الثقافة والحرف اليدوية

حسام الحداد
elhadadh@gmail.com

2018 / 10 / 28

مصطلح الثقافة كما يعرف الجميع مصطلح ملتبس، له كثير من المعاني التي يحكمها الإطار المعرفي للباحث أو الكاتب، كغيره من المفاهيم والمصطلحات، التي لم يتم تحديدها في فكرنا العربي المعاصر، وما أوجعني اليوم ودعاني للكتابة عن الثقافة وعلاقتها بالحرف اليدوية بشكل عام هو تصريح لأحد الأصدقاء على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" حيث ينكر فيه دخول بعض أصحاب الحرف اليدوية للحقل الثقافي أو العمل كمحررين بالأقسام الثقافية في بعض الصحف أو المواقع الإلكترونية، وقد آلمتني تلك النظرة الدونية التي ينظر بها صاحبنا لتلك الحرف، فقد كنت أعتقد فيه غير ذلك، خصوصا وأنه واحد من هؤلاء الذين يرفضون العنصرية والإقصاء ويطالبون بالتنوير والتقدم في كتاباتهم، فقد كنت أظن أنه خارج إطار تلك الازدواجية التي يقع فيها العديد من مثقفينا، والتي تجعلهم يتعاملون بتعالي ما تجاه أصحاب الحرف اليدوية، هؤلاء الذين اجتهدوا وقدموا الكثير من أنواع الابداع المختلفة كالشعر والرواية والقصة وأيضا الفن التشكيلي.
معظمنا ونحن في سنوات الدراسة ولأننا من أسر فقيرة عملنا في مجالات مختلفة لمساعدة أهالينا على تحمل نفقات المعيشة، أو لنرفع عن كاهلهم مصروفات تعليمنا ونتحملها نحن، وكنا وما زلنا نعتقد أن هذا شرف لنا، فكيف يصبح هذا عيبا لدى البعض؟ أم أن منظومة القيم التي تربى عليها جيلنا قد اختلفت الأن؟
ما لا يعرفه صديقي أن أهم مدارس علم النفس تنصح بأن يقوم أصحاب المهن الذهنية والكتاب والمفكرين، بتعلم حرفة يدوية في حياتهم وممارستها من وقت لأخر حتى تستقر حالتهم النفسية، ورغم أن هذا ليس موضوعنا إلا أنه مرتبط لحد كبير بالصورة الذهنية التي عند صاحبنا عن المثقف أو الذي يمتهن وظيفة لها علاقة بالثقافة، تلك الصورة التي تجاوزها الزمن، أن المثقف بعيد عن المجتمع وفي برجه العاجي ويقوم بالتنظير ليس إلا، ومن هنا أطالب صديقنا بمراجعة تلك الصورة وإعادة قراءة أعمال واحد مثل انطونيو جرامشي خصوصا المرتبطة بالحديث عن المثقف وكذلك كتابات جورج لوكاتش عن النظرية والتطبيق، ليعلم أن الكاتب أو الشاعر الذي كان يمتهن حرفة يدوية قبل أن يصير كاتبا أو قبل أن يمتهن مهنة ذهنية كمحرر في جريدة أو غيرها، ليس عيبا على الإطلاق وليس مدعاة للخجل بل هو شرف كبير ويؤهله لإبداع حقيقي يلمس القلوب والعقول.
لقد كشف صديقنا عيوبا في تفكير الكثير ممن نعدهم مبدعين أو مثقفين يتعاملون بنفس هذا المنهج المختل في نظرتهم للناس، دون نظرهم لما حققه هؤلاء من انجازات سواء على مستوى أعمالهم الأنية أو على مستوى إبداعهم الشخصي، أعرف العديد من الكتاب والمثقفين الحقيقيين الذين يعدون قامات كبيرة في نظر صديقي المتثاقف كانوا يعملون في حرف البناء والنجارة وغيرها، ولم ينقص هذا أو يأخذ من إبداعهم، وأخيرا هل الحكم على الناس صار بمهنته أم بما يقدمه للمجتمع؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن