الرمز في الثقافة الشعبية اليهودية

عبد الرحمان الدحماني
abderrahmandahmani@gmail.com

2019 / 1 / 13

يعد الإنسان رمزي بامتياز حيث أصبحت الرموز جزء من حياته لما تحقق من غايات كبرى على رأسها ما يصطلح عليه في علم الاجتماع التفاعل الاجتماعي في أبعاده الاستيتكية والدينامكية على احد منظري علم الاجتماع "أوكست كونت" وهو ما يقابله الثبات والتحول وهذا راجع إلى إبراز خصائص الإنسان الذي يميزه عن الحيوان حيث يحاول إنتاج الرموز التي تبرز هيمنته وفهمه للطبيعة ، بعد تحول المجتمعات وتطور العلوم اتجهت هذه الأخيرة بالدراسة والتحليل لمعرفة خصائص الرموز والغاية والهدف منها وكيف تأثر او تصوغ الحضارة الإنسانية وعلى رأس هذه العلوم التي بدأت بالتحليل نجد الأنتربولوجيا التي عملت على تحليل المجتمعات البدائية لمعرفة الثقافة السائدة آنذاك والسلوكات المكتسبة وما هي الغاية من هده الثقافة هل تعتبر هوية تميزها عن باقي المجتمعات ام هو سلوك لا إرادي لمعرفة سبل الرمز في الثقافة وكيف يلعب في إبراز الهوية وجب علينا دراسات الرموز في الثقافة الشعبية اليهودية لمعرفة خصائص هذه الثقافة والمقارنة مع ثقافة المجتمع المغربي لأن الثقافة اليهودية مكون مكونات الثقافة الشعبية المغربية . فما هي الاسس الرمز في الثقافة اليهودية ؟ وما هي العامل تداخل بعض الرموز بين الثقافة اليهودية والثقافة المغربية ؟
ان الثقافة اليهودية لها جذور تاريخية كانت هناك مجموعة من العوامل ساهمت في تكوينها تعددت حيث تأكد الدكتورة " فاطمة بوعمامة " ان الثقافة اليهودية من حيث التكوين لم تكون بشكل اعتباطي بل هناك عوامل وراء ذالك أبرزها العامل التاريخي الذي يميز المجتمع اليهودي حيث كان له ثقافته وهويته وفلسفته الخاصة ، وهو ما أكده الدكتور" حاييم الزعفراني" في كتاب " الف سنة من حياة اليهود " حيث يؤكد أن المجتمع اليهودي كان يمتاز بخصائص تبرز الهيمنة الثقافية عبر العصور القديمة التي تضرب جذورها في الحضارات القديمة وهو من خلال ما أل إليه الوضع جعل اليهود يعيشون حنين إلى الماضي نتيجة الشتات والتفرقة التي مست مجتمعهم وجعلتهم منتشرون في بقع العالم ، إضافة إلى خروج اليهود من الأندلس خلف أثار حيث تأثرت الثقافة وتغيرت مجموعة من الخصائص مما جعل اليهود يحنون إلى الماضي ويكرهون الواقع الذي يعيشون فيه نتيجة الشتات الذي أصابهم كما تحدث عن هجرة اليهود إلى أنحاء العالم وهجرتهم إلى إسرائيل لكن هذه الهجرة كانت لها نتائج وخيمة حيث ساهمت في طمس الهوية الثقافية لليهود المغاربة وتحويلهم إلى يهود غربيين وهذا عائق سوف ينتج مجموعة من الإشكالات الأمر الذي ولد المعاناة إليهم من بينها الميز العنصري إلى غير ذلك لكن " حاييم الزعفراني" تجنب الحديث عن هذا الغرض بقوله ليس من مهمتنا الخوض والحديث عن إسرائيل الثانية وعواقبها المعقدة التي لها اثار كبير على المستوى الاجتماعي والثقافي بل همنا ينحصر في اهتمامنا لقضايا التي تعترض اليهودي ألمغاربي خاصة وهي قضايا الفكر والتعليم والتربية ، حيث وجد الزعفراني نفسه محاصرا أمام أسلاف الذي لمس فيه حقيقة الهوية الثقافية اليهودية الحقيقية وهي هوية تسلح بها لكسر أسطورة الشتات مما أتيح له الفصل بين الثقافة اليهودية بين الماضي والمستقبل. إن ما قدمه الدكتور حاييم الزعفراني يعد تراثا فكريا ومخزونا علميا يحضا بالاهتمام والدرس وذلك لعدة اعتبارات لكونه انكب على البحث منذ خمس عقود من الزمن قصد بعث الفكر اليهودي وعمل على اثبات الهوية اليهودية من خلال كتابات خلفها يهود اسلاف تعلق الأمر بالتربية و القانون والابداع الشعري والتفسير التلموذي والنثر الفني والكتابات الصوفية او السحرية فقد شملت مجمل هذه الكتابات قيمة يجتمع فيها التاريخي والاجتماعي والفكري علما أن هذه القيم لا تنفصل في شموليتها المحيط العام التي نشأت فيه وعلاقة متينة بلغت الحوار والتلاقي تجلت في الآداب الشفاوي بلغت مستوى الحوار والتلاقي باللهجات المحلية سواء يهودية والأمازيغية والعربية او الأندلسية قد ذابت حدود الغيرية التي لم تكن حجر عثرة أمام حاييم الزعفراني باعتبار مصادر الثقافة اليهودية جمعت بين العامل الديني والواقع المعاش لكن لا يهم التفصيل في هذا الطرح بقدر نحن بحاجة الى البحث والدراسة عن مسألة الرمز في الثقافة اليهودية وسبل والعوامل الالتقاء بعض الرموز الذي تميز المجتمع المغربي وما هي الغاية هل التعايش هو سبب ذلك ام هناك عوامل التأثر والتأثير نتيجة الاحتكاك الثقافي بين المغاربة واليهود .
1) قيمة الرمز في الثقافة اليهودية المغربية
تحتل الرموز أهمية كبيرة (خاصة الرموز الدينية)، فقد قدس اليهود مجموعة من الرموز التي تربطهم بشريعتهم واعتبروها بمثابة إلتزام بأوامر الرب وتعبيرا عن تمسكهم بأوامره وتجنبهم لنواهيه، هذا وقد أصبح للرمز في الثقافة اليهودية دور كبير في التعبير عن الهوية والثقافة اليهودية والاعتزاز بها، لهذا أخذ اليهود مجموعة من الرموز وجعلوها في خدمة التعبير عن يهوديتهم. وقد عرض الدكتور رشاد عبد الله الشامي في كتابه "الرموز الدينية في اليهودية" عينة من هذه الرموز وحاول أن يقدم دلالتها وفقا للتصور اليهودي، والرموز التي عرضها رشاد الشامي هي: المنوراه (الشمعدان) وماجين دافيد (درع أو نجمة داود)، الطاليت (شال الصلاة)، الصيصيت، المزوزاه، الشوفار، التفيلين، تابوت العهد، الكروبيم، والختان وسأحاول في هذا الجانب الاقتصار على أهمية هذه الرموز ودلالاتها علاوة على بعض الرموز الأخرى التي عملت بناء على اضطلاعي على بعض المراجع أن أعرض جانبا من قيمتها وذلك من وجهة نظر اليهود . .
لقد بلغت قيمة المنواره؛ حد التقديس؛ فقد جاء في ( سفر خروج 25/ 40) "وقد أمر الرب بصنع المنوراه على مثال المنوراه التي أظهرها الرب له في الجبل"، أما دلالتها الرمزية فهناك من شبهها بشجرة الحياة أو "الموريا" التي تتفرع إلى ستة أفرع متقابلة ثلاثة أفرع عن اليمين وثلاثة على اليسار على جانب الساق المركزي، هذا على مستوى الشكل، أما على مستوى المضمون فشجرة الموريا تقطر أغنى عطورها وقت تفتح أزهارها كما أن المنوراه تبعث أبهى أنوارها وقت إشعال السرج . إذا وكاستنتاج أولي؛ يتضح أن للمنوراه في الثقافة اليهودية قيمة دينية تتجلى أساسا في اعتقاد بعض اليهود بأن ظهور الرب لموسى كان عند شجرة تشبه كل من المنوراه وشجرة الموريا، وأن شجرة الحياة أو المنوراه ترمز فروعها إلى العالم الكوني ونوره الالهي وتوراته ووصاياه. كما ان الشمعة الدائمة الاشتعال ترمز إلى فلسطين والشعوب الأخرى تتجه إليها لأن الروح القدس تسري في فلسطين . .
ومن الشائع تاريخيا أن سليمان قد صنع عشر "منورات" وقيل في تفسير هذا الأمر بأنه في مقابل الوصايا العشر، وحيث أن كل منوراه تحتوي على سبع شموع فإن الرقم 70 يرمز إلى أمم العالم السبعين، وأنه لطالما أن الشموع مضاءة فإن الأمم تخضع وتتجزأ، وعندئذ تنتصر التوراة التي يرمز لها بالشمعة لأن الشريعة والتوراة نور(الأمثال 6) وطالما أن التوراة تتغلب، فإن شعب إسرائيل يتغلب ويوسع حدوده.( عبد الله الشامي،نفس المرجع السابق، ص29 ). ونظرا للقيم الرمزية للمنوراه فقد قررت "لجنة العلم والرمز" بتأييد من مجلس الوزراء المؤقت اتخاذ المنوراه ذات الأفرع السبعة رمزا (لدولة) إسرائيل على أن تكون قاعدتها مثمنة . .
أما فيما يخص قيمة نجمة داود أو "ماجين دافيد" باللغة العبرية، فتتجلى في قدراتها السحرية؛ فهي تذهب البأس وتدفع الحسد كما أنها تجلب الحظ، أضف إلى ذلك ارتباطها بنبي الله داود فهي إذا رمز لمملكة إسرائيل وتعبير عنها (ّتفسه، ص52). وإذا عدنا إلى قيمة "الطاليت" نجد أن له قيمة دينية، لهذا يستخدمه اليهود أثناء الصلاة. وقبل ارتدائه ينبغي تلاوة الفقرة التالية "مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك العالم الذي قد سناه بوصاياه وأمرنا أن نتدثر بالأهداب" (نفسه، ص 63) إذا فقيمة الطاليت تكمن وتتجلى في ارتباطه بالصلاة التي هي عماد الدين في اليهودية كما في الاسلام، لهذا يحرص على نظافته وإصلاحه في كل تلف حتى ولو بدا بسيطا. كما أن للميموزاه قيمة كبيرة في الثقافة الدينية لدى اليهود، إذ تربطهم بتعاليم الرب خصوصا وإنها تعلق على الأبواب، كما أنها من منظورهم تبارك في الرزق والأولاد والبركة . .
أما الشوفار فقيمته تتجلى في بعده الديني، خاصة وأن اليهود يعتقدون بأن أول شوفار صنع في تاريخهم صنع من الكبش الذي ضحى به إبراهيم افتداء بابنه، وقيمته في ربطهم بهذا اليوم المقدس في التاريخ اليهودي كما الاسلامي. بخصوص "عهد الختان" أو "بريت ميلاه" فإذا كان الختان رمزا دينيا مقدسا في اليهودية فإن اليهودية التلمودية أو الربانية المعاصرة؛ تعرف الختان بأنه أساس العادات القديمة وأهم أسس الشريعة الدينية، وقد فسره الحاخامات اليهود على أنه رمز للنضج الفكري والأخلاقي الديني اليهودي، وأنه لا يرمز فقط للعهد المبرم بين الرب واليهود، بل أيضا لحب اليهودي لبني قومه. إذا فقيمة الختان عند اليهود أنه من جهة رمز للعهد بين الله وإبراهيم، قوامه أن يختن من قومه كل ذكر في اليوم الثامن من ولادته، فهذا الختان علامة بين الله وبين شعبه، ومن لم يختن ابنه فعقابه أن يقطع من شعبه، ومن جهة أخرى قيمته الرمزية تتجلى في أنه تعبير عن حب اليهودي لبني قومه. (نفسه،
أما القيمة المستشفة من تابوت العهد فتتجلى في أن الله هو الذي أمر موسى ببناء هذا التابوت ليودع فيه اللوحين اللذين كتبت عليهما الوصايا العشر، فقيمته أنه أمر من الله، ووظيفته حماية اللوحين، أما فيما يخص الكروبيم أو الكائنات الجنية فقيمتها تكمن في وظيفتها الأسطورية أي في حراسة تابوت العهد وحراسة الهيكل عامة.
من جهة أخرى وفي نفس السياق، لعبت في التاريخ القديم لليهود بعض الشخصيات أداورا كبيرة فاعتبرت هذه الشخصيات بمثابة رموز مقدسة ويمكن ان نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر رمزية "الملك شاول" وقيمته أنه أول ملك عينه النبي صموئيل بشهادة الكتاب المقدس، كما أن نبي الله "داود" كان رمزا من الرموز التي يحتفي بها اليهود، ولما لا وهو الذي يفتح أورشليم (القدس) ويجعلها عاصمته، يؤسس إمبراطورية واسعة تغطي أغلب أراضي أرض إسرائيل، كما تحضر بقوة رمزية نبي الله سليمان ابن داود عليهما السلام، الذي يبني الهيكل (المعبد) والقصر في اورشليم (القدس) وينشط كذلك في "مجــدّو" و "حاصور""وجاز".
وفيما يخص تقديس بعض الأيام فإذا كان يوم الجمعة يوما مقدسا عند المسلمين ويكثرون فيه من فعل الخيرات وترك المنكرات والتقرب بالعبادة إلى الله عز وجلّ، فإن يوم السبت هو يوم مقدس لدى اليهود، فالسبت هو يوم العطلة الوحيد بين جميع العطل الذي أمر به وفرض في الوصايا العشر، حيث ورد في الوصية الرابعة: " أذكر يوم السبت لتقدسه، ست أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك، لا تصنع عملا ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك، ونزيلك الذي داخل أبوابك، لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع، لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه، ويرى محمد الهواري بأنه في السبت تآلفت ثلاثة مفاهيم؛ مفهوم الخلق، المفهوم الاجتماعي، ومفهوم التحرر من العبودية بخروج بني إسرائيل من مصر؛ ويتجلى المفهوم الاجتماعي ليوم السبت في الاكثار من فعل الخيرات، البر، والاحسان وحماية الضعفاء ومن هم في حاجة، أما مفهوم الخلق فيعتقد اليهود بأن الله خلق الكون في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع، من هنا أخذ اليهود فكرة الاستراحة في يوم السبت، وفيما يخص مفهوم التحرر فقد جاء في الكتاب المقدس: " واذكر أنك كنت عبدا في أرض مصر فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد شديدة وذراع ممدودة لأجل ذلك أوصاك الرب إلهك أن تحفظ يوم السبت".
ويذكر لنا التاريخ أن هناك فرقا يهودية قديمة عديدة كانت تمارس مثل هذا النوع من الطقوس. فاليهود الذين سكنوا بلاد مابين النهرين (الشتات) لجاوا اليه حين بشروا بدينهم هناك، إذ كانوا يلزمون من ينضم إلى اليهودية بالتعميد (كان المتهودون يعمدون او يغطسون بالماء في نهر قريب عادة علامة تطهير). وهذه الأخيرة موجودة في الدين الإسلامي حيث يلزم من يدخل الإسلام، الاغتسال وقراءة الشهادة، يقصد به أيضا التطهير والدخول للدين الجديد ، فكانت الديانة اليهودية تفرض تطهيرات عديدة بالماء، وتفرض في العديد من حالات النجاسة، اغتسالات طقسية، تطهر وتواصل للعبادة. ونلاحظ في التوراة والتاريخ العبراني أسماء لمواقع مائية مقدسة جدا في عقيدتهم، وهذا نستطيع ان نجده في الكثير من الأديان.
2 . الرمز في مسألة الزواج عند اليهود
سوف نتحدث في هذا المحول عن المرأة الزوجة وعن الأسرة والزواج في الثقافة الشعبية اليهودية بالدراسة والتحليل لمسألة الرمز في عادات وطقوس الزواج ، حيث عملت الدكتورة " رشيدة فؤاد " من خلال كتابها " الحياة الأسرية والإجتماعية للمرأة اليهودية في النصوص الدينية اليهودية المقدسة " ، حيث للزواج مكانة متميزة في الفقه اليهودي باعتباره رباطا مقدسا ( حث الشباب على الزواج ( .
اهتمت الديانة اليهودية بالبيت من خلال تحديد التوراة الأدوار كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة تتمشى مع نظرة المجتمع الذكوري ، حيث رسخت ثقافة إكثار من النسل لميراث الأرض الموعودة .
 طقوس الزواج
الخطوبة
قبل إقبال الشاب البالغ على الزواج يقوم باختيار الفتاة التي سيتزوج بها، و تكلف عائلته أحد الأعيان أو رجال الدين أو الكوهين ليطلب يد المرغوب في الزواج منها من أبيها، و ذلك خوفا من أن يلقى طلبه الرفض إما لفقر الخطيب أو انتمائه لأسرة متواضعة. و إذا أراد والد الفتاة رفض العرض، يدعي أن ابنته لا ترغب في الزواج أو مازالت صغيرة أو أنه وعد أحد أقاربه بتزويجها له.
أما إذا رضي فإنه يجيب بعبارة ‘‘امبارك أمسعود‘‘. حينما تتفق العائلتان على موعد الخطوبة، و في اليوم المحدد يذهب بعض المدعوين إلى دار الخطيب حيث يتناولون الشاي و الحلويات و بعدها يتوجهون صحبة الخطيب و أهله إلى بيت الخطيبة حيث يقام الحفل. و تقوم الفتاة بتقبيل أيدي المدعوين و يقدم لها خطيبها مجموعة من الهدايا، و هي عبارة عن سبعة أساور رمز للأسبوع و خاتما يحمل جوهر ثمينة و خمارا من الحرير، و تحتوي الهدايا أيضا على صينية توضع بها هذه الهدايا إلى جانب خمسة قوالب من السكر و الحناء و العطور و الفواكه الجافة. و كلما حل عيد ديني في الفترة الفاصلة بين الخطوبة و الزواج ، فإن عائلة الخطيب ترسل هدايا إلى أهل الفتاة، و في ليلة "كيبور" يبعث الخطيب إلى خطيبته دجاجة سمينة يطوقها برباط جميل. و يشترط التزام الطرفين بالخطوبة، لأن إخلال أحد الطرفين بها سيؤدي إلى نشوب نزاعات قد تصل إلى تدخل السلطات القضائية، إلا إذا كان فسخ هذه الخطوبة تحت ضغط أسباب خطيرة، كما لا يمكن للأب أن يبعد ابنته عن خطيبها و تزويجها من شخص آخر
الزواج
يعتبر الزواج ميثاقا شرعيا بين رجل و امرأة، يتحول إلى عقد مكتوب يتولى كتابته حزان يهودي أو قاضي يهودي، و يتم بحضور عدول و شهود و الذين ينبغي أن يكون عددهم عشرة، و يسمى هذا العقد "الكتوبا". و في الصويرة يكتب العقد باللهجة اليهودية المغربية ليكون أكثر شعبية، و يصحب بالأصل العبري التقليد للكتوبا . .
يبدأ حفل الزواج يوم السبت إذ تستدعي الخطيبة صديقاتها لتريهم جهازها، و في صباح يوم الأحد يرسل أهل العريس للعروس صينية مليئة بأقراص السكر و الحناء و بيضة و عسل و قطن و حلي. و يقام مساء هذا اليوم حفل في بيت العروس يحييه موسيقيون، و تعمل خلالها العجائز بفقس البيضة على رأس العروس مرددين عبارة "باليمن و السعادة". و البيضة في الموروث الثقافي لدى اليهود تحمل معنى التفاؤل و السعادة. في الغد تذهب العروس برفقة أمها و حماتها و بعض الصديقات إلى الحمام، و يجب على النساء اللواتي يرافقنها حمايتها من الشياطين و الأشرار، إذ تقوم امرأة عجوز بصب كأس خمر و المربى و مواد أخرى بالماء تجنبا لغضب الشياطين. و يتم غسل شعر العروس المطلي بالحناء، و يجمع كل ما سقط من شعر و حناء ليتم خلطه بالسكر و القمح و يتم وضعه بثوب ليوضع بعد ذلك في فراش الزوجية. و في اليوم الموالي يتم تحديد الكتوبا بحضور مدعوين موثقين اثنين اللذين يقدران ثمن المهر، و في هذه الليلة تنقش العروس يديها بالحناء بحضور عشرة أشخاص ذكور راشدين أحدهم يجب أن يكون قاضيا أو حزانا، و تقام هذه المراسيم ببيت العروس التي ترتدي لباس الحضرة، و يحضر العريس لأخذها صحبة فرقة من المغنين. و يتبادل العروسين هدايا من الذهب كي لا ينسيا أن الوقت من ذهب لا يجيب تضييعه. مساء هذا اليوم ـالأربعاءـ تهيئ غرفة للعروسين و تجهز مائدة خاصة بهذا الاحتفال توضع عليها الحلويات المختلفة و الخمر و الدجاج، و يدعى الشباب إلى رؤيتها عسى أن يسعدهم الحظ و يتزوجون أيضا. و في صباح اليوم التالي تقوم العروس بفتح باب الغرفة لتدخل حماتها لجلب "الصباح" الذي يؤكد عذريتها و طهارتها، ثم تهرول الحماة إلى أم العروس لتبشرها بالخبر السار و تنطلق الزغاريد التي تملأ المكان. و يفضل اليهود مساء الجمعة كلية للبناء إذ بدخول ليلة السبت ينال العروسان أجرا عظيما من الله، و يبدأن حياة جديدة تطبعها السعادة و الحب.
و تعتبر مرحلة الزواج أكثر المراحل خطورة، إذ يكون خلالها العروسان أكثر تعرضا للأذى والسحر و "التتقيف" و "الريال"، لهذا و تبعا للعادات والتقاليد يعمل اليهود على حمايتهما بالتعاويذ و التمائم و الشمروت. و في اليوم السابع للزفاف يقدم للعروسين سمكتان يكلفان بتقطيعهما و من كان السابق منهما هو الذي يفرض إرادته في تدبير شؤون المنزل.

الولادة
تعتبر الولادة من أهم و أعظم المناسبات عند اليهود، و ذلك بسبب اهتمامهم الشديد بالإكثار من النسل. و عندما تكون المرأة اليهودية حاملا فإن خبر حملها ينتشر بسرعة وسط أفراد عائلتها و عائلة زوجها، الذين يسرون بالخبر و يحيطونها بالعناية والعطف ، و تنقسم فترات الحمل عند اليهود إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تدوم ثلاثة أشهر، و هي أخطر فترات الحمل، إذ تكون فترة الوحم و يحرص اليهود فيها على توفير جميع ما تطلبه الحامل أو تشتهيه مع منعها من رؤية المعطوبين و المعاقين حتى لا يؤثر ذلك في نظرهم على الطفل و إذا حدث و رأتهم فعليها أن تبصق على الأرض. و المرحلة الثانية تبدأ عند الأشهر الثلاث الثانية حيث تخصص لنمو الجنين و رعايته. و المرحلة الأخيرة تكون خلال الفترة المتبقية و تكون للإعياء التام . .
في الشهر التاسع تبدأ عملية تقطيع "ألقماط" كما يرافقها بعض التعاويذ و الأحجبة لحماية الطفل و الأم على السواء و إبعاد الشياطين الشريرة عنهما، خاصة الجنية "ليلت" التي تقضي على الأطفال. عندما تشعر المرأة بآلام المخاض، يستدعى الزوج "القابلة" التي تشرف على عملية الولادة، في حين تقوم النساء الحاضرات من أقاربها بالتضرع إلى الله و الصالحين بالصلاة و الدعوات إلى أن تلد. بعد الولادة تحتفظ الأم بغلاف الجنين، لأنهن يعتقدن أنه يحمي من الأمراض و يعجل بإطلاق سراح السجين، و يسمى بالدارجة "لخلاص" و يعني الخلاص، كما تحتفظ الأم بالجزء المتبقى من الحبل السري الذي يسقط من تلقاء نفسه أياما بعد الولادة، و تلفه في قطعة ثوب و تغمسه في قليل من حليب ثديها، ثم تبلل أصبعها وتعطيه لمولودها كلما بكى كي يذهب عنه السوء، و يستقبل المولود الذكر بفرحة عارمة و بالزغاريد و التهاني، في حين تستقبل الأنثى عادة ببرودة. و ترافق الولادة حفل كبير قد يستمر على مدى أسبوع كامل، أي من يوم الولادة إلى غاية يوم الختان إذا كان المولود ذكرا، أما إذا كان أنثى يستمر الحفل حسب إمكانية العائلة. و هي مناسبة تزور فيها النساء الأم و تقدمن تهانيهن لها و يقبلن المولود الجديد مع النطق بعبارة "تبارك الله عليه" حتى لا يصاب بالعين، و خصوصا إذ نال إعجابهن.
و تضعن الهدايا فوق سريره، و لا ينبغي أن يقل ثمنها عن الهدايا التي قدمتها أمه لهن. إ ذا ولد المولود يوم السبت فسيكون له شأن عظيم في المستقبل، و إذا ولد في التاسع من شهر آب فسيكون مجلبة للسوء و الشؤم لأهله لأن هذا اليوم هو ذكرى هدم معبد فلسطين . .
من الشعائر المصاحبة للولادة كذلك نجد "التحديد"، و هو عبارة عن شعيرة يستعمل فيها نصل من حديد، و تعود هذه العادة إلى أصول دينية مشوبة بطقوس خاصة. إذ يعمل اليهود على إقفال الأبواب و النوافذ، و تمرير النصل أو السكين الغليظ على الجدران و منافذ الغرفة التي توجد بها الأم، ثم توضع بعد ذلك تحت وسادة المولود، و تهدف هذه العملية إلى حماية هذا الأخير لأنه أكثر عرضة للخطر من الأنثى في الأيام الثمانية الأولى، أي قبل دخوله إلى المعهد الإبراهيمي. إضافة إلى عملية التحديد تقوم الأم لحماية وليدها بربط كيس يحتوي على "الشبة" و "الحرمل" بيده، و ترسم القابلة على جبينه خطا عموديا أسودا يعرف ب"الخموسة"، و التي تحميه من العين، و تضع فتيلة مبللة بالزيت في
قنديل معدني فتشعلها . .
الختان
تتم عملية الختان أو "مهيلة" باللغة العبرية في اليوم الثامن من ازدياد المولود، و ذلك تبعا لما نصت عليه الشريعة الموساوية، و يقام لهذه المناسبة احتفال ديني ضخم، و هو مناسبة عائلية للفرح و الابتهاج يحتفل به الغني و الفقير على السواء حيث تزين غرفة المولود و تعلق أنواع مختلفة من التمائم حول سرير النفساء، و ذلك لوقاية المولود من العين الشريرة كما تزين الغرف ة بستائر "سفاريم" و لفائف التوراة التي يقومون باستعارتها من البيعة . .
و تبدأ مراسيم الحفل بعد صلاة الصبح، حيث تلبس الأم مولودها حلة حريرية و ترتدي بدورها لباسا مزركشا بالذهب، و تقدم الأم ابنها إلى فدية الختان لحفظه من الموت، و ليدخل في دين إبراهيم . .
و يقوم الأب بإنزال الطفل، و يذهب إلى غاية "المزوزة" ليقبلها، ثم يرجع ويسلم المولود إلى "السندق" الذي يضعه على ركبتيه أثناء الختان. و عادة ما يتكلف بهذه المهمة الجد، أو تتم المزايدة عليها لفائدة صندوق الفقراء الخاص بالطائفة أو البيعة التي يتردد عليها أب المولود. يجلس "السندق" فوق كرسي عال يسمى كرسي إيليا، و يأخذ الطفل بين ركبتيه الموهيل بتختينه، و قد اشتهر السرفاتي بهذه المهمة في الصويرة و بإتقانها لها، إلى درجة أن المسلمين كانوا يجلبونه لتختين أبنائهم، و يقوم الموهيل بترديد العبارات التالية باللغة العبرية قبل عملية الختان:
الحمد لله رب العالمين
الذي سن لنا هذا الدين
و أمرنا بإختان البنين
ثم يقوم أب المولود بترديد العبارات التالية بالعبرية :
الحمد لله رب العالمين
الذي سن لنا هذا الدين
و أمرنا بإدخال البنين
إلى ملة إبراهيم الأمين
الحمد لله رب الأراضي والسموات
الذي تفضل علي بنعمة الحياة
و خلق لي هذه الأمنية قبل الممات
ثم يشرع الموهيل في عملية الختان، في حين يستمر الحفل الذي يغطي على بكاء الطفل.
و عند انتهاء عملية الختان تبلل شفتا المولود بماء الحياة و يرد إلى أمه و تقبر "القلفة" في صينية مليئة بالرمل و الورود.
و بعد أيام تلف القلفة في قطعة ثوب و تخزن، و في حالة عدم إنجاب إحدى القريبات تقدم لها لتبلعها قصد الإنجاب. و بعد الختان يأخذ "الحزان" الطفل ليعلن الاسم الذي اختاره له والده، و يكون هذا الاسم في غالب الأحيان لأبيه أو لجده إذا كان ميتا، أما إذا كان حيا فهذا يعتبر إيذانا بقرب موته. و عادة ما يسمى الطفل الأول باسم جده لأبيه و الثاني باسم جده لأمه، و يكون للطفل اسمان: اسم لأحد جديه و الاسم الآخر يتم اختياره من طرف والديه. و قد يحدث تغيير هذا الاسم في حالة مرض الطفل الميئوس من شفائه إذ يؤتى بالحزان لإعادة الطفل إلى الحياة، و ذلك بتغيير اسمه، و يقوم بحرق بعض الأعشاب و خلطها في صحن، و النطق بعبارات لجلب قدرة الأولياء لمحاربة الشر و طرده من جسم الطفل و يتم تعويض الاسم القديم باسم جديد. و الأسماء عموما في حد ذاتها تحمل دلائل حول المهام العمومية و المهن والفنون، كم تذل على الحظ و الثروة و القوة... و منها أسماء ذات أصول عربية ك"فحيما" و تعني الفحم، و "سباح" و تعني الصباح...



خاتمة :
يحتل الرمز مكانة هامة في الثقافة اليهودية حيث يحمل دلالة هامة داخل المتخيل الشعبي اليهودي حيث تتعدد وظائفه بدءا بإبراز الهوية الشعبية للمجتمع اليهودية التي تمنحه الخصوصية الثقافية وهي تعبير تحمل دلالات متعددة الأبعاد بدءا برمزية الماء التي تحمل الطهارة ، حيث يسود في بعض المجتمعات اليهودية من يريد دخول لديانة اليهودية يجب الاستحمام في النهر معتقدين أنهم شعب الله المختار ، إضافة الرمز الذي يهيمن في الحقل الشفوي والمادي لكن نجد أن هذه الرموز تتداخل فيما بينها على حد قول " حاييم الزعفراني " فيما ستعلق بالمكونات الثقافة الشعبية المغربية المكون الحساني ، الأمازيغي ، اليهودي وهذا هو العامل الذي جعل التعايش بين أفراد المجتمع المغربي دون إشكالية العدوان الثقافي مما جعل غياب حاجز بينهم على مستوى الاحتفال بالطقوس والعادات والأعياد مما جعل التداخل الثقافي أمر عادي ومقبول بين مكونات الثقافة الشعبية المغربية .
المراجع المعتمدة في هذا العرض
 محمد الهواري، السبت والجمعة في اليهودية والاسلام، الزهراء للأعلام العربي قسم النشر، ط1،1994،ص29
 كتاب " الف سنة من حياة اليهود بالمغرب " حاييم الزعفراني
 كتاب " يهود المغرب والاندلس " حاييم الزعفراني
 كتاب " الحياة الإجتماعية والأسرية للمراءة اليهودية من خلال النصوص الدينية المقدسة " رشيدة فؤاد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن