيحة وتنفيذها , عبر برامج وخطط علمية سليمة لتحقيق تنمية مستدامة ملبية لحاجات الناس المشروعة وحقهم بالعيش الكريم.
2.نشر التعليم بأنواعه ومراحله وجعله متاحا لجميع الناس كالماء والهواء , إذ أن لاشيئ يمكن أن يفضي إلى تقدم ونهضة حقيقة سواه.
3.بناء منظومة قضائية قوية لا تأخذها في الحق لومة لائم.
4.إبعاد المجتمع عن كل أشكال العسكرة أوحمل السلاح تحت أية ذريعة أو مسمى أو لأي سبب كان.
5. التصالح مع الذات ومع الآخرين ونبذ كل أشكال الحقد والضغينة والتباغض , فالآخر هو إما أخوك في الدين أو قرينك في الإنسانية كما يؤكد ذلك سيد البلاغة الإمام علي (ع) .
6.إدراك أن الوطن للجميع ومن حق جميع مواطنيه العيش فيه بأمن وامان والتمتع بخيراته .
7.ضمان حرية الرأي والمعتقد , حيث لا يجوز إستعبادهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
8.تأكيد الهوية الوطنية الجامعة لكل المواطنين بصرف النظر عن إنتماءاتهم العرقية والدينية والطائفية .
9.الإبتعاد عن أشكال الصراعات الإقليمية والدولية , وتغليب المصلحة الوطنية فوق كل إعتبار.
وهنا نقول أن جاء أعلاه لا يتحق بالتمني , بل يستلزم عمل وطني دؤوب ومثابر بكل الوسائل السلمية المتاحة في إطار برنامج وطني شامل بعيدا عن تأثيرات المصالح الإقليمية والدولية , يسعى لتحقيقه مفكرو الأمة ومثقفيها كل من موقعه وبحدود قدراته وإمكاناته , بخلق وعي وطني شامل أولا , والسعي لتوفير البيئة المناسبة لتحقيقه. وبذلك يمكن بناء نظام حكم رشيد يضمن العيش الكريم لجميع أفراد شعبه ,والله المستعان.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن