[95]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف
sabriyousef56@hotmail.com

2019 / 1 / 30

صبري يوسف

95. ماذا كانت تحبّ أسماء غريب أن تكون غير ما هي عليه الآن؟

د. أسماء غريب

ربما ليس هذا أقصى ما كنتُ أريد الوصول إليه أو تحقيقه لا سيّما في مجال الإبداع الأدبي، لكن عندي اليقين أنّني لم أنْوَجد في هذه الحياة إلّا من أجل أن أكُدَّ وأعمل وأسعى إلى ما أرغب في أن تكون عليه حياتي حقيقة. قد لا يبدو الأمر في عيون الآخرين بذات الأهمِّيّة الَّتي تبدو في عينيّ، لكن هذا ليس بالمهمّ أبداً، لا سيَّما وأنّني أعرف جيّداً أنّ مهمّتي هي الخَلقُ كما خالقي. وأعرفُ أيضاً أنّ الله خلق كلّ شيء من حولي والكون بأسره من أجلي ككينونة إنسانيّة، لكنّه يريد منّي أن أكمل الباقي. نعم، اللهُ يخلقكَ أيُّها الإنسان، لكن عليك أن تتولَّى الأمور الأخرى بنفسكَ، أيْ أن تخلقَ حياتكَ!
وفكرتي هذه تفسّرُ سبب عدم استجابة الله لكلّ أدعيتك على الأقل ظاهريّاً. كثرة الصَّلاة لا تنفع، إنّما العمل والحركة بالمحبّة هما اللَّذان يحرِّكان الوجود، وينقلان الجبال من أماكنها. حينما نسمع من الآخرين أنّ الصَّلاة بقيت غير مستجابة، أو أنّ أدعية النّاس لخالقهم في أن يغيّر حياتهم إلى الأفضل ظلّت بدون نتيجة، فهذا مردّهُ إلى أنَّ حرارة المشاعر الّتي يصلّي بها الإنسان قد بدأت تعمل حقيقة لكن هناك أفكار أخرى بداخله تتحكَّم فيها، لأنّ النَّاس غالباً ما يطلبون ما هو ليس موجوداً عندهم، ولا يحمدون أبداً الخالق على ما عندهم. ولربّما قلّة هم أولئك الّذين يعرفون أنَّ الذَّات العليا يمكنها أن تعطيك كلّ شيء إلّا ذاك الشَّيء الَّذي لا تملكه! على الصَّلاة أو الدُّعاء أن يكون دعاء حمد وشكر لا طلب. وهذا لا يعني بتاتاً أنَّ الذَّات الإلهيّة ذاتاً مزاجيّة تجيب متى ما تريد على الأدعية، ولا يعني أيضاً أنَّ عليها أن تحقِّق لك كل ما تريده، وذلك لأنّها لا تكوّن حياتَك أو تخلقها، وإنّما تعتني بك وتراقبك كيف ستخلق حياتك أنت لوحدكَ، وهذا يعني أنّها تضفي عليك وتهبك أسمى صفاتها: الخلق والإبداع.

لكن كُنْ على حذر هنا أيضاً، لأنّ كون الخالق يدعكَ تخلقُ حياتَك كما تريدها أن تكون، فإنّه لا يعني أنّه سيحقّق معك فيما عليك أن تقوم به أو في الطَّريقة الَّتي اخترتها هل هي صائبة أم لا؟ وذلك لأنّه عليك أن تعرف جيداً أنّه طالما أنت تحت عينه الّتي لا تنام وتؤمن بذلك إيماناً راسخاً، فإنّه لن يصيبك أيّ مكروه، لأنّك في أرض الأمان والسَّلام الإلهيَّيْن.

ستصبح كما أيّ قديس أو وليّ: تعيش في سلام داخلي كبير، وسيحاول النّاس أن يفعلوا مثلك وهم يستغربون كيف أنّك مثلاً لستَ بنفس ثرائهم الماديّ، ومع ذلك فأنت إنسان سعيد، وسريعاً ما سيتحوَّل استغرابهم إلى حسد ثمَّ إلى غضب، لأنّهم لا يستطيعون مشاركتك الفرح والبهجة اللَّذان يفيضان عليك باستمرار.

النَّاس يفعلون هذا لأنّهم يشكّون في شيء اسمه الله الكامن بداخلهم، وهذا الشَّك غالباً ما يحوّلُ كلَّ شيء إلى خوف وغضب، لكن هذا الشّك يصبح أكثر خطورة حينما يتحوَّل إلى رغبة الإنسانيّة كاملة في خلق قوة معاكسة لهذه القوّة الإلهيّة الَّتي يوهمون أنفسهم بغيابها، وهذه القوّة المعاكسة هي (إبليس)، ويبلغ الهذيان الإنساني ذروته حينما يتخيّل كلّ فرد وجوب دخول الذَّات العليا في حرب مع هذه القوّة الشَّيطانيّة، وهو متأكِّد في قرارة نفسه من هزيمتها وخسرانها مادام يشكّ أصلاً في وجودها وخلقها للكون بأسره، وهذا كلّه يتعارض مع ما يفصح عنه عادةً العديد من النَّاس في معرفتهم للخالق مصداقاً لقوله عزّ وجلّ: ((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)) (لقمان / 25).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن