أعياد... وأعياد...

غسان صابور
ghassansabour33@hotmail.com

2019 / 1 / 2

أعــيــاد و أعـــيـــاد...
دعيت مساء نهاية العام الماضي.. إلى السهرات الثلاثة المختلفة.. والتي نظمتها الجاليات السورية (ولم أكتب الجالية السورية) لأنها الجاليات السورية مختلفة التحاليل الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية... هنا بمدينة ليون الفرنسية.. هذه المدينة التي أعيش فيها منذ نصف قرن.. زائد بضعة سنوات أيضا.. اختلافاتها الاجتماعية الإيجابية والسلبية.. محمولة معها.. باختلاف اختياراتها.. لاجئة كانت.. أو بهجرات منظمة من سنوات قليلة معدودة.. حنى أكثر من خمسين سنة.. بدأت باختصاصات دراسية عليا.. أو لتجارات منظمة ناجحة.. أو لأعمال مهنية مختلفة.. مما دعا لهذه الاختلافات المجتمعية... بالستينات من القرن الماضي كنا قلائل معدودة.. ولكننا كنا نهتم ببعضنا البعض.. ونتساعد ونتضامن.. قادمين من أينما كان بالمدن والقرى السورية.. لا خلاف بيننا.. نتشارك بكل شيء.. علاقاتيا ومعلوماتيا.. وتسهيلات خدمة ,امر شتى... تجمعنا سوريتنا.. كان الضعيف منا اقتصاديا أو لغويا.. يجد طبيبا سوريا.. يعمل بعشرات المستشفيات الخاصة والعامة.. حتى يعالجه.. وكان الطبيب السوري يعالجه ويساعده بضيقه وأزمته.. بشتى أنواعها...
واليوم تاريخيا واقتصاديا وجغرافيا ووجوديا.. ذلك العدد البسيط القليل الموجود آنذاك.. بمدينة ليون خاصة وفرنسا عامة.. أعتقد أنه تضاعف مائة مرة.. أو أكثر... غالبنا أولاده وأحفاده وأولاد أحفاده.. ولدوا هنا.. ومنهم من يتكلم اللغات السورية ببعض صعوبة.. ومنهم لا يتكلمها على الإطلاق... ومنهم من يتكلمها مع عدة لغات بطلاقة آكاديمية جامعية... والزيجات؟؟؟... منهم من يعود لقريته أو مدينته الصغيرة أو الكبيرة هناك.. ليختار شريكة حياته... وآخرون وهم العدد الأكثر من تتزوج أومن يتزوج من هنا.. يعني من الفرنسيين والفرنسيات.. حسب عادات وطقوس وقوانين وتجارب فرنسا الدارجة من سنوات...
كل هذه المقدمة التفسيرية التي أبعدتنا عن البداية.. وهي حفلات نهاية العام الذي مضى وانتهى.. وحلول العام الجديد... كل السهرات بتشكيلاتها وأسعارها المختلفة.. كانت تحتوي على مطبخ سوري حلبي.. وأخرى على مطابخ حديثة مختلفة.. وحتى الراقصات كن شرقيات وأجنبيات.. وحتى برازيليات...
ورغم أني لم أغادر بيتي مع شريكتي.. بأكلات فرنسية بسيطة خفيفة.. وزجاجة خمر فرنسي طبعا... ولكننا شاهدنا الحفلات والسهرات الثلاثة.. على الفيسبوك وسكايب مباشرة... مئات الصور.. نعم مئات الصور... كأنك بعرس شرقي بدمشق أو اللاذقية أو طرطوس بسوريا..بالأمس قبل اليوم لدى الطبقات الشعبية.. أو اليوم ــ والحرب لم تنته بعد ــ لدى طبقات مترفة غنية سعيدة.. لا ينقصها أي شــيء...
كما أنني تابعت الاحتفالات هناك بهذا العيد وبعيد الميلاد الأسبوع الماضي... كأنك بباريس أو في لندن.. او هونك كونغ... ترف بلا حدود... طاولات عامرة.. وأقداح مليئة... نعم تــرف بلا حدود... كما شاهدت احتفالا هناك عن أمهات الشهداء.. تتبادلن به الهدايا مع عناصر شابة من الجيش السوري... هؤلاء الأمهات هن بنظري واعتقادي قـديـسـات الوطن السوري الحقيقيات.. بهذه الحرب الخسيسة المجنونة ضد هذا الوطن.. إنهن عقل وفكر وصدر وحكمة وقاعدة ومستقبل هذا الوطن الجريح... أنحني وأركع أمامهن خشوعا واحتراما... وعلى جميع السوريين ــ هــنــاك و هـــنـــا ــ تقديم كل واجبات الاحترام للأمهات السوريات القديسات.. واللواتي يمثلن شرف ذلك الوطن وكرامته وعزته... ولا أي شخص سياسي محلي آخر!!!...
***************
عــلــى الــهــامش
ــ أتساءل بعض اضطلاعي ساعة كاملة على فيدويات وصور هذه السهرات الليونية.. السورية والمختلطة مساء السنة الفائتة.. فيما إذا كانت كل هذه الأغاني والرقص والأفراح... لنسيان هموم متراكمة مجمدة مخنوقة.. لما جرى وما زال يجري على أرض موطننا سوريا... عن أهلنا.. عن حارتنا.. عن مدينتنا.. وعما تبقى هذه الساعة من وطننا وصور ذكرياتنا المحفورة... أعياد أو لاأعياد.. هذه صور عميقة محفورة مجمدة.. لا تــنــســى.. ولا ينمن أن تنسى... عادات مخدرة ثابتة بدمائنا ومخنا وعقلنا... لأن السوريين ـ هناك وهنا ـ بكافة عناصرهم وتجمعاتهم وآرائهم.. شــعــب أبدا لا ينسى.. لا ينسى السلبيات.. ولا ينسى الإيجابيات التي عاشها... وخاصة غالب من رحلوا أبدا عنه لأسباب مختلفة.. من أشهر قليلة ومن عشرات السنين...
هذه الصور وهذه الفيديوات.. موسيقاها العالية ورقصاتها الشرقية المختلفة... كانت لتغلف أحزانا مختلفة.. وذكريات مختلفة... بأشكال عديدة مختلفة.....
لذلك أتمنى لهن ولهم.. من أعمق أعماق تمنياتي الصادقة.. ديمومة الأمل... ونجاحات بلا حدود لهم ولأولادهم وأحفادهم... بهذا البلد فــرنــســا... ملجأ ومنارة أمان مؤقتة أو دائمة...
وحتى نلتقي...........
غـسـان صـــابـــور ــ لـيـون فـــرنـــســـا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن