معدلات البطالة تواصل تمردها في قطاع غزة

مازن صلاح العجلة
ejlah@hotmail.com

2018 / 12 / 9

يبدو أن الركود الاقتصادي العميق في قطاع غزة الذي تطور عام 2018 ليصل إلى سالب 6%، أفقد سوق العمل قدرته المحدودة على لجم معدلات البطالة ضمن مستوياتها التي استقرت عليها طوال الفترة (2014-2017) والتي تراوحت بين 41 إلى 43.7%. ورغم الارتفاع الشديد لهذه المعدلات ، إلا أنها تجاوزتها بقفزات كبيرة خلال العام 2018، حيث ارتفع معدل البطالة العام إلى 49% في الربع الأول مقارنة بمعدل 42.7% في الربع الرابع لعام 2017، وبزيادة قدرها 6.3% خلال ثلاثة أشهر فقط. وبنهاية الربع الثالث وصلت إلى 55%، وهو أعلى معدل تصل إليه البطالة في قطاع غزة وغالباً في العالم. وبمقارنة هذا المعدل بنظيره في الربع الثالث لعام 2017، والذي بلغ 46.6%، فإن الزيادة السنوية بين الربعين تصل إلى 8.4%.
إن وصول معدل البطالة العام إلى 55% يعني أن عدد العاطلين عن العمل، ولأول مرة، أصبح أكثر من عدد العاملين. فقد وصل عدد العاطلين إلى 295.7 ألف شخص مرتفعا من 255 ألف عاطل في الربع الأول. ولأول مرة أيضاً تزيد معدلات البطالة بمقدار 6% خلال ثلاثة أرباع السنة. يرتبط هذا الانخفاض الكبير والخطير في فرص العمل بانخفاض أكبر وأخطر في حجم الاستثمار الذي انخفض بنسبة 21% بين الربعين الثاني والثالث فقط.
كما انخفض نصيب الفرد من الناتج بنسبة 3.5%، الأمر الذي أدى الى تراجع جديد في القدرة الشرائية للأسر، ومن ثم تخفيض إنتاج رجال الأعمال الذي يتبعه تخفيض ساعات العمل ثم تسريح عدد من العمال وزيادة معدلات البطالة. لا بد من التنويه أن هناك فرقاً بين كون البطالة جزءاً من الدورة الاقتصادية ( تزيد في حالات الركود والعكس) أو أن تكون عَرَضَاً لمشاكل هيكلية مثل تشوه العلاقة بين سوق العمل والأسواق الأخرى نتيجة تراجع مستمر للإنفاق الاستثماري، وزيادة معدل النمو السكاني بنسبة أكبر من معدل النمو الاقتصادي. أضف إلى ذلك تشوهات تتعلق بأنماط الاستثمار الذي يُوجَّه جُلَّه إلى البناء، والباقي نحو مشاريع خدمية بالغة الصغر وتتسم بضعف القدرة على توفير فرص عمل وذات إنتاجية متدنية وقدرة ضعيفة على التوسع. أضف الى ذلك أن استمرار اجراءات وآثار الانقسام والحصار يحول دون توظيف استثمارات جديدة وتعويضية.
هناك اسواق عمل، وفقاً للتوزيع الجغرافي والفئوي، يُصيبها الضرر أكثر من غيرها، وهو ما يعكس عدم التكافؤ في توزيع أعباء البطالة. فهي تصل الى 58.3%، 63% في كل من مخيمات اللاجئين والريف على الترتيب. على الصعيد الفئوي فإن هذه الظروف السلبية لسوق العمل تؤثر على الشباب والنساء بصورة مفرطة، حيث يصل معدل البطالة للشباب (15-29 عاماً) الى 71.1%، وترتفع بين الاناث من هذه الفئة الى 90.6%. وأخيراً يتراوح معدلها بين الذين أنهوا 13 سنة دراسية فأكثر حول 56%.
إن ابرز تداعيات ارتفاع معدلات البطالة يتمثل في انخفاض مستوى الاجور في سوق العمل نتيجة ارتفاع عرض العمل حيث وصل معدل الاجر اليومي في القطاع الخاص للمستخدمين بأجر 33.8 شيكل (الدولار 3.72 شيكل). ويعمل حوالي 38% من المستخدمين بأجر بأقل من الحد الادنى للأجور ( 1450 شيكل)، وبأجر شهري لا يتجاوز 680 شيكل.
لقد تدهورت أحوال العاطلين عن العمل نتيجة طول فترة التعطل ودخول أعداد جديدة ضمن هذه الفئة، الأمر الذي يترتب عليه زيادة معدلات الفقر التي تبلغ وفقاً لمعيار الدخل 67.6% بينما تصل لأكثر من 85% بين أسر العاطلين عن العمل. ناهيك عن تأثر هذه الفئات بارتفاع الاسعار بسبب سياسات وزيادة جبايات سلطة الأمر الواقع. ويعمل كذلك تقليص الانفاق العام، خاصة المُوجَّه للخدمات الاجتماعية الضرورية كالصحة والتعليم، على زيادة تدهور أوضاع العاطلين عن العمل.
لا تملك سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة رؤية للحل، وتتعامل مع جموع العاطلين وخاصة الخريجين منهم بروح اللامبالاة وكأنها تحملهم مسئولية عدم حصولهم على فرص عمل، الأمر الذي يعني أن يتحملوا عبء المشكلة ويبحثوا لها عن حل.
تقدم الدول المانحة بين الفينة والأخرى برامج للتشغيل المؤقت ومساعدات عينية ونقدية للعاطلين الذين هم وأسرهم بالضرورة فقراء، ولا تشكل هذه البرامج حلاً مستداماً للبطالة وما يترتب عليها من فقر. ويتمثل الخلاص واستعادة كرامة الناس في خلق الإطار السياسي الملائم لاصطلاح وإعادة انعاش الاقتصاد في قطاع غزة وسبيل ذلك فقط في الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وعودة السلطة الوطنية الفلسطينية لإدارة مؤسساتها وتنفيذ برامجها التنموية لوقف هذا التردي ومن ثم بدء دورة اقتصادية جديدة نحو الانتعاش الاقتصادي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن