بين اصلاح سحّاب سترتي وإصلاح الأنظمة الاجتماعية!؟

سليم نصر الرقعي
elragihe2007@yahoo.co.uk

2018 / 10 / 7

من تجاربي وتأملاتي الشخصية
********************
إن تصحيح الخطأ واصلاح الخلل والعطب في الأشياء سواء كانت هذه الأشياء أجسامًا حية تعاني من مشكلات وأمراض بنيوية أو وظيفية أو كانت هذه الأشياء أدوات وآلات وأجهزة أو حتى نظمًا اقتصادية وسياسية وإدارية تعاني من إشكاليات تعكر صفو طبيعتها وتعطلها بشكل كلي أو جزئي عن أداء مهمتها أو تعيق أداء وظيفتها أو تقلل من جودتها وبالتالي من انتاجيتها ومنفعتها.. أمر اصلاح كل هذه الأشياء يحتاج منّا لمعرفة (الوضع الطبيعي السليم) أي الوضع الصحيح لهذا الشيء أو الجسم أو النظام أو الجهاز قبل أن نبدأ في عملية التصحيح والاصلاح ، فالعلم قبل العمل ثم مع العلم ينمو العلم وتنمو معارفنا ومهارتنا وخبراتنا!.. كما لو أن هذا الأمر سنة من سنن الله الكونية في خلقه أو- إن شئت - هو أمر معلوم ومفهوم بل ومحتوم من قوانين وسنن وطبائع نظام الأشياء!....(*)
كيف خطرت هذه الخاطرة ببالي !؟
الجواب : نتيجة تجربة شخصية بسيطة جرت معي هذا المساء وهي كالتالي:
كانت لدي سِترة رياضية ذات سّحّاب معدني (جاكيت رياضي بسوسته) اكتشفت أن سحّابها لم يعد يعمل بشكل صحيح ولا ينغلق إلا بعد محاولات كثيرة ثم بالنهاية تعطل بشكل دائم!... كدت أن أرمي هذه السترة الرياضية بالرغم من أنها لا زالت بحالة جيدة وشبه جديدة خصوصًا لا فكرة ولا خبرة لدي بطريقة عمل السحابات!، ولكنني فكرت في نفسي : (لماذا لا أحاول اصلاح الخلل والعطب في سحاب هذه البزة الرياضية)!؟؟.. وتذكرتُ أن عندي سترة قديمة من نفس النوع تختلف عنها في اللون فقط، فهي من نفس الماركة!... وأحضرت الكنزتين الرياضتين (القديمة والجديدة) ووضعتهما قدامي في نفس الوضع، فهنا لدي سترة قديمة بسحاب سليم يعمل بشكل طبيعي وسلس، وهنا سترة أخرى جديدة ولكنها بسحّاب معطوب لا يعمل!.. فما هو سبب الخلل فيه الذي تسبب بهذا العطب والعطل التقني الذي عطلها عن أداء وظيفتها وفائدتها التي خُلقت وصُنعت لأجلها!؟؟ أي ما السبب المانع الذي منع سحَّاب هذه السترة أو الكنزة عن أن ينغلق بشكل طبيعي وسليم كما كان في بداية اقتنائي لهذه الكنزة الرياضية؟؟... أخضعت المشكلة للتفكير العقلي وأخذت أدقق النظر في هذا السحّاب وذاك (السحاب السليم أولًا والمعطوب ثانيًا) وأقارن بينهما عن طريق الملاحظة الواعية لأحدد وجه التشابه ووجه الاختلاف بينهما كما لو أنني أصبحت أمارس تلك اللعبة الذهنية والبصرية التي تتحدى أذهاننا وتتحدى عملية سرعة ودقة الملاحظة فينا، أعني مسابقة ولعبة (اكتشف الفروق السبعة) والتي يتم من خلالها عرض نسختين من صورة واحدة واللتين بالرغم من كل التشابه الظاهر والعام والكبير بينهما إلا أن بينهما سبعة فروق صغيرة وخفية ودقيقة تحتاج منّا كي نكتشفها إلى إمعان وانعام وتدقيق النظر واجراء مقارنة ذهنية بين أجزاء هذه الصورة وتلك الصورة لاكتشاف الفروق المقارنة!.. وهذا ما فعلته بين السحّابيْن في السترتين (السليم والمعطوب) فدققتُ النظر أولاً في (سكة السحاب) ذات الشقين في السترة السليمة ثم للسترة غير السليمة فاكتشفت عدم وجود فروق، فالسكة التي تمشي عليها عربة السحاب، في السترة المعطوبة، سليمة ولا يوجد خلل أو كسور أو تآكل في أسنانها يمنع عملية الانغلاق، إذن المشكلة ليست في شريطي السحاب لهذا انتقلت إلى (عربة السحّاب) في السترة السليمة أي تلك الآلة الصغيرة التي اذا سحبتها للأعلى قامت بشكل سلس بشبك وضم شريطي سكة السَحّاب مما يؤدي إلى اغلاق السترة الرياضية، وقارنتها بعربة السحاب للكنزة المعطوب سحابها، فلاحظت وجود فارق!، حيث وجدت أن الجزء المخصص لدخول رأس السحاب يعاني من اتساع غير طبيعي بالمقارنة لحالة السحاب السليم مما يتسبب في افشال إتمام عملية شبك وضم ودمج شريطي السحاب منذ البداية أي من أسفل شريطي السحاب حيث تبدأ عملية السحب اليدوي للسحاب لإغلاق وإحكام جناحي السترة!.. هذا الاتساع في فتحة عربة السحاب الذي ربما حدث بسبب الشد أو نتيجة ضعف خامة وجودة مادة السحاب نفسه!، وهكذا تمام تحديد سبب الخلل على وجه الظن لا اليقين إذ لابد لمثلي ممن لا يعرف بشكل دقيق مواصفات السحابات السليمة إلا أن يلجأ إلى تجريب الحلول بشكل عملي تطبقي لعل التجربة تؤكد صحة الفرضية أو لا!؟، لهذا قمتُ عن طريق أداة الزرَّدية (البينسه) بتضييق هذا الاتساع في فتحة عربة السحاب المعطوب ليكون في حجم الفتحة الموجودة في عربة السحاب السليم، واستعملت هنا أيضًا (منهج المقارنة) بحيث يكون تضييقي لتلك الفتحة المعدة لدخول رأس السحاب المعطوب بنفس حجم الفتحة في السحاب السليم، ثم وضعت رأس شريط السحاب في تلك الفتحة المخصصة له ومددت يدي سحبت السحاب إلى الأعلى فانسحب بسهولة ونجح في اغلاق جناحي السترة وكانت النتيجة العملية لا النظرية هي انصلاح حال السحاب المعطوب بفضل الله وتوفيقه ثم هذا المنهج العقلي في الإصلاح!... وهكذا بدلًا من أن أرمي هذه البزة أو السترة الرياضية الشتائية وأخسرها ماليًا باعتبار أن مقتنياتنا وممتلكاتنا الخاصة تدخل في مفهوم المال بالمصطلح العام الذي يشمل كل الممتلكات فإنني بإصلاحها أبقيتها في (الخدمة) ضمن ممتلكاتي لأستفيد منها لزمن إضافي وبالتالي لا حاجة لشراء واحدة أخرى!.
عمومًا تم اصلاح السحّاب بهذه الطريقة وتم حل هذه المشكلة الميكانيكية البسيطة بهذه الكيفية باتباع المنهج العقلي والعلمي وفق مبدأ مقارنة الوضع المعطوب (المريض) بالوضع العامل (السليم) .. ولكنني بعد هذه العملية الإصلاحية لهذا الغرض الشخصي، وجدتني كعادتي اخضع كل ما جرى خلال هذه (التجربة) للعقل والتفكر والتدبر، من خلال قياس مشكلة خاصة صغيرة وبسيطة على مشكلات أخرى عامة وكبيرة وشديدة التعقيد!، انطلاقًا من أن (مبادئ العقل والعلم) في الأصل هي مبادئ واحدة وثابتة و.. بسيطة!، وهي الأساس التي يقوم عليها التفكير العقلي والتدبير العلمي في شتى العلوم الطبيعية والاجتماعية والتطبيقية والتقنية.. وفكرتُ كيف اكتشفت المشكلة؟ وكيف قمت بحلها!؟.. فوصلت للنتيجة السابق ذكرها في بداية المقالة والتي مفادها أننا كي نصلح الأمور ونصحح الأخطاء علينا أن نكون أولًا على معرفة ودراية مسبقة بـ(لوضع الصالح والصحيح والسليم!) للشيء المعطوب المراد إصلاحه، ومعرفة (الوضع الافتراضي أو الطبيعي) الذي ينبغي أن يكون عليه الشيء أو النظام، فلكي نعالج الجسم المريض الذي يعاني من عطب بنيوي عضوي أو خلل وعطل وظيفي (مرض) مثلًا علينًا أولًا أن نعرف بنية وهيكلية الجسم الطبيعي السليم والوجه الصحيح للوظائف والمهام التي تؤديها أجهزة وأعضاء هذا الجسم بشكل فطري طبيعي، فمن خلال عقد مقارنة واعية بين (الحالة غير السوية) و(غير السليمة) للجسم المصاب المُعتل أو حتى العقل المُختل بالحالة السوية والطبيعية للجسم الصحيح والعقل الطبيعي السوي السليم نكتشف مكمن العِلل ومحل الخلل في الشيء وبالتالي نعمل على إصلاحه وتصحيحه.... وما ينطبق على الأجسام الحية في المقارنة بين الحالة غير السوية بالحالة السوية لمعالجة الجسم المريض ينطبق أيضًا على الأجهزة الكهربائية والميكانيكية وعلى المعدات والأدوات المنزلية، وأيضًا ينطبق على الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسياسية مع اعترافنا بوجود بعض الفروق في بنية وتكوين المجتمعات البشرية مما قد يجعل النظم الاقتصادية والسياسية في حاجة للتكيّف والانحناء مع هذه الخصوصيات والثوابت الجوهرية لكل مجتمع، فلا شك أن النظام الاقتصادي السليم هو بشكل عام ومجمل له مواصفات ومؤسسات وآليات عامة وثابتة يمكن أن نصفها بأنها (الأسس والمقومات والأدوات الأساسية) للنظام الاقتصادي الطبيعي والسليم والرشيد التي ينبغي أن تكون ثابتة في كل مجتمع ليمكن أن نصف النظام الاقتصادي لهذا المجتمع بأنه نظام طبيعي وسليم ورشيد ويعمل بكفاءة وفاعلية وبشكل متوازن ومتناغم مع بقية أنظمة المجتمع الأخرى ولكن بعد ذلك ستفرض الخصوصيات الطبيعية والجغرافية والديموغرافية والثقافية نفسها على هذا النظام الاقتصادي الطبيعي ليتكيف مع هذا المجتمع وما يحيط به من عوامل ومتغيرات!.. (المُدخلات) بين مجتمع وآخر قد تكون متشابهة بسبب وحدة الطبيعة البشرية ووحدة الحس الأخلاقي الإنساني العام ولكنها قطعًا ليست متطابقة بشكل تام وهذا يعني بالضرورة ستكون هناك فروقات في (المُخرجات) العملية!.. وهذا هو مفهوم الخصوصيات الاجتماعية!!.. وكذلك الحال في النظام السياسي الطبيعي والسليم والرشيد فستظل هناك فروقات كما نشاهد حتى بين نظام مجتمع غربي ليبرالي وديموقراطي ومجتمع غربي آخر! فبالرغم من الموافقات والمتشابهات في مدخلات هذه المجتمعات الليبرالية بنظمها الديموقراطية والرأسمالية إلا أن المخرجات ليست متطابقة بشكل تام حيث تظل هناك فروقات بينها تتعلق بالخصوصيات المحلية!!.. ومع ذلك حتى في ظل وجود نظام اقتصادي أو سياسي أو اداري أو قضائي طبيعي وسليم ورشيد فقد تحدث بعض الاختلالات والاعتلالات في أداء هذا النظام الطبيعي السليم نفسه، ليست نتيجة عطب وخلل بنيوي وعضوي وهيكلي في بنيان وهيكل النظام نفسه بالضرورة بل نتيجة خلل وظيفي واضطراب سلوكي في أحد الأعضاء في أحد الأجهزة أو في أحد الأجهزة في النظام ككل!!.. خصوصًا إذا كنا حيال الأنظمة التي يصطنعها ويخترعها البشر ليعيشوا في ظلها أي النظم الاجتماعية الوضعية كالنظام الاقتصادي والنظام السياسي أو الإداري أو القضائي أو البوليسي والعسكري للدولة، فليس الأمر في هذه الأنظمة الاجتماعية البشرية بصرامة ودقة الأنظمة الطبيعية الفطرية للمادة والحياة والكون!، فقد يكون نظامًا سليمًا من الناحية البنيوية الهيكلية والشكلية ولكنه مع صحته البنيوية والهيكلية والتنظيمية قد يعاني من إشكالية في الناحية الوظيفية والسلوكية لبعض الأعضاء وبعض أجهزة وأجزاء النظام مما يعود باضطراب قد يطال النظام ككل!، فالأنظمة الاجتماعية البشرية يرتبط بعضها ببعض ويخدم بعضها بعضًا كحال أجهزة جسم الانسان المرتبطة ببعضها ويخدم بعضها بعض بحيث إذ اشتكى منها عضو أو جهاز وأصابه ضرر أو خلل فقد يتداعى له بقية أعضاء وأجهزة الجسم بالسهر والحمى!.. ولا شك لدي بأن أهمية النظام الاقتصادي – نظام انتاج وسائل المعاش وتوزيعها – وما يرتبط به من نظام مالي - تبقى في (الجسم العمراني) للمجتمعات والدول بخطورة وأهمية ومقام (الجهاز الهضمي) في الانسان وما يرتبط به من (الجهاز الدوري) للدم في نظام الأجساد حيث يشبه (نظام الدورة الدموية) دور النظام المالي في الاقتصاد !، فكما قيل بحق وعن تجربة بأن (المعدة بيت الداء) في نظام الأجساد، فكثيرًا ما يكون (الاقتصاد) في مجتمعاتنا ونظام الحياة الاجتماعية هو بيت الداء أيضًا !!.
سليم الرقعي
2018
(*) سأحاول في مقالات أخرى ضرب أمثلة على هذه (الفرضية) لنتأكد هل تعمل بشكل سليم ودائم أم لا!؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن