الطفولة الأبدية (3)

محمد حسن البشاري
mbeshari@hotmail.com

2018 / 12 / 30

الطفولة الأبدية (3)

هذا هو الجزء الثالث من سلسلة مقالات نشرت الجزئين الأولين منها في شهر يوليو/تموز 2017 في موقع ليبيا المستقبل قبل أن يتوقف في نهاية نفس الشهر تقريبا وعلى من يريد الاطلاع على الجزء الثاني يمكنه ذلك بالضغط على الرابط:
http://www.libya-al-mostakbal.org/95/27736/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%A9-2.html
وعن طريقه يمكنه الاطلاع على الجزء الأول.
...تابع
وفي تقديري أن بعضا من أهم هذه الأسباب التي يمكن وضعها خارج نطاق طرق التفكير المذكورة سابقا وهي في الغالب عادات أو مفاهيم خاطئة ولكنها أيضا تؤثر على أداءنا بشكل عام في جميع مناحي الحياة هي التالي:
- الأنسان العورة
وهي المرأة الأم الرؤوم الكائن الأكثر قدسية عند أي إنسان ، هي التي حملتنا وولدتنا وربتنا وهي صورة الأمومة والطفولة التي لا تقارن بها صورة إنسانية أخرى للرجل مهما فعل ومهما حكم من بشر وحجر ، هي ربة البيت التي تعجن وتطبخ وتغسل ، هي المرأة التي تحول الكوخ الى قصر، هي مدبرة المنزل (خاصة في هذه الأيام العصيبة التي نمر بها في ليبيا) وهي المرأة رمز الأناقة والرشاقة والجمال ، هي الأخت والزوجة وهي المرأة المعلمة ومربية الأجيال والطبيبة وملائكة الرحمة والأديبة والشاعرة.
وفي هذا المقام لا يفوتني أن أذكر هنا أن ول ديورانت في موسوعته الشهيرة (قصة الحضارة) عرف الحضارة بأنها (رقة التعامل) (Civilization is the habit of civility) وبذلك فإن المرأة تكون أكثر تحضرا من الرجل الذي يقدس الخشونة في التعامل.
لم أستطع أن أفهم لماذا يغيب كل هذا (الذي أوردته على سبيل المثال لا الحصر) عن البعض ويصورها في شكل فتنة شيطانية عليها ليس فقط التحجب وإنما تغطية وجهها بحيث لا تعرف من الذي يقابلك في الشارع هل هو رجل أم إمرأة وسيكون الوضع أسواء فيما أتصور عندما يضطر المرء للتعامل مع هذا الشبح الأسود إذا كان طبيبة في المستشفى أو معلمة في المدرسة او حتى سكرتيرة في مؤسسة حكومية ، فمتى ندرك أن مجرد تغطية الوجه هو إعلان للعداوة مع الاخر المقابل سواء كان شخصا مسلما أم كافرا فالخمار يعني ببساطة الإبتعاد عن الاخر وإعتباره عدوا ، فلا يمكن لأي شخص سوي بناء علاقة مع شبح أسود عديم الوجه لأن أي علاقة تحتاج الى معرفة التعابير التي تظهر على الوجه وهي ليست جزء هام من توصيل الرسائل فقط بل هي قد تكون واجبة في بعض المواقف ويتم الاكتفاء بها تأدبا أو تعففا عن الرد كما أنه يؤدي الى سهولة بل الدعوة الى الإعتداء لأن من لا وجه له لا هوية انسانية له.
بالإضافة الى الرسالة السلبية عن الرجل والتي مؤداها أنه لاهم له الا الجنس الذي لا يقوى على مقاومته وهو ما يعبر في الحقيقة عن مرض مستعصي في ذهنية مجتمعاتنا العربية ككل وليس الرجل فقط لأن هناك الكثير من النساء من يؤيدن هذه النظرة الموغلة في السذاجة والتخلف ولن يستقيم حالنا مالم نخرج منها.
ولا يغيب عنا إستغلال المروجون للفكر المتطرف لهذا الهوس الجنسي لهذه الأمة وتصوير الجنة مليئة بالحور العين التي تتلهف على إستقبال من يفجر نفسه في الكفار.

- شيوع الزواج بالأقارب
فالأنسان الغربي يفعل أي شيء ويقيم علاقة بمن كان الا ابنة العم أو ابنة الخال لأنه يراها كأخته وهي في عرفهم تقريبا الشيء الوحيد المحرم لعدم وجود حرمة لأي شيء آخر تقريبا ، وفي تقديري أنها من أهم العوامل التي ساعدت في تدني مستوى الذكاء والصحة البدنية والنفسية بل وكثرة المرضى العقليين و يا ليتهم كانوا خارج المشهد بل أننا نرى كثيرا من هؤلاء يتقلدون مناصب حساسة في الدول العربية والإسلامية.

- عدم الاهتمام بالدقة في المواعيد
فنحن عندما نريد أن نحدد موعدا مع الغير سنقول : "غدا مساء" مثلا أما الغربي فيقول غدا الساعة الخامسة وخمسة وثلاثون دقيقة مساء ويتقيد به ولذلك شاعت عندنا منذ زمن بعيد عبارة "موعد إنجليز" والغريب أن الكثير من المسلمين في بريطانيا خاصة يرفضون هذه الصفة عندما كنت أريد التأكيد على الموعد معهم ويفضلون تغييرها الى عبارة: "موعد مسلمين" التي لم أفهم المغزى منها.

- الاستعجال أو الارتجال في اتخاذ القرارات
ومن الغريب والعجيب في تصرفاتنا هي تأجيل ما يجب عمله اليوم الى الغد أو الى الأبد وعلى العكس من ذلك اتخاذ قرارات مصيرية في عجلة من أمرنا ويحضرني هنا مثلين رائعين في اللغة الإنجليزية:
- Foolish rush in where angels fear to tread
- Don’t do today what you can do tomorrow
والأول يعني أن عديم الخبرة يكون متسرعا في حين أن ذو الخبرة يكون بطيئا وهو ينطبق على النخب كما ينطبق على الناس العاديين فنحن نشاهد على شاشات التلفزة مثلا من يدعون أنفسهم خبراء يفتون في كل شيء ولا يعطون أنفسهم فسحة من الوقت للإطلاع والتفكير قبل أن يدلو أحدهم برأيه وهي أيضا من مآسي وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وغيره الذي نعيشه الان ، أما في حياتنا اليومية المضنية فحدث ولا حرج مثل الطريقة الغريبة العجيبة في قيادة السيارات في بعض الدول العربية بل حتى في الآليات الكبيرة على الطرقات المزدحمة.
والثاني أكثر وضوحا من الأول وهو عكس للمثل الشائع قبله
Never put off till tomorrow what you can do today
ومقابله العربي "لا تؤجل عمل اليوم الى الغد" ولكن تم عكسه بالطريقة التهكمية الإنجليزية المعروفة.

- التدخين
وهو ظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا العربية وخاصة في مجتمعنا الليبي الذي لم تقم الدولة (أيام كانت لدينا دولة) بمحاربته بل أنها كانت تشجعه في نهاية القرن الماضي عن طريق بيعها للتبغ في الجمعيات المدعومة قبل أن تصدر قرارا بمنع التدخين في الدوائر العامة والذي لم يلتزم به الا القليل وتم نسيانه بعد 2011 ، في حين أنه يتم محاربته في جميع الدول المتقدمة بل تم منعه في الأماكن المغلقة من مطارات ومحطات وأسواق بل حتى في البارات.
... يتبع
محمد حسن البشاري
Mbeshari@hotmail.com
بنغازي 30/12/2018



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن